أثبتت الاشتباكات الدموية التي كانت العاصمة الليبية طرابلس مسرحا لها الأسبوع الماضي، بأن المليشيات المسلّحة مازالت تشكّل تحدّيا أمنيا خطيرا وعاملا من عوامل عدم الاستقرار، ما يعكس بوضوح حتمية تفكيك مختلف المجموعات العسكرية غير الشرعية والتركيز بجدّ وحزم على فرض جدول زمني لتنظيم الانتخابات وإقرار سلطة موحّدة تعيد لليبيا استقرارها وسلامها. أبرزت المواجهات المسلّحة الأخيرة في طرابلس بين اللواء 444 وقوات الدرع الخاصة والتي راح ضحيتها 55 شخصا وعدد كبير من الجرحى في أعنف اشتباكات تشهدها العاصمة منذ أشهر، أن ليبيا بمجموع سكانها البالغ سبعة ملايين نسمة، لا تزال تحت رحمة عشرات الجماعات المسلحة المتنافسة المدعومة في أغلبها من قوى أجنبية تعتبر السبب الرئيسي لاستمرار الازمة بهذه الدولة التي تقف على حافة الاحتراب الداخلي منذ 2011، فالتدخّلات الخارجية من خلال تشكيل مليشيات مسلّحة تقوّض جهود إقرار الامن، وأيضا من خلال نسف كل الجهود السلمية لاستكمال المسار الانتخابي المعلّق، تعتبر العامل الأوّل في عدم تسوية المعضلة الليبية، ما جعل البلاد في مواجهة عنف يتجدّد في كلّ مرّة مخلّفا خسائر مادية وبشرية كبيرة. إن الاشتباكات الاخيرة - بحسب جلّ المراقبين السياسيين - هي علامة على استعصاء الصراع بعد أكثر من عقد على اندلاعه، حيث فشلت الجهود المتكررة في تشكيل حكومة وطنية منتخبة وموحدة، مع تأجيل خطة تدعمها الأممالمتحدة لإجراء انتخابات عام 2021 إلى أجل غير مسمى. ولا يبدو أن ليبيا يمكن أن تستعيد استقرارها أو حتى تمضي في مسار الانتخابات دون التخلّص من تغوّل المليشيات المسلّحة وسطوة التدخلات الخارجية. هذا وقد أنهت قوات جهاز الردع وقوات اللواء 444 الانسحاب من المواقع التي شهدت اشتباكات الأسبوع الماضي في العاصمة الليبية طرابلس. وتمّت عملية الانسحاب تحت إشراف وزارة الداخلية بحكومة الوحدة الوطنية، وجهاز الدعم والاستقرار، إلى جانب قوات 111 التابعة لرئاسة الأركان العامة للجيش الليبي.