* إضرام النار في جسد سي محمد بلقاسم و هو نائم لأنه كان يأوي الجنود في داره يعد المجاهد قادة بن عبد الله الميلود أحد المجاهدين الأشاوس الذي أبلى البلاء الحسن في الدفاع عن الوطن ضد المحتل الفرنسي الغاشم بمنطقة ولهاصة ولاية عين تيموشنت وتحديدا بدوار "أمزرية " الكائن ببلدية سيدي ورياش ولاية عين تيموشنت الذي اختير كأول مركز قيادي لجيش التحرير الوطني على تراب الولاية الخامسة التاريخية حيث أسّس كأول قاعدة للتكوين والتدريب ، كان يضم أول نواة لجيش التحرير الوطني و يضم جميع أقسام الولاية الخامسة التاريخية يتولى قيادته وتدبير شؤونه بشجاعة وحكمة البطل سي بوسيف واسمه الحقيقي بوعرفة محمد في سنة 1956 . * ابن ولهاصة الساكن بعين الترك يشده الحنين إلى منطقته المجاهد الحاج الميلود حافظ لكتاب الله , يعرف " أمزيرية" والأماكن المحيطة بها شبرا شبرا - كيف لا؟ وهو الذي ولد ونشأ وترعرع بهذه البقعة الطيبة التي لايزال يشده الحنين إليها شدّا - استقبلنا بمنزل صهره زميلنا الصحفي المتقاعد عدّة محمد المجاور لمسكنه الكائن بعين الترك ولاية وهران بحفاوة , و رغم تقدمه في السن ( 89عاما) إلا أنه راح يسترجع العديد من صور الأحداث والوقائع التي شهدتها هذه المنطقة في تلك الفترة العصيبة بكل فخر واعتزاز. مع الإشارة أيضا إلى أنه يعد ّ أحد العناصر المخلصة التي شرّفت منطقة ولهاصة المضيافة وكل عائلاتها التي شاركت في ثورة التحرير المباركة لأنها كانت مجبرة على الدفاع عن وجودها وأصالتها ومقوماتها العربية الإسلامية أمام عدو شرس كان همه الوحيد والأوحد اجتثاث الثورة من هذه المنطقة المحافظة بتقاليدها وتاريخها العريق . * الحاج الميلود يحرس الجنود و يراقب تحركات العدو ابن عمه محمد ولد سي بلحاج الذي نفاه الاستعمار إلى كاليدونيا بسبب سرقة ثم أعاده إلى الوطن بعد أن استنفذ مدة العقوبة هو من أثّر فيه و دفعه للانضمام إلى صفوف الثورة حيث كان يلتقيه كل ليلة مع ثلّة من الأصدقاء ليزرع لديهم الوعي السياسي والنضالي ويكشف لهم عن ظلم الاحتلال ووجوب محاربته بكل الوسائل وتحرير البلاد وهكذا انخرط الميلود في جيش التحرير عن قناعة كمسبّل بعد أن أقسم مع مجموعة من المجاهدين على المصحف الشريف يلتزم بتأدية مهمته الجهادية بكل إخلاص وتفان، يحرس الجنود ويفتح لهم المعابر إلى المراكز القيادية, ينقل المال من مكان لآخر ويحفر الخنادق ويرصد تحركات العدو ... ويبلغ عن الخونة عملاء الاستعمار, يضاعف من نشاطه النضالي والجهادي كلما يحل الليل حتى لا ترصده أعين العدو بعد أن تلقى تعليمات و توجيهات في هذا الخصوص من عند سي بوسيف في أول لقاء معه و بحضور " بنمري" لذا أطلق عليه رفاقه تسمية " المخلص". يقول الحاج الميلود : نشاطي النضالي يمتد طوال اليوم ولا أعرف النوم إلا قليلا أبيت الليل كله أحرس المركز القيادي " أمزيرية" مع رفاقي يقظا مستعدا في أي لحظة وسلاحي في يدي أخفيه تحت جلبابي وغالبا ما كنت أجلس عند جامع أمزيرية الذي تخرّج منه العشرات من "الطلبة" حفظة القرآن الكريم وأغلبهم من عرش الغرارسة , وهو مكان يسمح لي برصد تحركات مركبات وجنود الاحتلال سواء عند عبورهم لوادي تافنة ثم دوار سيدي دحمان أو عند قدومهم من سيدي ورياش أو أثناء نزولهم من قمة جبل أمزيرية . * الموقع الاستراتيجي لجبل أمزيرية ساعد على اختياره كمركز قيادي جبل أمزيرية" به دوّار يحتل موقعا استراتيجيا بعيدا عن أنظار العدو وسكانه من حفظة القرآن الكريم موثوق بهم لذا اختير كمركز قيادي : فالموقع الذي يقع فيه دوار أمزيرية استرايتيجي بعيد عن أنظار و أسماع العدو و يمكنك وأنت موجود على قمة الجبل رؤية مدن و أماكن بعيدة محيطة به على غرار الرمشي وسلسلة جبال مديونة و رشقون وجبل سيدي سفيان وجبل سقونة وسيدي ورياش ... وحتى تلمسان, لذلك اختير من طرف قيادة جبهة التحرير كأول مركز قيادي للولاية الخامسة زيادة على أن سكّانه وهم الغرارسة جميعهم يحفظون كتاب الله ومشهود لهم بالخصال الحميدة منها اكرام الضيف و الحفاظ على الأمانة وعدم البوح بالأسرار خاصة إذا كانت تتعلق بالثورة التحريرية , فكلهم مناضلون كرسوا جهودهم و وضعوا أملاكهم في خدمة الثورة وحاربوا المستدمر تحت قيادة البطل سي بوسيف. فسي قويدر بلغراس المدعو" بنمري" الذي يعد أسد المنطقة الثالثة عيّنه الضابط مرباح كمرشد سياسي وعسكري وكان مساعدا لسي بوسيف حيث قام بتدريب الجنود على استعمال السلاح و وإعداد الخطط لإفشال كل محاولات الاستعمار وخاض عدة معارك مثل معركة المدادحة المشهورة ومعركة سيدي دحمان ولما اكتشف أمره بسبب النشاطات المكثفة صار محلّ بحث لتصفيته و تزامن ذلك مع تعرّضه لمرض عضال ألمّ بساقه وصل إلى حدّ التعفن مما أدى إلى إصدار أوامر من طرف القيادة لتحويله إلى المغرب للعلاج ثم عاد إلى أرض الوطن في 1961 لمواصلة نضاله الثوري . رصدت فرنسا 3 ملايين فرنك فرنسي مقابل "رأسه " و كتب له الحياة بعد الاستقلال واشتغل معلما عزيزا مكرما إلى أن وافته المنية في 1986 . ثم هناك أشقاؤه: سي صغيّر الذي كان يدرّب الجنود و سي محمد الصغير وسي بوزيان و المصطفى وسي براهيم وكذا أبناء أعمامه وهم كثر أذكر منهم سي الطاهر الذي قاوم المحتل بإخلاص رغم الآلام التي كان يعاني منها في كتفه وأخوه سي محمد الكبير والصغيّر ولد سي أحمد ومحمد ولد سي أحمد و سي الطيب ...جميعهم أبلوا البلاء الحسن في الدفاع عن الوطن , أما نساء دوار أمزيرية فكنّ يمضين معظم الليل في إعداد خبز المطلوع والقهوة و الكسكس لإطعام أفواج الجنود التي تتدرب على السلاح و التخطط للمعارك تحت قيادة سي بوسيف وهن ينصتن بشغف إلى الأناشيد الوطنية التي كان يرددها هؤلاء الجنود . * العدو يطوق المنطقة و يقصف المغارة ويضيف الحاج الميلود : لقد كنت حاضرا لما قامت قوات العدو بتفجير المغارة الواقعة في أعلى جبل أمزرية أرقب تفاصيل الحادثة عن بعد حيث حاصرت في البداية المكان وطوّقت المنطقة بإمدادات مكثفة من العساكر والعتاد بعد انكشاف أمرها ولجوء الشهداء السبعة إليها ثم بدأت تقصف المغارة بقنابل غازية قبل أن تقدم على تفجيرها بكمية هائلة من المتفجرات سمع دويّها بكل المنطقة صخرة عملاقة هبطت من فوهة المغارة على انحدار 300 م والصخرة ما تزال قابعة اليوم على حافة المسلك الترابي المؤدي إلى دوار أمزرية تكاد تنطق شهادة على محاولة العدو طمس هذه الجريمة التي أسفرت عن استشهاد 7 ( سبعة) من أبطال الثورة : الإخوة الثلاثة بن سنوسي براهيم – المختار- عمارة - سي أمحمد سيدي عيسى ( 4) – سي أحمد بلبشير(5 )- سي أحمد قادة بن عبد الله(6 )- الحاج أعمر أعمر (7 ) , وبعد انسحاب العدو سارع الحاج أعمر أحد سكان المنطقة إلى سحب جثامينهم التي كانت عارية ثم التحقنا به أنا وأهل الدوار ودفناهم في أسفل الكاف وبقيت قبورهم هناك إلى ما بعد الاستقلال أين تم نقل رفاتهم بداية السبعينات إلى مقبرة الشهداء بالحناية . جيش الاحتلال أضرم النار في جسد سي محمد بلقاسم وهو نائم على سريره لأنه كان يأوي في منزله 20 مجاهدا ومن بين الأحداث التي لازالت راسخة بذاكرته أيضا اقتحام جيش الاحتلال لمنزل سي محمد بلقاسم المتواجد بدوار سيدي دحمان الذي كان يأوي نحو20 مجاهدا من الثوّاربعد وشاية من أحد الخونة حيث سكبوا الوقود على سريره وهو نائم وأضرموا النار في جسده في مشهد مأساوي تقشعر له الأبدان . وهناك حادثة أخرى لايزال يذكرها بين الفينة والأخرى حيث يقول: عندما كنا نؤمّن الطريق في ليلة باردة وممطرة لنحو200 مجاهد قادمين من دوار سيدي دحمان كانوا يهمون بعبور وادي تافنة الذي ارتفع منسوب مياهه باتجاه جبال مديونة للاشتباك مع العدو هناك وكان سي الطاهر يوجّههم عن طريق الإشارة الضوئية " السينيال" بواسطة عود الكبريت غير أنه لمح فجأة قدوم العسكر الفرنسي من ناحية قرية حجرة القط فاضطر الى التوقف عن إعطاء " السينيال " ما جعل نصف العدد من جنود الثورة يبيتون في منازل السكان ويؤجلون عبور وادي تافنة إلى اليوم الموالي . * الحاج الميلود درّس القرآن الكريم للصبية بولهاصة مباشرة بعد الاستقلال الحاج الميلود غداة الاستقلال قام بتعليم الصبية القرآن الكريم في العديد من المداشر ببلدية ولهاصة قبل أن يرحل إلى عين الترك بوهران في 1967 ويستقر بها نهائيا ثم عمل معلما للقرآن الكريم قبل أن يشتغل في الفلاحة ثم في تربية الدواجن بمزرعة هناك إلى أن خلد إلى الراحة في الأعوام الأخيرة .هذا ورغم بعده عن مسقط رأسه دوار عين عنزي بدائرة ولهاصة إلى أنه كان يقصده في كل مرة ومعه بندقيته لأجل ممارسة هواية صيد الأرنب البري والحجل التي داوم عليها لعقود من الزمن ,واليوم وقد بلغ من العمر عتيا فانه مداوم على قراءة القرآن الكريم بمعدل 4 أحزاب يوميا و في هذا السياق تقول عنه زوجته أنها تتفاجأ في كل مرة برؤية شفتيه تردد ما تيسر من القرآن بصوت خافت وهو نائم في الفراش ليلا ما يدل على تعلقه وارتباطه بكتاب الله . «أدعو النشء الصاعد إلى حمل المشعل وعلى سلطات البلاد إيلاء عناية بالشباب فهم ركيزة المجتمع ومستقبله" و يخلص في الأخير إلى دعوة النشء الصاعد إلى حمل المشعل وخدمة الوطن . فالشهداء الأبرار والمجاهدون الأحياء منهم والأموات تمكنوا من تحرير الجزائر من براثين الاحتلال وعلى الجيل الحالي الحفاظ على الأمانة ملتمسا من السلطات العليا للبلاد في أن تولي عناية خاصة لفئة الشباب فهم ركيزة الوطن ومستقبله. * دوار "أمزيرية" التاريخي بحاجة إلى التفاتة دوار "أمزيرية" أضحى مهجورا ومعزولا بعد أن رحل عنه سكانه لانعدام الطريق والماء والإنارة فهلا تدخلت السلطات الولائية وأعادت له الاعتبار: الجدير بالإشارة إلى أن دوار أمزيرية الواقع على هضبة هذا الذي كان مركزا لقيادة الولاية الخامسة التاريخية بالأمس أضحى اليوم مكانا مهجورا ومعزولا بل ومخيفا أثناء الليل لكل من يقصده بعد أن رحل عنه جميع السكان إلى وجهات مختلفة بسبب انعدام الطريق والماء والإنارة ... وقد تحولت بيوته التي بنيت في عهد الاحتلال بالحجارة والطوب والتراب الى أطلال تحمل ذكريات أليمة عن المقاومة والجهاد ضد المستدمر الغاشم . فهلا تدخلت السلطات الولائية وفكّت عنه العزلة بشق الطريق وتوفير الماء والكهرباء لتمكين سكانه الأصليين من العودة إلى منازلهم لخدمة أراضيهم الفلاحية المعروفة بتربتها الخصبة.