يعد محمد بن أبي شنب واحدا من بين العلماء الذين أهتموا بالتراث الجزائري، وقد كان لتواجده بكلية الآداب بالجزائر أثر ظاهر في دفع حركة نشر التراث خطوات واسعة على غرار القائمين بهذه الحركة من المستشرقين، الذين أخذوا على عاتقهم تحقيق بعض النصوص التراثية، وأسندوا تحقيق بعضها الآخر إلى باحثين جزائريين، واشترك الفريقان في ترجمة وتحقيق نصيب من هذه الذخائر وتحقيقها أيضا. وبقيت آثاره دالة عليه فقد أحصى أحد تلاميذته وهو الشيخ عبد الرحمن الجيلالي، الذي رحل منذ سنين قليلة، ما خلفه بن شنب فألفاها تزيد على الخمسين عنوانا في فنون متشعبة ، فيها لمسة أدبية كبيرة، أحيا بعضها فألف ونشر وحقق، كما نقح وصحح،وهو الذي اهتم في الجامعة بتدريس اللغة والمنطق مما يلمس متتبع كتبه وتآليفه وتحقيقاته التي أنجزها هذه النزعة الادبية ومن أعماله المحققة، رحلة الورثلاني التي عنوانها "نزهة الأنظار في فضل علم التاريخ والأخبار" و هي منثورة للعلامة الحسين بن محمد السعيد المعروف بالورثلاني المتوفي في 1194 ه، والتي هي مصدر معتبر في تاريخ الجزائر، وتاريخ العالم العربي عامة تونس وليبيا ومصر والحجاز، ترجم فيها للعديد من الشخصيات وذكر آثارهم. وقد حوت فوائد تاريخية وجغرافية عالية القيمة، كما حظيت هذه الرحلة بشهرة منذ أن كانت مخطوطة، على عهد مؤلفها وما بعده، كما طبعت أول مرة في بداية القرن العشرين طبعا حجريا في تونس، عام 1903 م، بتصحيح الشيخ علي الشنوفي والأمين الجريدي. ثم جاءت طبعة الجزائر، بيير فونتانا عام 1908 م، بتصحيح الشيخ محمد بن أبي شنب، وقد اعتمد في ذلك على مقابلة ثلاث نسخ خطية، اثنتان منهما يعود تاريخهما إلى عصر المؤلف في 1768 م، والأخرى نسخت سنة 1895 م. وأضاف إليها نسخة تونس، وقابل بينها جميعا. صدر في جزء واحد ضخم، وكان نشرها بطلب من حاكم الجزائر العام آنذاك "جونار". حوت 713 صفحة، مع زيادة خمس صفحات لمقدمة الناشر والمصحح، منه ترجمة للمؤلف، وخص 105 ص، للفهارس الفنية، الأعلام، وأسماء الأماكن والقبائل و الأعراش، وأسماء المصادر التي تجاوزت 330 في علوم مختلفة. الكتاب الثاني المحقق عنوانه "الذخيرة السنية في تاريخ الدولة المرينية" لعلي ابن أبي زرع الفاسي، نشره ابن أبي شنب مصححا ومحققا، وقد ذكر عبد الرحمن الجيلالي بقوله "نشره بالتصحيح الكامل، والتحقيق الدقيق، وكان ذلك بالجزائر عام 1921 م. ثم كتاب "البستان في ذكر الأولياء بتلمسان" لأبي عبد الله محمد بن محمد ابن أحمد الملقب بابن مريم التلمساني. الكتاب الأخر هو "عمران الدراية فيمن عرف من العلماء في المائة التاسعة ببجاية" لأبي العباس أحمد الغبريني المتوفي في 1304 م. استرعى هذا الكتاب نظر المرحوم الأستاذ الدكتور محمد بن أبي شنب، ونال إعجابه فجد في البحث عن بعض نسخه المخطوطة وحققه ثم طبعه بالمطبعة الثعالبية بالجزائر سنة 1910 م. كما حقق ديوان عروة بن الورد، بشرح ابن السكيت، و ديوان امرؤ القيس، بشرح الأعلم الشنتمري. ويبقى آخر شرح تناوله ابن أبي شنب هما بيتين لأبي العلاء المعري، رب لحد قد صار لحدا مرارا ضاحك من تزاحم الأضداد، ودفين على بقايا دفين في طويل الأزمان والآباد. ردد الدكتور محمد بن أبي شنب هذه الأبيات وختم بها مسار حياته الأدبية والفكرية المليئة بالابداع و العطاء، وخاصة في مجال اللغة العربية التي تذوق حلاوتها وتنسم بنتها، فتمكنت من سويداء قلبه فخدمها بفناء وإخلاص. لم يكن الوحيد من أعيان الجزائر مطلع القرن العشرين من اهتم باللغة دراسة وتأليفا، بل شاركه في ذلك جمع كثير من العلماء والأدباء الجزائريين، كالشيخ محمد بن عبد الرحمن الديسي، والشيخ عبد القادر المجاوي، وعبد الحليم بن سماية والشيخ محمد السعيد بن زكري وغيرهم، إلا أنه تميز عن هذا الغير بشيئين. للعلماء اشراقات وتنبؤات توحي بقرب رحيلهم وتركهم الساحة للغير، ومن محض الصدف أن يكون آخر شرح تناوله ابن أبي شنب بيتين لأبي العلاء المعري