في إحدى الأصياف اللاهِبة ، في سنوات الدم والعنف ، يَمَمْتُ شطر مدينة وهران الباهية، للقاء زوجة الكاتب والقاص الجزائري «عمار بلحسن» ،وكان قد مرَّ على رحيله، ثلاث سنوات، بعد أن أفنَى أزهى سنوات العُمرٍ، في الكتابة والإبداع القصصي والبحث السوسيولوجي الجاد ، مُتصدياً لأهَم القضايا والإشكالات العويصة التي كثُرَ فيها الجدال، كالهُويّة، والحداثة، و المجتمع والديموقراطية ، مُفكِكاً بذلك آلياَتِها، ومُعطياً تصوراتِه ورُؤاهُ لإصلاح أعطاب الجسد الجزائري الموبوء، في السياسة والفكر، والتاريخ؟.. في تلك الأمسية الصيفية الحارة، استقبلتني السيدة «فاطمة بلحسن» بحفاوة بالغة، وباهتمام كبير، وبالأخَص لِكُل من خَطَّ حرفاً واحداً في حق فقيد القصة القصيرة»عمار بلحسن» وكان أن قضيتُ-ليلتها- أمسية كاملة،بحي « يغموراسن « أحد أكبر الأحياء بوهران، في الطابق الرابع من إحدى العمارات الشاهقة ؟..وقد قالت بٍحُرقة: ونحن نصعدُ سلالم العمارة -..تَصور،يا محمد..حَجم المعاناة اليومية التي كَابدتُهَا، يوميا ،في عملية الهبوط والصعود االشاقة ،لِمُرافقة :عمار» للمستشفى لِتلقِي الفحوصات والعلاجات الأولية، للكشف عن مرض السرطان، الذي لم يُكْتشف -آنذاك- في وهران ولم تظهر أعراضه على زوجي بشكل واضح؟ كان صوتها يتهدَج، ثمَّة َحشرجة غريبة على صوتها، لكن ثمة أيضا نزعة من الصمود والإبَاء، انعكس على ملامح وجهها،وقد أكْسَبتْها التجارب المريرة، نوعًا من الصلابة لِمساندة زوجها في وقت المحن والأوقات الصعبة التي لم تكن مُريحة ًمعها ، كما كانت تُردِدُ ، على الدوام؟؟.سهرتُ ليلتها في بيتها الأُسَري الجميل.،.بيت صغير بثلاث غُرف ضيقةٍ، -وبالكَاد-تمَ تخصيص إحداها، لٍكُتب الراحل عمار بلحسن، ومُقتنياتُه،من شهادات ، وصور وتكريمات..الخ ،..امتدت يدي بشكل عفوي،لإحدى الرفوف السُفلية،.فعثرت يدي على الطبعة العراقية الأولى لمجموعته القصصية « حرائق البحر» وقد صدرت عام 1979 ببغداد، قبل أن تصدُر طبعتها الجزائرية ،بعد ذلك بعامين عن الشركة الوطنية للنشر والتوزيع؟..ثم التقطتُ أعداداً مُتنوعة من كُتبِ ومجلة «المستقبل العربي» ، المجلة التي تَصدُر شهريا،عن مركز دراسات الوحدة العربية في بيروت،والتي كان المرحوم دؤوبا على النشر و الإسهام الفعلي فيها، سواءً تعلق ذلك بمشاركته في المجلة بشكل دَوريٍ أو الإسهام في كُتب جماعية رُفقة َأبرز الأسماء والوجوه العربية،اللامعة في حقل الفكر وعلم الاجتماع،..ومن الغريب-تقول السيدة « بلحسن فاطمة» أن مجلة المستقبل العربي ، لا تزال تَصلني ، باستمرار - ودون انقطاع -بحي يغموراسن بوهران، كما لَو أن عمار لا يزالُ حيًا يُواصل دورة الحياة؟،..نعم..في مثل هذه الأجواء عاش عمار بلحسن وكتب -لنا-أحسن القصص، وأنجز العديد من المقالات الثرية،التي كَرسَتْهُ رائداً في سوسيولوجيا الأدب والثقافة بلا مُنازع؟...لروحه االسلام.