تنقلت " الجمهورية" في زيارة ميدانية إلى دوار "العوامر" الذي يبعد 12 كلم عن مقر البلدية في إطار حماية الذاكرة التاريخية و رموزها لمعاينة وضعية رفات الشهداء والذي عددهم خمسة رفقة السيد مومني سعيد حفيد الشهيد رزقي محمد و السيد بن مستورة الحبيب مندوب منظمة المجاهدين لدائرة وادي تليلات وعائلات الشهداء الذين جاؤوا من ولاية باتنة و مدينة تنس بالشلف. كان القلق باديا على أفراد عائلات الشهداء الذين يقفون لأول مرة عند قبور أحبابهم الغاليين الذين كانوا يجهلون مكان استشهادهم ، فلقد تنقل السيد مومني سعيد إلى تنس للبحث عن أهل الشهيد المدفون الثاني بحكم أن عائلة الشهيد اسطنبولي كانت على دراية تامة بمكان استشهاد ابنها البار. عند وصولنا إلى الوادي بمنطقة دوار العوامر، وجدنا في انتظارنا السيد بسايح الحبيب رئيس المجلس الشعبي لبلدية بوفاطيس الذي رافق الجميع الى مكان الرفات أين اطلعنا على مكانهم و هم في حالة لا تليق بمكان شهداء، فالتقينا بعائلة الشهيد اسطنبولي بومدين و بجواره كل من الشهيدين رزقي محمد و زيان جيلالي اللذان قبل هذا العام كانا مجهولا الهوية و تم التعرف عليهم بعد إدخال الرقمنة إلى المصالح البلدية و إلى سجل مديرية المجاهدين و ذوي الحقوق بولاية وهران . دموع السنين حاضرة التقينا في هذا الجو المهيب أما قبر الشهداء الثلاثة بعض المجاهدين الذين قرروا الحضور و الحديث عن تاريخ استشهاد عدة أسماء في سنة 1958. فحسب شهادة المجاهد بن شعيب حمادي المولود سنة 1937 بمنطقة بوفاطيس الذي شهد أنه تعرف على صورة الشهيد اسطنبولي بومدين و قضى معه فترة في سجن مزرعة "الروكس" سنة 1958 أين كان سجينا هو الأخر ضمن مجموعة كبيرة من الأشخاص من بينهم نساء كانوا متهمين بمساعدة ثوار المنطقة حيث كان معظم المسجونين في حالة يرثى لها من تعذيب و جوع و عراء و غير ذلك من ممارسات الاستعمار الغاشم. و في أحد الأيام من سنة 1958 ، قام الجيش الفرنسي بعزل ثلاثة أشخاص من بين المسجونين الى غاية غروب الشمس و من بين الثلاثة كان المجاهد بن شعيب و قد تعرف على الشهيد اسطنبولي بومدين، بينما رفقاؤه القادمون من مستغانم لم يكن يعرفهم لأنهم كانوا دائما معزولين عن المساجين الآخرين و قال في شهادته أنه يتذكر واحدا منهم كان قوي البنية . ليأتي ذلك اليوم الذي تم أخذ فيه الثلاثة المساجين إلى الوادي قرب القرية بدوار العوامر و قُتلوا بالرصاص أين وجدوا جثثا هامدة، منهم اثنين على ضفة الوادي و الثالث القوي البنية الذي حاول الفرار قتل داخل الوادي و هو زيان جيلالي. بعد هذه الفاجعة ، قام أهل القرية بدفنهم في نفس المكان الذي استشهدوا فيه و لازالوا مدفونين فيه الى يومنا هذا، مضيفا في شهادته أن المنطقة إبان الثورة التحريرية ، قد شهدت عدة مشاداة بين المجاهدين و الجيش الفرنسي الاستعماري و أيضا عديد الاعتقالات حيث كانت تعرف المنطقة بأنها معبرا للمجاهدين القادمين من المناطق المجاورة. قبر رفات الشهيد صديقي بوعمران على حافة الطريق بعد ذلك تنقلنا جميعنا الى الطريق المؤدي إلى الثكنة العسكرية، و على حافة الطريق ،يوجد قبر رفات الشهيد صديقي بوعمران، فهو من مواليد 6 جويلية 1935 بالتمازيت ولاية معسكر و استشهد في 17 أوت 1958 ، كتب اسم الشهيد بالاسمنت و مسيج بالحجارة ، ثم اتجهنا رفقة السيد بن حلفاوية محمد ابن الشهيد بن حلفاية لخضر الى قبر والده الذي يوجد في احدى المزارع التي كانت للمعمر الفرنسي . في ختام الزيارة الميدانية تم معاينة المواقع المناسبة لانجاز مربع شهداء، و هي قطعة أرض محاذية للمقبرة العمومية مساحتها 104 متر ، حيث ذكر السيد بسايح الحبيب رئيس المجلس الشعبي لبلدية بوفاطيس أن أحد المحسنين هو من قام بالتبرع بها و تم الاتفاق مع المصالح البلدية على امدادهم ببطاقة التقنية و كافة التسهيلات من أجل الانطلاق في المشروع و كذا مباشرة الاجراءات الادارية الخاصة بنقل الرفات. لقد دفعت الجزائر ثمنا باهظا من أجل استقلالها من خلال تقديمها قوافل من الشهداء الذين خضبت دماؤهم أرض البلاد، وحققت الجزائر ثورة عظيمة في الفاتح من نوفمبر 1954، مهدت الطريق لعدة حركات تحررية في العالم وفتحت شهيتها للحرية، فسارت على دربها لتسترد حريتها المسلوبة في ثورة راح ضحيتها وفق معطيات رسمية مليون ونصف مليون شهيد.