الاجتماع التشاوري الأول بين قادة الجزائر وتونس وليبيا: تأكيد على ضرورة توحيد المواقف وتكثيف التشاور والتنسيق    في إطار متابعة تنفيذ برنامج التحضير القتالي لسنة 2023/2024: الفريق أول لسعيد شنڤريحة في زيارة عمل إلى الناحية العسكرية الثالثة    محمد عرقاب : نحو استحداث 4 معاهد تكوينية متخصصة في مجال المناجم    يعقد هذا الجمعة بتركيا.. مجلس الأمة يشارك في مؤتمر "رابطة برلمانيون من أجل القدس"    عطاف يؤكد:الوضع المأساوي في قطاع غزة سيبقى على رأس أولويات الجزائر في مجلس الأمن    تكفل الدولة بالمواطن متواصل..!?    وزير الداخلية: استلام 134 منطقة نشاط مصغرة مع نهاية 2024    أفراد الفرقة الإقليمية للدرك الوطني بجسر قسنطينة بالعاصمة: وضع حد لنشاط عصابة إجرامية تحترف سرقة السيارات    المجمع الجزائري للغة العربية : الإعلان عن تأسيس الجائزة الوطنية في علوم اللغة العربية    وهران: إيفاد لجنة من وزارة التربية الوطنية للنظر في أسباب سقوط سقف لقسم بمدرسة ابتدائية    طاقة ومناجم: "نسعى الى استغلال الأملاح الناتجة عن تحلية مياه البحر"    لا بديل عن الرقمنة في جرد وأرشفة الملفات القضائية    80٪ من الجزائريين يستفيدون من الانترنت    استعراض آفاق قطاعات النقل والرقمنة في الجزائر    ضرورة توفر وسائل إعلام قوية لرفع التحديات    الشفافية والصرامة في إعداد دفتر شروط التجهيزات الطبية    تطوير المنصة الرقمية للمستثمرين في الصناعة الصيدلانية    تم معالجة 40 ألف شكوى تلقاها وسيط الجمهورية وطنيا    لا تزال الأزمة تصنع الحدث في الساحة الرياضية: بيان رسمي .. اتحاد العاصمة يعلّق على عدم إجراء مباراته أمام نهضة بركان    لا مفر من الرحيل عن ليل: بعد إهانة ليل.. صديق آدم وناس يكشف "المؤامرة "الفرنسية    «داربي» عاصمي واعد من أجل مكان في النّهائي    تضاعفت قيمة عمورة السوقية 4 مرات: سانت جيلواز.. عمورة للبيع لمن يدفع أكثر من 20 مليون يورو    الخطوط الجوية تعلن عن عرض جديد    سايحي يشرف على افتتاح اليوم التحسيسي والتوعوي    العاصمة.. إحصاء 248 مشروع تنموي في مختلف القطاعات    برج بوعريريج.. مشروع ازدواجية الطريق الوطني رقم 76 يرى النور قريبا    مطالب بحماية الشعب الصحراوي من الاضطهاد المغربي    المنتخب الوطني يتعادل أمام نظيره التونسي    توظيف التراث في الأدب.. عنوان المقاومة..    البنك الوطني الجزائري: رقم الأعمال يرتفع بأكثر من 27 بالمائة في 2023    المدرسة العليا للدّفاع الجوي..صرح علمي بكفاءات عالية    قصف ومجازر وسط القطاع واقتحامات للمسجد الأقصى    فلسطين: انتشار مكثف لجنود الاحتلال في القدس وغلق كافة الممرات المؤدية للمدينة    الإحصاء للعام للفلاحة : تحضيرات حثيثة بولايات جنوب الوطن    مسؤول أممي: نشعر بالذعر من تقارير عن وجود مقابر جماعية في غزة    فرصة جديدة لحياة صحية    رأس الحمراء و"الفنار".. استمتاع بالطبيعة من عل    دعوة لإنشاء جيل واع ومحب للقراءة    بطولات رمز المقاومة بالطاسيلي ناجر..تقديم العرض الشرفي الأول للفيلم الوثائقي الطويل "آق ابكدة .. شمس آزجر"    القضاء على إرهابي واسترجاع مسدس رشاش من نوع كلاشنيكوف بمنطقة الثنية الكحلة بالمدية    حج 2024 : استئناف اليوم الثلاثاء عملية حجز التذاكر للحجاج المسافرين مع الديوان الوطني للحج والعمرة    القرار سينفذ هذا الصيف: منع كراء عتاد الاستجمام و زوارق النزهة بشواطئ عنابة    ساهم في فوز فينورد بكأس هولندا: راميز زروقي يتذوّق أول لقب في مشواره    استدعاءات الباك والبيام تُسحب بداية من 9 ماي    وزارة الفلاحة تنظّم ورشات لإعداد دفاتر أعباء نموذجية    مؤشرات اقتصادية هامة حقّقتها الجزائر    منصّة رقمية لتسيير الصيدليات الخاصة    90 % من الجوعى محاصرون في مناطق الاشتباكات    بن ناصر يُفضل الانتقال إلى الدوري السعودي    الشباب السعودي يقدم عرضا ب12 مليون يورو لبونجاح    مصادر وأرشيف لتوثيق الذاكرة بجهود إفريقية    الدورة 14 مرفوعة إلى الفنان الراحل "الرازي"    رفع مستوى التكوين والاعتماد على أهل الاختصاص    حكم التسميع والتحميد    الدعاء سلاح المؤمن الواثق بربه    أعمال تجلب لك محبة الله تعالى    دروس من قصة نبي الله أيوب    صيام" الصابرين".. حرص على الأجر واستحضار أجواء رمضان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جاب‮ ‬الله‮ ‬طالب‮ ‬بإبعاد‮ ‬عباسي‮ ‬من‮ ‬رئاسة‮ ‬الفيس
الشيخ‮ ‬عز‮ ‬الدين‮ ‬جرافة‮ ‬يواصل‮ ‬شهادته‮ ‬ل‮ ‬الشروق‮ في الحلقة الرابعة‬
نشر في الشروق اليومي يوم 14 - 02 - 2013

يواصل عز الدين جرافة شهادته عن الصحوة الإسلامية، وتعامل السلطة معها، ونقص الحنكة السياسية لعلي بن حاج، كما يميط اللثام في حواره ل"الشروق"، عن مساعي عبد الله جاب الله لقطع الطريق أمام عباسي، ساعة تحول الفيس للأمر الواقع بعد أحداث أكتوبر 1988.


كيف‮ ‬أتم‮ ‬الأمن‮ ‬العسكري‮ ‬تحقيقه‮ ‬معك‮ ‬في‮ ‬قضية‮ ‬بويعلي؟
ظهرت نتيجة التحقيقات، وتم التأكد من براءتي وبراءة جاب الله وحشاني من تهمة السلاح، بعدها جاءني ضابط سام إلى السجن، قبيل إطلاق سراحي، فاعتذر بلباقة ثم بشرني بالنتيجة، وقال لي: "على كل حال فإن دخولك السجن قد حماك من أياد قد كانت ستبطش بك بلا رحمة لكن الله هو الذي‮ ‬حماك‮..". ‬

هل‮ ‬تعرف‮ ‬ذلك‮ ‬الضابط؟
كان‮ ‬من‮ ‬بين‮ ‬المحققين‮ ‬معي،‮ ‬وكان‮ ‬مسؤولا‮ ‬بمصلحة‮ ‬الشرطة‮ ‬القضائية‮ ‬العسكرية‮ ‬في‮ ‬القطاع‮ ‬العسكري‮ ‬لجيجل‮ ‬التابع‮ ‬للناحية‮ ‬العسكرية‮ ‬الخامسة،‮ ‬غير‮ ‬أنني‮ ‬لم‮ ‬ألتق‮ ‬به‮ ‬مرة‮ ‬أخرى‮ ‬منذ‮ ‬ذلك‮. ‬

وماذا‮ ‬عن‮ ‬جاب‮ ‬الله‮ ‬وحشاني؟
جاب الله وحشاني أخذهما الأمن إلى ورڤلة، وبقيا على ذمة التحقيق لدى الأمن العسكري، لمدة أربعة أشهر ثم أفرج عنهما دون محاكمة.. أما حشاني رحمه الله، فقد عذب عذابا شديدا لأنه أول مرة يتعرض لعملية استنطاق، وكأنه أحس بها، فقال لي قبلها: "احك لي عن الاستنطاق والتعذيب، فكأنني أحس بأنني سأعتقل". وقد أخبرني حينما زارني بعد خروجي من السجن قائلا لي: "حسبتك في تعداد الأموات لأنهم جاؤوني بكفن لإنسان ميت وقالوا لي: هذا هو مصير سي عز الدين الذي خشن رأسه، فكان مصيره ما ترى، فعليك بالاعتراف بكل شيء".. لكن حشاني رحمه الله لم‮ ‬يتكلم‮ ‬بكلمة‮ ‬واحدة،‮ ‬لا‮ ‬حول‮ ‬التنظيم‮ ‬ولا‮ ‬حول‮ ‬الجماعة‮ ‬التي‮ ‬كانوا‮ ‬يبحثون‮ ‬عنها‮.‬

هل‮ ‬بامكانكم‮ ‬وصف‮ ‬السجن‮ ‬من‮ ‬الداخل؟
هو سجن لا يتوافق مع أبسط المعايير العالمية، حيث يتواجد بالغرفة الواحدة 80 سجينا، وقد يصل أحيانا إلى 120 سجين، بها مرحاض واحد ويستعمل كحمام.. أما الأكل فلا يشتمل على أبسط مقومات الغذاء، أغلب المساجين لا يأكلونه.. إضافة إلى نقص العرض على الأطباء.. وزيارات العائلات تتم تحت وابل من المطر شتاء ولهيب حر الشمس صيفا.. ولم يبق على مستوى الممارسة من عنوان مؤسسة إعادة التربية إلا الاسم.. وجل من يدخل السجن تدمر حياته ومستقبله، ولا يخرج منه إلا صعلوكا أو منحرفا سلوكيا أو مريضا نفسيا..

كيف‮ ‬تفسرون‮ ‬بروز‮ ‬الصحوة‮ ‬الإسلامية؟‮ ‬وانفتاح‮ ‬السلطة‮ ‬على‮ ‬ذلك؟
لم يكن بروز الصحوة الإسلامية مفاجئا للجماعة، لأنها جزء من أدوات الظهور رغم التضييق الذي فرض عليها.. لكنه ينبغي أن نعترف بأن موقف رئيس الجمهورية، الشاذلي بن جديد، ساهم، في منتصف الثمانينات، في الانفتاح بشكل ملحوظ على تلك النشاطات الإسلامية، وسهل دخول مشايخ وعلماء إلى الجزائر من أجل إلقاء دروس وخطب وحضور مؤتمرات، على غرار إحضار العلامة الشيخ محمد الغزالي رحمه الله للجزائر كمدرس في جامعة الأمير عبد القادر الإسلامية بقسنطينة، وقد فتح المجال الإعلامي، بما في ذلك التلفزة.

هل‮ ‬تعتقدون‮ ‬أن‮ ‬الرئيس‮ ‬الشاذلي‮ ‬كان‮ ‬يؤمن‮ ‬بذلك؟‮ ‬أم‮ ‬هناك‮ ‬نيات‮ ‬مسبقة؟
ليس من أخلاقنا أن نحكم على نيات الآخرين، سواء في السلطة أو في غيرها، لكننا نحكم على الظاهر، فالظاهر أن الساحة الوطنية عرفت تسهيلات غير مسبوقة، رغم أن تلك النشاطات كان أغلبها غير خاضع للنصوص القانونية لتلك الفترة، أما عن سؤالك عما إذا كان الرئيس فعل ذلك قناعة منه أو لأسباب وتوازنات داخلية؟ فإن هذا يبقى من باب التحليل، وأنا شخصيا أميل إليه، لأن الجزائر كانت في تلك الفترة تعرف خلافات حادة بين المسؤولين على المستوى المركزي، وخاصة بين تيارين يملكان رؤية مختلفة حول الجانب الاقتصادي والاجتماعي، إضافة إلى تموقع هذا الطرف أو ذاك في أجهزة الدولة.. وقد كادت تلك الخلافات الداخلية أن تفجر الأوضاع عدة مرات، لكنها تأجلت إلى غاية أحداث 5 من أكتوبر سنة 1988، ومهما كان من أمر، فإن ذلك يحسب لصالح الرئيس المرحوم بن جديد.

يقال‮ ‬إن‮ ‬التيار‮ ‬الشيوعي‮ ‬سيطر‮ ‬على‮ ‬دوائر‮ ‬السلطة‮ ‬آنذاك؟
نعم، لقد كان من الواضح أن التيار الشيوعي تراجع بشكل ملحوظ منذ مجيء الشاذلي بن جديد، وبروز الصحوة التي بلغت ذروتها سنتي 1985 و1986، لكن هذا التيار بلا شك بقيت رجالاته مندسة في القطاعات الحيوية، وفي المواقع الاستراتيجية للدولة ولو بصفتهم كأفراد.

هل‮ ‬فاجأ‮ ‬حجم‮ ‬الصحوة‮ ‬السلطة؟
نعم لقد فاجأت الصحوة السلطة بكاملها، بما في ذلك أجهزة الأمن والمخابرات بمختلف ألويتها، وقد صرح بعضهم بذلك في عدة مناسبات وفي عدة لقاءات، وقد وقع يومها خلاف داخل السلطة حول كيفية التعامل مع هذه الصحوة، لكننا لم نعلم تفاصيله.
حجم‮ ‬الصحوة‮ ‬الإسلامية‮ ‬فاجأ‮ ‬السلطة‮ ‬وصدم‮ ‬الشيوعيين

ما‮ ‬أبرز‮ ‬الجماعات‮ ‬الناشطة‮ ‬آنذاك؟ ‬وهل‮ ‬كانت‮ ‬الجزارة‮ ‬موجودة‮ ‬في‮ ‬الشرق؟
بالإضافة إلى جماعة الشرق، كان لجماعة الجزأرة (البناء الحضاري) وجود في جامعة قسنطينة سنة 1973 كنواة فرعية للنواة التي أوجدها المفكر مالك بن نبي، رحمه الله، في مسجد الجامعة المركزية بالعاصمة في 2 أكتوبر 1969، ثم توسعت نحو جامعة عنابة، كان نشاطهم يركز بشكل ملحوظ على الطلبة ومرافقتهم في دراستهم الجامعية، ويساهمون في إرسال بعضهم إلى الخارج لما بعد التدرج، وأصدرت تلك النواة الأولى أول مجلة إسلامية حرة "ماذا أعرف عن الإسلام" باللغة الفرنسية - العربية كانت آنذاك غريبة في دارها - وأغلب قادتها دكاترة وأساتذة جامعيون، على رأسهم الدكتور تيجاني المعروف ببوجلخة، والشيخ محمد السعيد رحمه الله، وفي الشرق الشيخ الطيب برغوت، والدكاترة عمار طسطاس، وبوراوي وسعيد مولاي، بن شيكو، تعرفت على بعضهم عن قرب بعد أحداث أكتوبر1988، وخلال التحضير لرابطة الدعوة الإسلامية. وساهمت جماعة الجزأرة‮ ‬قبل‮ ‬التحاقها‮ ‬بالفيس‮ ‬سنة1991‮ ‬مع‮ ‬بقية‮ ‬الجماعات‮ ‬في‮ ‬إسقاط‮ ‬القناع‮ ‬عن‮ ‬أولئك‮ ‬المتطرفين‮ ‬الشيوعيين‮. ‬
كما انتقل نشاط جماعة الإخوان فرع التنظيم الدولي في الجزائر برئاسة الشيخ محفوظ نحناح رحمه الله والشيخ بوسليماني رحمه الله والشيخ سعيد مورسي وبوجمعة عياد إلى الشرق، منتصف الثمانينات، بعدما كان نشاطها مركزا في الوسط والجنوب وفي الغرب. ونهاية الثمانيات، وبسبب خلافات‮ ‬بين‮ ‬تلك‮ ‬الجماعات‮ ‬السالفة‮ ‬الذكر‮ ‬حول‮ ‬الزعامات،‮ ‬برزت‮ ‬مجموعة‮ ‬من‮ ‬الدعاة‮ ‬أطلق‮ ‬عليهم‮ ‬فيما‮ ‬بعد‮ ‬تسمية‮ ‬جماعة‮ ‬الحياد‮. ‬

من‮ ‬هم‮ ‬ممثلو‮ ‬مجموعة‮ ‬الحياد؟
ليس لديهم ممثل رسمي، ولا هيكل تنظيمي لا وطني ولا محلي.. فهم مجموعة من الدعاة أساءهم الوضع الداخلي للجماعات وممارسات بعض قياداتها، فكانت الفكرة الوحيدة التي تجمعهم هي رفضهم لذلك الواقع، رغم أن بعضهم كان موجودا في هذه الجماعة أو تلك، لكنه انعزل عنها وفضل البقاء‮ ‬على‮ ‬الحياد‮.‬

من‮ ‬هم‮ ‬البارزين‮ ‬في‮ ‬تلك‮ ‬المجموعة؟
على سبيل المثال الشيخ أحمد بوساق الذي أصبح اليوم عالما من أعلام الفقه الجنائي الإسلامي وباحثا، ومدرسا بجامعة الرياض بالمملكة العربية السعودية، والأستاذ عبد المقتدر، وهو الداعية المعروف لدى العاصميين بدروسه المسجدية المتميزة والمعتدلة، قبل أن يكون عضوا مؤسسا‮ ‬في‮ ‬رابطة‮ ‬الدعوة‮ ‬الإسلامية‮.‬

كيف‮ ‬كانت‮ ‬علاقاتكم‮ ‬مع‮ ‬بقية‮ ‬الجماعات؟
كانت هناك محاولة للاتصال بالجزأرة، ولم نجد يومها بيننا انسجاما فكريا ولا نفسيا، وقد كانوا يعيبون على الجماعة الارتباط بالإخوان المسلمين في مصر، ولم نكن ندرك جيدا سر ذلك، لأنه لم يكن مطروحا لدينا، وكنا نرى في المدرسة الإخوانية نموذجا للتفكير المعتدل وليس الارتباط‮ ‬التنظيمي‮.. ‬والحقيقة‮ ‬أنهم‮ ‬كانوا‮ ‬يرون‮ ‬أن‮ ‬الجماعة‮ ‬كلها‮ ‬شباب،‮ ‬وجاب‮ ‬الله‮ ‬نفسه‮ ‬كان‮ ‬صغير‮ ‬السن‮ ‬وقليل‮ ‬التجربة‮ ‬مقارنة‮ ‬بقيادتهم‮ ‬التي‮ ‬كان‮ ‬يرأسها‮ ‬الدكتور‮ ‬بوجلخة‮.‬
ولم تكن جماعة الشرق قد أعلنت عن رئيسها ولا عن اسمها إلى غاية 1985، ولذلك لما جاء فرع التنظيم الدولي للإخوان المسلمين برئاسة الشيخ محفوظ نحناح إلى الشرق، نهاية 1985، وجدوا كل شيء إخوانيا من حيث العمل والمنهج، وحتى السلفية لم يكن وجودهم ملفتا للنظر على غرار العاصمة، ولا وجود للتكفير والهجرة نهائيا.. فلما أراد أنصار الشيخ محفوظ رحمه الله التأسيس لجماعتهم في الشرق الجزائري، قالوا: "إن كنتم إخوانا، فنحن إخوان والشيخ محفوظ منتمٍ إلى الإخوان منذ 1969، ولديه بيعة رسمية واعتراف من الإخوان"، وهو ما دفع نحو فتح نقاش دون نتيجة، فاضطرت الجماعة حينها إلى تخريج جديد، فقالت: "نحن مع عالمية التصور والأفكار وجزائرية التنظيم والتخطيط والتنفيذ". لم يثمر مثل ذلك النقاش في المرحلة الأولى، فاستمر من نهاية 1985 وإلى غاية 1987، ولجأ أنصار الشيخ نحناح للاتصال بالإطارات من الدرجة الثانية والثالثة من جماعتنا، خاصة على مستوى الجامعات، مستعينين بأشرطة البيعة التي توضح تزكية الشيخ محفوظ من قبل قيادات إخوانية.. مع قولهم: "إن لم تأتوا معنا فلستهم إخوانا مهما كانت أفكاركم"، وبهذه الطريقة استطاعوا الدخول إلى الشرق الجزائري، رغم أنهم لم يكن لديهم‮ ‬فرد‮ ‬في‮ ‬الشرق‮.‬

أين‮ ‬كنتم‮ ‬حين‮ ‬وقعت‮ ‬أحداث‮ ‬الخامس‮ ‬من‮ ‬أكتوبر‮ ‬88؟
كجماعة لم تكن تلك الأحداث متوقعة عندنا، ولم نكن نملك تصورا واضحا لكيفية التعامل معها، وقد كانت الجماعة - على مستوى الاستشراف المستقبلي - ترى أن موضوع التحول في الجزائر ما يزال بعيدا.. ولذلك كل تصرفات القيادة، ممثلة في عبد الله جاب الله والمقربين منه، كانت باجتهادات‮ ‬فردية‮..‬
وتم الاتصال بي من طرف جاب الله، وكنت يومها في جيجل، فسافرنا على الفور إلى العاصمة في محاولة لجمع المعلومات بشأن تلك الانتفاضة، التي كان يبدو في ظاهرها أنها عفوية، لكنها خرجت عن كل سيطرة، واتجهت نحو التحطيم والتكسير، ثم تلتها مسيرات قادها عدد معتبر من أبناء الصحوة ورواد المساجد، وبعض رموز التيار السلفي يومها، في غياب واضح لرموز الجماعات الثلاث.. وقد قمنا بأول اتصال مع الشيخ أحمد سحنون رحمه الله.. تبادلنا معه الحديث حول الموضوع والمعلومات والمعطيات وما يجب فعله من أجل التخفيف من آثار ذلك على الجزائر والمشروع الإسلامي، وقد كان رأيه مع ضرورة التهدئة وعدم الانسياق وراء المجهول.. ثم اتصلنا بالشيخ بوسليماني رحمه الله، وحاولنا الاتصال بالشيخ علي بن حاج لكننا لم نتمكن، وكذلك بالنسبة للهاشمي سحنوني لم نتمكن من لقائه أيضا.
فشلت‮ ‬اتصالاتنا‮ ‬مع‮ ‬بن‮ ‬حاج‮ ‬وسحنوني‮ ‬ومحمد‮ ‬السعيد‮ ‬عقب‮ ‬اندلاع‮ ‬أحداث‮ ‬أكتوبر‮ ‬88

وكيف‮ ‬كان‮ ‬التفاعل‮ ‬والتحرك‮ ‬الميداني؟ ‬
اتصلتُ شخصيا بالدكتور هدام من جماعة الجزأرة، فتحفظ في أول الأمر، لكنه قال لي بعد ذلك: "لحد الآن ليس لدينا في الجماعة موقف واضح"، ومع ذلك اتفقنا على ضرورة التحرك لفعل شيء ما، كما وصلتنا معلومات غير رسمية أن هناك خلافات حادة على مستوى قيادة الأفلان، وحتى على‮ ‬مستوى‮ ‬اللجنة‮ ‬المركزية‮ ‬للحزب‮. ‬
وقد أصدر الشيخ أحمد سحنون رسالة بعث بها عن طريق الشيخ محمد السعيد رحمه الله إلى المسيرات - التي كانت قد انطلقت في نهاية الأسبوع ويتقدمها مجموعة من الشباب السلفي في العاصمة - يدعو فيها للتهدئة وعدم الانسياق وراء المجهول، ثم عدنا إلى الشرق لتدارس الموضوع، لكن بعدها، ألقى رئيس الجمهورية خطابا وأعلن جملة من الإجراءات من بينها تعديل الدستور. وقد أدخل خطاب الرئيس الشاذلي معطيات جديدة، وكان لابد على الجماعة من إعطاء رأيها حول التعديل الدستوري، وفعلا تم إصدار رسالة وقعت باسم عبد الله جاب الله - لأن الجماعة لم يكن معترف‮ ‬بها‮ ‬رسميا‮ - ‬وجهت‮ ‬إلى‮ ‬رئيس‮ ‬الجمهورية،‮ ‬تضمنت‮ ‬التعديلات‮ ‬الدستورية‮ ‬المنتظرة‮. ‬

كيف‮ ‬تفاعلت‮ ‬رئاسة‮ ‬الجمهورية‮ ‬مع‮ ‬الرسالة؟
الرئاسة لم ترد على الرسالة لا سلبا ولا إيجابا، وأصدرت بعد فترة التعديلَ الدستوري، وأقر الاعتراف بجمعيات ذات طابع سياسي، ورغم ذلك بقيت الساحة السياسية في غليان خاصة في صفوف الإسلاميين، رغم الهدوء النسبي في الاحتجاجات الشعبية في الشوارع.

من‮ ‬هم‮ ‬أهم‮ ‬رموز‮ ‬السلفية‮ ‬ممن‮ ‬قاد‮ ‬ذلك‮ ‬الغليان‮ ‬الشعبي؟
على‮ ‬غرار‮ ‬علي‮ ‬بن‮ ‬حاج‮ ‬والهاشمي‮ ‬سحنوني،‮ ‬ولا‮ ‬يوجد‮ ‬أي‮ ‬طرف‮ ‬ادعى‮ ‬أنه‮ ‬هو‮ ‬من‮ ‬خطط‮ ‬للانتفاضة‮ ‬أو‮ ‬قادها،‮ ‬وبقيت‮ ‬مشاركة‮ ‬بعد‮ ‬الرموز‮ ‬بشكل‮ ‬فردي،‮ ‬والأكيد‮ ‬أن‮ ‬الجماعات‮ ‬الثلاث‮ ‬لم‮ ‬تشارك‮.‬

بمجرد‮ ‬إقرار‮ ‬التعددية‮ ‬الحزبية‮ ‬سارع‮ ‬قياديو‮ ‬الفيس‮ ‬لإعلان‮ ‬تأسيس‮ ‬الجبهة،‮ ‬في‮ ‬وقت‮ ‬كنتم‮ ‬الأجدر‮ ‬بحكم‮ ‬هيكلتكم‮ ‬التنظيمية؟‮ ‬ما‮ ‬قولكم‮ ‬في‮ ‬ذلك؟
هناك حقيقة ينبغي أن توضح، وهو أن الجماعات الإسلامية الثلاث التي كانت تنشط بصفة منظمة (جماعة الشرق والإخوان والجزأرة)، لم تكن لديهم ثقة في السلطة، وبأن التحول الحاصل من الأحادية إلى التعددية هو فعلا تحول طبيعي، كما لم تكن الجماعات مهيأة عمليا لتأسيس حزب، فجماعة الشرق تراه مازال بعيدا، أما الأفراد الذين سارعوا لفكرة تأسيس جبهة الإنقاذ، أغلبهم من السلفيين الذين لم يكونوا يؤمنون بالتنظيم، أو أفراد مستقلون أو جهاديون، أو بعض الأفراد ربما كانوا قد يئسوا من العمل السري، أرادوا أن يخوضوا تجربة العمل العلني تحت مظلة‮ ‬حزب‮ ‬أو‮ ‬جمعية‮ ‬سياسية‮.‬

هل‮ ‬غموض‮ ‬الانتفاضة‮ ‬وعدم‮ ‬الثقة‮ ‬في‮ ‬النظام‮ ‬دفعاكم‮ ‬للدعوة‮ ‬إلى‮ ‬التريث‮ ‬دون‮ ‬إنشاء‮ ‬حزب‮ ‬إسلامي؟
فكرة التريث هي العامل المشترك عند قادة ورؤساء الجماعات الثلاث، بالإضافة إلى الشيخ سحنون رحمه الله، وربما كانت هذه القناعة مردها أولا: الخوف من إمكانية الاختراق على المستوى الهرمي للحزب الجديد. وثانيا: عدم الثقة في النظام بأنه سيسمح باعتماد حزب إسلامي آنذاك. وفي ظل هذه الهواجس والمخاوف، عقدنا أول جلسة مع الشيخ سحنون رحمه الله، فوجدناه يقاسمنا أغلب هذه الهواجس وضرورة توسيع المشورة، وعدم الانفراد بالقرار، بعدها اتصلنا بالشيخ بوسليماني رحمه الله، وعقدنا معه جلستين قصيرتين، وكان رأيه من رأي الشيخ سحنون، فاتفقنا معه‮ ‬كجماعة‮ ‬على‮ ‬ضرورة‮ ‬التنسيق‮ ‬المعمق‮ ‬بين‮ ‬الجماعتين‮ ‬لحماية‮ ‬المشروع‮ ‬الإسلامي‮.‬
أما الجلسة الثالثة فكانت مع الشيخ محمد السعيد (الجزأرة)، ورغم التحفظ الذي كان باديا عليه في بداية الجلسة، إلا أنه أعرب عن جملة من المخاوف تلتقي في معظمها مع ما طرحناه سابقا. كما جمعنا لقاء آخر مع الداعية كرار من وهران (فكره إخواني)، كان مستمعا أكثر مما يتكلم،‮ ‬ويظهر‮ ‬عليه‮ ‬التوافق‮ ‬مع‮ ‬طرحنا‮.‬
وبعدها عقدنا جلسة مطولة مع الشيخ الهاشمي سحنوني، وكان مرتاحا لكلام جاب الله، وحريصا على أن تكون جماعة الشرق ضمن هذا المولود الجديد، وقال لجاب الله مازحا: "إذا كنت تريد رئاسة هذه الجبهة فنحن مستعدون للمساعدة في ذلك"، وكان بعدها اللقاء مع الشيخ علي بن حاج، وهو الذي كانت له مع جماعة الشرق لقاءات متعددة ابتداء من سنة 1987، وقال لي بحضور الدكتور عبد المجيد مصباحي: "اكتشفت أنه تنقصي معلومات كثيرة في الجانب السياسي، وأنني مستعد على التعاون معكم في هذا الخصوص"، وقال مبتسما: "أنا مستعد للدخول معكم في الجماعة"، لكننا‮ ‬لمسنا‮ ‬منه‮ ‬في‮ ‬هذا‮ ‬الموضوع‮ ‬بالذات‮ (‬أي‮ ‬الفيس‮) ‬أنه‮ ‬كان‮ ‬متسرعا‮ ‬أكثر‮ ‬من‮ ‬اللزوم،‮ ‬ولم‮ ‬يكن‮ ‬يعير‮ ‬اهتماما‮ ‬لا‮ ‬للرئاسة‮ ‬ولا‮ ‬للبرنامج،‮ ‬وكان‮ ‬همه‮ ‬إعلان‮ ‬تأسيس‮ ‬الحزب‮ ‬فقط‮.‬

هل‮ ‬حرص‮ ‬جاب‮ ‬الله‮ ‬كان‮ ‬لحماية‮ ‬المشروع‮ ‬الإسلامي‮ ‬أم‮ ‬خوفا‮ ‬من‮ ‬تزعم‮ ‬عباسي؟
للأسف، كان الهاجس الأكبر لدى الشيخ جاب الله هو من يرأس هذه الجبهة، لأنه كان يرى أو يغلب على ظنه أن الشيخ عباسي مدني هو الأوفر حظا بناءً على تلك الجلسة، وقد صرح جاب الله، في الجلسات المشار إليها، مع الشيخ الهامشي سحنوني وكرار والشيخ زبدة، على ضرورة إبعاد عباسي عن رئاسة هذه الجبهة، ولم أكن حينها موافقا على ذلك الكلام، وبذلك الأسلوب المكشوف، لكنني التزمت الصمت إلى غاية انفرادنا لوحدنا في السيارة، وحينها قلت لجاب الله: "إنني أخشى أن يوظف مثل ذلك الكلام ضد الجماعة"، فابتسم وقال لي: "أنا أعرف هؤلاء إن لهم نفس نظرتنا‮ ‬تجاه‮ ‬عباسي،‮ ‬أو‮ ‬أشدّ‮". ‬

يبدو‮ ‬أن‮ ‬جاب‮ ‬الله‮ ‬انحاز‮ ‬لفكرة‮ ‬التزعم‮ ‬ونسي‮ ‬حماية‮ ‬المشروع؟
ينبغي أن نؤكد هنا بأن جاب الله لم يكن لديه قرار من الجماعة في تلك الأيام بالدخول في مشروع الجبهة، وكل ما كُلف به هو جمع المعلومات والمعطيات والتنسيق مع الجماعات الأخرى، ولأن هواجس الجماعة ومخاوفها أكبر من مسألة الزعامة، فقد انحازت فيما بعد إلى مشروع رابطة الدعوة‮ ‬الإسلامية،‮ ‬الذي‮ ‬كان‮ ‬ينسجم‮ ‬مع‮ ‬طرحها‮.‬
يتبع..‬
adjadj42@yahoo.‬fr


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.