ماذا أقول في هذا الظرف العصيب من توديع أعز إعلامي عرفناه، كان في مقام الزميل والأخ العطوف يلبي كل طلب بتلقائية وصدر رحب . الكلمات تعجز عن إعطاء الراحل حق قدره من الاعتبار والقيمة التي تليق بمقامه. مهما تحدثنا وتكلمنا فإننا لا نقوى على إيفاء الراحل صفاته وسماته. إنه بشير حمادي الذي كان نعم الصديق في كل الأوقات والحقب الإعلامية التي مررنا بها .هي حقب تاريخية بحلاوتها ومرارتها لا تنسى. بهذه المرثية في وفاة بشير التي جاءت على حين غفلة وتزيدنا ألما وحسرة تذكرنا قوافل الأصدقاء المهنيين الذين غادرونا دون رجعة، تعود بنا الصورة إلى أولى البدايات أثناء وضع الخطوة الأولى في مهنة المتاعب بساحة موريس أودان.يومها كنا طلبة نتلهف على الالتحاق بأي عنوان إعلامي في وقت كانت العناوين وجهة للأفكار والجدل بالتي هي أحسن بين مختلف التيارات المذهبية والايدولوجية التي تباينت آراؤها وبعدت زوايا تحليلاتها لكنها التقت حول نقطة جوهرية :المساهمة في ترقية منظومة إعلامية ترافق البناء الوطني وتعرض اقتراحات حلول لتعقيدات بعيدا عن التهويل والإثارة.آراء متعددة لفكر يصب في منهاج واحد نقل صورة جزائر الانتصارات والإنجازات إلى الآخر وإعطاء أدق التفاصيل عن المشروع الوطني الذي كان يروج آنذاك لجزائر قوية على مشارف الخروج من قائمة الدول المتخلفة واللحاق بركب وحدات سياسية في صف إسبانيا، كوريا الجنوبية وآخرين. في هذا الجو المفعم بالحماس الفياض والحرارة في الذهاب إلى الأبعد ، كان بشير حمادي أحد أطرافه الإعلامية الفاعلة، تعرفت عليه لأول مرة بمقهى اللوتس بساحة أودان أواسط الثمانينيات كنت صحفيا بأسبوعية «أضواء» وهو مسؤول بجريدة «الشعب» رفقة زملاء آخرين أمثال سليم قلالة، بوعشة محمد، هارون محمد السعيد والقائمة طويلة. وجدت في الفقيد مرافقا إعلاميا لا يبخل بالتوجيهات يؤطر كل صحفي في بداية المشوار ويطلعه على أسرار مهنة المتاعب وأبجديات الكتابة، لا يغش ولا ينافق ولا يدفع بأحد نحو الغرور والادعاء بأنه وصل. بالنسبة إليه الإعلام فن وعلم، كل كتابة أو تعليق هي بداية لمسار من إتقان العمل الذي يعطي صاحبه قوة تعبيرية أكبر وقدرة على التحليل وبعد النظر دون السقوط في الغرور والادعاء الخاطئ أنه مالك للحقيقة المطلقة عارف بخبايا الصحافة. بهذا التواضع كانت كتابات الراحل بشير حمادي سهلا ممتنعا تطلع القارئ بأدق التفاصيل وتجعله أكثر تشوقا في قراءتها ثانية وثالثة.أتذكر هذا أثناء الحوارات المفتوحة على آخر صفحة الشعب، حيث تقمص بشير شخصية ابن القفع وظل يدلي بآرائه في أمهات القضايا التي احتلت أولى صفحات العناوين وفرضت على الأقلام النزيهة الغوص في عمقها دون تركها تمر مرور الكرام. من الشعب، إلى المساء، من «جزائر اليوم إلى الحقائق مرورا ب «الشروق» سار بشير على هذا الدرب جاعلا من مهنة المتاعب حياتها الأبدية فكان السهل الممتنع.