مشروع "بلدنا" لإنتاج الحليب المجفف: المرحلة الأولى للإنتاج ستبدأ خلال 2026    هزة أرضية بقوة 3.3 بولاية تيزي وزو    ش.بلوزداد يتجاوز إ.الجزائر بركلات الترجيح ويرافق م.الجزائر إلى النهائي    مهرجان عنابة للفيلم المتوسطي "علامة مرموقة في المشهد الثقافي"    جهود مميزة للجزائر لوضع القضية الفلسطينية في مكانها الصحيح    المياه الجوفية لإنطلاق التكامل الثلاثي المغاربي    مسرحية "المتّهم"..أحسن عرض متكامل    في عمليات عبر النواحي العسكرية من 18 إلى 23 أبريل الجاري: إحباط محاولات إدخال 78 كيلوغراما كيف قادمة من المغرب    سفير مملكة ليسوتو يثمن مساعدة الجزائر لدعم جهود التنمية في بلاده    أبو عيطة وعقب استقباله من قبل رئيس الجمهورية،عبد المجيد تبون: فلسطين ستنال عضويتها الكاملة في الأمم المتحدة بفضل إصرار الجزائر    إنجاز ملجأ لخياطة وتركيب شباك الصيادين    ارتفاع رأسمال بورصة الجزائر إلى حدود 4 مليار دولار    قسنطينة: تدشين مصنع لقطع غيار السيارات ووحدة لإنتاج البطاريات    بروتوكول تفاهم مع الشركة العمانية للطاقة    دراسة مشاريع نصوص قانونية والاستماع الى عروض عدة قطاعات    جلسة للأسئلة الشفوية بمجلس الأمة    الجزائر تشارك في اجتماع إفريقي حول مكافحة الإرهاب    الاتحاد الأوروبي يدعو المانحين الدوليين إلى تمويل "الأونروا"    العدالة الإسبانية تعيد فتح تحقيقاتها بعد الحصول على وثائق من فرنسا    الجزائر-تونس-ليبيا : التوقيع على اتفاقية إنشاء آلية تشاور لإدارة المياه الجوفية المشتركة    معركة البقاء تحتدم ومواجهة صعبة للرائد    اتحادية ألعاب القوى تضبط سفريات المتأهلين نحو الخارج    شبيبة سكيكدة تستعد لكتابة التاريخ أمام الزمالك المصري    إجراءات استباقية لإنجاح موسم اصطياف 2024    عائلة زروال بسدراتة تطالب بالتحقيق ومحاسبة المتسبب    مصادرة 441 كلغ من أحشاء البقر الفاسدة    29 جريا خلال 24 ساعة الأخيرة نتيجة للسرعة والتهور    عنابة: مفتشون من وزارة الري يتابعون وضع بالقطاع    جعل المسرح الجامعي أداة لصناعة الثقافة    الفريق أول السعيد شنقريحة يشرف على تنفيذ تمرين تكتيكي بالناحية العسكرية الثالثة    "عودة مهرجان عنابة للفيلم المتوسطي تعكس الإرادة الجزائرية لبعث وتطوير السينما"    فتح صناديق كتب العلامة بن باديس بجامع الجزائر    "المتهم" أحسن عرض متكامل    دعوة لدعم الجهود الرسمية في إقراء "الصحيح"    الصّهاينة يواصلون جرائمهم بالقطاع وعمليات إخلاء بالشمال    "العفو الدولية": إسرائيل ترتكب "جرائم حرب" في غزة بذخائر أمريكية    الجزائر/تونس: الاتفاق على تنظيم يوم إعلامي حول الصيد البحري لفائدة المستثمرين من البلدين    فتح صناديق كتب الشيخ العلامة عبد الحميد بن باديس الموقوفة على جامع الجزائر    وزير التربية انتقل إلى عين المكان والعدالة فتحت تحقيقا: إصابة 6 تلاميذ في انهيار سقف بمدرسة في وهران    إهمال الأولياء يفشل 90 بالمائة من الأبناء    نصف نهائي كأس الجمهورية: اتحاد الجزائر – شباب بلوزداد ( اليوم سا 21.00 )    مدرب اتحاد الشاوية السعيد بلعريبي للنصر    وزير البريد في القمة الرقمية الإفريقية    وزير الداخلية يكشف: تخصيص أزيد من 130 مليار دينار لتهيئة المناطق الصناعية    وزير الخارجية أحمد عطاف يصرح: الوضع المأساوي في غزة سيبقى على رأس أولويات الجزائر    فيما شدّد وزير الشؤون الدينية على ضرورة إنجاح الموسم    الجزائر تشارك في معرض تونس الدولي للكتاب    مولودية الجزائر تقلب الطاولة على شباب قسنطينة وتبلغ نهائي كأس الجزائر للمرة العاشرة    مباراة اتحاد الجزائر- نهضة بركان : قرار الكاف منتظر غدا الاربعاء كأقصى تقدير    الرقمنة طريق للعدالة في الخدمات الصحية    سايحي يشرف على افتتاح اليوم التحسيسي والتوعوي    حج 2024 : استئناف اليوم الثلاثاء عملية حجز التذاكر للحجاج المسافرين مع الديوان الوطني للحج والعمرة    منصّة رقمية لتسيير الصيدليات الخاصة    حكم التسميع والتحميد    الدعاء سلاح المؤمن الواثق بربه    أعمال تجلب لك محبة الله تعالى    دروس من قصة نبي الله أيوب    صيام" الصابرين".. حرص على الأجر واستحضار أجواء رمضان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تيمة الموت في "الموت بالتقسيط" للقاص والروائي الحبيب السائح.. قراءة في "محيط النص"
نشر في الجزائر نيوز يوم 02 - 06 - 2014

إن القارىء المتمرس بأشكال القول السردي المتعددة تعدد زوايا النظر إلى مختلف حساسيات الكتابة السردية في السياق العربي إذما قدر له أن يطلع على بعض الأعمال القصصية والروائية للروائي الحبيب السائح، خاصة منها الأخيرة، أي تلك التي تنتمي سياقيا إلى مرحلة ما بعد صدمة "زمن النمرود" باكورة أعماله الروائية التي صودرت من المكتبات وجلبت له متاعب جمة، سيقف بلاشك على ثراء هذه التجربة واختراقها الشكلي والبنائي لآليات التشاكل المعماري المكرور المتشابه الذي درجت عليه أكثر من تجربة وهي تعيد إنتاج قراءة الواقع والراهن والذاتي والموضوعي والهامشي والعرضي بأدوات فنية ولغوية سيطرت عليها المحاكاة الساذجة للواقع المعلب في صور وكليشيهيات جاهزة ولم تترك مسافة فاصلة بين المتخيل والواقعي، بين الممكن واللاممكن، بين ما حدث بحرفيته وما يمكن حدوثه لتتولى المخيلة الإبداعية تشذيبه وصهره في بوتقة الفن الإبداعي، حدث ذلك مثلا في بعض النماذج من الأدب السبعيني الذي كان السائح أحد ممثليه عندما التبس الإيديولوجي بالإبداعي والجمالي البحت لدى فئة من الكتاب والساردين حاولوا التناغم مع خطاب إيديولوجي ساد فترة السبعينيات، هو الخطاب الإبداعي المعبأ بالأثر الإيديولوجي الماركسي مما مهد لولادة نصوص سردية، نصوص يمكن تسمية بعضها بسبب تضحيتها بالجمالي الإبداعي لحساب الدعاية الإيديولوجية "نصوص المديح الحزبية"، مثلما حدث أيضا لا حقا مع أدب الأزمة الأمنية التي عرفتها جزائر التسعينيات من القرن المنصرم أو "أدب المحنة" مثلما يسميه الحبيب السائح، مما اضطره لمراجعة كل خيارته في الكتابة السردية والعودة إلى أحضان اللغة لعلها ترمم بعض ما كسرته الإيديولوجيا والامتلاء بالآخرين أو لغة اللغة كما يقر بذلك كل من تناول منجره السردي القصصي منه والروائي في تحولاته الجديدة واحتفائه بالعنصر اللغوي كرافد أساسي من الدارسين والنقاد على غرار السعيد بوطاجين وأمنة بالعلى ومحمد تحريشي ومخلوف عامر والزيواني أحمد الصديق ومرابطي صليحة وبوشوشة بوجمعة وعبد الحفيظ بن جلولي ومحمد الأمين السعيدي "بوصفها كما تستنتج ذلك الباحثة مرابطي صليحة وهي تتصدى لمسألة حوارية اللغة في رواية "تاماسخت دم النسيان" صورة عدولية غير مألوفة فبدت هي الموضوع وهي الهدف الأساسي للسارد"(01) لاسيما بعد صدور روايته "ذاك الحنين"، التي تمثل في رأينا لحظة القطيعة مع الكتابة الروائية والسردية الواقعية المنخرطة في الهم الإيديولوجي الإشتراكي التي كان السائح أحد ممثليها كما ذكرنا لدرجة أن تجربته جديدة في كثافتها اللغوية وانفجارها الدلالي والمجازي وانفتاحها على مكونات الموت والشوق والعوالم الصوفية والروحية والغرائبية في بعدها الأنتروبولوجي البحت وهو ما تؤكد عليه الدكتورة آمنة بالعلى حين تعلن بوضوح "أن السائح كان واعيا كل الوعي بمزالق المحنة وأثرها في الكتابة فأجهد نفسه في بداية التسعينيات في "ذاك الحنين" لكي يؤول أحداث الواقع إلى وقائع تخييلية فكتب رواية "تامسخت دم النسيان" ليجيب عن سؤال تم طرحه بخصوص علاقة الأدب بالمجتمع، وهو كيف يشتغل الخطاب الروائي على الخطاب الاجتماعي من خلال إستراتيجية التشكيل" (02) إلى الدرجة التي جعلت هذه التجربة تحدث فجوة عميقة في التلقي لدى القراء وباعدت بينهم وبين التواصل مع السارد، أعني هنا الحبيب السائح على صعيد القراءة كلحظة اكتشاف ورصد ومعاينة للمحمول الإبداعي المنتج لقيم جمالية يتوجه بها إلى قارئ بسيط لاحول له ولا قوة ولم يمتلئ بعد بغبار المعنى ولا بنداء الأقاصي وفيض اللغة أو "العدول الأسلوبي" بتعبير السعيد بوطاجين، وآثار الرموز الفكرية والتاريخية والقيم المرجعية في الفلسفة والفقه واللغة والتصوف، أجبرت هؤلاء النقاد والباحثين على البحث عن آليات جديدة غير سياقية للقبض على المفاصل الأساسية لهذه التجربة نسبيا لإضاءتها وإعادة إنتاج معرفة نقدية بها وقراءتنا هنا طبعا ليس من أولوياتها أبدا الإلمام بمكونات هذه التجربة لأننا نعتقد أن عملا كهذا موكول لفريق من الباحثين ولا يمكن لأي كان مهما بلغ من عمق الثقافة والخبرة بالكتابة النقدية أن يقوم به لوحده، مثلما أنها تتطلب أيضا صبرا طويلا وتأملا عميق الغوروالمدى.. بل إننا سنكتفي فقط في هذه المحاورة النقدية برصد ومعاينة تشكل تيمة الموت كما تحضر في مجموعته القصصية "الموت بالتقسيط"، ويبدو أن هذه التيمة ظلت ولا زالت تلازم السائح في أغلب نصوصه القصصية والروائية بدليل أنه أصدر رواية جديدة عن دار العين بالقاهرة بعنوان "الموت في وهران". إن تيمة الموت في هذه المجموعة القصصية لا تطفو على سطح النص بشكل عائم كما قد يتصور البعض، بل إنها تشكل جزءا من البنية الموضوعاتية للنص، فهي"رحم الموضوع ونواته السيكولوجية التي يرتد إليها، والتيمة إذن موغلة في الامتداد في باطن المؤلف"(03). بالنظر إلى سيطرة عامل المحنة على المخيال الثقافي والإبداعي لهذا المبدع وتفاعلات نصوصه القصصية والسردية عموما مع الرموز والمرجعيات التي يتعامل معها بمرونة وخصوصية تأخذ أبعادا متعددة بين ثنايا نصوص مجموعته القصصية "الموت بالتقسيط" موضوع هذه المحاورة النقدية "كعنصر مهيمن" من حيث أن التيمة أية تيمة بصرف النظر عن إحالتها بتعبير باختين "يمكن أن تتواجد حتى في أبسط شكل لغوي في النص وهو الكلمة لأن الكلمة في حد ذاتها ذات طبيعة حوارية وجدالية تثير بتواجدها مجموعة من التساؤلات" (04) باعتبارها "عنصرا مهيمنا" و«العنصر المهيمن يعرفه رومان ياكبسون بوصفه" العنصر المحوري في العمل الفني الذي ينظم ويحدد العناصر الأخرى ويدخل عليها التحولات الدلالية فهو الذي يضمن تماسك البنية الفنية للنص وتلاحمها" (05)، ولأجل هذا نعتقد أن بعض تحولات المجتمع الفارقة تتطلب تحولا آخر على مستوى اللغة في التعامل مع التيمات والموضوعات الأشد ارتباطا بالذات الإنسانية، وهو ما كان السائح على إحاطة به من أجل صياغة والتعبير عن الإحساس بالمحنة التي هيمنت على الجزء الأكبر من نصوصنا السردية القصصية منها والروائية واتسمت لدى البعض بالتسجيلية المفرطة، بينما تعامل معها البعض الآخر كمعطى إبداعي ولعلنا نجدها هنا في هذه المجموعة معالجة بنوع من الخصوصية والفرادة المتمثلة أساسا في ترك مسافة فاصلة بين المتخيل والواقعي، بين الممكن واللاممكن، بين المادة القصصية و«أدوات عرض المادة المضمونية" بتعبير السعيد بن كراد، وهي كما ترى الدكتورة آمنة بالعلى "إسترتيجية بدأها السائح في ذاك الحنين وتامسخت حتى غدت موضوعا، فاللغة وإن كانت نثرية فهي ليست لغة واصفة للحدث بل تقول نفسها، فهي الممثل والموضوع والمؤول" (06)، وهو الأمر الذي نبه إليه الدكتور السعيد بوطاجين في كتابه "السرد ووهم المرجع"، حين تحدث عما سماه في تجربة السائح السردية "بالعدول الأسلوبي" اشتقاقا لمصطلح "العدول" الوارد في نظرية النظم عند عبد القاهر الجرجاني كمعادل موضوعي لما تسميه كريستيفا "بالإنزياح" انزياح لغة السائح السردية عن عنف الواقع وهيمنة الحدث، وعليه نعتقد أن هذا بالضبط ما يميز السائح ويجعله متفردا في التعامل مع تيماته وموضوعاته، فتحضر تيمة الموت في هذه المجموعة القصصية كجزء من البنية الفنية والدلالية للنص وليس كموضوع خارجي عائم يطفو فوق سطح النص، بل على العكس من ذلك إن تيمة الموت تعمق الرؤيا الإبداعية والفكرية التي يبلورها النص القصصي عند السائح في سياق هدمه لآليات النقل الفوتوغرافي للواقع وتحولها بفعل "عقيدة الخرق والتجريب" والحفر في باطن اللغة إلى آلية مفارقة من آليات الكتابة القصصية التي لا تستكين للسائد والمطلوب ولا تتناغم مع التمثيل السردي الذي درج عليه الوعي القائم الظرفي بالكتابة القصصية في التعامل مع التيمات الطارئة بفعل عنف الواقع واللحظة الجزائرية لحظة تمثل تجربة الموت في ملفوظ إبداعي تبعث على الرعب والخشية في نفس الإنسان وتنبئ بالإحباط وغموض المصير ولهذا فحين نتناول تيمة الموت في هذه المجموعة فنحن نتأملها فقط كما تتمظهر في "محيط النصوص والنصوص الملحقة" أو "النصوص المصاحبة" بتعبير جيرار جينيت كالعنوان "الموت بالتقسيط" والاستهلال وعناوين النصوص القصصية التي تحملها المجموعة مجتمعة لأن هذه "النصوص الملحقة" لها علاقة وطيدة بالخطاب القصصي عموما "كخطاب الشخصيات" أو "خطاب الأقوال" بالتعبير الأكثر دقة الذي يحدده جيرار جينيت، أي الخطاب الذي تقوله هذه الشخوص في حواراتها الداخلية أو الخارجية، وفي حديثها عن الموت وكيف تعبر عنه، ثم "الخطاب المحمول" بتعبير جيرار جينيت، وهو خطاب داخل النص تحضر فيه تيمة الموت وقد حولها السارد الخارج نصي أي الكاتب من حوار الشخصيات إلى الفضاء السردي، وسنكتفي كما أشرنا منذ قليل بتأملها في "محيط النص" دون أن نتجاوز ذلك إلى "خطاب الشخصيات" و "الخطاب المحمول" بتعبير جيرار جينيت، لأن ذلك يتطلب العودة إلى الاستئناس النظري بالآليات المحددة لمفاهيم وعناصر الشخصية القصصية، وهي كثيرة ومتداخلة ويصعب الإحاطة بها، مما يبعدنا عن الغاية المحددة لهذا المقال وهي تنهض على تأمل تيمة الموت في هذه النصوص عبر "محيط النص ".
تيمة الموت في "محيط النص"
قد لا يخفى على القارئ المتخصص أن مفهوم "محيط النص" كان جيرار جينيت أول من استخدمه ونبه إلى أهميته، فقد أفرد له حيزا مهما من كتابه "تطريسات" بوصفه المعنى الدال على تجلي "النصية المتعالية التي تتضمن جامع النص" (07)، ففي غلاف الكتاب يواجهنا عنوان الكتاب "الموت بالتقسيط"، لماذا "الموت بالتقسيط" وليس الموت دفعة واحدة، ما معنى هذا وما دلالته وما موقعه من هذه المجموعة، غير أن قراءة وجيزة لنصوص المجموعة تكشف لنا أنه العنوان الذي وضعه القاص لأحد النصوص، ولذلك تصور أنه يعبر عن أجواء الفضاءات النصية لهذه المجموعة ومحمولاتها التيماتية بالنظر إلى أن تيمة الموت في هذه النصوص تشكل مكونا من مكونات الرؤية الجوهرية التي تميز نصوص أدب المحنة الذي كرس له هذا القاص والروائي كل جهده الإبداعي، ثم اسم الحبيب السائح باعتباره مبدع هذه النصوص ومؤلفها وهو بتعبير ياب لنتفالت "منشئ الأثر الأدبي وهو شخصية لها تاريخ وسيرة وتعيش في عالم البشر عيشة مستقلة عن النص الذي تبدعه، وهو شخصية ثابتة في الفترة الزمنية التي فيها ينشئ إبداعه هذا" (08) السيرة التي تتحدد بما عرف عنه من انشغال بالكتابة القصصية والروائية في التعبير عن "المحنة الجزائرية" والتي تأخذ أحيانا شكل الموت التيمة المركزية لنصوص هذه المجموعة القصصية، وقد تناولها كتاب عديدون، كل حسب رؤيته لها وتمثلها في مخياله كنص إبداعي والتي يرجعها السائح إلى ما يسميه "بحماقات العقلية الهلالية"، ثم صورة الغلاف وهي من الأعلى صورة يميزها اللون الأسود القاتم فيما من الأسفل تميل إلى اللون الأحمر لون الدم المعادل الموضوعي لتيمة الموت التي تهيمن على الفضاء النصي لهذه النصوص كما سنرى، ومما يؤكد ما نزعم هو ذلك التواشج على الصعيد التيماتي بين دلالة العنوان "الموت بالتقسيط " وثلاثة استهلالات "كنصوص محيطة أو ملحقة" بالمتن إثنان منهما داخليان فيما الثالث فهو خارجي أو "استهلال لاحق أو بعدي متأخر"(09) مثلما يسميه عبد الحق بلعابد، الأول خصصه السارد الخارج نصي لنصوصه التي وصفها في "محيط النص" في البداية بأنها "نصوص غير معلنة" ما معنى غير معلنة... ما معنى هذا... ما الذي جعلها غير معلنة هل هو الخوف من عسس الكتابة أم من الرقابة الذاتية أو الأخلاقية أم من الرقيب السياسي البوليسي بالنظر لسوابق هذا الأخير معه في "زمن النمرود" الرواية المصادرة المسكوت عنها لكن هذه حالة ضمن حالات كثيرة ممكنة لها علاقة بهوس القاص بالكتابة والإعلان عن مواقفه ورؤياه الإبداعية والفكرية ومنها ما هو إيديولوجي يريد أن يتخلص منه القاص إلى غير رجعة، وقد فعل ذلك بعد صدمة "زمن النمرود"، الرواية التي كلفته الصمت كثيرا بعدما صودرت من المكتبات وأثارت جدلا واسعا في الأوساط الثقافية والسياسية، ومنها ما هو اجتماعي وثقافي يحتاج إلى طرح نظري سوسيو-ثقافي ليس هنا مجاله أما الاستهلال الداخلي، فهو الذي يلخصه في القول التالي "لم يحدث أن دفنت سعيدة أبناءها خشية أن يطلع النهار، فكيف أقتلع هذا الألم من قلبي فأعلقه في كبدي" (10)، وبمجرد قراءة سريعة لقصة "أحزان البيت السعيد" يتأكد لنا أن هذا الاستهلال المقطعي مأخوذ من هذه القصة وأنه لم يرد لذاته فقط، فقد جاء في خدمة الأهداف والغايات التي سطرها القاص لتثبيت علة وجود هذه النصوص وأهمية حضورها في السياق العام لبلورة رؤية إبداعية محددة أثناء لحظة الكتابة الأمر الذي يسمح له بالقول "على بصيص آخر نجمة واروه التراب، لم يحدث أن دفنت المدينة أبناءها خشية أن يطلع النهار فيصبحن قبره بماء معدنها كل سنة عجفاء، فكيف يبتسم الربيع لشمسه، أنا حبيبته المسكونة غدائدي بمذاق عسلية شبابه الموجوعة بنشيج حلمه، فكيف أقتلع من قلبي هذا الألم فأعلقه في كبدي" (11) ثم عناوين هذه النصوص القصصية "كملحقات مباشرة لمحيط النص" التي تتشكل من "أحزان البيت السعيد"، "شجر فقد ظله"، "صديقي الذي غادر"، "الخوف"، "رسالة بريدية لم تبعث"، "يامنة"، "البهية تتزين لجلادها"، "قصر العطشان"، "الموت بالتقسيط"، "في انتظار عثمان"، "نوال"، "يوم في وهران"، "كمين" متبوعة بقائمة نصوص الكاتب المنشورة "القرار- الصعود نحو الأسفل- زمن النمرود- ذاك الحنين- البهية تتزين لجلادها- تماسخت دم النسيان- تلك المحبة"، إذ تبدو دلالة هذه العناوين خاصة في نصوص مثل "الموت بالتقسيط- الخوف- كمين- صديقي الذي غادر- البهية تتزين لجلادها" منسجمة مع الأدوار التيماتية لظاهرة الموت التي تهيمن على الفضاء النصوصي في هذه المجموعة وتشكل هذه العناوين بؤرة استقطاب "كعنصر مهيمن" وما يحيل إليه من دلالات، فلفظ "كمين" يحيل إلى ظاهرة اكتسحت الحياة العامة وتتمثل في تلك الحواجز المزيفة التي كان يلجأ إليها أمراء القتل لتصفية بعض الرموز العامة والخاصة وكذلك الأمر بالنسبة لملفوظ "الخوف" الذي جعل منه القاص عنوانا لأحد النصوص كحالة نفسية تنتاب الإنسان ومصدرا لانفعالات نفسية تتصل بالخوف من المجهول ينعكس معه قلق ناجم عن ما ينتظره بفعل ضغوط خارجية أفرزتها معطيات سياسية واجتماعية اتسمت بالخوف من الآتي وحالة الرعب وغياب الأمن التي سادت المجتمع الجزائري في تسعينيات القرن المنصرم فألحت على تصدعات المجتمع الداخلية والتباري في إشهار شظاياه وانكساراته وهمومه عبر هذه النصوص كمعطى إبداعي قابل هو أيضا لمزيد من التشظي والقراءة كلحظة تعمل على إضاءة الجوانب الداجية من هذه النصوص القصصية ونصوص أخرى بما يعني من اختبار قدرة القراءة والتلقي النقدي على تفكيك الدلالات الحافة لهذه التيمات للكشف عن آليات تمثلها إبداعيا، وهي تنبثق في هذه النصوص بوصفها العتبة الأولى إن لم أقل المهيمنة على ما عداها من تيمات أخرى بما يتعدى الاستخدام الميكانيكي الآلي لهذه التيمات عبر بعض ما كتب من نصوص قصصية وروائية بعضها أقرب إلى الخطاب الإعلامي منه إلى الخطاب الإبداعي كتمثل لما هو حاضر في واقع عيني مرجعي يشكل مادة الكتابة وعنصرها السببي "المطروح على الطريق" على رأي الجاحظ وهي تتباين وتختلف من نص لآخر ومن تجربة لأخرى، وهو الأمر الطبيعي جدا في كل أنماط الكتابة الإبداعية منذ أن وجدت واخترقت طبقات الواقع والوجود بالنسبية الممكنة التي تحدد مصائرها وآفاقها المنظورة.
إحالات
(01) حوارية اللغة في رواية تماسخت دم النسيان -للحبيب السائح - مرابطي صليحة - ص 137 منشورات مخبر تحليل الخطاب بجامعة تيزي وزو ودار الأمل - 2012
(02) مقدمة د آمنة بالعلى لكتاب حوارية اللغة تماسخت دم النسيان لصليحة مرابطي - ص 05
03) التحليل الموضوعاتي للخطاب الشعري كلام المنهج . فعل الكلام
- ص 48 د يوسف وغليسي - منشورات دار ريحانة الجزائر
(04) حوارية اللغة - مرجع مذكور نقلا عن شعرية دوستوفسكي لميخائل باختين - ص17
05) قضايا الشعرية - رومان ياكبسون - ترجمة محمد الولي ومبارك حمون - ص 61 منشورات دار توبقال الدار البيضاء 1988
06) الرواية الجزائرية من المتماثل إلى المختلف دآمنة بالعلى - ص 200 منشورات دار الأمل الجزائر2007
07)سيميائية العتبات النصية في خطاب الإهداء - أحمد يوسف - مجلة اللغة والأدب والعربي - جامعة الجزائر ص 170 - العدد 15 2001
08)معجم السرديات ص 366- اشراف محمد القاضي تأليف مجموعة من الباحثين - منشورات الرابطة الدولية للناشرين المستقلين
09)"الإستهلال البعدي أو اللاحق " وأشكال أخرى من الإستهلالات ذكرها وشرحها بالتفصيل عبد الحق بلعابد في كتابه" عتبات جيرار جينيت من النص إلى المناص بدءا من ص 112 منشورات الإختلاف والدار العربية
للعلوم بيروت 2008
10) الموت بالتقسيط - قصص- الحبيب السائح - منشورات اتحاد الكتاب الجزائريين - ص 07 2003
11) الموت بالتقسيط مرجع مذكور ص 11


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.