تعمل الجزائر بشكل دؤوب على دعم القضايا العادلة والملفات التحررية والدفاع عن المسائل والملفات ذات العمق العربي – الإسلامي، والإفريقي والإنساني العادل، حيث نشطت الدبلوماسية الجزائر خلال العهد الجديد بشكل تراكمي، أكدت من خلاله أن توجهات ومواقف الجزائر راسخة لا تتغير، كما أن الجزائر الجديدة بدأت تتحرك بميكانيزمات أنشط وأكبر لدعم القضايا العادلة والملفات الإستراتيجية، وفق الوهج الذي كانت تكتسيه خلال سبعينيات القرن الماضي، كقلعة للحرية وحاضنة للقضايا العادلة ودولة تتمتع بثراء إنساني ودبلوماسي لا يتزعزع. قال الدكتور ميلود حمزاوي الباحث في العلوم السياسية والعلاقات الدولية ل «الشعب»، إنه يمكن اعتبار الدبلوماسية الجزائرية حاليا هي استجابة حتمية للتوجهات السياسية العامة للدولة الجزائرية في عهدها الجديد، التي استطاعت أن تفرض نفسها في الساحة الدولية، رغم الأوضاع العالمية الصعبة بسبب تبعات جائحة كورونا والأزمات التي تبعتها. فالأزمة الأمنية العالمية التي خلفها النزاع في أوكرانيا يستوجب التعامل الحذر مع تحولات النزاع. وأفاد حمزاوي، أنه وبالرغم من الكم الكبير من التحديات، إلا أن ما يحسب للجزائر في الفترة الأخيرة أنها عملت دائما على تحديث منظومتها الدبلوماسية وذلك باستغلال وتوظيف أشكال أكثر حداثة وأكثر فاعلية من الدبلوماسية. فتوظيف دبلوماسية اقتصادية قد يكفل المكانة الإقليمية والقارية، من خلال الانضمام الى مبادرات وتكتلات اقتصادية قارية كمنطقة التبادل الحر القارية الأفريقية، وهو المشروع الذي يمكن الجزائر من لعب دورها القاري وأن يضعها كحلقة وصل بين إفريقيا وباقي الاقتصاديات والتكتلات العالمية، وذلك باستغلال إمكاناتها المادية وتطوير بناها التحتية وموقعها الجغرافي. وأشار ذات المتحدث، إلى أن الجزائر توظف الدبلوماسية الدينية، خصوصا إن علمنا أنها تضم الكثير من مراكز الطرق الصوفية المنتشرة في الدول الأفريقية وهو ما مكن الجزائر سابقا من لعب دور الوسيط في حل كثير من النزاعات وما زال يمكنها ذلك حتى الآن. ولعل أحسن وصف لوساطات الجزائر، أنها تعرف كلاعب إقليمي مأمون ووسيط فاعل وصادق، وهو الوصف الذي ترتبط به الجزائر في أغلب وساطاتها، حيث تسعى إلى حل النزاعات وتهدئة الأوضاع بلا أي اعتبارات مصلحية أو الخضوع لأي إملاءات خارجية. وأشار حمزاوي إلى الأدوار الدبلوماسية التاريخية المراعية للأبعاد الاسلامية والعربية للجزائر، كالقضية الفلسطينية، وما القمة العربية منا ببعيدة، أو تقديم الإعانات في الكوارث والظروف الخاصة، وأبسط أمثلتها الإشادة الدولية بسبق الجزائر وكسرها الحظر الجوي على سوريا وتقديم المساعدات العاجلة بعد الزلزال الأخير، حيث أن ما يمكن الإشادة به في فترة رئاسة الرئيس عبد المجيد تبون هو توظيف منصات التواصل الاجتماعي وتوظيف دبلوماسية رقمية، ذات فائدة دولية، باعتبارها مصدرا موثوقا للمعلومة الدبلوماسية تقوض بشدة الدعايات الخارجية المغرضة، وتلعب دورا تواصليا داخليا يعزز من اللحمة ويقوي الجبهة الداخلية». قال الدكتور رشيد بلقرع أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية ل»الشعب»، إن الجزائر اكتسبت فعاليّة دبلوماسية ومخزونا من الوساطات الإقليمية والدولية أهّلتها في أن تتقدّم كمدرسة في الدبلوماسية الدولية وفي معابرها المختلفة من الاقتصادية إلى الثقافية، على غرار مساعيها الرامية إلى تسوية النزاعات وبناء السّلم، في حين أنّ المعروف أن جذورها تعود إلى ثورة التحرير، أي قاد أبناؤها دبلوماسية ثورية عملت على تدويل القضية الجزائرية وإيصال صوتها وعدالتها إلى المحافل الدولية.. فإنّ هناك من يقدّم رؤية تأصيلية للتاريخ الدبلوماسي الجزائري؛ تجد ذلك في كتابات الجزائري صاحب ملتقيات الفكر الإسلامي، المرحوم مولود قاسم نايت بلقاسم الذي يعود إلى فترة ما قبل 1830 في كتابه: شخصية الجزائر الدولية قبل 1830 وهيبتها العالميّة في جُزءين.. ويؤكد بلقرع أن الراصد الموضوعي للمُنجز الدبلوماسي الجزائري لا يجد صعوبة في تَلمّس مسارات هذا المُنجز وعلى عدة جبهات عربيّة، إسلاميّة وأفريقية..، حيث يتقدّم اتفاق المنجز الجزائري في كلّ من أزمة الرهائن الأمريكيين التي تُوّجت بالحلّ جزائريّا العام 1981، وكذلك تسوية النزاع الإريتيري - الأثيوبي والتي تُوّجت باتفاق الجزائر، أيضا على صعيد عربي-إسلامي كانت الجهود الدبلوماسية الجزائرية في الحرب العراقية- الإيرانية (حرب الخليج الأولى 1980-1988) التي أودَت بحياة المثقف والدبلوماسي محمد الصديق بن يحي، وعلى الصعيد الأكبر، كان الاحتضان الدبلوماسي الجزائري الكامل للقضية الفلسطينية وغير المشروط والتي شهد العرب والعالم في 13 أكتوبر 2022 تتويج مسار ممتدّ من الدّعم المادي والسياسي والدبلوماسي بتوحيد الجزائر لِ14 فصيلاً فلسطينيّا تحت مظلة الدبلوماسية الجزائرية قبيل انعقاد قمّة العرب الأخيرة بالجزائر في الفاتح من نوفمبر الماضي وكذلك تقديم رؤى وتصورات لحلول لمشاكل المنطقة..، وهي محطات من الرصيد الدبلوماسي الجزائري الذي يعتبر جزءًا من قوتها الناعمة وأداةً أصيلة من أدوات تنفيذ السياسة الخارجية وكذلك حماية وتعزيز الأمن القومي الجزائري وبناء السلم ودعم التعاون إقليميّا ودوليّا.