خطة السلام في الشرق الأوسط، التي يتبناها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ويتولى صهرُه المستشار جاريد كوشنر تسويقها، ويدعو المجتمعَ الدولي إلى قبولها، مازالت سرا لم يُكشف عن فحواه، ويقف العالم مترقبا سيناريو انتهاء الصراع العربي- الإسرائيلي. ربط جاريد كوشنر كشف سر خطة السلام أو ما أطلق عليه إعلاميا “صفقة القرن” بالانتهاء من تشكيل “إسرائيل” حكومة ائتلافية في أعقاب فوز رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بالانتخابات وبعد انتهاء شهر رمضان في أوائل جوان المقبل. جمع كوشنر سفراء العالم في ضيافة دبلوماسية بالقصر الرئاسي “بلير هاوس” المقابل لمبنى البيت الأبيض، ليجبرهم على تهيئة الأجواء لقبول تنازلات “حتمية” مختصرا هذا في قوله: “سيكون علينا جميعا النظر في تنازلات معقولة تتيح تحقيق السلام”. لا يجرؤ السفراء في مثل هذه الأجواء الدبلوماسية المخملية، على أن يسألوا عن فحوى خطة هم مدعوُّون إلى قبولها ودعمها سياسيا، باعتبارها آخر خيار في حسم أطول صراع في الشرق الأوسط، لكنهم يدركون أن دورهم المطلوب هو التهيُّؤ لهذا المتغير، الذي سيُلزم دولهم بصياغة القرارات التي تدعم ركائزه. تجيد إدارة البيت الأبيض التحكُّم في الوقت، واستثمار تفاصيله، في فرض خطتها قبل الإعلان عنها، حتى أصبح القبول بها إلزاما وليس خيارا، حتى على أولئك المعنيين بها بشكل مباشر، باعتبارها تمسُّ بحقوقهم التاريخية. أما جاريد كوشنر، أحد مهندسي خطة السلام المرتقَبة، الذي باتت له صلاحية الاجتماع بنحو 100 سفير من أنحاء العالم في بلير هاوس، بصفته مستشارا للرئيس ترامب، فقد أخذ صلاحيات وزارة الخارجية الأمريكية، وقدّم خطابها المدرَج في بياناتها المتعاقبة حول الصراع في الشرق الأوسط، وهذا بحد ذاته يعدُّ تحولا في تراتيب الأدوار السياسية . وتقام خطة السلام المبهمة إلى حد اللحظة، على معالجة الواقع السياسي طبعا، الذي يتضمن حقوق الشعب الفلسطيني في دولة مستقلة، وعودة اللاجئين، لكن هذه الحقوق وفق المشروع الأمريكي، تلغي ما أقرته الأممالمتحدة في قراري 242 و338 وتلغي قرارات القمم العربية التي وضعت رؤيتها للسلام مع “إسرائيل”. كما تقام على إعداد القاعدة الاقتصادية التي تؤهِّل الشعب الفلسطيني، بعد دخول خطة السلام مرحلتها التنفيذية. وهذا ما أكده كوشنر الذي يرى أن المكون السياسي واضح التفاصيل تماما، مثل المكون الاقتصادي. لكن لم يتمكن أحدٌ من معرفة إذا ما كانت خطة السلام ستُقر إقامة دولة فلسطينية، وإذا ما أقرتها فأين سترسم خارطتها، هل ستكون غزة وجزءا من سيناء؟ أم المنطقة الغربية في العراق لكونها تحاذي الأردن وسوريا؟ أمريكا في خطاب كوشنر أرادت شيئين، هما: الاستعداد لتقديم التنازلات ب”ذهن منفتح”، وضمان أمن الكيان الإسرائيلي، أكثر مما يعينها حق الشعب الفلسطيني الضائع. والمعنيُّ بالتنازلات، هو الجانب الفلسطيني الذي لم يعد لديه ما يتنازل عنه، فقد اكتفى بالقدس الشرقية، عاصمة لدولة منتظرة في الأراضي التي احتلت سنة 1967، لكن ترامب اعتبر القدس عاصمة موحدة ل”إسرائيل”، فأيُّ تنازل جديد يسعى إليه جاريد كوشنر، غير النزوح الفلسطيني من الضفة الغربية نحو صحراء لا تسكنها غير الرمال، أمام صمتٍ عربي يجسِّد الخنوع التام لما تقرره الولاياتالمتحدةالأمريكية، بإعلان الاعتراف الرسمي ب”إسرائيل”؟!