رئيس الجمهورية يبرز الدور الريادي للجزائر في إرساء نظام اقتصادي جديد عادل    فلاحة: السيد شرفة يستقبل المدير التنفيذي للمجلس الدولي للحبوب    بورصة: بحث سبل التعاون بين "كوسوب" وهيئة قطر لأسواق المال    شهر التراث: منح 152 رخصة بحث أثري على المستوى الوطني خلال الأربع سنوات الماضية    موعد عائلي وشباني بألوان الربيع    الوريدة".. تاريخ عريق يفوح بعبق الأصالة "    مجلس الأمة يشارك بأذربيجان في المنتدى العالمي السادس لحوار الثقافات من 1 الى 3 مايو    عرقاب يتباحث بتورينو مع الرئيس المدير العام لبيكر هيوز حول فرص الاستثمار في الجزائر    أمطار مرتقبة على عدة ولايات ابتداء من مساء اليوم الاثنين    مسؤول فلسطيني : الاحتلال فشل في تشويه "الأونروا" التي ستواصل عملها رغم أزمتها المالية    بوزيدي : المنتجات المقترحة من طرف البنوك في الجزائر تتطابق مع مبادئ الشريعة الإسلامية    الشلف – الصيد البحري : مشاركة أزيد من 70 مرشحا في امتحان مكتسبات الخبرة المهنية    إجراء اختبارات أول بكالوريا في شعبة الفنون    هنية يُعبّر عن إكباره للجزائر حكومةً وشعباً    العالم بعد 200 يوم من العدوان على غزة    صورة قاتمة حول المغرب    5 شهداء وعشرات الجرحى في قصف صهيوني على غزة    العدوان على غزة: الرئيس عباس يدعو الولايات المتحدة لمنع الكيان الصهيوني من اجتياح مدينة رفح    مولودية الجزائر تقترب من التتويج    تيارت/ انطلاق إعادة تأهيل مركز الفروسية الأمير عبد القادر قريبا    كأس الكونفدرالية الافريقية : نهضة بركان يستمر في استفزازاته واتحاد الجزائر ينسحب    تقدير فلسطيني للجزائر    رقمنة تسجيلات السنة الأولى ابتدائي    رفع سرعة تدفق الأنترنت إلى 1 جيغا    الجزائر وفرت الآليات الكفيلة بحماية المسنّين    أمّهات يتخلّين عن فلذات أكبادهن بعد الطلاق!    تسخير كل الإمكانيات لإنجاح الإحصاء العام للفلاحة    سنتصدّى لكلّ من يسيء للمرجعية الدينية    برمجة ملتقيات علمية وندوات في عدّة ولايات    المدية.. معالم أثرية عريقة    مهرجان عنابة للفيلم المتوسطي: فرصة مثلى لجعل الجمهور وفيا للسينما    ذِكر الله له فوائد ومنافع عظيمة    الجزائر تُصدّر أقلام الأنسولين إلى السعودية    دورة تدريبية خاصة بالحج في العاصمة    استئناف حجز تذاكر الحجاج لمطار أدرار    3 تذاكر ضاعت في نهاية الأسبوع: الثنائي معمري يرفع عدد المتأهلين إلى دورة الأولمبياد    لموقفها الداعم لحق الفلسطينيين قولا وفعلا: هنية يعبر عن إجلاله وإكباره للجزائر    بعد مسيرة تحكيمية دامت 20 سنة: بوكواسة يودع الملاعب بطريقة خاصة    عون أشرف على العملية من مصنع "نوفونورديسك" ببوفاريك: الجزائر تشرع في تصدير الأنسولين إلى السعودية    القضاء على إرهابي بالشلف    مبادرة ذكية لتعزيز اللحمة الوطنية والانسجام الاجتماعي    موجبات قوة وجاهزية الجيش تقتضي تضافر جهود الجميع    تخوّف من ظهور مرض الصدأ الأصفر    إبراز دور وسائل الإعلام في إنهاء الاستعمار    عائد الاستثمار في السينما بأوروبا مثير للاهتمام    "الحراك" يفتح ملفات الفساد ويتتبع فاعليه    مدرب ليون الفرنسي يدعم بقاء بن رحمة    راتب بن ناصر أحد أسباب ميلان للتخلص منه    العثور على الشاب المفقود بشاطئ الناظور في المغرب    أرسنال يتقدم في مفاوضات ضمّ آيت نوري    "العايلة" ليس فيلما تاريخيا    5 مصابين في حادث دهس    15 جريحا في حوادث الدرجات النارية    تعزيز القدرات والمهارات لفائدة منظومة الحج والعمرة    نطق الشهادتين في أحد مساجد العاصمة: بسبب فلسطين.. مدرب مولودية الجزائر يعلن اعتناقه الإسلام    لو عرفوه ما أساؤوا إليه..!؟    أهمية العمل وإتقانه في الإسلام    مدرب مولودية الجزائر باتريس يسلم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كيف تجفّف منابع داعش والقاعدة.. السؤال المحيّر
نشر في الأيام الجزائرية يوم 02 - 09 - 2015

تحوّلت استراتيجية الولايات المتحدة الأمريكية في حربها ضدّ الإرهاب، في اتجاه التسويق الإعلامي لانتصاراتها الميدانية، وقد اختارت واشنطن، في تسيير ملف الدعاية الإعلامية، سبيل الإعلان عن القضاء على الروؤس في التنظيمات الإرهابية، وفي هذا الاتجاه، يأتي الإعلان عن القضاء على أحد عناصر تنظيم داعش، في غارة لطائرة بدون طيار بالرقة في سوريا، ويدعى جنيد حسين، ويُشار إليه في ملف الهجوم على مسابقة رسوم الكرتون المسيئة للنبي صلى الله عليه وسلم بولاية تكساس الأمريكية.
الأيام/ أعدته للنشر: سامية.ب
يأتي الإعلان الأخير عن مقتل جنيد حسين، ضمن سلسلة إعلانات أخرى سبقته، فقد قدّمت وزارة الدفاع الأمريكية، البنتاغون، خلال شهر جويلية المنصرم، لائحة بأسماء جمعت كل من؛ محسن الفضلي، زعيم جماعة خراسان، وهي فرع لتنظيم القاعدة في سوريا، وأبو خليل السوداني، وهو شخصية بارزة في تنظيم القاعدة بأفغانستان، وقبل هذا بسنوات، كان الإعلان عن مقتل بن لادن، فضلا عن الإعلان عن عشرات الاعتقالات والقبض على أشخاص، يوصفون بالخطرين، ينشطون في صفوف مختلف التنظيمات التي تصنّفها واشنطن في لائحة الإرهاب.
كل هذه الضجة الإعلامية التي طال أمدها، والحرب التي لم تنته، تدفع بالمتتبع للشأن العالمي إلى التساؤل، إلى أين وصلت الحرب ضدّ الإرهاب؟ وهل نعتبر ما تم إنجازه إجتثاثا أم مجرّد زعزعة أم أقلّ منهما؟ وهل هناك زعيم رئيسي سيوجّه استبعاده ضربة قاضية؟ هل ما يسمى ب"قطع رأس القيادة" يصلح كاستراتيجية؟ هل تواجه وكالات مكافحة الإرهاب الغربية عملية حذف أسماء من قائمة لا نهاية لها؟ هل يفوق عدد المجموعات المتطرّفة قدرتنا على محاربتهم جميعا، بينما نشهد ظهور جيل جديد من القادة الإرهابيين الذين لا نعلم مدى خطورتهم؟
من زعزعة القاعدة.. إلى القضاء عليها
أسامة بن لادن، أحد أهم من لقوا مصرعهم من الإرهابيين المعروفين في السنوات الخمس الماضية، إلى جانب أنور العولقي، رجل الدين الأمريكي اليمني الأصل، وكلاهما كان من الشخصيات الكاريزمية في تنظيم القاعدة، وكان لمقتل بن لادن في عام 2011 أهمية رمزية، حيث شكّل دافعا معنويا للولايات المتحدة بعد ما يقرب من عقد كامل من البحث العقيم، ويتفق معظم المحللين السياسيين أن خليفته، أيمن الظواهري، لا يحظى بالقدر نفسه، من حيث الوزن والتأثير والولاء الذي حظي به بن لادن داخل القاعدة، ويذهب آخرون، إلى أنّ انفجار الجماعات المسلّحة وتفرّقها إلى تنظيمات أخرى، يرجع إلى الافتقاد للمرجعية الكاريزمية القوية داخلها، خصوصا بعد القضاء على بن لادن، ولذلك فإن قتل بن لادن كان له أهمية، ولكن زعيم القاعدة لم يكن يحظ بنفس النفوذ من جهة السيطرة على العمليات، وحتى التوجّه الاستراتيجي وقت مصرعه في باكستان، وربما تكون قد أدت وفاته إلى الإفراط في الثقة بأن الولايات المتحدة تحرز تقدما سريعا من محاولة "الزعزعة" نحو "التدمير" في معركتها ضدّ تنظيم القاعدة.
بعد مرور أشهر عن وفاة بن لادن، وسط حملة جوية مكثفة من الطائرات بدون طيار، قال وزير الخارجية الأمريكية السابق، ليون بانيتا "نحن نبحث على الأكثر، عن خمسين، إلى مئة، وربما أقل من أفراد تنظيم القاعدة في أفغانستان"، وبعد ذلك بعامين، جاء تصريح آخر يقول "لقد تباطأ السرطان الأساسي، ولكننا نعرف أن السرطان قد انتشر إلى أجزاء أخرى من الجسد العالمي."
حرم مقتل العولقي في غارة طائرة بدون طيار في شهر سبتمبر عام 2011، القاعدة من أفضل مُروجيها، حيث كان العولقي يجيد اللغة الإنجليزية، وكانت بلاغته في دعوة المسلمين في الغرب إلى الانضمام للقاعدة ومقاتلة الغرب فعّالة، ولكن، وهو في القبر، بقيت خطبه مؤثرة، يتداولها أتباعه في الأنترنت، من الشباب الذين سلكوا منهجه، ومن بينهم المسؤولون عن تفجير القنابل في بوسطن، وقالت دراسة أمريكية، قام بها مركز الأمن القومي بمدرسة فوردهام للقانون، إن العولقي أثر في ربع الإرهابيين المشتبه بهم في الولايات المتحدة في السنوات الأخيرة.
ينقسم المحللون والمؤرخون للإرهاب حول فعالية استراتيجية "قطع رأس القيادة"، وهو النهج الذي كان في قلب سياسة إدارة الرئيس الأمريكي أوباما من خلال الاستخدام الواسع النطاق للطائرات بدون طيار المسلحة، لذلك، فالنفور من نشر الجند والتفوّق التكنولوجي المتزايد للطائرات بدون طيار، جعل القتل المستهدف "أساس استراتيجية الولايات المتحدة لمكافحة الإرهاب"، وينبغي لتلك الاستراتيجية، برأي المتتبعين، أن تعمل عن طريق تقليل عدد أفراد الجماعة، وبالتالي مدى تهديدها، وهو حلّ لا يرى به البعض، لأن "هذه الاستراتيجية مخيّبة للآمال، لأن المبدأ النظري وراء قطع رأس القيادة ينسى نقطة مهمة، وهي أن خلفاء القادة المستبعدين عادة ما يكونون أكثر عنفا وتشدّدا ممن سبقهم."
من أين الطريق إلى الرؤوس
لم يكن ممكنا التوقّع أن بن لادن، الثري السعودي، الذي يملك المليارات سيتحوّل إلى شبح مرعب، يخلط أوراق الأمن الأمريكي، ويلعب بسكينة مواطنيه، ثم يجرّه إلى حرب مفتوحة مع جماعات تسكن الجبال والوديان، وبالمثل، لن يكون ممكنا توقّع من سيفرض شخصيته داخل تنظيم إرهابي ليقوده خلال سنوات قادمة، فالتوقّع، هو الشيء الوحيد المستحيل في مكافحة الجريمة والحرب، فإن كان لا مجال للصدفة، فكذلك لا مجال للتكهّن واستباق الأحداث، وهذه الفكرة هي إحدى أهم الصعوبات في تحديد الأفراد المؤثرين فعليا في هذه الجماعات، التي يكون هيكلها الإداري مبهما، ومن هم المقدر لهم البروز من بين الحشود كقادة رئيسيين؟ ففي عام 2003 لم يكن ليصدق أحد أن الزرقاوي سيرفع الوضع السياسي في العراق إلى إلى شفير حرب طائفية، بينما يضخ بملايين الدولارات في خزينة القاعدة، وفي عام 2011، لم يكن يتصوّر أحد أن طالب دكتوراه في الدراسات الإسلامية، بعد ثلاث سنوات سيعلن نفسه خليفة المسلمين من منبر في الموصل بالعراق.
من يقف وراء القاعدة وداعش؟
وإذا تجاوزنا "الشيوخ" والمتحدثين الرسميين باسم هذه الجماعات، فمن هم المموّلون ومصمّمو القنابل والمخططين العسكريون وكبار الرؤساء المجهولون؟ الرجل الذي قد لا يعني شيئا للعالم الخارجي، يمكن أن يكون شخصية مهمة داخل تنظيم القاعدة أو داعش.
أبو خليل السوداني هو مثال لذلك، فلم يكن السوداني اسما معروفا، ولكن قال مسؤولون أمريكيون بأنه عضو في مجلس الشورى وخبير متفجّرات لتنظيم القاعدة، ومتّهم بالتخطيط لهجمات ضدّ الولايات المتحدة الأمريكية، وإذا جاء الوصف على لسان الأمريكيين، فهذا يعني بأن السوداني يواجه متابعة للقضاء عليه، وبالمثل، استُهدف وقُتل القائد التونسي في داعش، طارق الحرازي، في غارة جوية بداية جويلية المنصرم، رغم أنه لم يكن من القيادة العليا، إلا أن الحرازي كان لا يزال حلقة وصل رئيسية في سلسلة باسم "أمير الانتحاريين" وتجنيد التونسيين إلى داعش، وفقا لمسؤولين في الولايات المتحدة.
مقتل الحرازي والسوداني، بالإضافة إلى مقتل ناصر الوحيشي، قائد تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، في جوان كان من أكبر الانتصارات في حرب أمريكا ضدّ الإرهاب، ومع ذلك فإن المعلومات الاستخبارية حول كيفية عمل هذه الجماعات وأهدافها وقدراتها، غالبا ما تكون غير موثوقة للغاية، مما يُعقّد تحديد وإيجاد والقضاء على الشخصيات الرئيسية.
لم يتوقع مسؤولو المخابرات الاستيلاء المفاجئ على الفلوجة في جانفي عام 2014 ولا مدى تأثيره الدائم، وقد وصف الرئيس الأمريكي أوباما وقتها، الذين رفعوا علم داعش في الفلوجة بأنهم مبتدؤون، "أعتقد أن هناك فرقا بين قدرات وتمكن بن لادن وشبكة تخطط لمؤامرات إرهابية كبيرة ضدّ الوطن، وبين الجهاديين الذين يشاركون في مختلف الصراعات على السلطة والخلافات المحلية، التي تكون في كثير من الأحيان طائفية".
وفوجئ المسؤولون بالسرعة الفائقة التي استولى بها داعش على المدن العراقية، الموصل وتكريت، بعد نحو خمسة أشهر لاحقة، وقال رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية، الجنرال مارتن ديمبسي، ردا على سؤال وُجه له حول سقوط الموصل، "هناك العديد من الأشياء التي فاجأتنا حول داعش، قدرتهم على تشكيل التحالف الخاص بهم، سواء داخل سوريا أو داخل المناطق الشمالية الغربية في العراق، وقدرتهم العسكرية التي أظهروها".
يبدو أن داعش برأي الملاحظين للشأن الأمني، خصّص وقتا للتخطيط للخلافة، مدركا أن زعماءه باتوا هدفا لحملة واسعة تقودها المخابرات، ولدى داعش تسلسل هرمي متطور، وقد آلت العمليات العسكرية للقيادات الإقليمية، وطورت الجماعة بيروقراطية، تتضمن المجالس العسكرية والمالية والمخابرات، وإنشاء مجلس الشورى لوضع السياسة العامة.
يوفّر هذا الهيكل التكرار بطريقة من شأنها أن تخفف من تأثير وفاة البغدادي، وبالطبع، سيكون استبعاده من ساحة المعركة إنجازا كبيرا، ولكن داعش لن ينهي عملياته بين عشية وضحاها.
التفاقم الذي يصفه بانيتا هو على الأرجح أساس المشكلة اليوم، ففي خريف عام 2001، كان يتحصن جزء كبير من قيادة تنظيم القاعدة في كهوف تورا بورا في أفغانستان، والآن تتطلب مهمة تتبع واستهداف الإرهابيين البحث في غابات شمال نيجيريا وشواطئ البحر الأبيض المتوسط في ليبيا وشرقا عبر سوريا والعراق إلى سفوح جبال الهيمالايا، وبدلا من تتبع شبكة إرهابية واحدة، هناك نوعان من المؤسسات الإرهابية، داعش والقاعدة، ومجموعة من الشبكات الصغيرة التابعة لهما.
تختلف كثيرا المعلومات الاستخباراتية حول هذه الجماعات، وقليل جدا ما يُعرف عن كيفية عمل بوكو حرام في نيجيريا، وكيف يسيطر زعيمها، أبو بكر شيكاو، عليها، ما يُصعب تقدير النتائج المترتبة على قتله.
أطفال الحرب قنابل موقوتة
يجري الحديث اليوم، عن رصيد سنوات الحرب في البلدان التي شهدت توترات وقلقا عسكريا ميدانيا، على غرار العراق وأفغانستان، وليبيا مؤخرا، حيث نشأت فئات شبانية كبيرة على صوت الرصاص وأخبار القتل ومشاهد الدمار، وهي بصورة أو أخرى، في الغالب، مندمجة في هذه الأعمال العنيفة، مما يعطيها القدرة على تفجير نواة أيّ صراع سياسي في أيّ مكان، كما يعطيها قابلية الاندماج في التنظيمات الإرهابية، التي أصبحت عابرة للحدود، ومن هنا يتزايد القلق الدولي من تضاعف ظاهرة الإرهاب على نحو موسّع ومتاح، خصوصا بعد الانتشار الكبير للأسلحة المهرّبة من مخازن الدول التي عرفت ما سمي ب"الربيع العربي".
تم تسليح الأجيال القادمة بالمهارات المطلوبة للحرب، فخبير صنع القنابل في تنظيم القاعدة، أبو خباب المصري، درّس العشرات من المتدربين في معسكره بأفغانستان، قبل وفاته عام 2008، وعمله على الأرجح أثر بشكل كبير على صانع قنابل القاعدة في جزيرة العرب، وإبراهيم عسيري، الذي يُعتقد أنه يدرّب العديد من صانعي القنابل في مخبئه في منطقة نائية باليمن، والآن يأتي تجهيز داعش ل"أشبال الخلافة"، أولاد صغار جُندوا مقاتلين وانتحاريين.
وفي شريط فيديو، نُشر مؤخرا، يُزعم أنه أُخذ في الرقة بسوريا، يُحذر صبي من بين العديد الذين يرتدون الزي العسكري الغرب بأنه سيتم تدميره "من قبل أشبال الخلافة".
أمريكا تولّي القبلة إلى جبهة النصرة
تتجه الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها، فيما يبدو، للإستعانة بجبهة النصرة، التابعة لتنظيم القاعدة، في إطار استراتيجية اقتصادية للأرواح والمعدّات، مع مزيد من التملّص من أيّ مسؤوليات إنسانية، حيال التخريب واستمرار سقوط الأرواح، والانتهاكات المختلفة لحقوق الإنسان، حسب تصريح المدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية ديفيد بتريوس، وقالت مصادر إن بتريوس، وهو القائد السابق للقوات الأمريكية في العراق وأفغانستان، يقنع مسؤولين أمريكيين بدراسة الاستعانة بأعضاء "معتدلين" في "جبهة النصرة".
يذكر أن الجنرال الأمريكي المتقاعد، يستند في مبادرته إلى خبرته في العراق في عام 2007، عندما تمكنت القوات الأمريكية من إقناع مليشيات بالتخلي عن دعم القاعدة على أساس طائفي، والتعاون مع الجيش الأمريكي، واعتبر مسؤولون أمريكيون أجرى موقع "ديلي بيست" استطلاع آرائهم، خطة بتريوس خطرة وشبه مستحيلة ومثيرة للجدل، لأن واشنطن بدأت حربها ضدّ الإرهاب على خلفية هجمات 11 سبتمبر 2001، كما ستواجه هذه الخطة عقبات أمنية وشرعية كبيرة، بعد أن أدرجت الإدارة الأمريكية جبهة النصرة في قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية في عام 2012.
يذكر أن ديفيد بتريوس شغل في بداية الأزمة السورية في مارس عام 2011 منصب مدير "سي آي ايه" ودعا الإدارة الأمريكية لدعم قوات المعارصة المعتدلة في سوريا، واستقال بتريوس من منصبه في نهاية عام 2012 على خلفية اتهامات بكشفه معلومات سرية، وقرّر القضاء الأمريكي وضعه عامين تحت المراقبة وتغريمه 100 ألف دولار بعد اعترافه بذنبه في إساءة التعامل مع معلومات سرية.
تناقضات الحرب ضدّ داعش
أدّى صعود تنظيم داعش، في سوريا والعراق، إلى تشكيل تحالف كبير متعدّد الجنسيات، يضم الولايات المتحدة الأمريكية، وتركيا وحلفاء واشنطن من دول الخليج، والكل عازم على تدمير التنظيم، وهذا ينطبق على إيران وإسرائيل، ونجم عن هذا تكوين ميليشيات موالية لإيران في العراق، تقف على الجانب نفسه مع الولايات المتحدة الأمريكية.
وأبرز الكفاح ضدّ داعش في سوريا تناقضات كثيرة، منها الشك في دعم دول الخليج لجماعات سنية على صلة بتنظيم القاعدة، في حين تحارب جماعة جبهة النصرة التي تنتمي إلى تنظيم القاعدة ميليشيات سورية معتدلة حصلت على تدريب من الجانب الأمريكي، فما الذي يحدث بالفعل؟ كيف لنا أن نفسّر وجود بعض هذه التحالفات الغريبة وهذه التناقضات؟
تقسيم سوريا خطر
أصبحت دول مثل سوريا والعراق، منهارة وربما استحالت عودتها إلى سابق عهدها مرة أخرى، وتساءل قائد الجيش الأمريكي المنقضية فترة ولايته، ريموند أوديرنو، إذا كان من المحتمل أن تمثل خطة التقسيم خيارا أفضل للعراق، فبالنسبة للوضع في سوريا، يستحيل التنبؤ بشكل دولة مقسّمة في حالة سقوط نظام الأسد، فزيادة الفوضى ربما هي النتيجة الأعمّ على أرجح التقديرات، وفي ظل كل هذه الفوضى، يبدو الاصطفاف المعادي لتنظيم داعش واضحا بما يكفي.
تقسيم العراق وارد
اشتركت دول في الحملة الجوية ضدّ تنظيم داعش، بينها الولايات المتحدة وعدد من الدول الأوروبية الحليفة لها، فضلا عن السعودية ودول خليجية إلى جانب كندا واستراليا، وبالطبع هناك بعض الدول، مثل بريطانيا، تركز ضرباتها الجوية على أهداف تابعة لتنظيم الدولة الإسلامية في العراق وليس في سوريا، وهذا التمييز بين الوضعين في العراق وسوريا يفسّر بعض التعقيدات، ولتلخيص الوضع في العراق، توجه الولايات المتحدة وقوات التحالف ضربات جوية ضدّ أهداف تابعة لتنظيم الدولة الإسلامية، كما يقاتل الجيش العراقي والمقاتلون الأكراد والميليشيات الموالية لإيران بدرجات متفاوتة بمثابرة على أراض الواقع.
وفي العراق، على الرغم من كل التعقيدات السياسات المحلية، فإن خطوط المعركة واضحة بشكل معقول، لكن الوضع في سوريا مختلف تماما، وهذا بسبب وجود معركتين هناك وليست معركة واحدة، فثمة تشابهات، من جهة، مع الوضع في العراق، من حيث توجيه الولايات المتحدة وقوات التحالف ضربات جوية لأهداف تابعة لتنظيم الدولة الإسلامية، بدعم من القوات الكردية وقوات أخرى على الأرض، ولكن ما يطلق عليه قوات معتدلة معادية لتنظيم داعش، تعتبر ضعيفة ومنقسمة، ولم تسفر جهود الأمريكيين الرامية لتعزيزهم عن طريق التدريب سوى عن نتائج ضعيفة جدا.
ويدعم حلفاء الولايات المتحدة من دول الخليج، مثل السعودية وقطر، جماعات مختلفة في سوريا في الوقت الذي يركزون فيه أكثر على حرب ثانية، إنها المعركة ضدّ النفوذ الإيراني في المنطقة التي يجسّدها النظام السوري بقيادة بشار الأسد وحلفاؤه من جماعة حزب الله الموالية لإيران في لبنان، فهم يحاربون إلى جانب قوات الحكومة السورية، وثمة تقارير موثوق بها، تشير إلى مشاركة قادة إيرانيين بارزين.
وبالنسبة لدول الخليج، يمثل الكفاح ضدّ إيران أهمية مثل الحرب ضدّ داعش، وربما أكثر أهمية، فهم يغدقون الأموال والسلاح في سوريا في مسعى لتقويض نظام الأسد، وتضيف حقيقة قتال نظام الأسد لتنظيم الدولة الإسلامية إلى التناقضات في العواصم الغربية ويفسّر صعوبة تطبيق استراتيجية متماسكة في المستقبل لكل من العراق وسوريا.
4 حروب متداخلة
يبرز العامل الكردي، في معادلة الصراع في الشرق الأوسط، فهم أعداء وأصدقاء حلفاء في الوقت نفسه، بالنسبة لتركيا بالأخصّ، فالأكراد لديهم طموح سياسي وقومي، لكنهم منقسمون بين تركيا وسوريا والعراق، ومنقسمون إلى شيع متنافسة، كما تهدّد هشاشة العراق والانهيار الوشيك لسوريا بزيادة نفوذ الطموح الكردي، كما فعل الدعم الأمريكي لبعض الفصائل الكردية التي أثبتت قوة في قتالها ضدّ تنظيم الدولة الإسلامية، ويمثل ذلك لعنة ضدّ الحكومة التركية في أنقرة التي تخشى من احتمال أن يشجع سقوط سوريا واحتمال سقوط العراق أيضا الأكراد على حدودها للانفصال.
وتعتبر تركيا جزءا من التحالف، وقد أعطت الأمريكيين مؤخرا ضوءا أخضر لاستخدام قواعدها في إنغرليك لشنّ عمليات ضدّ تنظيم الدولة الإسلامية، كما انضمت إلى الحملة الجوية، لكن ضرباتها لم تكن جميعها ضدّ أهداف تابعة لتنظيم الدولة الإسلامية، لكن ضدّ مقاتلين أكراد، حلفاء من حيث الهدف للتحالف ضدّ تنظيم الدول الإسلامية.
هذا هو وضع الحروب الثلاثة، بين التحالف وتنظيم الدولة الإسلامية وجهود العرب في دول الخليج لاحتواء إيران، والحرب الأهلية السورية، ويمكن إضافة حرب رابعة، وهي بين تركيا وبعض الأكراد.
Share 0
Tweet 0
Share 0
Share 0


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.