أخيرا صدق التكهن بترشيح الوزير عبد المالك سلال إلى قصر الدكتور سعدان، بعدما ظل اسمه متداولا على كل الألسنة منذ ثماني سنوات عقب إدارته لحملة الرئيس عبد العزيز بوتفيلقة العام 2004. الرجل الذي يوصف ب«التكنوقراط» جاء من بعيد ليتدرج في سلم المسؤولية الحكومية، إذ بدأ مشواره الوظيفي كمتصرف إداري برتبة مستشار لدى ديوان والي مدينة ڤالمة منتصف السبعينيات بعد تخرجه من المدرسة الوطنية للإدارة، وهي القلعة التي شكلت حتى الآن «خزانا ثريّا» لرجالات الدولة المدنيين في مختلف المؤسسات والاتجاهات. لكن تعيين ابن مدينة الجسور المعلقة في منصب وزير أول، عوضًا عن أحمد أويحيى وعبد العزيز بلخادم اللذين ظلاّ يتداولان على الحكومة منذ إزاحة علي بن فليس من موقعه شهر ماي من سنة 2003، يطرح برأي مراقبين علامات استفهام عديدة تحتمل أكثر من قراءة يمكن أن تعطى لخلفيات «القرار الدستوري» للرئيس عبد العزيز بوتفليقة. فإذا كان تكليف الوزير السابق للموارد المائية «متوقعا» من «الناحية الوظيفية»، كونه واحدا من الوزراء الذين أثبتوا جدارتهم الدائمة عبر مختلف الدوائر الوزارية التي أوكلت لهم مهمة الإشراف عليها منذ تنصيبه وزيرا للداخلية نهاية سنة 1998، مما رشحه لكسب ثقة الرئيس بوتفليقة ليتحول إلى «ثابت إيجابي» ضمن كافة الطواقم التنفيذية التي تعاقبت على مهام الحكومة. بيد أن القراءة السياسية للقرار الرئاسي تحيل المتابع إلى عدة أسئلة، وفي مقدمتها: هل كان سلال «الخيار الوحيد» الممكن لتحقيق «التوازن السياسي» في الساحة الوطنية على أبواب انتخابات «محلية» وشيكة، ثم «رئاسية» مرتقبة في غضون سنتين، تأتي في سياق «إصلاحات دستورية وقانونية» ينتظر استكمالها من طرف وزراء سلال، لاسيما في ظل عقدة الشرعية الشعبية والأهلية السياسية التي تلاحق هيئة العربي ولد خليفة؟ وهل مثّل الوافدون الجدد على طاقم الحكومة استجابة لمطلب «المعارضة» بتشكيل فريق «تكنوقراطي محايد»، أم أنه صورة ل«حكومة وطنية موسعة»؟ وكيف يمكن تفسير استبعاد زعيمي حزبي الأغلبية البرلمانية منها، البعض قال إن السلطة آثرت منطق «التوافق» ومنحت نفسها فرصة لترتيب المرحلة القادمة، معتبرًا أن خروج بلخادم وأويحيى كان محسوبًا بدقة، خاصة مع التنبؤ بصعوبة الفترة الموالية على الصعيدين الاجتماعي والاقتصادي تحديدا، فتم اختيار وزير المياه لإطفاء الحرائق التي قد تنشب هنا وهناك، لكن المهمة برأي آخرين قد تمتد إلى أبعد من ذلك، في حال ما لم توجد «مخارج مرضية» للجميع يمكن أن تنال ودّ الشعب في كنف التحولات الخطيرة التي تلف المنطقة العربية. لا شك أن إقحام بعض الأحزاب المجهرية ضمن طاقم سلال، يوحي برغبة بوتفليقة في توسيع «الطابع التشاركي» للحكومة، مع إضفاء دور سياسي على أولوياتها، لكن تدعيم «العنصر التكنوقراطي» يؤكد أيضا إرادة الرئيس القوية في استكمال برنامجه الرئاسي، ولو كلفه ذلك التخلّي عن بعض سواعده ممن يعرفون بأصحاب النفوذ ورجال الثقة. مهما تباينت القراءات في تعليل القرار الذي رست عليه خيارات الرئيس بشأن تسمية الوزير الأول أو بقية رفقائه من أعضاء الفريق الحكومي، فإن الطاقم الجديد تلقى على عاتقه مسؤولية كبرى في ردم الهوة السحيقة بين الشعب والسلطة، والتي يعبّر عنها سلوك العزوف الانتخابي المزمن، فهل ينجح الرجل في تلبية الحاجيات الملحة فيما يتعلق بالحياة اليومية للمواطن الجزائري، فضلا عن قيادة ما تبقى من مرحلة الإصلاحات أو «الاستدراك السياسي» كما يطالب به البعض من أقطاب المعارضة؟