أنشودة جميلة ، بل أروع ما سمعت ...كانت ترددها تلك الفتاة ! أنشودة تختلف عن كل ما كنت أحفظ من أناشيد وطنية او تربوية ، وعن ما سمعته من زملائي وأصدقائي في الشارع راكضين فرحين....منذ أسبوعين بدأت كلمات تلك الأنشودة تجذب انتباهي وتهز كياني وتتلاعب بمشاعري الطفولية ، حتى أني لم أفكر في حفظها ، وإنما فقط أنصت مستمتعا ً الى تلك الفتاة تغنيها بصوتها العذب البهي! مثل حسون حلو وسط زميلاتها أمام باب المدرسة او في الفناء...وفي النهاية اقتربت من الفتاة وسألتها عن الأنشودة فابتسمت ورددتها أمامي بحماس طفولي لذيذ ! صوتها سحبني من الواقع وضوضاء التلاميذ وأخذني بعيداً ،فوق السحاب !وفي صباح اليوم التالي دَنت مني الفتاة ، حيتني ثم فتحت محفظتها وأخرجت كتابا كبيرا ،ثم قدمته لي قائلة : من هذا الكتاب حفظت تلك الأغنية العذبة!... أخي الكبير يحب هذا الكتاب كثيرا وكذلك أبي! كتاب ضخم ، صفحاته كثيرة ، لا تزينه أي رسومات ، استغرقت في قراءته أسبوعين كاملين! أما المحتوى فأجمل ما قرأت ، رغم أني لم أفهم العديد من الجمل والكلمات ! إنسان أحب وطنه ...وذاك الحب اعتبر جريمة في نظر الآخرين ،فحقدوا عليه و أوقعوا بينه وبين الملك فنفاه بعيدا ، بعيدا...فكان يقضى الأيام والليالي يفكر في وطنه وحبيبته .وتعرضت بلاده ...البلاد التي نفته الى اعتداء من طرف الأعداء ...وبمجرد أن تناهى اليه الخبر المأساوي امتطى ظهر جواده وحمل سيفه ....لكن البلاد سقطت وتعرضت للدمار والخراب ولم تَبقى الا تلك الأنشودة التي كانت تتغنى بها الفتاة! أنشودة جميلة تصدح عاليا بالوطن والحب والطبيعة ... وصار البطل أسير تلك الأغنية ... فكانت المحفز لكي يجمع الناس حوله ويكون جيشا كبيرا ، سهر على تكوينه مدة عشرين سنة ....واستطاع ان يحرر البلاد ، لكنه توفي قبل أن يرى رايات بلاده ترفرف فوق القلاع والبروج.