مشروع "بلدنا" لإنتاج الحليب المجفف: المرحلة الأولى للإنتاج ستبدأ خلال 2026    هزة أرضية بقوة 3.3 بولاية تيزي وزو    ش.بلوزداد يتجاوز إ.الجزائر بركلات الترجيح ويرافق م.الجزائر إلى النهائي    مهرجان عنابة للفيلم المتوسطي "علامة مرموقة في المشهد الثقافي"    جهود مميزة للجزائر لوضع القضية الفلسطينية في مكانها الصحيح    المياه الجوفية لإنطلاق التكامل الثلاثي المغاربي    مسرحية "المتّهم"..أحسن عرض متكامل    في عمليات عبر النواحي العسكرية من 18 إلى 23 أبريل الجاري: إحباط محاولات إدخال 78 كيلوغراما كيف قادمة من المغرب    سفير مملكة ليسوتو يثمن مساعدة الجزائر لدعم جهود التنمية في بلاده    أبو عيطة وعقب استقباله من قبل رئيس الجمهورية،عبد المجيد تبون: فلسطين ستنال عضويتها الكاملة في الأمم المتحدة بفضل إصرار الجزائر    إنجاز ملجأ لخياطة وتركيب شباك الصيادين    ارتفاع رأسمال بورصة الجزائر إلى حدود 4 مليار دولار    قسنطينة: تدشين مصنع لقطع غيار السيارات ووحدة لإنتاج البطاريات    بروتوكول تفاهم مع الشركة العمانية للطاقة    دراسة مشاريع نصوص قانونية والاستماع الى عروض عدة قطاعات    جلسة للأسئلة الشفوية بمجلس الأمة    الجزائر تشارك في اجتماع إفريقي حول مكافحة الإرهاب    الاتحاد الأوروبي يدعو المانحين الدوليين إلى تمويل "الأونروا"    العدالة الإسبانية تعيد فتح تحقيقاتها بعد الحصول على وثائق من فرنسا    الجزائر-تونس-ليبيا : التوقيع على اتفاقية إنشاء آلية تشاور لإدارة المياه الجوفية المشتركة    معركة البقاء تحتدم ومواجهة صعبة للرائد    اتحادية ألعاب القوى تضبط سفريات المتأهلين نحو الخارج    شبيبة سكيكدة تستعد لكتابة التاريخ أمام الزمالك المصري    إجراءات استباقية لإنجاح موسم اصطياف 2024    عائلة زروال بسدراتة تطالب بالتحقيق ومحاسبة المتسبب    مصادرة 441 كلغ من أحشاء البقر الفاسدة    29 جريا خلال 24 ساعة الأخيرة نتيجة للسرعة والتهور    عنابة: مفتشون من وزارة الري يتابعون وضع بالقطاع    جعل المسرح الجامعي أداة لصناعة الثقافة    الفريق أول السعيد شنقريحة يشرف على تنفيذ تمرين تكتيكي بالناحية العسكرية الثالثة    "عودة مهرجان عنابة للفيلم المتوسطي تعكس الإرادة الجزائرية لبعث وتطوير السينما"    فتح صناديق كتب العلامة بن باديس بجامع الجزائر    "المتهم" أحسن عرض متكامل    دعوة لدعم الجهود الرسمية في إقراء "الصحيح"    الصّهاينة يواصلون جرائمهم بالقطاع وعمليات إخلاء بالشمال    "العفو الدولية": إسرائيل ترتكب "جرائم حرب" في غزة بذخائر أمريكية    الجزائر/تونس: الاتفاق على تنظيم يوم إعلامي حول الصيد البحري لفائدة المستثمرين من البلدين    فتح صناديق كتب الشيخ العلامة عبد الحميد بن باديس الموقوفة على جامع الجزائر    وزير التربية انتقل إلى عين المكان والعدالة فتحت تحقيقا: إصابة 6 تلاميذ في انهيار سقف بمدرسة في وهران    إهمال الأولياء يفشل 90 بالمائة من الأبناء    نصف نهائي كأس الجمهورية: اتحاد الجزائر – شباب بلوزداد ( اليوم سا 21.00 )    مدرب اتحاد الشاوية السعيد بلعريبي للنصر    وزير البريد في القمة الرقمية الإفريقية    وزير الداخلية يكشف: تخصيص أزيد من 130 مليار دينار لتهيئة المناطق الصناعية    وزير الخارجية أحمد عطاف يصرح: الوضع المأساوي في غزة سيبقى على رأس أولويات الجزائر    فيما شدّد وزير الشؤون الدينية على ضرورة إنجاح الموسم    الجزائر تشارك في معرض تونس الدولي للكتاب    مولودية الجزائر تقلب الطاولة على شباب قسنطينة وتبلغ نهائي كأس الجزائر للمرة العاشرة    مباراة اتحاد الجزائر- نهضة بركان : قرار الكاف منتظر غدا الاربعاء كأقصى تقدير    الرقمنة طريق للعدالة في الخدمات الصحية    سايحي يشرف على افتتاح اليوم التحسيسي والتوعوي    حج 2024 : استئناف اليوم الثلاثاء عملية حجز التذاكر للحجاج المسافرين مع الديوان الوطني للحج والعمرة    منصّة رقمية لتسيير الصيدليات الخاصة    حكم التسميع والتحميد    الدعاء سلاح المؤمن الواثق بربه    أعمال تجلب لك محبة الله تعالى    دروس من قصة نبي الله أيوب    صيام" الصابرين".. حرص على الأجر واستحضار أجواء رمضان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تاريخ حافل وحاضر يأبى الاندثار
نشر في الشعب يوم 15 - 05 - 2021

يعود أصل الزّيوت الأساسية والعطرية في تسميتها إلى ماضٍ بعيد، ويشاع أنّ الباكستانيّين هم أوّل من استخدمها، إذ يرجع الفضل لهم في صنع أوّل آلة لاستخلاص الزّيوت النّباتية سنة 1300م، وتطوّرت هذه الصّناعة التّحويلية مع الوقت حتى صارت رائجة في السوق الدولية، إذ يقدّر المختصّون في تصنيف النبات حول العالم وجود ما لا يقل عن 17500 نوع من النباتات العطرية، 270 نوع منها فقط محل استغلال اليوم، 40 % منها تزرع لدواعي تجارية، فيما تنمو البقية في البريّة في مختلف مناطق دول العالم، خاصة في بلدان حوض البحر الأبيض المتوسط. وقد احتلّت الجزائر الرّيادة في تطوير هذه الزّراعة لسنوات طويلة في زمن مضى، لكن البلد الذي كان يحتل المراتب الأولى في إنتاج وتطوير الزيوت الأساسية، فقد مكانته بداية سبعينات القرن الماضي، وتلاشت هذه الشّعبة الفلاحية التي كانت تعتبر ثروة لا تقل أهمية عن ثروة المحروقات.
يعود تطوّر زراعة النّباتات الطبية والعطرية واستخلاص الزّيوت في الجزائر إلى فترة الفتوحات الإسلامية بشمال إفريقيا، إذ حمل علماء المسلمين معهم علوماً وثقافات إلى المنطقة، وسعوا إلى تثمين وتطوير كل ما يستخدمه السكان الأصليّون في حياتهم اليومية. وشكّلت الحقبة العثمانية في الجزائر العصر الذّهبي لتطوير هذه الصّناعة التحويلية وتلتها فترة الاستعمار، حيث أصبحت النّباتات الطبية والعطرية تخصّصاً موجّهاً بشكل حصري لإنتاج العطور.
40 قطّارة بالعاصمة وآلاف الهكتارات المزروعة
يوضّح المختص في كيمياء المواد الطّبيعية، البروفيسور نسيم جابو، من جامعة تلمسان، لمجلة «الشعب الاقتصادي»، أنّ الإحصائيات المتعلّقة بالزيوت النباتية مغيّبة اليوم، فجزء منها في الأرشيف المنهوب من الجزائر والموجود بفرنسا، والآخر بأرشيف الدولة العثمانية في تركيا، ورغم هذا استطاع محدّثنا الوصول إلى بعض المعطيات في كتب المستشرقين الفرنسيّين، الذين كتبوا عن فترة الاستعمار الفرنسي بالجزائر خاصة في بداياته الأولى، ففي سنة 1839 ألّف أحد الفرنسيّين كتاباً خاصّاً بموارد المناطق المحتلّة في تلك الفترة، وأشار الكتاب إلى وجود 40 قطّارة زيوت نباتية بالعاصمة وضواحيها فقط، وبما أنّ المستعمر كان مهتما بالزّيوت الأساسية لإنتاج العطور بصفة كبيرة، فقد اقتصر تطوير هذه الصّناعة بمناطق المعمّرين فقط لما تدّره من مداخيل كبيرة.
ساهمت التّكنولوجيا والعلم الحديث في تحويل إنتاج الزّيوت الطبية والعطرية إلى صناعة حقيقية بالجزائر، فأصبحت من أكبر منتجي ومصدّري مادتها الخام بالعالم، في الفترة ما بين الحربين العالميتين، وفي نهاية الستينات صنّفت الجزائر كثالث أكبر منتج ومصدّر للزيوت النباتية في العالم. وأشارت بعض التقارير إلى وجود مفاوضات آنذاك بين تجار إنجليز وأصحاب معامل للتقطير بالجزائر، لاستيراد 50 طنا من زيت «العطرشة» الجزائرية أو ما يعرف علميا ب «الجيرانيوم» سنة 1912، وهو ما يدل على أنّ حجم الصّادرات الجزائرية كان يتراوح بين 40 الى 50 طنا من زيت «الجيرانيوم» لوحده، أي أنّ آلاف الهكتارات من نبتة العطرشة كانت مزروعة في ذلك الوقت.
في تلك الفترة كانت الجزائر مصدر إنتاج لزيوت أخرى كزيت زهرة «غوليا» بالمنيعة، وزيت «النيرولي» المستخلص من زهرة البرتقال المرّ، إذ تشير بعض الإحصائيات إلى وجود نحو 300 هكتار من أشجار البرتقال المرّ بمتيجة سنة 1912.
ثمن الإستقلالية
يضيف البروفيسور نسيم جابو وهو أيضا خبير دولي في الزراعة والتغذية لدى الأمم المتحدة للزراعة، أنّ الزيوت الطبية والعطرية حظيت بعناية خاصة بعد الاستقلال، كونها موجّهة خصيصاً للتصدير وتحظى بمكانة هامّة على الصعيد العالمي، فوُضعت استراتيجية تطوير هذه الصّناعة التحويلية، بتثمين ما ورثته الدولة عن الاستعمار، وتشييد قطّارات صناعية كبيرة، كتلك الموجودة في مدينة «سبدو» بتلمسان المخصّصة لزيت الخزامى، والتي استغلّت لإنتاج أحد أفخم العطور بالعالم آنذاك، بعلامة تجارية جزائرية كانت تدعى عطور «الهقار».
وفي 24 فيفري 1971، أعلن الرّئيس الرّاحل، هواري بومدين، تأميم المحروقات، قرار انجرّ عنه فرض حصار تجاري غير معلن من قبل فرنسا وحلفائها، الذين قاطعوا منتجات الجزائر من الزيوت الطبية والعطرية، فتراجعت صادرات الزّيوت بشكل كبير، وهو ما عجّل باتّخاذ قرار توقيف هذه الصّناعة التحويلية، وتخصيص معظم الأراضي التي كانت تستغل في هذه الشّعبة، للزّراعة الغذائية، بعد التوجّهات الجديدة آنذاك التي كانت تمنح الأولوية للإنتاج الغذائي، ومع ذلك بقيت بعض القطّارات الكبيرة تشتغل، كمعمل الياسمين في الشفة بولاية البليدة، لكن بكميات محتشمة، لتفقد الجزائر بذلك مكانتها في السوق الدولية.
كانت هذه أوّل قطيعة مع تطوير الزّراعة الموجّهة للصّناعة التحويلية، حسب البروفيسور نسيم جابو، أمّا القطيعة الثانية فحدثت أثناء المأساة الوطنية، لما صدّت الأوضاع الأمنية في تلك الفترة الكثيرين عن قطف هذه النّباتات البريّة بالغابات، فأغلق ما تبقّى من معامل التقطير، لتعلن بذلك نهاية قصة إنتاج الزيوت الطبية والعطرية في الجزائر.
إعادة بعث زراعة النّباتات الطبية والعطرية
مع بداية الألفية الجديدة، عادت الديناميكية للاقتصاد الوطني، ومع ذلك أبقت الجزائر على استيراد الزّيوت العضوية، بدل إنتاجها محلياً، لتصنّف ضمن أكبر المستوردين لهذه المادة في العالم، وبقيت على هذه الوتيرة إلى أن حاول مجموعة من الشباب الجامعي إعادة بعث الصّناعات التّحويلية.
ويؤكّد المختص في مجال النّباتات الطبية والعطرية والزّيوت المستخلصة، نسيم جابو، أنّ النهوض بقطاع ما أو شعبة فلاحية لا يرتكز على ما توفّره الدولة من آليات لذلك فقط، بل يرتكز على ما يقدّمه المنتسبون للشّعبة الفلاحية وسعيهم لتطويرها. وكان لمحدّثنا رفقة نائب رئيس جامعة تلمسان الفقيد مصطفى جعفور، شرف وضع اللبنة الأولى لشعبة النباتات الطبية والعطرية والزيوت المستخلصة بالجزائر سنة 2012، من خلال وضع استراتيجية إحياء هذه الزّراعة على المستوى الوطني في الأمدين المتوسط والبعيد، فخصّصت المرحلة الأولى للتعريف بهذا التراث للعالم، وخلال ثلاث سنوات، استطاع البروفيسور جابو وفريقه وضع التصور العام لأسس هذه الزّراعة، وزيادة الطلب في السوق الدولية، الأمر الذي ساهم في تشجيع الفلاحين الجزائريّين على توفير المادة الخام. وبصفته باحثا أكاديميا، شرع محدّثنا في إنشاء قنوات اتصال بين وزارة التعليم العالي والبحث العلمي وباقي الدوائر الوزارية المعنية بتطوير هذه الشّبة وفق أسس علمية مدروسة، وللانتقال من الجانب النظري إلى التطبيقي، كان لا بد من النزول إلى الميدان بحثاً عن المستثمرين الحقيقيين، والمهتمّين بهذه الشّعبة من أجل تشكيل سلسلة القيم التي تُبنى عليها أي شعبة فلاحية.
تشكيل سلسلة قيم الشُّعبة الفلاحية
ترتكز أي شعبة فلاحية على سلسلة قيم، تضم حلقات متكاملة، وفي مجال إنتاج الزيوت الطبية والعطرية، تعتبر وحدة التحويل الحلقة الأهم، وتتطلّب معدّات خاصة، تصنّع محلياً أو تستورد من الخارج، وتعتمد في عملها على المادة الأولية التي تجمع من النّباتات البريّة أو يوفّرها متعاملون خواص يهتمون بزراعة هذه النّباتات، هذه الأخيرة تتطلّب مشتلة تجهيز البذور والنباتات، وهكذا يتم بناء سلسلة القيم.
ويكشف نسيم جابو أنّ أوّل سلسلة القيم التي انطلقت منها هذه الشّعبة الفلاحية، كانت مشتلة وحيدة لإنتاج النّباتات العطرية والطبية على مستوى الوطن، فتمّ دعمها وإنشاء مشاتل أخرى، أمّا المختصّون في تجهيز المعدّات والآلات التي تستخدم لتقطير الزيوت، فلم يكن بالجزائر مختصّون في هذا النوع من الصناعة التحويلية، فما كان على أصحاب المشروع سوى إقناع أحد المتعاملين بضرورة التكفل بإنجاز آلات للتقطير، واليوم يوجد حوالي 12 مصّنعا خاصاً بهذه الآلات.
ومن الناحية التّجارية، تمّ تأطير تجمّعات تضم منتجي ومحوّلي النباتات الطبية والعطرية على الصعيد الوطني بالتنسيق مع وزارة التجارة، من أجل تسويق المنتجات بصفة محترفة، كما كان للتّكوين نصيب في النّهوض بهذه الشّعبة من خلال توفير دورات لأزيد من 250 شخص، نجح ربعهم في إنشاء مؤسّسات ناشطة بصفة رسيمة اليوم في هذا المجال.
في سنة 2016، قدّم البروفيسور نسيم جابو، رفقة فريق عمله الأكاديمي طلباً من أجل إنشاء تخصّص تكويني وطني محترف على مستوى الجامعة في تكنولوجيا الزّيوت الأساسية والعضوية، وحصل على الموافقة سنة 2017 من طرف وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، وفي سنة 2018 شرعت جامعة تلمسان في استقبال طلبة السنة الأولى جامعي، الرّاغبين في نيل شهادة ليسانس مهنية تخصّص تكنولوجيا الزيوت الأساسية والعضوية، حيث تعتبر جامعة تلمسان الوحيدة على مستوى الوطن في هذا التخصص، وينتظر أن تتخرّج أول دفعة فيها شهر جويلية المقبل.
زراعة النّباتات الطبية والعطرية شعبة فلاحية بصفة رسمية
ظلّ الهدف الأسمى لفريق عمل البروفيسور جابو هو إدراج زراعة النّباتات الطبية والعطرية والزّيوت المستخلصة كشعبة فلاحية مستقلّة بالجزائر، فالمشروع الذي بدأ سنة 2012 أصبح تخصّصاً جامعياً سنة 2019، وهو ما دفع بالوصاية إلى وضع الآليات والنّصوص القانونية سنة 2019 تمهيداً لإدراج هذه الزّراعة كشعبة فلاحية، كما أنشئ مجلس مهني وطني مشترك لشعبة النّباتات الطبية والعطرية ومجالس مهنية مشتركة على مستوى كل الولايات في ذات السنة، وفي عام 2020 صدر النص القانوني وتمّ إدماجها رسميا كشعبة فلاحية.
من ثلاثة معامل إلى 100
أحصت الجزائر سنة 2016 ثلاثة معامل لإنتاج الزّيوت الطبية والعطرية، كان تنشط في ظروف صعبة، في حين توقّفت أخرى بسبب انعدام الطلب. اليوم وبفضل جهود المنتسبين لهذه الشعبة الفلاحية والاستراتيجية المسطّرة، يحصي البلد أزيد من 100 معمل مصنف في إطار الصّناعات التقليدية والحرف، والصّناعة التحويلية.
ويؤكّد الخبير لدى الأمم المتحدة البروفيسور جابو، أنّ الهدف اليوم هو إثبات ملاءمة هذه الشّعبة مع كل الأقاليم المناخية والتنوع الجيولوجي في الجزائر، فزراعة النّباتات الطبية والعطرية لا تتطلّب كميات كبيرة من الماء عكس الزّراعات الأخرى، وللبرهنة على ذلك تمّ إطلاق سبعة مشاريع تجريبية على الصّعيد الوطني كلّلت كلّها بالنّجاح، سواء على مستوى السّهوب الغربية أو في الصّحراء الجزائرية، هذه الأخيرة أعطت نتائج جد مبهرة عكس المفهوم السّائد سابقاً حول نجاح هذه الزّراعة في الشمال فقط.
الشُّعبة في قلب مشروع بعث السد الأخضر
تؤكّد مديرة مكافحة التصحر والسد الأخضر، بالمديرية العامة للغابات، فرطاس صليحة، ل «الشعب الاقتصادي»، أنّ شعبة النّباتات الطبية والعطرية تندرج في صلب استراتيجية وطنية تهدف لتنويع النباتات المقاومة للتصحر، إذ تحتل هذه الشّعبة مكانة معتبرة من مشروع بعث السد الأخضر، الذي يتربّع على 4 مليون هكتار، وتسعى من خلاله إلى إنشاء نظام بيئي يسمح بتطوير البيئة داخليا لمقاومة التصحر. وكخطوة أولى في هذا السياق، شرعت المديرية العامة للغابات في جرد كل أنواع النّباتات الطبية والعطرية في كل أنحاء الوطن، إذ تحوز المناطق الصّحراوية على النّصيب الأكبر منها. وتشير فرطاس، إلى أنّه لا يمكن الحديث عن استغلال هذه النباتات دون معرفة الكميات المتوفّرة منها عبر مختلف مناطق الوطن في البرّية، وهو ما تعمل عليه المديرية العامة للغابات حالياً.
وكشفت محدّثتنا عن إدراج شعبة النّباتات الطبية والعطرية ضمن برنامج هيئة الأمم المتحدة للتغذية والزراعة «الفاو»، الخاص بدعم مشروع السد الأخضر، حيث تقوم بتجارب على هذه الشّعبة ببعض مناطق الوطن مثل خنشلة، وأوضحت فرطاس أنّ مصالح الغابات تدرس وضع الميكانيزمات اللاّزمة لتسهيل حصول الشباب والطلبة خرّيجي الجامعات ومعاهد التكوين على عقود امتياز بالغابات، للاستثمار في كل الأنواع النباتية عبر ربوع الوطن، وذلك في إطار الاتفاقية المبرمة مع «الفاو».
وأضافت مديرة السد الأخضر، أنّ عمل المديرية العامة للغابات كان يرتكز حول حماية الثروة الغابية فقط، ومع السياسة الجديدة للحكومة في التخلي عن الريع البترولي وتثمين الثّروات عبر الوطن، أصبح لمديرية الغابات ورقة طريق تحمل آليات قانونية لاستغلال هذه الأنواع النباتية، كما أنّ النظرة العلمية للقطاع تستهدف تطوير هذه الزراعة خارج إقليم الغابات، خاصة الأنواع المتواجدة بكميات قليلة، إذ أصدرت المديرية تعليمة لمصالحها عبر الوطن توصي بضرورة حثّ أصحاب المشاتل على تخصيص حصص للأنواع النباتية الطبية والعطرية ضمن مساحاتهم الزراعية.
طموح استعادة المكانة السّوقية
تشير التّجارب والدّراسات إلى أنّ الفوائد التي تدرّها الصّناعة التحويلية للزيوت الطبية والعطرية تفوق عشرات المرات الأرباح التي تجنى عند تسويقها كمادة خام، وتعتبر الهند أكبر منتج للزيوت العطرية والنباتية الخام في العالم، حيث تبلغ مداخيلها السنوية 750 مليون دولار، في حين تتصدّر فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية مجال التحويل، هذه الأخيرة تقوم باستيراد المادة الخام، تقوم بتحويلها ثم تصدّرها في شكل زيوت، لتفوق بذلك إيراداتها المليار دولار سنوياً من هذه العمليات التحويلية. نفس الحال بالنسبة لفرنسا التي تخصّص مساحة 40 ألف هكتار فقط لزراعة النباتات الطبية والعطرية والزيوت المستخلصة، لكن حسن استغلالها لهذه المساحة بصفة محترفة ومدروسة يدر عليها أكثر من 400 مليون أورو كأرباح تتأتّى من المادة الخام، والتي لا تقوم بتصديرها بل تستغلّها في الصّناعة التحويلية، حيث تدخل في إنتاج العديد من المنتجات والمستحضرات التي تقدّر قيمة صادراتها ب 34 مليار أورو من عائدات منتجات نهائية تصدّر عبر العالم.
على المستوى الإقليمي، تفوّقت الدول العربية بشمال إفريقيا على الجزائر في إنتاج الزيوت الأساسية بالرغم من استفادتها من خبرات البلد في هذه الزراعة، لكن اهتمامها بهذا المجال أهلّها لتكون من بين أكبر المنتجين في العالم، مثل مصر، فلا يقتصر إنتاجها على الزيوت الطبية والعطرية فقط، بل يتعدّى ذلك إلى النباتات المجفّفة، حيث تعد مصر إحدى أكبر الدول إنتاجاً لها، وتمكّنت من انتزاع شهرة وسم «العطرشة الجزائرية»، لتصبح بذلك «العطرشة المصرية» الأكثر شهرة ورواجاً في السوق الدولية.
ويرى البروفيسور نسيم جابو، أنّ الجزائر في المرحلة الحالية تهتم بإنتاج كل ما هو مادة خام، وفي نفس الوقت تعمل على تطوير الصّناعات التحويلية، خاصة وأنّنا نشهد نشاطاً وحركية على الصعيد الوطني في مجال العطور ومستلزمات التجميل التي تستورد كل موادها الأولية من الخارج، مع العلم أنّنا نستطيع توفير بعض منها، ونساهم في مخطّط عمل الحكومة الذي يهدف إلى تقليص فاتورة الاستيراد.
ويوضّح جابو أنّ بعض المؤسّسات شرعت في اقتناء المادة الأولية من بعض الشّركات التي تنتج المادة الخام محليا، مثل شركة «Olésens» في قسنطينة، المختصّة في إنتاج مواد التجميل، والتي كانت تستورد كل موادها الأولية من الخارج، والآن تقتني عدّة مواد خام من الجزائر وبجودة عالية وفاتورة أقل.
(المصدر: مجلة الشعب الاقتصادي)


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.