الجيش الوطني الشعبي: القضاء على إرهابي خلال عملية بحث وتمشيط بخنشلة    مؤسسات ناشئة: الصناديق المشتركة للتوظيف برأسمال المخاطر محرك جديد لجذب التمويلات الأجنبية    اختتام المؤتمر الدولي حول الحلول الخضراء في صناعة النفط والغاز بوهران    الذكرى ال77 للنكبة: الاتحاد البرلماني العربي يدعو إلى التدخل "الفوري والعاجل" لوقف العدوان الصهيوني    الحزب الشيوعي الفلسطيني يستنكر سياسات القمع المغربية بحق المناضلين الصحراويين    كرة القدم/رابطة 1 موبيليس : فوز شباب قسنطينة أمام وفاق سطيف (1-0)    الدولة تسعى إلى إنشاء أقطاب صحية متخصصة عبر كافة التراب الوطني    فلسطين في الشعر العربي والعالمي" محور ندوة أدبية بالجزائر العاصمة    وزير الاتصال يشارك بعد غد السبت بباتنة في يوم دراسي حول "الإعلام بالأمازيغية في الجزائر"    جيدو /ذوي الهمم /بطولة العالم-2025/: المدربة الوطنية تصف المشاركة الجزائرية ب"المرضية بشكل عام"    السيد ربيقة يشرف بوهران على انطلاق تصوير وثائقي تاريخي بعنوان "جراح لا تندمل"    زيارة الدولة إلى سلوفينيا: الرئيس تبون يعزز الشراكة الاستراتيجية ويؤكد تطابق الرؤى بين الجزائر وسلوفينيا    لقاء برلماني جزائري-إيفواري يعكس التوافق حول قضايا الأمة الإسلامية وتعزيز التعاون الثنائي    التكوين العسكري إبّان الثورة محور ندوة تاريخية    إجراءات جديدة لاقتناء الأملاك العقارية    ارتفاع إجمالي ودائع الصيرفة الإسلامية    صادي يشارك في كونغرس الفيفا    دراجات على المضمار/البطولة الافريقية: ثلاث ميداليات للجزائر في اليوم ال3 من المنافسة    إدريس عطية: زيارة الرئيس تبون لسلوفينيا تعكس براغماتية دبلوماسية ورؤية استراتيجية طويلة الأمد    وهران..وصول باخرة قادمة من إسبانيا محملة ب20 ألف رأس من الغنم    الجلفة..وفاة ثلاثة أشخاص واصابة آخر في حادث انقلاب حافلة لنقل المسافرين    تفكيك شبكة إجرامية بالجلفة    إعادة فتح عيادة العربي العربي    وفد كونغولي يزور المديرية العامة للأمن الوطني    الاحتلال الصهيوني يواصل عدوانه على جنين ومخيمها لليوم ال 115 على التوالي    بلمهدي يستقبل مفتي تونس    شهر التراث: تأهيل المعلم الأثري "مصلى الشيخ إبراهيم بن مناد الزناتي" محور ملتقى بغرداية    وزير الصحة يدشّن مؤسسات صحية جديدة بوهران لتعزيز التكفل بالحالات الاستعجالية وتخفيف الضغط على المستشفيات    قسنطينة: مغادرة أول فوج من الحجاج نحو البقاع المقدسة    الوزير الأول, السيد نذير العرباوي، ترأس اجتماعا للحكومة    تسجل اضطرابات في الرحلات من وإلى فرنسا    فلسطين: 525 حالة اعتقال بين صفوف النساء    تدابير تنقّل الحجّاج واستقبال أبناء الجالية على طاولة الحكومة    إبراز أهمية التنسيق الوظيفي بين السلطتين التنفيذية والتشريعية    الجزائر تجعل من الحوكمة الرشيدة خيارا استراتيجيا    لن نرضى للحاج الجزائري خدمة أقل من باقي البعثات    زيارات تفتيشية.. ووقف نشاط الوكالات المتلاعبة بالحجاج    أطباق جزائرية للحجّاج ووجبات صحية للمرضى    إجراءات جديدة لدعم الثّقة في القطاع المصرفي    عنصرية روتايو تدخل فرنسا في نفق مسدود    تطوير الآليات الإلكترونية والتحفيز لتقليص مخاطر الدفع ب"الكاش"    هذه شروط إقامة التجزئات الاجتماعية بالجنوب والهضاب العليا    ساحة "كيتاني".. الواجهة البحرية للعاصمة بحلة جديدة    تسليم مشروع ازدواجية الطريق الوطني رقم 20    اختتام ورشة المسرح الارتجالي وسط تفاعل جماهيري كبير    حملات تحسيسية لفائدة تلاميذ مدارس البليدة    شبيبة القبائل تلتحق بمولودية الجزائر    انطلاق فعاليات الطبعة 11 للمهرجان الثقافي الدولي للسماع الصوفي بالأغواط    الحجاج الجزائريون في مزارات المدينة المنورة    عطال: بيتكوفيتش قدَّم الإضافة ل"الخضر" وهدفنا التأهل للمونديال    ريان آيت نوري يغيّر وكيل أعماله    بيت الذكريات والجراح الصامتة    افتتاح قاعة ما قبل التاريخ وفق قراءة زمنية علمية حديثة    نادي الشمال القطري يرفض التخلي عن بونجاح    هذه رسالة الرئيس للحجّاج    هل على المسلم أن يضحي كل عام أم تكفيه مرة واحدة؟    يوم تصرخ الحجارة كالنساء    أخي المسلم…من صلاة الفجر نبدأ    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



علم الجهل وهندسة التجهيل

أصبح مألوفا أن تقرأ خبرا في الوسائط الإسفيرية، كالفيسبوك والواتساب، جيدا في صياغته ومتماسكا في محتواه وقويا في تأثيراته، لتكتشف لاحقا أنه خبر «مفبرك» ومدسوس، ولكن بعد أن يثير عندك البلبلة والحيرة والشكوك، بل ولربما تتخذ موقفا أو رأيا مبنيا على هذا الخبر «المفبرك»، ليأتي موقفك أو رأيك ممعنا في الخطأ. وعندما لا تجد إجابة شافية لسؤالك عن مصدر الخبر، تنسبه، مثل ما يفعل الآخرون، لأجهزة الأمن والإستخبارات، خاصة إذا كان للخبر علاقة بالسياسة أو بالأوضاع المتأزمة في البلد.
وأصبح مألوفا أن يعمل الحكام، وخاصة في منطقتنا، على تجهيل الناس وتضليلهم عبر إخفاء الحقيقة عنهم، وضخ مجموعة من الأكاذيب حول ما يدور في البلد وحول إدارتهم لشؤونه، وكذلك عبر إلهاء الناس بفرقعات وزوبعات في مسائل غير جوهرية، مثل ما يحدث في السودان، كرفع القضايا أمام المحاكم ضد النساء بتهمة الزي الفاضح، أو تصيد أحاديث وأفكار البعض ومواجهتها بأنها مخالفة للدين أو تنشر تعاليم الإلحاد، ويساق أصحابها إلى المحاكم، فتتسيد هذه الزوبعات صفحات وسائل التواصل الإجتماعي وأحاديث الناس، فيتركون التفكير في فساد الحكم وفي الأسباب الحقيقية للأزمات السياسية والإقتصادية والأمنية في البلد، وفي كيفية التغيير لدرء هذه الأزمات.
ومؤخرا، تفشت عندنا في السودان ظواهر غريبة وعجيبة، من نوع مخاطبة الحكام للشعب بلغة مستهجنة، تصل حد شتمه ومعايرته بأنه كان من زمرة «الشحادين» قبل أن يتولوا هم الحكم وينقذوه، وأن من حسنات حكمهم أن الشعب صار يأكل «البتزا»!!، وهو خطاب لا حقيقة فيه إلا السفه ورَدَاءةَ الخُلُقِ، ويعكس درجة الإبتزال التي وصل إليها الخطاب السياسي في البلد. وكذلك تفشت ظاهرة «الفشخرة» والتباهي بإكتناز الثروات، حتى ولو كانت مسروقة من المال العام، وظاهرة إحتقار القانون من قبل المسؤولين وخلصائهم…، إلى غير ذلك من الظواهر التي تعبر فعلا، وبالملموس، عن عشعشة الجهل والجهالة في البلد.
أما أنظمة الطغيان والإستبداد في منطقتنا العربية، وبهدف بقائها في السلطة لأطول مدة ممكنة، وبدون معارضة فعّالة، فتمارس التجهيل الممنهج لشعوبها عبر بث المعلومات المتضاربة، ونشر التقارير والأخبار المفبركة، والتي تخلق أعداء وهميين وتحذر، ليل نهار، من الطابور الخامس والمندسين، وعبر شراء أقلام وأصوات وذمم من يقبل من الكتاب والصحافيين ورجال الدين والفنانين، لينشر ما يُطلب منه، مغلفا بأساليب ناعمة وبتحليلات خادعة، والهدف النهائي من كل ذلك هو بث الخوف من المستقبل عند المواطن حتى يتمسك بالوضع الراهن. ومن هنا، يأتي تعريف عدد من الكتاب للجهل بأنه لا يعني عدم المعرفة وفقط، وإنما هو مُنتَج يُصنع ويُوزع ليخدم أهدافا سياسية أو تجارية…الخ. وحتى يتم توزيع الجهل وبثه بين أطياف المجتمع، أسست الإدارة الأمريكية، كما يقول المفكر تشوميسكي، مجال «العلاقات العامة» لتنفيذ ذلك وفق أسس ممنهجة واستراتيجية تقوم على بث الخوف وإثارة الشكوك وزراعة الحيرة من كثرة المعلومات المتضاربة، والتي تصعّب من اتخاذ القرار المناسب، فيبدو الفرد تائها وجاهلا حول ما يجري، ويزداد العبء النفسي والذهني عليه، فيلوذ بقبول ما لا ينبغي القبول به، طمعا في النجاة من هذه الدوامة. والفئات المستهدفة بالتجهيل وتوزيع الجهل، تضم، في المجتمع الأمريكي، المعلمين والجنود والاقليات الاجتماعية ورجال الدين الذين تقع على عاتقهم مسؤولية تجهيل أكبر عدد من المؤمنين…، وغيرهم من فئات الشعب والرأي العام الأمريكي. هولاء، يتم تضليلهم حتى يقبلوا بسياسات القيادة الأمريكية والتحمس لها، مثل قرار غزو العراق، وقبلها حرب فيتنام…الخ. أما في البدان النامية والفقيرة، فالمستهدفون هم التكنوقراط والمعنيون بالشأن السياسي والاقتصادي، إضافة إلى المثقفين وقيادات المجتمع. ومهمة هؤلاء، تتلخص في بث روح اليأس من التغيير وترسيخ الأكاذيب في أذهان العامة على أنها حقائق تستوجب الدفاع عنها. وفي ذات السياق، تخترق أجهزة الإستخبارات، المحلية والأجنبية، الأحزاب والنخب السياسية في بلداننا، بأساليب ناعمة، عبر عملاء يمارسون تجهيل قياداتها ومدها بمعلومات كاذبة ومضللة، حتى تأتي مواقفها وتكتيكاتها مضطربة وتخدم مصالح هذه الأجهزة.
في بدايات القرن العشرين، برز ما يعرف بغسيل الدماغ، أي إدخال المعلومات إليه على نحو غير محسوس في الوعي الجماعي، من خلال أجهزة الثقافة والأعلام بقصد التضليل. ولأجل الاستئثار بالمعرفة، بإعتبارها تضاهي القوة العسكرية وقوة المال، تأسس، في الأوساط الأكاديمية والسياسية، مجال «إدارة الإدراك»، والذي تُعرّفه وزارة الدفاع الأمريكية بأنه نشر أو حذف أي معلومة بغرض التأثير على تفكير الجمهور والحصول على نتائج لصالح أصحاب المصالح. ولأن النشر والحذف يتطلّبان أساليب دقيقة ومعرفة تامة بعلم النفس والسلوك والإدراك، قام الباحث روبرت بروكتور من جامعة ستانفورد الأمريكية، في تسعينيات القرن الماضي بصياغة ما يُعرف بعلم الجهل (اجنوتولوجي Agnotology)، وهو العلم الذي يدرس صناعة ونشر الجهل بطرق علمية رصينة، ووفق إستراتيجيات تهدف في النهاية إلى التحكم في الشعوب!!
البعض يقول أن الإنترنت يساعد على نشر الجهل، لأنه يوفر للجميع فرصة ليكونوا خبراءً، كما يقول ديفيد دانينغ من جامعة كورنيل، مما يجعلهم فريسة لمصالح قوية ترغب في النشر المتعمد للجهل. وأن ما تقدمه وسائط التواصل الاجتماعي من معلومات وفيرة، لا تنتج دائما مواطنين ذوي معرفة، بل هي، وعبر التكرار وإعادة النشر على سبيل الترفيه، قد تلهي الآخرين عن معرفة الحقائق. وكما كتب عبد اللطيف مشرف في موقع نون بوست، 19 آذار/مارس 2018، «نحن نحتاج للبحث في ديناميكيات علم الجهل وهندسة التجهيل، أولاً لنكشف لأنفسنا ما مورس علينا من كذب ووتضليل وتجهيل، وثانيًا لنكشف وظيفة هذا التجهيل ونتصدى له، حتى نمكن شعوبنا من بناء علاقة سوية مع العالم، باعتبارها شرطًا ضروريًا من شروط متابعة مشروع النهضة والتقدم»، وحتى لا نصير أمة تضحك من جهلها الأمم.
القدس العربي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.