تشهد عاصمة الأوراس باتنة، منذ دخول فصل الصيف عودة قوية للأعراس التي تأجلت أغلبها لعامين متتالين، بسبب تداعيات جائحة كورونا كوفيد 19، حيث تنفست العائلات الصعداء بتراجع الوباء ورفع الإجراءات الخاصة بالوقاية منه على غرار الحجر، غلق قاعات الأفراح ولم شمل العائلات والاجتماع مرة أخرى للفرح، خاصة بعد قدوم العائلات المغتربة منها التي وجدت في هذه الأفراح فرصة مناسبة للتخفيف من الضغط الكبير الذي عاشته خارج الوطن منذ ظهور الوباء العالمي كورونا، بعيدا عن العائلة والوطن. تشهد ولايات خنشلة، أم البواقي، قالمةوباتنة، تنظيم المئات من حفلات الأعراس، التي تميز المنطقة سنويا، واللافت هذه السنة هو عودتها القوية بعد رفع إجراءات الحجر بسبب جائحة كورونا كوفيد التي غيرت من عادات الجزائريين الاجتماعية، حيث فضّلت أغلب العائلات تأجيل أفراحها لغاية تراجع الوباء للم شمل بعضها البعض والتأكيد على أهمية مثل هذه المناسبات في حياتها الاجتماعية، ورغم التطوّر الكبير الحاصل في هذه المناسبات، إلا أنّ العديد من العائلات لا تزال تحافظ على بعض «العادات المقدسة» في أعراسها الأوراس، توارثتها جيلا عن جيل، حيث تتمتّع المنطقة بمختلف العادات والتقاليد، على غرار ذهاب أهل العريس إلى دار العروس، لتحضير صينية «القشقشة» وهي مجموعة من أنواع الحلوى، الجوز، اللوز، الكاوكاو وغيرها كثير، ويضعون فوق رأس العروس «شاش» وهو نوع من القماش كالذي يضعه الشيوخ فوق رؤوسهم للتأكيد على أهمية هذه الرابطة المقدسة، ثم تأخذ واحدة من أهل العريس الصينية وتضعها فوق شاش العروس، في حين حبات الحلوى التي تسقط هي عدد الأولاد التي سترزق بهم في المستقبل، وهناك من اعتبرها خرافات و طقوس تؤمن بها العجائز، بينما يرى البعض الآخر أنها في غاية المتعة والروعة، حيث مازالت تطبق إلى يومنا هذا، حتى في أفخم صالات الأعراس بباتنة. حفلة ساهرة بالرحابة كما تتميز أعراس الأوراس بلباس المرأة الأوراسية والمعروف «بالملحفة»، وهو قطعة هامة في اللباس الشاوي العريق، ويكون اللحاف فوق الملابس الداخلية متموجا، ومن القطن الملون بالأسود والأبيض، وقد يأتي على ألوان مختلفة، وما يزيد «الملحفة» جمالا ورونقة، هو تزيين المرأة بالحلي الفضي كالخلال وهو أكسسوار فضي يمسك بها طرفي الملحفة بين الكتف وأعلى الصدر، وما يميزها هي أشكالها وألوانها وتلبسه العروس يوم ذهابها لبيت زوجها، حيث ترتدي الألبسة التقليدية من الجبة القسنطينية والسطايفية والشاوية. كتعويض عن عامي الحجر وتوقيف الأعراس بسبب جائحة كورونا، قرّرت العائلات تنظيم العرس بأسبوع مسبقا لضمان اجتماع كل أفراد العائلة الكبيرة، حيث تعتبر عادة التحضير للعرس بأسبوع مسبقا عادة قديمة بباتنة، عززتها جائحة كورونا، وكما هو معروف تتميز الأعراس الشاوية بانطلاق التحضيرات لليوم الموعود أسبوعا قبل ذلك، حيث يقوم أهل العريس بتحضير الكسكسي والحلويات وكل مستلزمات العرس، ويبدأ العرس بليلة الثلاثاء حيث يقوم أهل العريس بأخذ الكبش وكل مستلزمات الطهي لأهل العروس ويستقبلون من طرف أهل العروس مع حضورهم لذبح الكبش، ويقوم أهل العروس بتحضير طبق الشخشوخة لهم، وشواء لهم جزء من اللحم والكبد وتقدم القهوة لهم، ثم عودة أهل العريس إلى بيتهم ويقومون بتحضير العشاء الذي يتكون من الشخشوخة وحفلة ساهرة تؤديها فرق الرحابة. الفرسان والزغاريد يأتي بعدها يوم الأربعاء الذي يكون فيه غداء أهل العريس في بيتهم في الغالب حيث تكون الوجبة الرئيسية «بكبوكة» المعروفة بالدوراة، لينطلق بعدها الموكب من دار أهل العريس إن كانوا يقطنون في تلك الولاية، في اتجاه منزل العروس في موكب مع الزغاريد وأخذ جهاز العروس والتي تتكون من ذهب وملابس للعروس ويستقبلهم أهل العروس بدورهم بالزغاريد ثم يشربون القهوة ويتناولون العشاء وبعدها توضع الحناء في يد العروس من طرف أم العريس مع تلبيسها الخاتم والذهب الخاص بها وتلقيها العديد من الهدايا، ويهمون بعد ذلك أهل العريس بالرجوع للبيت ويأتي يوم الخميس الذي تزف فيه العروس إلى أهل زوجها حيث يحضرون السيارات مع فرسان وزغاريد وإطلاق النار بصورة مدهشة، ومن ثم تذهب العروس لبيتها الجديد وتمني الناس لها بالسعادة والفرح. حنّة العروس لمن استطاع وفي تفاصيل «الحنة» التي تعتبر جوهر عملية العرس لدى العروس، نجد أنّ الفتيات من صديقات وأقارب العروس، يتنافسن للظفر ببعض من حناء العروس لوضعها تيمنا بها حيث تقوم العروس بوضع الحنة المعروفة باسم «حنة ببابها» بيوم الثلاثاء والتي تكون في صحن مزين بالشراشف والشموع مع غناء النسوة باستعمال البندير، ومن عادات أهل العروس أن تتكفل سيدة من أقاربها تكون محظوظة في حياتها الزوجية، بوضع الحنة، وذلك تبركا بها، ومن ثمة توضع الحنة للبنات العازبات من أجل تعجيل زواجهن، وفي الغد تذهب العروس إلى الحمام في موكب وتأخذ مجموعة من البنات قريباتها وصديقاتها وتدفع هي تكاليف الحمام عن الجميع، ومن ثمة الاتجاه يكون نحو قاعة الحلاقة، في حين أهلها يحضرون الغداء المتكون من «بكبوكة» و»سلطة»، وأما العروس يتم تحضير قلب الشاة والكبد لها، وبعدها تلبس لباس تقليدي، تنتظر أهل زوجها، بوصولهم يتم استقبالهم بالزغاريد و»البندير» وطلقات «البارود» وتحضر لهم القهوة والغداء. وتسعى أغلب عائلات باتنة في الحفاظ على هذه العادات والتقاليد وإن شابها بعض التغييرات من خلال إدخال بعض التقنيات في الأعراس خاصة ما تعلق بالتصديرة والديجي وشهر العسل وغيرها، إلا أن كل فتاة أوراسية تحلم أن يكون زواجها تقليديا ليبارك من طرف أهلها خاصة النساء والرجال الكبار في السن وحتى ترزق بذرية صالحة.