العالم يعيش أزمات انزلق بعضها إلى حروب مباشرة"    وقفة ترحم على أرواح شهداء التفجير الإرهابي بميناء الجزائر    اليوم تنطلق عملية سحب الإستدعاءات    ارتفاع حصة الجزائر من إنتاج النفط الخام في جوان    الضرائب تطلق خدمة جديدة عبر الانترنت    يتحتم تعزيز الدور البرلماني كآلية دعم فاعلة للمواقف العربية"    السلطات العليا عازمة على توفير كل الموارد للتكفل بهذا الداء    الدرك الوطني بقيقبة توقيف شبكة إجرامية قامت بالسرقة    التجار يحتلون الأرصفة ويعرضون الراجلين لمخاطر الطريق    تأكيد على أهمية تعزيز التنسيق و التشاور بين أعضاء البعثة    آيت نوري مرشّح    صحفيو غزّة يُذبحون ويقتلون على الهواء    الأنظمة الاستبدادية تنتهج سياسات إسكات الأصوات الحرّة    المؤتمر ال38 للاتحاد البرلماني العربي: الدعوة الى تحرك فوري لوقف العدوان الصهيوني على غزة    احترافية الصحافة ضمان لازدهار واستقرار الجزائر    خدمات رقمية تسهّل الدفع الإلكتروني للفواتير    إنجاح موسم الحصاد بالتحضير المسبق وتحقيق الأهداف    الجزائر– مسقط.. إمكانيات ضخمة لشراكة متينة    الجزائر لا تكلّ في الدعوة لتوحيد الموقف العربي    قلعة لتكوين المقاتلين وفق معيارَي الجاهزية والكفاءة    رامز زروقي يقرر الرحيل عن فينورد الهولندي    ماندريا يزيد الغموض حول مستقبله مع كون الفرنسي    رابطة الصحفيين الصحراويين بأوروبا تؤكد التزامها بإيصال صوت الصحفيين الصحراويين في ظل تواصل تكميم الأفواه    رقمنة الموروث الثقافي مورد اقتصادي مستدام    عين تموشنت: التأكيد على دور الإعلام في مرافقة المسار التنموي    مشروع مبتكر لمن يعانون فوبيا روائح المستشفيات    تحسيس بأخطار المخدرات    صناعة دمى القش.. حرفة تحاكي شخصيات الرسوم المتحركة    الجلسات الوطنية للوقاية من السرطان: تأكيد على أهمية وضع استراتيجية وطنية لمكافحة هذا الداء    "ريشة الحلم وألوان الواقع" في معرض تشكيليٍّ    مشاركة 150 مؤلّف و30 دار نشر في الدورة الرابعة    مسرحية "زهرة بلا أوراق" تمثل الجزائر    مدرب ليفركوزن تشابي ألونسو يشيد بإبراهيم مازة    بطولة افريقيا للمحليين 2025/ذهاب الدور التصفوي الاخير: المنتخب الجزائري يعود بالتعادل من غامبيا (0-0)    شهر التراث: انطلاق الورشة التكوينية الثانية في مجال حماية التراث الثقافي لفائدة سلك القضاة بالجزائر العاصمة    مؤسسات ناشئة: إطلاق الطبعة الخامسة لمسابقة الابتكار في قطاع الفلاحة في إفريقيا    حج 1446ه: انطلاق أول رحلة للحجاج السبت المقبل    المحافظة السامية للأمازيغية: الجزائر واحدة وموحدة والهوية الوطنية ليست موضوعا للتشكيك    الخناق يضيق على روتايو    الأمم المتحدة تحذّر من جرائم الحرب بمالي    تاقجوت يدعو العمال الجزائريين إلى التجنّد    هذا موعد انطلاق الموسم المقبل    تأشيرة الصعود إلى قسم الكبار في المزاد    الجزائرية للمياه: توقيع خمس اتفاقيات لعصرنة تسيير خدمات المياه    مرّاد يشيد بالجهود المبذولة    إطلاق خدمة جديدة عبر الانترنت على مستوى بوابة جبايتك    كرة القدم داخل القاعة/كأس الجزائر: أتلتيك أوزيوم يفوز على نادي بئرمراد رايس ويتوج باللقب    الطبعة ال29 لمعرض مسقط الدولي للكتاب : مشاركة لافتة للناشرين الجزائريين    وزارة الصحة تحيي اليوم العالمي للملاريا: تجديد الالتزام بالحفاظ على الجزائر خالية من المرض    عميد جامع الجزائر يُحاضر في أكسفورد    تواصل عملية الحجز الإلكتروني بفنادق مكة المكرمة    ماذا يحدث يوم القيامة للظالم؟    نُغطّي 79 بالمائة من احتياجات السوق    معرض "تراثنا في صورة" يروي حكاية الجزائر بعدسة ندير جامة    صفية بنت عبد المطلب.. العمّة المجاهدة    هذه مقاصد سورة النازعات ..    كفارة الغيبة    بالصبر يُزهر النصر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الجراح لن تندمل
مجازر 17 أكتوبر 1961
نشر في الجمهورية يوم 16 - 10 - 2010

في الخامس من أكتوبر 1961 صدر بيان لمحافظ الشرطة للمنطقة الفرنسية لاسين (ايل دو فرانس) موريس بابون المدعوم من قبل السلطات العليا للدولة الفرنسية يفرض فيه هذا الاخير حظر التجول من الساعة الثامنة مساء إلى الساعة الخامسة والنصف صباحا.
وكرد فعل لهذا الاجراء نظمت تظاهرة سلمية عارمة في 17 أكتوبر 1961 للتنديد بهذا الحظر التعسفي و العنصري المفروض على الجزائريين. تجمع عشرات الالاف من الجزائريين بباريس ضاربين بهذا القرار عرض الحائط ومنددين بهذا الاجراء التمييزي و مطالبين بمفاوضات مع جبهة التحرير الوطني لوضع حد للحرب.
وقال شهود عيان عن ذلك اليوم المشؤوم ان المتظاهرين رددوا شعارات بصفة سلمية على غرار "فليسقط حظر التجول" و"تفاوضوا مع الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية" و"تحيا جبهة التحرير الوطني" و"الاستقلال للجزائر". ولكن سرعان ما تحولت هذه المظاهرة السلمية إلى ماساة. وأخبرنا بن حدو امحمد 75 سنة وهو عضو سابق في فيديرالية جبهة التحرير الوطني بفرنسا واحد الشاهدين على هذه الواقعة انه على مشارف باريس وعند مخارج الميترو و في اروقة محطة كونكورد وفي الشوارع الكبرى تعرض المتظاهرون للضرب الهمجي والمبرح باستعمال العصي والهراوات إلى درجة الاغماء. وقال ان قوات الامن المساعدة المكونة من "الحركى" كانت تضرب المتظاهرين المساعدين على اوجههم وبطونهم. ففي شارع بون نوفال وجسر نويي والجسر الجديد لارجونتوي وأماكن اخرى من باريس اطلق رجال الشرطة النار على المتظاهرين.
وفي جسر سان ميشال قال بن حدو ان رجالا اسرعو بالقفز إلى نهر لا سان و بدات عندها مطاردة شرسة للوجوه الجزائرية على مدى عدة ساعات تحت انظار السياح المذهولة متذكرا خلال ذلك اليوم ان سائحا امريكيا تعرض كذلك للضرب من قبل الشرطة كونه كان "يشبه كثيرا بشاربه ولون بشرته الجزائريين". وكانت الحصيلة ثقيلة بل جد ثقيلة حيث سجل المئات من القتلى والجرحى والمفقودين في صفوف الجزائريين الذين تظاهروا ذلك اليوم بينما تم توقيف الالاف من المتظاهرين الذين حجزوا لعدة اسابيع بقصر الرياضات بفرساي وملعب بيار دي كوربارتين وفي مركز فرز فانسان وفيلودروم ديفار وقصر المعارض. وخضع هؤلاء لاشنع ممارسات التعذيب والعنف. ونظرا لعدم تقديم اسعافات لهم توفي العديد منهم ورمي الكثير منهم في نهر لا سان.
واكد شهود على احداث ذلك اليوم ان الكثير من الجثث التي عثر عليها كانت تحمل اثار خنق. ويحكي عرباوي اسيد البالغ من العمر 75 سنة ان اعوان شرطة بابون المدعومين بالحركى عندما بلغهم خبر المظاهرة السلمية كانوا يترقبون وصول المتظاهرين عند خروجهم من محطات الميترو لضربهم مضيفا بكثير من التاثر عند تذكره الصور الشنيعة لهذا القمع ان "اثار الدماء كانت بادية في كل مكان". واستطرد يقول "كنت أرى رفقاء مشوهين جراء الضربات التي تلقوها و ملابسهم ممزقة و ملوثة بالطين والدم و آخرين يتخبطون أرضا و أعوان الشرطة ينهالون عليهم ضربا و يجرونهم ورؤوسهم تلتطم بالأرض. وأضاف أن "هذه المشاهد بوحشيتها وعنفها كانت فظيعة". وتذكرمحمد جوغبال وهو شاهذ عيان أن شرطيا تملكه الغضب فقال"عندما اتضح لديه اننا متضامنون أمام الموت وجه ذلك الشرطي ضربة عنيفة بعصاه على رأس رفيقي. لم اسمع بعدها سوى صرخة موت وهو يلفض أنفاسه الاخيرة بين يدي. و قام ذات الشرطي بضربي على عنقي وآخر ما سمعته قبل أن أفقد وعي هو صوت الشرطي يقول لقد ماتوا ارميهم " في النهر.
وأشار عيدلي عبد الرحيم أنه تم حشر المتظاهرين الذين تم توقيفهم وكأنهم ماشية في الملعب الذي نقلونا اليه". وأكد ل (واج) الاستاذ علي هارون بصفته مؤطر هذه المظاهرة أنه تم توجيه تعليمة للجزائريين لكي تتم المظاهرة "في جو سلمي و أنه لا يرخص حمل السلاح حتى ولو كان سكين صغير".
وأردف يقول " لم يكن بامكاننا اعطاء تعليمات معاكسة مع العلم أنه كان هناك نساء واطفال يشاركون في المظاهرة". وبخصوص عدد الوفيات المسجله عقب المجازر أكد السيد هارون أن كونفيدرالية حزب جبه التحرير الوطني بفرنسا اشارت إلى "وفاة 200 شخص لكنه بالنظر إلى عدد المفقودين فان هذا الرقم قد يرتفع إلى 400 شخص".
ولم تسمح الحكومة بانشاء لجنة تحقيق و لم يتم الرد على أي شكوى. وكتب هارفي بروجس الذي كان يعمل أنذاك كصحفي بجريدة شهادات مسيحية "نعم لقد لقن لنا جزائريو باريس درسا هاما فلو قمنا نحن الصحفيين بدورنا كما ينبغي كاعلاميين حول حقيقة الحرب التي دارت رحاها على أرضنا لما خرج هؤلاء الجزائريون يتظاهرون في الشوارع". و بعد مرور 49 سنة على هذا القمع الدامي لا زال التعتيم يطبع حقيقة الجرائم المرتكبة بالرغم من وجود العديد من الأدلة الواضحة التي قدمها المؤرخون الجزائريون والفرنسيون والجراح لم تندمل بعد. ولم تعترف فرنسا بعد بمسؤوليتها في هذه الجريمة ضد الانسانية التي تعرض لها شعب كان يطالب باسترجاع سيادته.
ويعود الحظر المضروب علي واقع 17 أكتوبر 1961 ادخاله طي النسيان إلى الرقابة المنظمة من قبل السلطة كما تم حجز أو منع العديد من المقالات الصحفية بحيث فرضت حكومة فرنسا الاستعمارية الصمت حول هذا القمع الشنيع.
وتعود الصور القليلة الموجودة حول هذه المجازر إلى تلفزيونات أجنبية بحيث منع الصحافيون من الدخول إلى أماكن الحجز طول مدة الحبس و ليس هناك سوى شهادات المتظاهرين بأنفسهم و الأطباء. و تمكنت اليوم مجازر 17 أكتوبر 1961 من اجتياح الفضاء العام و استرجاع مكانتها في الذاكرة الجماعية بحيث تجند مؤرخون وجمعيات و منظمات من أجل احياء الذاكرة وكشف الحقيقة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.