يبدو أن مهمة حكومة الوزير الأول، عبد المالك سلال الجديدة، ليست سهلة ولا هينة، بالنظر إلى الملفات الاقتصادية والاجتماعية الملتهبة، بسبب الوضع المالي الذي تعيشه الجزائر، المتأثرة بفعل تراجع مداخلها، جراء انهيار أسعار النفط، وبداية تآكل احتياطات صرف البلاد، وتبدو مخاوف السلطة جلية في التغيير الذي لحق وزارتين مفصليتين، ويتعلق الأمر بقطاعي الطاقة والمالية جرت العادة أن يترتب عن كل تغيير حكومي، عرْض الوزير الأول الجديد لمخطط عمله على الحكومة وبعدها مجلس الوزراء وغرفتي البرلمان، إلا أن التعديل الوزاري الذي أعلن عنه رئيس الجمهورية، يوم الخميس الماضي، يعفي عبد المالك سلال من وضع مخطط حكومة جديد، على اعتبار أن الأمر يتعلق بتعديل جزئي، لا يؤثر في خطة العمل، حتى ولو أبعد 9 وزراء واستقدم 8 أسماء جديدة، إلا أن ملامح التغير تبين أن "الكوتش" سلال كان بحاجة ماسة الى الالتفات "لدكة البدلاء" ولعب ورقة "الكوتشينغ" في وقت حرج من عمر المباراة، وذلك لقلب النتيجة ومواجهة الوضع المالي الذي أصبح منافسا عنيدا للجهاز التنفيذي. ومن بين الملفات الملتهبة والمهام الصعبة التي تنتظر الحكومة الجديدة، وضع الحلول لمواجهة انهيار سعر النفط في السوق الدولية، وانعكاساته على مداخيل الجزائر النفطية، التي تراجعت ب 5 ملايير دولار في 90 يوما فقط، في وقت سجل الميزان التجاري عجزا ب1 .73 مليار دولار خلال الثلاثي الأول من السنة الجارية، هذه المعطيات هي التي دفعت نحو شكل بطاقة حمراء في وجه وزير الطاقة المبعد، يوسف يوسفي، بصفة نهائية من المباراة، كما أبعدت نفس المعطيات محمد جلاب عن ميدان المالية، في عز تحضير الوزارة لمشروع قانون المالية التكميلي الذي تراهن الحكومة على شقه التشريعي لعلاج بعض الوضعيات التي خلفتها أسعار النفط المنهارة. ثاني ملف مشتعل، يتعلق بالمقاربة التي روج لها طويلا وزير المالية الجديد، الخبير عبد الرحمان بن خالفة، والذي ستكون مهمته الأساسية مواجهة انهيار سعر صرف العملة الوطنية مقارنة بالعملة الأوروبية والأمريكية، ورهان خفض قيمة الدينار الذي يحتاج إلى قرار سياسي جريء جدا، لما سيترتب عن القرار من انعكاسات على مستوى معيشة الجزائريين، وسلوكاتهم الاستهلاكية، فهل سيتحمل وزير المالية الجديد مسؤولية خفض قيمة الدينار، علما أن المقترح جاهز ضمن مشروع قانون المالية التكميلي، وهل سيسير البنك المركزي على نفس الخط؟ أحد أهمية التحديات الكبيرة التي تواجه الحكومة الجديدة، تآكل احتياطي الصرف الجزائري وتراجعه ب8 ملايير دولار خلال الأربعة الأشهر الأخيرة من السنة الماضية، باعتراف البنك المركزي الذي أعلن انخفاض كتلة "شحيحة" الجزائريين إلى 185.27 مليار دولار نهاية سبتمبر من السنة المنقضية، بعد أن كانت تقدر ب193.27 مليار دولار نهاية السداسي الأول من سنة 2014. وعند وضعية "الشح المالي" التي تعيشها البلاد ستكون مهمة البحث عن موارد مالية جديدة، وبعث النجاعة في قطاعات أخرى كقطاع الصناعة والفلاحة والسياحة كقطاعات بديلة لقطاع النفط، واستقطاب الاستثمارات أهم الملفات كذلك التي تشكل رهان حكومة سلال الرابعة.
معركة الحكومة الجديدة وجبهتها بامتياز ستكون اقتصادية تنموية محضة، لأن ضمان الاستقرار الاجتماعي مرهون أساسا بالاستقرار المالي، فحكومة تخصص خمس ميزانيتها للتحويلات الاجتماعية و"السوسيال"، ملزمة بضمان موارد مالية ضخمة، تضمن مجانية التعليم والصحة، ومنصب شغل لكل بطال، والحق في السكن لمختلف الفئات، والحق في وسيلة نقل "محترمة"، وبنى تحتية وخدمات نوعية، لمواطن ترعبه عبارة "التقشف" ونصائح صندوق النقد الدولي.