القضاء على إرهابي وتوقيف 66 تاجر مخدرات    عطاف يستقبل رئيس مجلس العموم الكندي    الرئيس يستقبل أربعة سفراء جدد    مشروع جزائري قطري ضخم لإنتاج الحليب المجفف    شرفة يلتقي نظيره التونسي    عرقاب: نسعى إلى استغلال الأملاح..    هذه حصيلة 200 يوم من محرقة غزّة    القيسي يثمّن موقف الجزائر تجاه القضية الفلسطينية    العدوان الصهيوني على غزة: ارتفاع حصيلة الضحايا إلى 34 ألفا و305 شهيدا    المولودية في النهائي    بطولة وطنية لنصف الماراطون    تسخير 12 طائرة تحسبا لمكافحة الحرائق    مهرجان الجزائر الأوّل للرياضات يبدأ اليوم    هزة أرضية بقوة 3.3 بولاية تيزي وزو    ش.بلوزداد يتجاوز إ.الجزائر بركلات الترجيح ويرافق م.الجزائر إلى النهائي    مهرجان عنابة للفيلم المتوسطي "علامة مرموقة في المشهد الثقافي"    جهود مميزة للجزائر لوضع القضية الفلسطينية في مكانها الصحيح    تمرين تكتيكي بالرمايات الحقيقية.. احترافية ودقة عالية    مسرحية "المتّهم"..أحسن عرض متكامل    إتلاف 186 كلغ من اللحوم البيضاء الفاسدة    الاتحاد الأوروبي يدعو المانحين الدوليين إلى تمويل "الأونروا"    العدالة الإسبانية تعيد فتح تحقيقاتها بعد الحصول على وثائق من فرنسا    ارتفاع رأسمال بورصة الجزائر إلى حدود 4 مليار دولار    قسنطينة: تدشين مصنع لقطع غيار السيارات ووحدة لإنتاج البطاريات    تفعيل التعاون الجزائري الموريتاني في مجال العمل والعلاقات المهنية    معركة البقاء تحتدم ومواجهة صعبة للرائد    اتحادية ألعاب القوى تضبط سفريات المتأهلين نحو الخارج    شبيبة سكيكدة تستعد لكتابة التاريخ أمام الزمالك المصري    الجزائر-تونس-ليبيا : التوقيع على اتفاقية إنشاء آلية تشاور لإدارة المياه الجوفية المشتركة    جعل المسرح الجامعي أداة لصناعة الثقافة    الفريق أول السعيد شنقريحة يشرف على تنفيذ تمرين تكتيكي بالناحية العسكرية الثالثة    إجراءات استباقية لإنجاح موسم اصطياف 2024    عائلة زروال بسدراتة تطالب بالتحقيق ومحاسبة المتسبب    29 جريا خلال 24 ساعة الأخيرة نتيجة للسرعة والتهور    عنابة: مفتشون من وزارة الري يتابعون وضع بالقطاع    جلسة للأسئلة الشفوية بمجلس الأمة    إنجاز ملجأ لخياطة وتركيب شباك الصيادين    "عودة مهرجان عنابة للفيلم المتوسطي تعكس الإرادة الجزائرية لبعث وتطوير السينما"    فتح صناديق كتب العلامة بن باديس بجامع الجزائر    "المتهم" أحسن عرض متكامل    دعوة لدعم الجهود الرسمية في إقراء "الصحيح"    "العفو الدولية": إسرائيل ترتكب "جرائم حرب" في غزة بذخائر أمريكية    فتح صناديق كتب الشيخ العلامة عبد الحميد بن باديس الموقوفة على جامع الجزائر    إهمال الأولياء يفشل 90 بالمائة من الأبناء    نصف نهائي كأس الجمهورية: اتحاد الجزائر – شباب بلوزداد ( اليوم سا 21.00 )    وزير البريد في القمة الرقمية الإفريقية    فيما شدّد وزير الشؤون الدينية على ضرورة إنجاح الموسم    الجزائر تشارك في معرض تونس الدولي للكتاب    مباراة اتحاد الجزائر- نهضة بركان : قرار الكاف منتظر غدا الاربعاء كأقصى تقدير    الرقمنة طريق للعدالة في الخدمات الصحية    سايحي يشرف على افتتاح اليوم التحسيسي والتوعوي    حج 2024 : استئناف اليوم الثلاثاء عملية حجز التذاكر للحجاج المسافرين مع الديوان الوطني للحج والعمرة    منصّة رقمية لتسيير الصيدليات الخاصة    حكم التسميع والتحميد    الدعاء سلاح المؤمن الواثق بربه    أعمال تجلب لك محبة الله تعالى    دروس من قصة نبي الله أيوب    صيام" الصابرين".. حرص على الأجر واستحضار أجواء رمضان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عندما قال "فخامة الشعب".. لا
ملف: سنة بعد حراك سلمي رافقه الجيش وحماه

تمر هذا السبت الذكرى الأولى لانطلاق الحراك الشعبي، الذي كان ملحمة مليونية قام بها الشّعب الجزائري لوقف الانحراف السياسي وإعطاء إشارة الانطلاق لعهد جديد، بدأ بإسقاط العهدة الخامسة، ثم الدخول في جولات حوار انتهت بتأسيس سلطة وطنية مستقلة لتنظيم الانتخابات، وتمكنت هذه الأخيرة من تنظيم انتخابات رئاسية أعادت الجزائر إلى حظيرتها الدولية وكانت بداية لإصلاح الأوضاع داخليا. وبالموازاة مع ذلك استمر جزء من الحراكيين في التظاهر في مظهر يكرس حرية التعبير والديمقراطية مثل ما قال رئيس الجمهورية.
وعلى صعيد مكافحة الفساد، كان العام الأول من الحراك حافلا بالأحداث… رؤوس كبيرة سقطت وأخرى في طريقها إلى السجن، بما شكل رادعا قويا للمسؤولين بأن من يغترف من المال العام ينتهي به المطاف سجينا أو طريدا… واليوم يتحول هذا اليوم بقرار رسمي إلى يوم وطني للتلاحم والتآزر بين الجزائريين، في إطار التغيير الذي طالب به "فخامة الشعب" لبناء الجزائر الجديدة.
الجزائريون يحيون أوّل يوم من انتفاضتهم السلمية
حراك 22 فيفري.. الذكرى والعبرة
– شعار "الجيش.. الشعب خاوة خاوة" يعود بقوة في المسيرة ال53
خرج جزائريون هذا الجمعة، عبر مسيرات حاشدة جابت أنحاء البلاد، تزامنا مع الذكرى الأولى للحراك الشعبي المصادف ليوم 22 فيفري 2019، والذي أطاح بالرئيس الأسبق عبد العزيز بوتفليقة وحاشيته، وأدخل الدولة في مرحلة غير مسبوقة في تاريخها، لعب فيها الجيش الوطني العشبي دورا فعالا في إيصال الجزائر إلى بر الأمان، إلا أن المتظاهرين للأسبوع ال53 أصروا على مواصلة حراكهم حتى تتحقق جميع مطالبهم كاملة غير منقوصة، كما عبروا عن تمسكهم ببناء جزائر جديدة قوامها السيادة الشعبية، مطالبين بإطلاق سراح سجناء الرأي والسياسيين.
هذه الجمعة، ليس كسائر الجمعات السابقة، إذ شهدت مداخل العاصمة، عبر جميع الطرق المؤدية إليها خاصة الطريق السيار من الناحية الشرقية أو الغربية أو حتى الفرعية والثانوية ازدحاما كبيرا، بسبب السدود الأمنية الكثيرة على مستواها، تحسبا لتنقل المواطنين إلى العاصمة لإحياء الذكرى الأولى للحراك الشعبي، والتي رسّمها رئيس الجمهورية عبد العزيز تبون كيوم وطني للتلاحم بين الشعب والجيش.
وحدة الشعب خط أحمر.. والجميع ضد الجهوية والكراهية
أجواء المسيرة ال53 كانت مميزة مقارنة بالمسيرات الماضية، حيث عادت صور المسيرات الأولى لبداية الحراك الشعبي، وعادت معه الشعارات والهتافات القديمة، التي صدحت بها أصوات المتظاهرين على شاكلة الهتاف المشهور "جيش .. شعب.. خاوة خاوة".
ومباشرة بعد انتهاء المصلين من أداء صلاة الجمعة، انطلقت الحشود في مسيرات جابت الشوارع الرئيسية للعاصمة التي غصت كالعادة بالمتظاهرين شبابا وكبارا، نساء ورجالا، رافعين الرايات الوطنية ولافتات ورددوا شعارات سياسية تشدد على وحدة الشعب وأسس الجزائر الجديدة منها "لا للطائفية نعم للوحدة الوطنية" و"بيان أول نوفمبر أساس الدولة الجديدة"، كما تميزت مسيرة الذكرى الأولى للحراك الشعبي، برفض الجزائريين كل أشكال العنصرية والتفرقة، حيث اتحدت الأصوات مع بعضها وامتزجت اللهجات وسقطت الإيديولوجيات، لا مكان للجهوية.
مباركة شعبية لمتابعة شكيب خليل وآخرين قضائيا
لم يفوت الحراكيون، فرصة التعبير عن فرحتهم بمواصلة محاسبة أفراد العاصبة وباركوا العمل الكبير الذي تقوم به المحكمة العليا التي ضربت بيد من حديد كبار المسؤولين السابقين في صورة "شكيب خليل" الذي ظل لسنوات يصول ويجول هناك وهناك، دون أن يردعه حسب ما كشف أحد الموطنين "كنا يوميا ننتظر متى يتم الإعلان في العاجل عن إصدار أوامر قضائية بمتابعة والقبض على شكيب خليل، الذي يعتبر في نظرنا أول من حطم الاقتصاد الوطني، من خلال صفقاته غير المشبوهة، في داخل وخارج الوطن".
كم طالب المتظاهرون برؤوس الفساد الذين نهبوا المال العام وخانوا الأمانة، وعاثوا في الأرض استبدادا، وكانت أغلب الشعارات التي حملها المحتجون، بالعاصمة، تصب في خانة مطالبة جهاز العدالة بمواصلة القبض على رموز النظام السابق، دون استثناء، مرددين بهتاف موحد "الجزائر أمانة بعتوها يا الخونة"، في إشارة إلى المتسببين في الفساد المالي والاقتصادي.
حراكيون يحيون الذكرى الأولى في عديد الولايات
بالتغيير الجذري متمسكون.. وللمفسدين محاربون
استرجع الجمعة عبر عديد الولايات، الشارع زخمه في الجمعة التي سبقت بساعات مرور الذكرى الأولى للحراك الشعبي، الذي أطاح بمخططات النظام السابق الذي حاول تمرير العهدة الخامسة للرئيس المستقيل، وبقاء كل أفراد العصابة على رأس الحكم.
وظهرت كل أطياف المجتمع في الجمعة التي سبقت 22 فيفري في مدن شرق البلاد، وجاء بعض المشاركين ليحتفل بما تحقق من إنجازات الحراك، وعلى رأسها جرّ الكثير من رؤوس الفساد إلى العدالة، ومنع الرئيس السابق من مواصلة الحكم، والبعض الآخر جاء للمطالبة بتحقيق المطالب المتبقية وعلى رأسها تغيير كل ما له صلة بالممارسات السابقة التي أوقعت البلاد في الفخ.
كما ظهرت شعارات جديدة وأناشيد، كان واضحا بأن أهل الحراك جهزوها خصيصا للذكرى الأولى.
كما خرج البجاويون في مسيرة جابوا من خلالها شوارع عاصمة الحماديين انطلقت من ساحة دار الثقافة "الطاوس عمروش" باتجاه أعالي المدينة مرورا بمقر الولاية وساحة حرية التعبير "سعيد مقبل"، تحت شعار "عام وحنا خارجين وماراناش حابسين"، حيث طالب المشاركون في مسيرة الجمعة 53 بالتغيير الجذري والشامل للنظام الفاسد بشعار "نعم للتغيير الجذري.. لا لعملية تجميله"، حيث ألح المتظاهرون على ضرورة رحيل كل رموز النظام السابق، ومحاسبة كل الفاسدين واسترجاع أموال الشعب المنهوبة، وجدد المتظاهرون مطلبهم الداعي إلى إطلاق سراح كل موقوفي الحراك، معبرين عن رفضهم لاستغلال الغاز الصخري في الجزائر.
من جهتهم، أحيا ناشطو الحراك بالشلف، ذكراه الأولى حيث استهلت مسيرة، الجمعة، بالاستماع لكامل مقاطع النشيد الوطني، وطالب المشاركون بالإفراج عن موقوفي الحراك، ومتابعة محاسبة الفاسدين، وتطهير الإدارة من "بقايا العصابة"، وحل المجالس المنتخبة.
منع أن تسيل قطرة دم جزائرية واحدة
هكذا رافق الجيش الحراك.. وتعهّد ووفّى
– من حماية الوحدة الوطنية إلى إسقاط العصابة وصولا إلى تأمين الرئاسيات
سيبقى يوم 22 فيفري 2019، محطة هامة في تاريخ الجزائر الحديث، فالمسيرات السلمية للشعب الجزائري التي عمت أرجاء الوطن مطالبة بالتغيير النظام السابق، قد وجدت لدى الجيش الوطني منذ البداية الأذان الصاغية والأيدي الآمنة لمرافقتها، وبذلك سجل التاريخ مواقف وطنية خالدة للمؤسسة العسكرية، وعلى رأسها الراحل الفريق أحمد قايد صالح، بصفته رئيس الأركان، نائب وزير الدفاع، الذي تعهد بأن "لا تسيل قطرة دم جزائرية واحدة"، وحرص من خلال جميع خطاباته التي رافقت الحراك على الوحدة الوطنية وحماية الدولة وإحباط كل المخططات الدنيئة التي سعت إليها أطراف أجنبية بتواطؤ من بعض الأطراف المشبوهة بالداخل، حتى تصل الجزائر إلى بر الأمان.
البداية بالدعوة إلى تطبيق المادة 102
استنادا إلى شرعية مطالب الشعب المعبر عنها من خلال المسيرات السلمية، أكدت المؤسسة العسكرية على لسان نائب وزير الدفاع الوطني، رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي، المرحوم قايد صالح في كلمة ألقاها خلال زيارة عمل إلى الناحية العسكرية الرابعة، في مارس 2019، على ضرورة تطبيق المادة 102 من الدستور بالإضافة إلى المادتين 07 و08.
وفي الثاني من شهر أفريل 2019 ترأس الفريق احمد قايد صالح اجتماعا بمقر أركان الجيش، وأشاد فيه بالسلوك الحضاري والمستوى الراقي للوعي في المسيرات السلمية، وعبر عن مساندته لمطالب الشعب، ودعا للتطبيق الفوري للحل الدستوري، وقال في الاجتماع: "بصفتي مجاهدا لا يمكنني السكوت عما يحاك ضد الشعب من مؤامرات… لن أسكت عن دسائس دنيئة لعصابة امتهنت الغش والتدليس والخداع… أنا في صف الشعب وإلى جانبه في السراء والضراء مهما كلفني الأمر".
وفي كلمته التاريخية في هذا الاجتماع لقيادة الأركان، كشف الفريق المجاهد المرحوم محاولات العصابة الالتفاف على مطالب الشعب بمخططاتها المشبوهة، وسعيها لتهريب الأموال والفرار إلى الخارج.
طموح المؤسسة العسكرية خدمة الوطن
بالرغم من الدعوات الصريحة لتدخل المؤسسة العسكرية في الشأن السياسي ومحاولة إقحامها في مجال له تعقيداته وتجاذباته، إلى أن التزام الجيش بالنهج الدستوري لم يكن وليد بداية المسيرات السلمية ليوم 22 فيفري، بل هو موقف كرسه الجيش في السنوات الأخيرة، وهو ما أكده الفريق الراحل قايد صالح خلال زيارته إلى ورقلة، حيث ألقى كلمة أمام إطاراته، أكد فيها بأنه لا يملك طموحات سياسية، وأن طموحه هو خدمة الوطن طبقا للمهام الدستورية، ومن هذا المنطلق دعا إلى تغليب الحوار العقلاني في إطار الشرعية الدستورية كسبيل للخروج من الأزمة ومسار حتمي لإيجاد الحلول الكفيلة بتلبية مطالب الشعب المشروعة مع رفضه التام، ان تكون المؤسسة العسكرية طرفا في هذا الحوار.
الجيش بالمرصاد لكل المؤامرات الدنيئة
لقد نبه الفريق قايد صالح رحمه الله في العديد من خرجاته الميدانية لوجود مخططات مدروسة تم إعدادها بمكر شديد، من طرف أطراف تعمل بمنطق العصابة لتأزيم وتأجيج الوضع في الجزائر، عبر مواقفها التضليلية والتغليطية، وهنا نبه الراحل الشعب للإعلام المعتمد على الأكاذيب والسيناريوهات غير الحقيقية، حيث أنه بتاريخ 18 من شهر جوان 2019، أكدت قيادة الجيش على لسان الفريق الراحل، بأن الجزائر ليست لعبة حظ بين أيدي من هب ودب ولا لقمة سائغة لهواة المغامرات، وقال "اعداء الجزائر يدركون بحسرة شديدة وبحسد أشد بأن بلادنا تحوز اليوم على جيش وطني المبدأ، شعبي المنبع".
وتابع قايد صالح "ففي الوقت الذي كان فيه أبناء الشعب من أفراد الجيش منشغلون بأداء مهامهم بكل صدق وإخلاص… كان فيه البعض ممن لا ضمير لهم يخططون بمكر في كيفية الانغماس في مستنقع نهب المال العام".
وفي 26 جوان من عام 2019، قال بأن الحملات الدنيئة التي تتعرض لها قيادة الجيش عقيمة ومعدومة، وكشف في كلمة بالأكاديمية العسكرية لشرشال عن "عراقيل تواجه الجيش يقف وراءها أشخاص يرون في كل عمل جدي مساسا بمصالحهم ومصالح أسيادهم"، مجددا حرصه على العدالة الحرة والنزيهة لبناء دولة الحق والقانون.
"الاجتماع المشبوه".. هكذا تم عزل العصابة وأذنابها
مكنت مقاربة الجيش من التعامل بشكل آني وسريع مع العصابة وأذنابها، حيث تم شل حركتها وإضعاف موقفها من خلال إجراءات عديدة، يتعلق أولها بتوفير المناخ المناسب للعدالة، حيث رافقت المؤسسة العسكرية القضاء في كل خطواته ومنحت العدالة كل الحرية للتحرك في مواجهة المافيا المالية السياسية، وساندتها في مواجهة الفساد، بخاصة، وقد حاولت العصابة ومن والاها إدخال الوطن في الفوضى والفتنة من خلال "الاجتماع المشبوه" بإقامة الدولة، وفي هذا الشأن قال الفريق الراحل قايد صالح إنه "بتاريخ 30 مارس 2019 تم عقد اجتماع من طرف أشخاص معروفين، سيتم الكشف عن هويتهم في الوقت المناسب، من أجل شن حملة إعلامية شرسة في مختلف وسائل الإعلام وعلى شبكات التواصل الاجتماعي ضد الجيش الوطني الشعبي وإيهام الرأي العام بأن الشعب الجزائري يرفض تطبيق المادة 102 من الدستور".
وأكد في وقتها الفريق الراحل أن "كل ما ينبثق عن هذه الاجتماعات المشبوهة من اقتراحات لا تتماشى مع الشرعية الدستورية أو تمس بالجيش الوطني الشعبي، الذي يعد خطا أحمر، هي غير مقبولة بتاتا وسيتصدى لها الجيش الوطني الشعبي بكل الطرق القانونية".
وهو الاجتماع الذي انتهى بتوقيع المحكمة العسكرية عقوبة 15 سنة في حق كل من السعيد بوتفليقة، الجنرالين توفيق وطرطاق و20 سنة في حق وزير الدفاع السابق خالد نزار ومن معه.
أما الإجراء الثاني الذي رافقته مؤسسة الجيش هو القضاء على الأذرع المالية للعصابة، حيث تمت مباشرة عملية كشف وملاحقة الفاسدين والمتورطين في قضايا الفساد ومقدرات الأمة، إذ توالت عملية حبس وزراء ومسؤولين وإطارات سامية في الدولة، إلى جانب ضباط سامين بالمؤسسة العسكرية، حيث تم جرهم إلى السجن بعد أن وجه لهم القضاء تهما عديدة وثقيلة، وحينها قالت المؤسسة العسكرية على لسان فريقها الراحل "العصابة استعمار ثان.. وسأحارب العملاء إلى النهاية…لا يمكن ترك البلاد بين أيدي الفاسدين والعملاء ولن أتخلى عن الواجب الوطني".
التحذير من اختراق مسيرات الحراك
وفي يوم 10 من شهر جويلية، وبمناسبة تسليم الفريق أحمد قايد صالح لجائزة الجيش الوطني بنادي الجيش ببني مسوس، قال في خطابه بأن من يتجرأ على الجزائر وشعبها لن يفلت من العقاب، وذكر بأن كل كلمة طيبة تقال في الجيش ستزيده شموخا على شموخ، وكل إساءة مغرضة وباطلة في حقه لن تنقص من قدره شيئا، وحذر الراحل من محاولات أعداء الوطن التغلغل في مسيرات الحراك الشعبي لاختراق صفوفه والتأثير على مطالبه… وهنا أكد أن وحدة الشعب والجيش هامة في السياق الوطني والإقليمي والدولي، وقال متحدثا عن قيادة الجيش: "أثبتت بالقول والعمل إنها في خدمة الخط الوطني المبدئي للشعب الجزائري وأنها ثابتة الوفاء على العهد الذي قطعته أمام الله والشعب والتاريخ".
ولقد حرصت المؤسسة العسكرية على تنظيم الجزائر انتخابات رئاسية في كل مواقفها احتراما للدستور، وفي هذا السياق، دعا الراحل قايد صالح أبناء الوطن للحوار الجاد الصادق، كما قال في زيارته للناحية العسكرية السادسة بتمنراست، "الجزائر اليوم هي في انتظار كل جهد مخلص ووفي يصدر عن أبنائها لا سيما منهم الشخصيات الوطنية ذات القدرة الفعلية على تقديم الإسهام الصائب الذي يكفل إيجاد الحلول المنتظرة".
وفي شهر أوت عاد المرحوم ليدعو وسائل الإعلام لعدم الوقوع في فخ أعداء الوطن، داعيا إلى الحوار لتقريب وجهات النظر والوصول إلى بر الأمان، كما خاطب في بداية أيام أوت 2019، إطارات وأفراد الناحية العسكرية الأولى بالبليدة، ليؤكد مرافقة الجيش لمؤسسات الدولة لتستمر في أداء مهامها لغاية انتخاب رئيس الجمهورية.
مرافقة مؤسسات الدولة ودعم مسار الحوار
وفي الأخير، كلّل مسار الحوار الذي دعت إليه المؤسسة العسكرية وأشرفت عليه هيئة الحوار والوساطة بإنجاز يعد مكسبا وآلية لتحقيق الديمقراطية حسب المختصين، ويتعلق الأمر بإحداث السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات، بموجب القانون العضوي رقم 19 07 المؤرخ في 14 سبتمبر 2019.
إن مواقف المؤسسة العسكرية كانت خطرا على الاستعمار وخدامه، كما كشفت كل وسائل مافيوية لتخريب الوطن وتهديم الوحدة الوطنية، كما أنها كشفت كل محاولات إسقاط الشعار الشعبي الخالد "الجيش والشعب.. خاوة خاوة".
الجيش.. الشعب.. خاوة خاوة
وتنبأ الفريق المرحوم لموقف الشعب في الانتخابات، حيث ذكر في أواخر شهر سبتمبر، أثناء زيارة للناحية العسكرية السادسة بأن الشعب الجزائري سيعرف كيف يفوت الفرصة على المتربصين والمشككين وبأنه ستكون له الفرصة لتشكيل معالم مستقبل الجزائر الواعد، ونحن نعي اليوم ما وقع في يوم 12 ديسمبر من انتخابات رئاسية، اختار فيها الجزائريون رئيسهم بصورة تعددية وسلمية، رغم اختلاف المواقف الشعبية من الانتخابات حينها، مع رفض كل تدخل أجنبي في شؤون الجزائر.
واتجهت الخطابات في طريق فضح الأطراف الخارجية المعادية وخدامها في الداخل، كما أعطى التعليمات لتأمين العملية الانتخابية، حيث خاطب يوم 15 أكتوبر إطارات القوات البحرية ومن ثم وجه رسالة قوية لكل من تسول نفسه جر الجزائر إلى مستنقع "الحرب الأهلية"، قائلا "الجيش سيظل العين الساهرة التي لا تنام ويواصل الوفاء بتعهداته المقطوعة أمام الله والوطن والتاريخ".
انتهت بانتخاب رئيس شرعي بكل حرية وشفافية لأول مرّة
رئاسيات 12 ديسمبر.. بداية التغيير وبناء "الجزائر الجديدة"
– الرئيس تبّون يبدأ عهدته بالحوار والإصلاحات وتعديل الدستور وإعادة الجزائر للمحافل الدولية
"إني أمد يدي للحراك بحوار جادّ من أجل الجزائر والجزائر فقط، وسأعمل على طي صفحة الماضي وفتح صفحة جديدة بعقلية جدية ومنهجية جديدة"، كان ذلك هو تعهد الرئيس عبد المجيد تبون غداة إعلان نتائج الانتخابات الرئاسيّة يوم الجمعة 13 ديسمبر الفائت.
لقد كان الرئيس، وهو يدلي بتصريحه الواعي، يدرك تماما أنّ الجزائر تدشّن عهدا جديدا منذ اندلاع انتفاضة 22 فيفري المباركة، فصار تاريخا يجّبُ ما قبله ولا يمكن الرجوع وراءه، لأنّ الشعب الجزائري قرّر التغيير والقطيعة مع العصابة والفساد والرداءة، متطلعا نحو صناعة المستقبل في ظل السيادة وفي كنف الحرية والكرامة.
كسر الطابوهات والاستماع لكلّ الآراء
وليقينه أن الجزائر الجديدة تبنى بسواعد كلّ أبنائها ولا سبيل للانطلاق في الإصلاح والتجديد إلا بالاستماع إلى كافة الآراء والاستفادة من كل وجهات النظر، لبلورة وفاق وطني حول الملفات الأساسية للانتقال الديمقراطي والاقتصادي، بعيدا عن منطق الإقصاء ولا الوصاية، فإنّ الرئيس شرع مبكّرا، و منذ الأيام الأولى لدخول قصر المرادية، في سلسلة من اللقاءات والاستقبالات لشخصيات وطنية وحزبية من مختلف الطيف السياسي ليستأنس بمقاربتها لوضع البلاد والعباد، وتسجيل تصورها للمستقبل، برغم التفويض الشعبي الانتخابي الذي حازه في الاستحقاق الرئاسي.
وهو ما ترك الانطباع الحسن لدى ضيوفه بامتلاكه الإرادة الجادّة في تغيير الأوضاع والاستجابة لكل مطالب الشعب التي تبناها الحراك، وهو ما عبّر عنه الوزير السابق والناشط السياسي عبد العزيز رحابي، عقب لقائه بالرئيس، بالقول إنه "لمس لدى رئيس الجمهورية نية وإرادة"، معقبا على ذلك "أتمنى أن تلقى تجسيدا ميدانيا بما فيه الخير للبلاد والعباد".
وظهر من خلال انطلاق تلك الأنشطة الرئاسية بسرعة قصوى أنّ الرئيس حريص على تمتين الجبهة الداخلية، عبر الشروع سريعا في تنفيذ تعهداته الانتخابية بالإصلاح الدستوري والسياسي، من أجل التخلص من آثار المرحلة السابقة، ومعالجة كل الملفات العالقة والمرتبطة بمطالب الجزائريين بعد حراك 22 فبراير الماضي.
الجزائر تستعيد صوتها دوليا
وبالموازاة مع سلسلة الحوارات، فإنّ رئيس الجمهورية قد فرض سرعة عمل مؤسساتي جدّ قويّة، حيث تحولت الجزائر في بضع أسابيع من تقلده مسؤولية الحكم في البلاد إلى محجّ للرؤساء والدبلوماسيين وحتى الاجتماعات الإقليمية، ناهيك عن تهاطل دعوات الزيارات الخارجية، بما يعكس عودة الجزائر إلى المشهد الدولي ومستوى الثقة الخارجية التي تحظى بها حاليا لدى شركائها الدوليين، وما كان ذلك ليتحقق لولا وثوق هؤلاء أن الجزائر تشق طريقها الآمن نحو المستقبل، وهم يدركون جيدا ثقلها التاريخي والجغرافي ومقدراتها النهضوية والتنموية، زيادة على حجم تأثيرها القارّي والإقليمي بالمنطقة الافريقية والعربيّة، لذلك يتسابقون على حجز مواقعهم المتقدمة في تمتين علاقات متميزة مع الجزائر الجديدة.
ولأنّ سلوك القيادة العليا ينعكس على محيطها، فإنّ الحكومة أيضا نزلت إلى الميدان بقوّة دون انتظار ولا إهدار للوقت، وقبل أن يحظى مخطط عملها بمناقشة ومصادقة البرلمان بغرفتيه، كان وزراؤها يقررون في قطاعاتهم بما يخفف أعباء الحياة العامة على المواطن ويدفع نحو تفعيل الاقتصاد الوطني على أسس شفافة وعادلة.
فتح مكتب الرئيس للصحافة لمخاطبة الشعب
يجب الإقرار أنّ السلطة الجديدة استطاعت أن تتأقلم سريعا مع المهمة الوطنية، بل شكلت حكومة بخطة عمل في ظرف قياسي، وتعديل واسع في سلك الولاة ومؤسسات عمومية كبرى، إذ لا تتجاوز الفترة الإجمالية منذ أداء اليمين الدستورية سوى شهرين، اتضحت فيها كل معالم الطريق وبدأ التنفيذ على أرض الواقع، وهو ما تجسد عبر لقاء "الحكومة – الولاة"، الذي كان فرصة للتعبئة العموميّة وتوحيد التصورات بشأن الإصلاحات المتبناة في كافة الميادين وتوجيه المسؤولين الجدد إلى طريقة العمل التي تكرس رؤية الرئيس للخدمة العمومية النزيهة والصادقة.
من جهة أخرى، أبانت السلطات العمومية في العهد الجديد عن روح الانفتاح الإعلامي تجاه الرأي العام، من أعلى مستوى جسده رئيس الجمهورية بلقاءاته مع عديد المنابر الوطنية والدولية، وكذلك الوزراء الذين نزلوا إلى مؤسسات الإعلام المستقل بعد سنوات لم نعهدهم خلالها يتكلمون مباشرة إلى المواطنين إلا عبر صحافة الدعاية والترويج، وذلك ما يعكس الثقة في النفس والرغبة في وضع قضايا الشأن العام تحت الضوء بكل شفافيّة.
تلك هي مؤشرات البداية المبشّرة حتى الآن، ويبقى تنفيذ التعهدات وتجسيد الإصلاحات في معركة مجتمعيّة تشاركيّة بين جميع مكونات النخبة الرسمية والسياسيّة والجمعويّة وسواها، في مختلف المستويات، لأنّ رهانات الوطن لا تحملها جهة دون غيرها وإن تفاوتت فيها أقساط المسؤوليات.
هكذا وضع "الحراك المبارك" الدولة على السكة من جديد
تشريعيات ومحليات مسبقة لإعادة الكلمة للشعب
– خارطة سياسية جديدة قوامها الكفاءات بدل الولاءات
قد يكون إجهاض العهدة الخامسة وإعادة انتخاب رئيس جمهورية أكبر مخرجات الحراك الشعبي الذي انطلق قبل عام لكن ما زالت المسيرة في بدايتها ولا تزال البلاد رهينة مؤسسات من العهد البائد، خصوصا المجالس المنتخبة وطنيا ومحليا، وقد تابعنا جميعا حالة التناقض بين السلطة المحلية والسلطة التشريعية قبل أيام عند عرض مخطط عمل الحكومة، بحضور فريق حكومي يضم من بين أعضائه ناشطين في الحراك الشعبي، وكأن هؤلاء في موقف المساءلة أمام نواب محسوبين على النظام السابق لذلك تابعنا الكثير من المشاحنات والتشنج بين الطرفين.
لذلك؛ فإنّ الخطوة التي يرتقبها الجميع هي المرور إلى انتخابات تشريعية وأخرى محلية مباشرة بعد استكمال تعديل الدستور، ولا يكون ذلك إلا بتعديل قانون الانتخابات بما يسمح بانتخاب مجالس تمثيلية حقيقية بعيدة عن تأثير المال الفاسد، وهذا ما ركز عليه رئيس الجمهورية في خطاباته المختلفة وكذا تعليماته إلى الجهاز التنفيذي.
نهاية التزوير.. وإعادة الكلمة للشعب لاختيار ممثليه
ويطرح الكثير من المتابعين إشكالية القوائم النّسبية في الانتخابات بما يعطي صلاحيات واسعة لرؤساء التشكيلات السّياسية في اختيار أعضاء المجالس المنتخبة ولو بطريقة غير مباشرة عبر اختيار متصدري القوائم في الدوائر الانتخابية، وهذا هو مفتاح الفساد في العملية الانتخابية إذ نشأت بورصة متصدري القوائم وباتت العضوية في البرلمان أو مجلس الأمة تباع بالملايير تحت الطاولة، أو فوق الطاولة لكن تحت مستوى تمويل الحملة الانتخابية.
لا أحد يريد تكرار تجربة المجالس المنتخبة الحالية، خاصة المجلس الشعبي الوطني الذي لا دور له إلا تزكية مشاريع الحكومة وقوانينها، وتابعنا جميعا كيف مُررت قوانين المالية خلال السنوات الماضية مع أنها كانت تتضمن إجراءات قاسية في حق المواطن، خاصة مع تعلق بالضرائب المفروضة والزيارة في أسعار الوقود. وقد اعترف الوزير الأول عبد العزيز جراد بأن الضرائب التي جاءت في قانون المالية 2020 هدفها كان إثارة البلبلة وقال هذا أمام النواب الذين صادقوا على قانون المالية ووافقوا على الضرائب، ما يعني أن استحالة بقاء المجلس بهذه التركيبة.
إن استكمال تحقيق أهداف الحراك الشعبي من خلال انتخابات حرة ونزيهة تفضي على إلى مجالس شعبية هو الرهان الذي يجب العمل عليه خلال العام الثاني من الحراك، وهنا تُطرح إشكالية كبيرة يجري النقاش بشأنها في موضوع تعديل الدستور وتتعلق بنمط النظام الذي سيختاره الجزائريون بين الرئاسي والبرلماني.
إنهاء منطق "الكوطة" وردّ الاعتبار للشباب
وبالنظر إلى التجربة المريرة مع النظام الرئاسي الذي يجمع الصلاحيات كلها في يد رئيس الجمهورية ويحول المؤسسات الدستورية المنتخبة إلى ما يشبه الجمعيات المساندة لبرنامج رئيس الجمهورية، فإن الأنظار كلها تتجه إلى النظام البرلماني الذي يمكن من تشاركية حقيقية في الحكم، لكن الرافضين لهذا النظام يرافعون بفشله في البلاد العربية بسبب الانسداد الذي يحصل داخل البرلمان ويرهن مصير البلاد.
ومهما كان نمط النظام الذي سيقرّه الدستور، فإن الرهان الحقيقي هو تنظيم انتخابات محلية وتشريعية نزيهة، تفضي إلى مجلس تعددية حقيقية، والتوقف نهائيا عن ممارسة ديمقراطية الواجهة، التي تختصر دور المجالس المنتخبة في بعض الأنشطة الروتينية بينما يبقى القرار السياسي أحاديا وهو ما حدث خلال السنوات العشرين الماضية.
وعلى المجالس المنتخبة المقبلة أن تستعيد صلاحياتها في التشريع والرقابة وأن تتحول إلى قوة اقتراح للقوانين والتشريعات ولا تكتفي بما تحيله الهيئة التنفيذية عليها، وهنا يمكن الإشارة إلى بعض المحاولات والمبادرات التي حركها نواب في البرلمان أرادوا القيام بواجبهم، فتم إجهاضها من أحزاب الأغلبية وبهذه الطريقة تم قتل روح المبادرة عند الأقلية وأصبح الجميع يتعايش مع هذا النمط من العمل النيابي، وفي النتيجة باتت المجلس المنتخبة تمثل عبءا ماليا على خزينة الدولة دون أن تقوم بدور مقنع في أداء عملها المنصوص عليه في الدستور.
وإذا توفرت الإرادة السياسية لتنظيم انتخابات حقيقية، فإن الخريطة السياسية في طريقها إلى التغيير الجذري، بسبب السخط الشعبي العام على الأحزاب القائمة، خاصة تلك التي كانت في صف الموالاة، وقد رأينا ذلك خلال الانتخابات الرئاسية الماضية حين لم تتمكن هذه الأحزاب من حشد الدعم لمرشحها عز الردين ميهوبي رغم ما وقع من انحرافات داخل الإدارة وتعليمات بالتصويت لصالحه، لذلك فإن انتخابات نزيهة بعيدا عن تدخل الإدارة وتأثير المال الفاسد قد تقزّم هذه الأحزاب الكبيرة وتحولها إلى حزيبات مجهرية في الخريطة السياسية المقبلة.
بدأت ب 6 أعضاء وانتهت بقانون عُضوي للانتخابات
هيئة الحوار والوساطة.. أوّل لبنة في طريق الحوار بعد مخاض عسير
– حاورت 25 حزبا سياسيا و5084 من فواعل الحراك
ميلادها لم يكن سهلا، بعد ما عاشت مخاضا عسيرا وواجه أعضاؤها سهام الانتقاد والطعن في الوطنية، وحتى التّهديد بالقتل… انها الهيئة الوطنية للوساطة والحوار، والتي كانت الّلبنة الأولى في وضع سكة الحوار الوطني على الطريق الصحيح ولمّ شمل الفرقاء، وكانت البذرة التي أثمرت انتخابات رئاسية نزيهة وشفافة.
منذ انطلاق حراك 22 فيفري 2019، وزخمه يتزايد يوما بعد آخر، فاختلفت المطالب وتعددت الآراء، وزاد الفرقاء فرقة، وغاب صوت العقل والحكمة، وفشلت جميع ندوات لمّ الشمل التي انخرط فيها سياسيون على مختلف مشاربهم… فمن ندوة مزفران إلى ندوة عين البنيان، إلى كثير أخرى متشابهة، جميعها وُئدت في بدايتها… واستمرت السلطة التي كان يمثلها رئيس الدولة عبد القادر بن صالح، في دعوة السياسيين لتشكيل لجنة للحوار تحضيرا لانتخابات سياسية، وإلاّ فالجزائر كانت هالكة لا محالة.
إلى أن ظهرت للوجود بداية شهر أوت 2019، ما سُمّي "لجنة الحوار والوساطة" لمُنسقها رئيس المجلس الشعبي الوطني سابقا، كريم يونس، وضمّت قرابة 12 عضوا من أساتذة جامعييّن ورجال قانون وخبراء في القانون الدستوري وناشطين جمعويين واعلامييّن.
الهيئة قوبلت بكمّ "غريب" من الانتقادات، رغم أن كريم يونس صرح في أول ندوة لهم، أنه لا علاقة للهيئة بالسلطة.
والدّليل أن الأخيرة رفضت أي مساعدات من السلطة، فحتى المقر الذي عُرض عليها وكان في فيلا راقية وبالحراسة لتسهيل مهمتهم، رفضوه، تأكيدا على نزاهتهم وخوفا من تعرضهم للابتزاز، حسب تصريحاتهم.. فكانوا يتنقلون بين مقرات جمعيات وطنية، إلى أن استقرّ بهم المقام بمقر المركز الثقافي العربي بن مهيدي بالجزائر الوسطى، وتركوا أبوابه مفتوحة للجميع وخاصة لرجال الإعلام، لدرجة أن بعض الطلبة الرافضين للحوار، اقتحموا المقر في احدى الندوات الصحفية وبسهولة.
انتقادات.. استقالات و"مقاومة" لإنجاح الحوار
نظّمت الهيئة صفوفها، رغم عوائق صادفتها ومنها استقالة عُضوين، ووسط مباركة أحزاب وجمعيات وطنية وتريث ورفض أخرى… انطلقت جولات الحوار، فكان أعضاء الهيئة يتنقلون الى مقرات الأحزاب لمحاورة أعضائها، كما استقبلوا رؤساء جمعيات وطنية وناشطين وأساتذة جامعيين وممثلين عن الحراك، وأطلقوا حوارات ولائية، وذلك في مهمة شاقة جدا. كما أنشأت الهيئة لجنة للعقلاء، لمرافقتها في مُهمتها، وهي بدورها نالت نصيبها من الانتقاد.
لتنتهي المشاورات، بتجميع أعضاء اللجنة القانونية للهيئة، المقترحات المتعلقة بشق اجراء الانتخابات الرئاسية، من تعديل القانون العضوي للانتخابات وإنشاء الهيئة المستقلة لمراقبة الانتخابات، وتم إرسال نسخ إلى الأحزاب السياسية للإطلاع عليها، تم بعدها رفع التقرير النهائي إلى رئيس الدولة، والذي صادق على المرسوم الرئاسي الخاص باستدعاء الهيئة الناخبة في 12 ديسمبر، بعد مصادقة مجلس الوزراء والبرلمان بغرفتيه.
وبلغة الأرقام، التقت هيئة الوساطة والحوار 25 حزبا سياسيا و5084 من فواعل الحراك الولائي والمشتركين في الجلسات الولائية، و51 بين جمعية وتنظيم وطني، اضافة إلى 55 جمعية محلية، و17 حركة شعبية ومنتديات، 267 من النخب الجامعية و51 طالبا جامعيا، كما حاورت هيئة كريم يونس 49 شخصية من الأعيان والحكماء، اضافة إلى 521 شاب، و331 ناشط حقوقي، 65 من نخبة النساء.
ومن أبرز ما واجهه أعضاء الهيئة، هو تعرضهم للسب والشتم عبر صفحاتهم ب"فايسبوك"، كما تعرض عضو منها إلى تهديد بالقتل، وصله عبر رسالة نصية على هاتفه النقال.
أما مُنسّقها الوطني، كريم يونس، والذي أكّد رفضه جميع أنواع الضغوطات ومهما كان مصدرها، فاستشاط غضبا في احدى الندوات من مُنتقديه، وقال "رفضتُ كل الضغوطات التي كانت تمارس عليّ، لدرجة استقلتُ سابقا من البرلمان في قرار اتخذته من حمام منزلي، ودون اعلام حتى زوجتي"، وأضاف "من أراد حرق البلاد هو مسؤول وحده ولن يأخذنا معه".
عضو هيئة الحوار والوساطة.. بن جلول ل"الشروق":
أنا فخور.. لم نتلق فلسا أو منحة بعد نهاية الخدمة
ترك ولايته تقرت، مستجيبا لنداء الهيئة الوطنية للوساطة والحوار، وفضل إكمال مهمته حتى النهاية رغم كمّ الانتقادات التي واجهته، انه الأستاذ بثانوية الأمير عبد القادر والنقابي من تقّرت، وعضو بهيئة الحوار والوساطة، عبد الوهاب بن جلول، والذي سرد علينا جميع محطات مهمته بهيئة كريم يونس، فقال "اتصلوا بي للانخراط في الهيئة، فوافقت بلا تردد، خاصة وأن هدف الهيئة كان تجنب إطالة أمد الأزمة في بلادنا، في ظل غياب مؤسسة رئاسة للجمهورية، اذ لا يمكن فتح ورشات اصلا دون رئيس منتخب".
ليؤكد، تعرضه لردود فعل عنيفة من طرف بعض "الحراكيين"، وأنّ شخصية كريم يونس، شجعتهم للمضي قدما رغم التصدعات التي عرفتها الهيئة، ومنها استقالة عضوين في بداية مهمتها، وهما لالماس وأستاذ جامعي من تلمسان.
ويؤكد محدثنا، أن أعضاء الهيئة لم يتلقوا ولو فلسا واحدا أو منحة بعد نهاية الخدمة، وأن كل عملهم كان "حبا في الوطن، ومساهمة في إيجاد مخرج للأزمة، وإخراج الجزائر من المطامع الخارجية".
وأكبر منحة تلقتها الهيئة، حسب تصريح محدثنا "وجود رئيس منتخب، يخاطب شعبه بصراحة، وهو من يستعرض مشاكل شعبه للوزراء والولاة والأميار".
بعد سنة.. مكاسب تحققت وأخرى في الطريق
سجن "الأوليغارشيا".. تعرية مصانع "النفخ" ومحاصرة "بازار الحاويات"
– حكومة جديدة تحاول تفكيك ألغام العصابة وإنقاذ الاقتصاد
رغم الأرقام السلبية المخيّمة على مؤشرات الاقتصاد الوطني نهاية سنة 2019، وعجز الخزينة المعترف به من طرف أكبر مسؤولي الدولة، وبداية نفاد احتياطي الصرف الذي لم يتبق منه إلا 51 مليار دولار، قد لا تسد حاجيات الجزائريين لأكثر من 24 شهرا، يجمع العارفون والخبراء على المكاسب الاقتصادية لحراك 22 فيفري 2019.
فالحراك الذي تحتفل الجزائر اليوم بذكراه الأول، فتح صفحة جديدة على كافة الأصعدة، وكان له الفضل اقتصاديا في "كنس العصابة" المسيطرة على ثروات البلاد وسجن "الأوليغارشيا" المتحكمة في قوت الجزائريين، ومحاصرة أصحاب حاويات "استيراد استيراد" ووقف طباعة النقود التي جعلت الدينار الجزائري يتنافس على المراتب الأخيرة في سلة صرف العملات العالمية.
مكاسب اقتصادية بسبب الحراك السلمي
ويقول الخبير الاقتصادي كمال سي محمد في تصريح ل"الشروق" أن الحراك استطاع تحقيق مكاسب اقتصادية كبرى، أهمها طرد العصابة التي استولت على ممتلكات الشعب لعقود من الزمن، ف"الحراكيون" حسبه قاموا ب"كنسها من السلطة ومن الحياة الاقتصادية ككل"، وأهم ما انجر عن ذلك دخول العديد من رجال الأعمال الفاسدين للسجن، ويتعلق الأمر بأولئك المتورطين في استغلال ثغرات القوانين المنظمة للاقتصاد لتهريب الأموال إلى الخارج وفرض المنافسة غير الشريفة مع القطاع العمومي والتهام مليارات الامتيازات الضريبية التي سيتم إلغاؤها قريبا.
ويضيف الخبير أن الحراك فرض أيضا من الناحية الاقتصادية نوعا من الوصاية السيادية، من خلال منح الأولوية لكل ما هو محلي الصنع، وتقييد نشاط الاستيراد، خاصة من المنطقة الجنوبية لأوروبا فرنسا ، إضافة إلى أنه ساهم في تقليص جشع التجار ومقاطعة عدة سلع كانت تضر بالمنتج المحلي، وأيضا لعب الحراك دورا رئيسيا في مقاومة الفساد ومحاربة الفاسدين والضغط من عدة نواح لإدماج العمال المتعاقدين، في وقت لا يزال هذا الأخير يأمل الكثير من النتائج الاقتصادية على غرار تحسين القدرة الشرائية للجزائريين وتوفير مناصب شغل جديدة.
محاصرة مشاريع العصابة ووقف النهب
وبشأن القاعدة الاستثمارية 51 49 والترخيص لاستيراد السيارات أقل من 3 سنوات من الخارج، فهي إحدى نتائج الحراك التي تنتظر الترسيم والتطبيق عبر صدور النصوص التنظيمية المؤطرة للعملية، بالرغم من أن منح الضوء الأخضر لاستيراد سيارات أقل من 3 سنوات لا يعني كسر الأسعار في السوق الجزائرية، وذلك باعتراف الحكومة.
وثمّن كمال سي محمد، قدرة الحراك على الضغط على مصانع تركيب السيارات التي عاثت فسادا في ال5 سنوات الأخيرة، كما استحسن قرار وقف طبع النقود الذي لم تتوضح الرؤية بشأنه لحد الساعة في ظل إمكانية الرجوع إليه، وعدم وجود مادة قانونية تلغي المادة 45 من قانون المالية التي فتحت الباب واسعا لهذا الخيار.
وأشاد المتحدث بالشق الاقتصادي الذي كشف عنه مخطط عمل الحكومة، والذي انبثق في إجماله من الضغوطات التي مارسها الحراك الشعبي، إلا أنه دعا للمسارعة في الشروع بتطبيقه، وأن لا يبقى مجرد حبر على ورق.
هذا ما ينتظر الحكومة اقتصاديا
من جهته، الخبير في مجال الحوكمة الاقتصادية والأستاذ عبد القادر بريش، أكد ل"الشروق" أنه وبعد الانتخابات الرئاسية ومع تنصيب الحكومة الجديدة والكشف عن إرادة سياسية قوية لتغيير الوضع القائم، يرتقب أن تتحسن الأمور تدريجيا أولا بعودة الثقة في بيئة الأعمال الجزائرية ورجوع الثقة بالدرجة الثانية للمستثمر والمتعامل الاقتصادي الجزائري، ليتم الشروع في أعقاب ذلك في تصحيح ومعالجة الاختلالات، خاصة في القطاعات التي لها صلة مباشرة بالنشاط الاقتصادي وبصفة خاصة وزارة الصناعة والمناجم، ووزارة التجارة بالإضافة إلى إعادة النظر في القوانين المنظمة للاستثمار وتطهير بيئة الاستثمار وجعلها أكثر شفافية وتنظيفها من البيروقراطية والفساد وهذا ما سيجعل الجزائر تستقطب الاستثمارات الأجنبية بعد عودة الاستقرار السياسي والمؤسساتي.
ويجزم البروفيسور بريش أنه مهما كانت الصعوبات والتداعيات الاقتصادية التي رافقت الحراك الشعبي منذ بدايته بتاريخ 22 فيفري المنصرم، إلا أنها تعتبر تكلفة يتحملها جميع الجزائريين في مقابل ما تحقق من أجل التحرر من النظام الفاسد وتطهير البلاد من الفاسدين.
"تتحاسبو قاع" يُسقط المتورطين في الفساد
سقوط العصابة.. سجن "الحيتان الكبيرة" وملاحقة المفسدين
– سجن السعيد وتوفيق وطرطاق.. وتمزق سبحة نظام بوتفليقة
أرّخ حراك 22 فيفري لعهد جديد في مجال مكافحة الفساد في الجزائر ولمرحلة سقطت فيها "الحيتان الكبيرة"، بعدما ظلت لأكثر من عقدين من الزمن خطا أحمر وممنوع الاقتراب منها، فكانت سنة "مكافحة الفساد" دون منازع تحقيقا لمطلب الملايين من الشعب الذين لم يكلوا ولم يملوا في الخروج كل جمعة للمطالبة بمحاسبة المفسدين الذين عاثوا فسادا في مؤسسات الدولة وتسببوا في تبديد الملايير من مال الشعب، الذي تحمل سنين التقشف العجاف فيما كان أبناء المسؤولين وحاشيتهم ينعمون في خيرات هذا الوطن.
"كليتو البلاد يا السراقين" تلاحق رموز نظام بوتفليقة
بعدما انتصر الشعب على خوفه وتمكن من إفشال مخطط الخامسة، دوّت شعارات محاربة الفساد وعمت شوارع الوطن في كل "جمعة" من الحراك التي رفع فيها الجزائريون لافتات "كليتو البلاد يالسراقين" و"تتحاسبو قاع" والتي دوت ليصل صداها كل العالم، وتكون انطلاقة لمرحلة جديدة في تاريخ الجزائر، بعدما تم الإعلان رسميا عن الشروع في التحقيقات ضد كبار المسؤولين السابقين في نظام بوتفليقة، من قبل العدالة.
ولم يكن الجزائريون ليصدقوا هذا التحول إلا بعدما استفاقوا يوم 30 مارس على خبر عاجل مفاده إلقاء القبض على رجل الأعمال علي حداد الذي كان بصدد الفرار عبر المعبر الحدودي الشرقي، قبل أن يتم إيقافه من قبل حرس الحدود لتحويله لسجن الحراش، فكانت أولى تباشير "الحساب والعقاب" تهل على الجزائريين خاصة أن علي حداد كان الابن المدلل للنظام السابق ولم يكن يتوقع أحد أنه سيحاسب أو سيزج به في السجن.
وتوالت التوقيفات في حق "الكارتل المالي" لنظام بوتفليقة من رجال أعمال منهم عائلة كونيناف الشهيرة، فيما تم إصدار قرار بمنع عدد كبير من رجال الأعمال وأفراد عائلتهم ومسؤولين جزائريين من السفر قبل أن يلتحقوا تباعا بسجن الحراش الذي أصبح يلقب ب"سجن الأغنياء"، حيث تم إيداع كل من إمبراطور النقل الجامعي محيي الدين طحكوت ومعه بارونات سوق تركيب السيارات في وعدد من أفراد عائلتهم وحاشيتهم، بعدما سقط السعيد بوتفليقة، عراب المجموعة، ومعه الجنرالان توفيق وطرطاق.
نقطة التحول.. حكومة بوتفليقة إلى سجن الحراش
وتسارعت الأحداث خلال شهر أفريل وماي وجوان بفتح تحقيقات معمقة مع كبار المسؤولين في الدولة ووزراء سابقين وكم كانت الدهشة كبيرة بعد استدعاء أحمد أويحيى ومعه عبد المالك سلال وحتى محمد لوكال الذي كان وزيرا في حكومة تصريف الأعمال للإدلاء بشهادتهم حول عديد قضايا الفساد المفتوحة للتحقيق قبل أن يتحول كل هؤلاء إلى متهمين ومعهم عدد كبير من المسؤولين والوزراء في حكومة الرئيس بوتفليقة، الذين باشر المستشار المحقق لدى المحكمة العليا، التحقيق معهم وفقا لإجراء الامتياز القضائي قبل أن يقرر إيداعهم الحبس المؤقت تباعا ليتم اقتيادهم لسجن الحراش تحت تهليلات وتصفيقات المواطنين الذين ضاقوا ذرعا لسنوات من ممارسات هؤلاء المسؤولين واستثنائهم من الحساب والعقاب، خاصة الوزير الأول السابق أحمد أويحيى الذي كان يحتقر الشعب في خطاباته لدرجة تم انتظاره بالقرب من سجن الحراش بعلب "الياوورت".
سقوط شرعية الحصانة وانتصار كلمة العدالة
وفي إطار مواصلة التحقيقات والحرب على الفساد، التي أعلن عنها رئيس أركان الجيش قائد الأركان الراحل الفريق قايد صالح منذ سقوط العهدة الخامسة في خطاباته للشعب الجزائري واعدا إياهم بتحقيق مطلب مكافحة الفاسدين من خلال فتح ملفات "الطريق سيار شرق -غرب" وسونطراك2″ و"الخليفة" من جديد ومحاسبة المسؤولين الكبار والمباشرين على هذه الملفات والذين تم استثناؤهم من العقاب خلال المحاكمات الأولى تحت غطاء "الحصانة" تارة ولنفوذهم القوي في دواليب الحكم تارة أخرى.
وقد تقرر رفع الحصانة عن عدد كبير من البرلمانيين وحتى الوزراء أعضاء مجلس الأمة لمباشرة إجراءات التحقيق معهم، فكانت البداية بطلب قدمه وزير العدل لرئيس مجلس الأمة لمباشرة إجراءات رفع الحصانة عن جمال ولد عباس وسعيد بركات وبعدها عمار غول والنائب محمد جميعي وبوجمعة طلعي وبهاء الدين طليبة.. وعدد كبير من المسؤولين السابقين في عهد نظام بوتفليقة، فمنهم من تخلى عنها طواعية ومنهم من كابر وتحايل إلى أن تقرر وبإجماع من النواب رفعها عنه، ليزج بكل هؤلاء في سجن الحراش في انتظار محاكمتهم على حسب التهم المتابع فيها كل واحد منهم خاصة أن الملفات متعددة ومختلفة مست كل القطاعات، منها ما تعلق بنهب العقار وملف تركيب السيارات وملف النقل والأشغال العمومية وملفات التسيير التي مست عدة مجالات حيوية خلال السنوات الأخيرة وثبت فيها المحاباة واستغلال النفوذ وحتى الرشاوي وإبرام صفقات مخالفة للتشريع مع تبديد المال العام والإثراء غير المشروع.
انطلاق المحاكمات التاريخية في انتظار البقية
ولم يكن ليصدق الجزائريون كل تلك التحقيقات والملفات المفتوحة ضد كبار المسؤولين في الدولة ورجال الأعمال المقربين منهم، إلا بعدما شهدوا بأم أعينهم أول محاكمة علنية للوزيرين الأولين أحمد أويحيى وعبد المالك سلال ومعهم وزراء الصناعة محجوب بدة، يوسف يوسفي، وزير النقل عبد الغني زعلان، الوالية السابقة يمينة زرهوني، وعبد السلام بوشوارب المتواجد في حالة فرار الذي تم الحكم عليه بعقوبة 20 سنة سجنا مع إصدار أمر بالقبض ضده، ومعهم مجموع رجال الأعمال المعروفين في مجال تركيب السيارات ، والتي جرت بمحكمة سدي أمحمد بتاريخ 5 ديسمبر وانتهت بعقوبات متفاوتة في حق رجال الأعمال الوزراء، وهي مبرمجة في محاكمة ثانية بعد الاستئناف بتاريخ 26 فيفري الجاري، ومحاكمة أخرى لعدد من ولاة الجمهورية الذين شغلوا مناصب وزراء في عهد بوتفليقة مع اللواء عبد الغني هامل وعدد من أفراد عائلته والتي تم تأجيلها لتاريخ 11 مارس المقبل.
ولا تزال التحقيقات مستمرة في ملفات الفساد المفتوحة على مستوى محكمة سيدي أمحمد بالعاصمة وعلى مستوى المحكمة العليا، وآخرها كانت مع مباشرة التحقيق في ملفات "سونطراك2″ و"الطريق السيار" وشركة"بيارسي" و"أس أنسي لافالان" من خلال توجيه الاتهام لكل من شكيب خليل ومحمد بجاوي وعمار غول وولد قدور عبد المؤمن.
حاول إنقاذ "الخامسة" بربح الوقت والمراوغة وإصلاحات على المقاس
بوتفليقة.. نهاية 20 سنة لرئيس لم يعرف قدره!
لم يكن الرئيس السابق المستقيل، عبد العزيز بوتفليقة ومحيطه غير الدستوري، يخشيان أي أحد في الجزائر، باستثناء خروج الشعب الجزائري إلى الشوارع.. هذا ما نقل عن شقيق الرئيس السابق ومستشاره الخاص، السعيد الموجود بالسجن العسكري بالبليدة.
كان السعيد وزمرته يعتقدون أنهم اشتروا كل شيء بأموال الشعب، ومن عجزوا عن شرائه روّضوه بالخوف والترويع، مستعملين كل مقدرات الدولة وأدوات قهرها، ولذلك تجاهلوا كل إشارات الرفض التي تأتيهم من الشارع، وقدموا رئيسا مقعدا، مشلولا وعاجزا، لعهدة خامسة متحدين الجميع.
لذلك عندما خرج الملايين من الجزائريين مطالبين بإسقاط النظام في 22 فبراير الماضي، دب الخوف في أوساط العصابة، وارتبكوا بشكل أعجزهم عن القيام بما يساعدهم على احتواء الحراك الشعبي، الذي كان يتعاظم من يوم لآخر.
استفزاز الشعب بالرسائل.. ومحاولات فاشلة
وفي محاولة من العصابة لامتصاص غضب الشارع، عمّمت الرئاسة خطابًا منسوبًا إلى بوتفليقة أعلن فيه عن تنظيم انتخابات رئاسية مبكرة، في خرجة كانت كالغارق الذي يتشبث بقشة وهو يصارع من أجل البقاء.
الصدمة كانت أكبر مما كان يتوقع رموز العصابة وعلى رأسهم السعيد بوتفليقة الذي أصبح يتصرف وكأنه رئيس الجمهورية، بالرغم من أنه غير متوج، غير أن الرعب دب فيه، فبدأ يبحث عن المخرج في أي مكان وعند أي كان، بمن فيهم خصومه السابقين، وعلى رأسهم مدير دائرة الاستعلامات والأمن الأسبق، الفريق محمد مدين المدعو توفيق، المدان بخمس عشرة سنة نافذة بالسجن العسكري بالبليدة.
لملمت العصابة صفوفها وتوحدت من أجل ضمان استمرارها، ووجهت جهودها ومكرها للإيقاع بين الشعب والمؤسسة العسكرية، من خلال المناورات التي قامت بها، وعلى رأسها، التخطيط لإبعاد نائب وزير الدفاع الوطني ورئيس أركان الجيش الوطني الشعبي، الفريق الراحل أحمد قايد صالح، واستبداله بأحد العسكريين المحسوبين عليها، اللواء سعيد باي المسجون بدوره في قضايا فساد، وفق بعض التسريبات.
الحراك يرفض مراوغات بوتفليقة
حاول في البداية الرئيس المرعوب من حراك الشعب، المناورة من خلال استجداء الجزائريين السماح له بالترشح لعهدة خامسة يختزلها في سنة واحدة، يدعو خلالها إلى انتخابات رئاسية مسبقة، وذلك بعد أن يقوم بتعديل الدستور، غير أن الجميع من حراك ومؤسسة عسكرية، رفض المقترح لاقتناعهم بأن العصابة تحاول الخروج من عنق الزجاجة، فضلا عن عدم ثقة الحراكيين، خاصة بأن مع عجز عنه بوتفليقة الذي مكث في الحكم عشرين سنة ولم يفعل شيئا، لا يمكنه أن يحقق ما وعد به في سنة واحدة.
وبدأت الحلقة تضيق على رقبة بوتفليقة ومعه القوى غير الدستورية، لأن قيادة المؤسسة العسكرية اقتنعت بأن استمرار بوتفليقة سيضع البلاد أمام مخاطر حقيقية، فضلا عن مناورات محيطه الخبيثة، التي تحاول الإيقاع بين الجيش والشعب، من خلال محاولة تنحية قيادته واستبدالها بأخرى تعمل تحت تصرف العصابة، غير أن تناغم خطاب المرحوم قايد صالح مع الشعب، أكسبه الثقة فصعد من خطاباته، مطالبا الرئيس بالتنحي دون شروط مسبقة.
هذا التطور وقع مباشرة بعد أن رصدت السلطات اجتماعا مشبوها نظمه الجنرال توفيق بطلب من السعيد بوتفليقة، الأمر الذي اضطر قيادة الأركان إلى الاجتماع والدعوة إلى تطبيق المواد 7 و8 و102، رد عليها الرئيس السابق بالإعلان عن حكومة جديدة، ووعد بالاستقالة قبل 28 أفريل الماضي، وهو الموقف الذي اعتبرته قيادة الأركان محاولة جديدة للهروب إلى الأمام، الأمر الذي حتم عقد اجتماع ثان في مقر قيادة أركان الجيش، تمخضت عنه دعوة فورية لاستقالة بوتفليقة، لم يستطع هذه المرة القفز عليها، حيث رمى المنشفة وهو صاغر، متحجج بأنه يرفض الدخول في مهاترات.
قالوا عن الحراك ل"الشروق":
فيلالي غويني: أصبحنا نموذجا للحراك السلمي عبر العالم
قال فيلالي فويني، رئيس حركة الإصلاح، إن الحراك في عامه الأوّل، حقّق الكثير، فقد ترك بصمات قوية في الساحة الوطنية، وتعدى أثره الطيّب إلى أنحاء العالم، وأصبح نموذجا يُحتذى به في سلمية المطالب. مضيفا أن ما تحقق بسبب الحراك، كثير، أبرزه انتخاب رئيس جمهورية شرعي، وفق مسار انتخابي "غير مجروح"، والذي أطلق بدوره حوارا ومُشاورات مع مختلف الشخصيات والأحزاب، حول الإصلاح الدستوري، داعيا إلى تقوية مؤسسات الدولة والمجتمع، ومكافحة الفساد، واستئصال بؤر الفساد، واسترجاع الأموال المنهوبة في الداخل والخارج وإعادة التوازن للتنمية المحلية.
عبد الرزاق مقري: ننتظر تشريعيات ومحليات مسبقة "بلا تزوير"
قال رئيس حركة مجتمع السلم، عبد الرزاق مقري، "نحن مع استمرارية الحراك الشعبي، مادام سلميا وبعيدا عن أي سلوكات عنيفة، ومع ذلك لن نقول بأنه حقق مطالبه، إلا بعد تنظيم الانتخابات المحلية والتشريعية قريبا، وظهور نتائجها دون تزوير".
عبد الله جاب الله: بقاء الحراك دون قيادة لن يحقق كل مطالبه
يرى رئيس جبهة العدالة والتنمية، عبد الله جاب الله أن "الحراك الشعبي لم يحقق مطالبه التي انتفض من أجلها، والتي خرج لأجلها لقرابة سنة كاملة.. لأن النظام قوي عن الحراك الشعبي، ومادام لا توجد قيادات لتأطير هذا الحراك العظيم، فأقول بأنه لم يحقق مطالبه المشروعة إلى اليوم".
الطاهر بن بعيبش: مساوئ الماضي لن تتكرّر.. والشعب كسر هاجس الخوف
قال رئيس حزب الفجر الجديد، الطاهر بن بعيبش، إن الحراك في سنته الأولى، حقق نتائج جدّ كبيرة وإيجابية، كما حقق نتائج لا يمكن لن الرجوع عنها مهما كانت وضعية البلد مستقبلا، ومهما كانت الأسباب. فبفضل الحراك، يضيف المتحدث، كسر الشعب هاجس الخوف، ولن يوقفه شيئ مستقبلا، ولن يسكت عن بعض الممارسات في السلطة.. ونتيجة الحراك أنه لن يحكمنا مستقبلا رئيس أسوأ مما سبق، أو وزير أسوأ من سابقه. فلن تتكرر أخطاء الماضي.
موسى تواتي: أتمنى مشاركة الشعب في تعديل الدستور
أوضح رئيس الجبهة الوطنية الجزائرية، موسى تواتي، أنه بعد مرور سنة عن الحراك الشعبي، أقول بأن الحراك حقق الأهمّ، فجعلنا فخرا لشعوب العالم، وحقّقنا ثاني مقاومة شعبية عظيمة، بعد ثورة التحرير، فكان حراكا أبان عن شعب متحضر. وكانت ثورتنا الأنجح من جميع ثورات الربيع العربي.
ولكن، يقول تواتي، لن تتحقق جميع مطالب الحراك، إلاّ بعد صياغة دستور جديد، يشارك الشعب في صياغته، وليس بعض الأشخاص. فالدستور ضمان لعيشة كريمة لأولادنا.
عبد القادر بن قرينة: الحراك وحّد الشعب وقوّى اللحمة بينه وبين الجيش
بارك رئيس حركة البناء الوطني، عبد القادر بن قرينة، للشعب مرور سنة على حراكه السلمي الحضاري، والتزامه بالسلمية والوحدة الوطنية، فالحراك برهن عن أخوة بين الشعب الجزائري، وبين الشعب وجيشه. وأدعو إلى التعجيل في الاستجابة لباقي مطالب الحراك، من خلال دسترة الإصلاحات الخادمة للديمقراطية والتعددية وتقديم حلول ملموسة لاحتياجات المواطن.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.