وسط تحذيرات من مجاعة.. الأمم المتحدة تتهم إسرائيل برفض دخول المساعدات لغزة    الناخبون في تشاد يدلون بأصواتهم في الانتخابات الرئاسية    78 قتيلا جراء الأمطار الغزيرة في البرازيل    الأيام السينمائية الدولية بسطيف تزامنا وذكرى مجازر 8 ماي 1945 : الفيلم القصير "لعلام" للجزائري أحمد عقون يفتح غمار المنافسة    قدمها الدكتور جليد قادة بالمكتبة الوطنية..ندوة "سؤال العقل والتاريخ" ضمن منتدى الكتاب    بأوبرا الجزائر بوعلام بسايح..المهرجان الثقافي الدولي للموسيقى السيمفونية من 16 إلى 22 ماي الجاري    افتتاح أشغال اليوم الدراسي حول "أهمية المركز الوطني الجزائري للخدمات الرقمية"    العدوان الصهيوني على غزة: بوريل يدعو إلى وقف إطلاق نار إنساني فوري في قطاع غزة    المغرب : الأشخاص في وضعية إعاقة يحتجون أمام البرلمان للمطالبة بالمساواة واحترام حقوقهم    عرقاب يستقبل نائب الرئيس التنفيذي للمجمع الطاقوي النرويجي إكوينور    ملتقى التجارة والاستثمار بإفريقيا: التأكيد على الدور المحوري للجزائر في الاندماج الاقتصادي القاري    وزير الداخلية يشرف على مناورة دولية للحماية المدنية    ميلة: بعثة من مجلس الأمة تعاين مرافق واستثمارات    والي أم البواقي يكشف: مساع للتكفل بالمستثمرين عبر 17 منطقة نشاط    طرحوا جملة من الانشغالات في لقاء بالتكنوبول: مديرية الضرائب تؤكد تقديم تسهيلات لأصحاب المؤسسات الناشئة    عنابة: استحداث لجنة لمتابعة تهيئة الواجهة البحرية    مركز البحث في البيوتكنولوجيا بقسنطينة: تطوير شرائح حيوية تعتبر الأولى من نوعها في العالم    دعا الدول الاسلامية إلى اتخاذ قرارات تعبر عن تطلعات شعوبها: الرئيس تبون يشدّد على محاسبة مرتكبي جرائم الحرب    وزير الداخلية إبراهيم مراد يشرف على تمرين مشترك ويؤكد: يجب تجسيد التعاون بين الحماية المدنية في الجزائر و تونس    الوزير الاول يلتقي عضو المجلس الرئاسي الليبي: الكوني يدعو الرئيس تبون لمواصلة المساعي لتجنيب ليبيا التدخلات الخارجية    في دورة تكوينية للمرشدين الدينيين ضمن بعثة الحج: بلمهدي يدعو للالتزام بالمرجعية الدينية الوطنية    رئيس الاتحادية للدراجات برباري يصرح: الطبعة 24 من طواف الجزائر ستكون الأنجح    مساع لتجهيز بشيري: الهلال يرفض الاستسلام    البطولة الإفريقية للسباحة والمياه المفتوحة: 25 ميدالية بينها 9 ذهبيات حصيلة المنتخب الوطني    الجزائر تدفع إلى تجريم الإسلاموفوبيا    ثبات وقوة موقف الرئيس تبون حيال القضية الفلسطينية    المديرية العامة للاتصال برئاسة الجمهورية تعزي    يقرّر التكفل بالوضع الصحي للفنانة بهية راشدي    وزيرة الثقافة زارتها بعد إعلان مرضها    مديرية الاتصال برئاسة الجمهورية تعزي في وفاة المراسل الصحفي عبد الحليم عتيق    إشادة وعرفان بنصرة الرئيس تبون للقضية الفلسطينية    خارطة طريق لضمان التأطير الأمثل للحجاج    خبراء جزائريون يناقشون "الهندسة المدنية والتنمية المستدامة"    3 شروط من أجل اتفاق شامل ومترابط المراحل    24 ألف مستثمرة فلاحية معنية بالإحصاء الفلاحيّ    مهنيون في القطاع يطالبون بتوسيع المنشأة البحرية    توقُّع نجاح 60 ٪ من المترشحين ل"البيام" و"الباك"    على هامش أشغال مؤتمر القمة 15 لمنظمة التعاون الإسلامي ببانجول: العرباوي يجري محادثات مع نائب رئيس المجلس الرئاسي الليبي    بعد رواج عودته الى ليستر سيتي: إشاعات .. وكيل أعمال محرز يحسم مستقبله مع الأهلي السعودي    برنامج الجزائر الجديدة في حاجة إلى المؤمنين بالمشروع الوطني    موقع إلكتروني لجامع الجزائر    عمورة في طريقه لمزاملة شايبي في فرانكفورت    دراجون من أربع قارات حاضرون في "طواف الجزائر"    دليل جديد على بقاء محرز في الدوري السعودي    غيريرو يغيب عن إيّاب رابطة أبطال أوروبا    تعريفات حول النقطة.. الألف.. والباء    ثلاث ملاحم خالدة في الذّاكرة الوطنية    غرق طفل بشاطئ النورس    انتشال جثة شاب من داخل بئر    خلاطة إسمنت تقتل عاملا    الأيام السينمائية الدولية بسطيف: 21 فيلما قصيرا يتنافس على جائزة "السنبلة الذهبية"    اقترح عليه زيارة فجائية: برلماني يعري فضائح الصحة بقسنطينة أمام وزير القطاع    الشريعة الإسلامية كانت سباقة أتاحت حرية التعبير    برنامج مشترك بين وزارة الصحة والمنظمة العالمية للصحة    إذا بلغت الآجال منتهاها فإما إلى جنة وإما إلى نار    "الحق من ربك فلا تكن من الممترين"    «إن الحلال بيِّن وإن الحرام بيِّن…»    القابض على دينه وقت الفتن كالقابض على الجمر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محطات تاريخية في مسيرة العقيد محمد شعباني من مخاض الثورة إلى منصة الإعدام
نشر في الحوار يوم 09 - 09 - 2016


سليمان قاسم
مرّت علينا في هذه الأيام الذكرى الثالثة والخمسون لإعدام أصغر عقيد في الثورة الجزائرية العقيد "محمد شعباني" والذي وجهت له تهم عديدة جعلت المحكمة العرفية بوهران تصدر في حقه حكم الإعدام رميا بالرصاص وهو ما تم فعلا يوم 03 سبتمبر 1963. ويعد العقيد محمد شعباني- رحمه الله – أحد الأبطال الأشاوس في الولاية السادسة التاريخية رغم صغر سنة لكن ثقة العقيد سي الحواس وحنكته في إدارة أمور الثورة بالمنطقة الثالثة جعلت منه الرجل اللغز الذي استطاع أن يعتلي المناصب في مدة وجيزة إلى أن أصبح عقيدا وقائدا بالولاية السادسة، ومن هنا وجب علينا إعداد ورقة حول هذه الشخصية المفصلية في تاريخ الثورة التحريرية عامة والولاية السادسة التاريخية خاصة، أردنا من خلالها ذكر مناقب الرجل من خلال سرد مسيرته النضالية منذ نشأته إلى غاية إعدامه، فالعقيد "محمد شعباني" من مواليد بلدية "أوماش" بولاية بسكرة، بتاريخ الرابع من سبتمبر 1934، ابن "الحاج محمد بن الحاج" و"زينب بنت إبراهيم صيفي". نشأ وترعرع في أحضان أسرة محافظة عرفت بالتقوى والعلم، حفظ القرآن الكريم حيث أدخله والده في سن مبكرة إلى المدرسة المحمدية ببسكرة أين اكتسب فيها الروح الوطنية التي بدأت تنمو عبر ربوع الجزائر خلال فترتي الثلاثينات والأربعينات، بعدها رحل إلى مدينة قسنطينة وحط رحاله بمعهد العلامة "عبد الحميد بن باديس" الذي كان يستقطب طلاب العلم آنذاك.

لم يكن"محمد شعباني" بمعزل عما كان يدور حوله من إرهاصات سياسية وثقافية داخل الوطن وخارجه، وكان يتابع الأحداث والمجريات السياسية التي عرفتها السنوات الأخيرة التي سبقت اندلاع الثورة التحريرية، حيث كان يترصد الأخبار الوطنية والدولية وكان يتابع التطورات التي أحدثتها الثورة المصرية ضد الملك فاروق.


* محمد شعباني في قلب المعركة
اندلعت الثورة التحريرية ليلة الأول من نوفمبر 1954، وأخذ محمد شعباني يتابع مسيرتها وتطوراتها وتفاعل الجماهير معها من خلال الوافدين للمنطقة كالتجار والأهل والأقارب. عاد إلى قريته بأوماش في نهاية السنة الدراسية سنة 1955، وبدأ في قريته أولى خطواته النضالية وراح يتحسس أخبار الثورة وعن كيفية تنظيماتها وأسماء المشرفين على النضال والدعم المادي للثورة، ولم يمض وقت طويل حتى وجد نفسه في أتون الثورة، حيث اتخذ من منزله مركزا لدعم الثورة وكبر نشاطه مع الأيام في إطار السرية كمناضل في جبهة التحرير أصبح يشارك في العمليات التي كان يخوضها المجاهدون أمثال الشهيد "نور الدين مناني".

وكان من بين العمليات المهمة التي قام بها عملية الهجوم على مركز الشقة الخاص لشركة إنجاز الطرق بالجنوب وحرق آلاته ومعداته وقتل من فيه من عساكر العدو الذين يقومون بالحراسة، وهي العملية كان صدى كبيرا لدى الأوساط الشعبية ولدى العدو، وفي هذه العملية أثبت محمد شعباني جدارته فيها مما جعل قادة المنطقة الثالثة من الولاية الأولى يقرّرون إدماجه فيها بقرار من "أحمد بن عبد الرزاق سي الحواس" قائد المنطقة، حيث وجد في "محمد شعباني" مالم يجده في غيره من فطنة وقوة وذكاء مما جعله يقرّبه إليه لتلتقي رغبتان: رغبة سي الحواس في التنظيم وفقا لمقررات مؤتمر الصومام 1956 ورغبة الطلبة الشباب الذين كان منهم محمد شعباني في تسخير قدراتهم الفكرية والعلمية في خدمة الثورة.


* شعباني مسؤول قيادي
نظرا لكفاءته ومهارته رقّي إلى ملازم أول سياسي في الناحية الثالثة للمنطقة نفسها نهاية سنة 1957، ثم ملازما ثانيا مسؤولا عن الناحية الرابعة التي تم إنشاؤها، حيث أثبت شجاعته وجلده وصبره وقدرته على التعامل مع الأحداث، وبالتوازي مع ذلك رجع العقيد "سي الحواس" من تونس موفدا من قبل "لجنة التنسيق والتنفيذ" من أجل ترسيم حدود الولاية السادسة، لكنه تفاجأ بأن بلونيس قد أطبق على المنطقة مما اضطره إلى أن يدخل في المواجهة مع القوات الفرنسية وأتباعها من خونة بلونيس، حيث كان "عمر إدريس" في المنطقة التاسعة من الولاية الخامسة في خط المواجهة، أما "سي الحواس" ومن معه فوجدوا في المنطقة الثالثة من الولاية الأولى وهذا قصد حماية ظهر قيادة جيش التحرير في المنطقة التاسعة التي أنشأت عقب العملية الانقلابية التي قام بها بلونيس في المنطقة الثانية من الولاية السادسة قيد التأسيس، لكن نظرا لصعوبة الظروف اضطرت قيادة الولاية الخامسة إلى احتواء هذه المنطقة واعتبرتها منطقة عمليات عسكرية.

وفي ربيع 1958 تم لقاء بين إطارات الولاية السادسة المزمع تأسيسها بجبل "القسوم" بالمنطقة الثانية، وبقي هذا اللقاء مشهودا في تاريخ الولاية وهذا نظرا لطول مدته والقرارات الناجمة عنه. وفي هذا الاجتماع رُسّمت حدود الولاية السادسة وتم تشكيل مجلسها وقيادات المناطق والنواحي والقسمات كما رُقّي "محمد شعباني"، بالمناسبة ذاتها، إلى رتبة ضابط أول سياسي بالمنطقة الرابعة التي كان يرأسها "علي بن مسعود النوي".

* محمد شعباني قائدا للمنطقة الثالثة
عقب المحاولات الاستعمارية اختراق صفوف الثورة وزرع حركتها الخائنة تحت قيادة بلونيس، اضطر قائد الولاية السادسة "العقيد سي الحواس" إلى أن يعين "محمد شعباني" قائدا على المنطقة الثالثة رفقة العديد من القادة أمثال"رمضاني حسوني" و"عبد الحميد خباش" و"مخلوف بن قسيم" و"محمد روينة غنتار" و"عبد القادر ذبيح" و"علي امهيري" و"السعيد عبادو" و"أحمد طالب". ويعد هذا الاختيار من قائد الولاية السادسة امتحانا آخرا لشجاعة محمد شعباني وحنكته وصبره.

هذه المهمة الصعبة جعلت "محمد شعباني" يجهز جيشا بأربعة كتائب للتوجه إلى"جبال بوكحيل" لمحاربة "بلونيس" مع وضع فرق أخرى في أماكن متقدمة وقريبة من العمليات، كما تم التنسيق مع قيادة المنطقة الثانية ب"جبل قعيقع" و"مناعة" و"القعدة"، وهكذا وقعت جيوش "بلونيس" في فكي كماشة المنطقة الثانية من الغرب والمنطقة الثالثة من الجنوب، وبعد معارك طاحنة تمكنت الولاية السادسة من القضاء على حركة بلونيس في منتصف سنة 1958.

* لقاء العقداء بالولاية الثانية ونهاية مأساوية للعقيدين عميروش وسي الحواس بجبل ثامر
في شهر نوفمبر سنة 1958 تلقى العقيد سي الحواس رسالة من العقيد "عميروش"، يطلب فيها الحضور إلى الولاية الثالثة وذلك قصد تصفية المؤامرة التي وقعت في الولاية، بالإضافة إلى التوجه نحو الولاية الثانية من أجل حضور مؤتمر العقداء.

قرارات هذا الاجتماع كانت واضحة وهي إيفاد كل من العقيد "سي الحواس" والعقيد "عميروش" إلى تونس، من أجل الاتصال بقيادة الأركان والحكومة المؤقتة، وقد كان هذا الاجتماع مغلقا لكنه كان ناجحا نظرا لعدم تمكن فرنسا من اكتشاف مكانه.

المجاهد الطاهر لعجال، وفي شهادته لجريدة "صوت الأحرار"، أكد بأن اجتماع العقداء الأول كان في السلسلة الممتدة ما بين جبال الميمونة بالولاية السادسة، جبال المسيلة وهناك تم اتخاذ قرارات من أهمها دخول الجيش الموجود بالحدود، وكذا الحكومة ماعدا وزير الخارجية، و كانت هذه القرارات باتفاق مع بومدين، أما بالنسبة للقاء الطاهر فكل ما في الأمر أن العقداء ذهبوا إلى منطقة الميلية للقاء كافي وإقناعه بالقرارات لكن كافي رفض استقبالهم، و بعدها اتصلوا أي عميروش و الحواس ببومدين وعرضوا عليه الوضعية، فطلب منهم العودة إلى المغرب للقائه قبل الذهاب إلى تونس، وفعلا كانا ذاهبين إلى المغرب وشاءت الأقدار أن يستشهدا في جبل ثامر في مارس 1959، و أضيف بأن العقيدين علما بأن جماعة تونس يتوجسون بهم السوء بعد أن علموا بمبتغاهم.

-إعدام العقيد الطيب الجغلالي والروايات المتضاربة
أمام استشهاد العقيد سي الحواس في معركة جبل ثامر 29 مارس 1959 ونائبه عمر إدريس يوم 06 جوان 1959 بالجلفة انتقلت قيادة الولاية السادسة إلى نائبه الثاني الطيب الجغلالي قائد الولاية الجديد لمدة وجيزة أفريل إلى جويلية 1959 لكنه ما لبث أن اصطدم بتحفظ قادة المناطق الأربع عليه، وهم: علي بن المسعود وسليماني سليمان الأكحل و محمد شعباني ومحمد بلقاضي، مما اضطره أن يسارع بإرسال إشعار لقيادة الأركان بواسطة اللاسلكي بالولاية الأولى، مقترحا إعفاء قادة المناطق المتحفظين على ولايته وإرسالهم إلى تونس أو المغرب فأثار عليه زملاءه الثلاثة، فقرر الأربعة تصفيته في الشهر نفسه.

المجاهد محمد صايكي، يرى في مذكراته أن ما وقع للعقيد الطيب الجغلالي مؤامرة رهيبة دبرها مسؤولو مناطق الولاية السادسة، وهم " محمد شعباني " و " سليمان لكحل " و" موح القاضي " و " علي بن المسعود "، حيث يقول إن سي الطيب أخذ بعض الإطارات منهم النقيب "محمد باشل"، " حميدو "، " مكاوي خالد " و" مختار بن بدوي " وآخرين وكانوا قرابة 15 إطارا بغية تدعيم المناطق الأخرى، لكنه يرى أن حب الزعامة والمسؤولية أعمى بصيرة المسؤولين المذكورين أعلاه، فقد راح مسؤولو المناطق يقضون على هؤلاء الإطارات جميعهم بما فيهم العقيد الطيب الجغلالي بتاريخ 29 جويلية 1959.

رغم أن هناك روايات تؤكد بأن هناك أشياء جديدة بدأت تطفو على السطح تستهدف الثورة بالولاية وتطويع قادتها مما اضطر قادة المناطق وضع حد لها يعني إعدام العقيد الجغلالي، وصول معلومات وتقارير من المنطقة الأولى عن وجود مؤامرة على الولاية وتطويع قادتها وتصفية المتشددين منها لمشروع سلم الشجعان تمهيدا لتنفيذ خطة اللقاء الذي تم بين ديغول وعناصر من قيادة الولاية الرابعة، زيادة على ماشاع من اكتشاف تبادل الرسائل بين المرحوم سي الطيب وشيخ بلدية العامرية الفرنسي، ويقال إن سي الطيب اعترف بذلك.


بعد إعدام الطيب الجغلالي ورفاقه يوم 29 جويلية 1959، اجتمع قادة المناطق الأربع للولاية السادسة بجبل "امحارقة "، وهم على التوالي: النوي علي بن المسعود، سليمان سليماني المدعو لكحل، محمد شعباني، بلقاضي بوصبيعات، واختاروا محمد شعباني قائد المنطقة الثالثة منسقا للولاية، كما اتفقوا على برنامج العمل لتدعيم الثورة والتصدي لقوات العدو ومخططاته وقد كان الهدف من هذا الاجتماع الخروج من الدائرة التي أوقعتها فيهم الظروف والعودة إلى تصحيح المسار النضالي للولاية.

* محمد شعباني والرهان الصعب
دخلت الثورة الجزائرية حينها في الولاية السادسة التاريخية مرحلة صعبة، وهنا بدأ يبرز الصراع حول الصحراء خاصة بعد اكتشاف البترول، في ظل هذه الظروف برزت شخصية "محمد شعباني" لما حملته من أخلاق عالية وبساطة وتبصر وحكمة في القرارات ومنذ أن كان في المنطقة الثالثة، فتم انتخابه قائد للولاية السادسة خلفا للشهيد "سي الحواس".

وفي هذا الصدد، يرى المجاهد الطاهر لعجال، بأنه وبعد استشهاد الحواس جاء الطيب الجغلالي واستشهد في ظروف مأساوية، اجتمع مسؤولو الناطق وعينوا سي محمد شعباني الذي كان مسؤول منطقة كمنسق للحفاظ على جذوة الكفاح ووحدة الجيش و بقيت الولاية تسير بخطى ثابتة رغم خطورة المرحلة التي تولى شعباني فيها المسؤولية والتي تميزت بمضاعفة العدو لعملياته القمعية كعملية الأحجار الكريمة وشال و غيرها. و بعدها تلقى محمد شعباني تعيينا كقائد للولاية رسميا من كريم بلقاسم كوزير للدفاع، و تعيين من بومدين بصفة قائد الأركان، وكان ذلك في يوم واحد، كما تم تعيين قنتار "محمد الروينة" كرائد، في حين تركت الحرية لشعباني في تعيين البقية، والطاقم الذي يساعده، وبالفعل تم تعيين سي الشريف خير الدين وسليمان الوهراني وعمر صخري.

* قضية فصل الصحراء ودور الولاية السادسة في التصدي للمشاريع الاستعمارية
بدأت محاولات فرنسا لفصل الصحراء في بداية 1957، أي منذ اكتشاف البترول والغاز من جهة واقتناع الاستعمار الفرنسي بحتمية استقلال الجزائر من جهة أخرى وله عملت فرنسا في عدة ميادين لتحقيق هذا الهدف:


* الميدان السياسي:

صدور قوانين تفصل الصحراء إداريا عن بقية جهات الوطن
إنشاء المنظمة المشتركة والتي تضم عمالتي الواحات والساورة وإقليم مكل من النجير – التشاد والسودان
إنشاء وزارة خاصة بالصحراء
التمثيل يكون بعضوين في مجلس الشيوخ وخمسة نواب في مجلس النواب
الاتصال بالشخصيات الصحراوية وأعضاء المجالس العامة ورؤساء البلديات ونواب العمالتين ومحاولات إقناعهم بعملية النفصال والارتباط بفرنسا في إطار جمهورية مستقلة

الدور الذي لعبه حمزة بوبكر ولقاءته بالشخصيات الصحراوية في أفريل 1961 الذي فشل فشلا ذريعا في خدمة هذه القضية الدنيئة التي يعود نشاطها إلى سنة 1959، حيث تكفل بالعمل على تعبئة الشخصيات العامة بالمجتمع المحلي للحصول على إجماعها بتأييد مشروع فصل الصحراء واجتمع مرة بمدينة الأغواط، وأخرى في "سانت اوجين" ببولوغين ضواحي العاصمة من دون جدوى، إذ رفضت تلك الشخصيات وهؤلاء الأعيان المشروع رغم التهديدات والمساومات التي تعرضو لها.

ومن المراوغات السياسية التي اعتمدتها السلطات الاستعمارية ايضا في محاولة فصل الصحراء عرض الجنرال ديغول على الحاج الباي أخموخ، زعيم الطوارق أثناء استقباله لحضور مراسيم الاستعراض العسكري بشارع champs Elysée بمناسبة 14 جويلية، أمر توليته سلطانا على الصحراء، ولكن رد أخموخ كان حاسما " إذا استقلت الجزائر فنحن معها وإذا بقيت فنحن معها"

* الميدان العسكري:

إنشاء وتدعيم القواعد العسكرية في الجنوب
إنشاء مراكز نووية وصاروخية
إنشاء مناطق محرمة في الجنوب
إعلان حالة الطوارئ والقيام بعمليات التفتيش والاعتقال على نطاق واسع في صفوف المواطنين
ضبط الوضعية الأمنية في كل الجهات المتاخمة للصحراء ومحاصرة الثورة من كل الجوانب
تعزيز شبكة الفرق الإدارية المتخصصة

* إستراتجية العقيد شعباني في مواجهة المشروع الفرنسي
عقب خلافته للعقيد سي الحواس قام العقيد شعباني باتباع إستراتيجية عسكرية استطاع من خلالها فرض
1 – وضع الولاية في حالة استنفار قصوى، وذلك من خلال تكثيف الهجمات على مراكز العدو ومنشآته، خاصة المنشآت الاقتصادية وزرع الألغام ونصب الكمائن، حيث تم الهجوم على نحو 13 قطارا من أصل 17 قطارا، وهذه الهجومات أوردتها المصادر الفرنسية نفسها.

2 – تعزيز ودعم الجبهة الجنوبية التي بدأها المسؤولون الأوائل على رأس الولاية كالشيخ "زيان عاشور وسي الحواس" بإطارات تكون في مستوى الأحداث والمستجدات، ونذكر على سبيل المثال وليس الحصر، أحمد طالب، سعيد عبادو، رشيد صائم، أحمد بن شرودة، وغيرهم وهذا لإنشاء الخلايا وتفعيل الأفواج من غرداية إلى غاية تمنراست وهذا في أعقاب الحملات التمشيطية التي قادها الجنرال "شال" المدعمة بقوات الحلف الأطلسي الذين كشفوا هجوماتهم على المواقع الإستراتيجية وضرب الأنابيب وتدمير شاحنات النقل البري والتفجير اليومي لخطوط السكة الحديدية الرابط بين "تقرت" و"سكيكدة"، وتعد المنطقة المحصورة بين قرية "السطيل" ومدينة "القنطرة" من أهم وأخطر المناطق من الناحية العسكرية، إضافة إلى الاشتباكات والمعارك الكبرى التي دارت في "بوكحيل، المناعة وبوديرين" وفيها من دامت يومين كاملين.

وبذلك كانت الولاية في عهده وبعدد من رفقاء السلاح أرضا في وجه الفرنسيين ومختلف الشركات البترولية، وهذا ما نستشفه من خلال عدد العمليات الحربية التي وقعت ما بين 1959 ومارس 1962.
السلطات الاستعمارية لم تتوقف في هذه الأثناء عن مناوراتها، حيث عمدت الى إنشاء سلسلة محطات إذاعية في كل من تقرت وغرداية والأغواط، لترويج فكرة فصل الصحراء وجعلها مقاطعة تابعة لفرنسا، بالإضافة إلى ذلك اتخذت إجراءات للتأثير على السكان وربطهم مصلحيا بفرنسا من خلال إعلان الصحراء منطقة جمركية حرة، وخفض أسعار المواد الأساسية بها بنسب كبيرة مقارنة بشمال الصحراء، كما أصدرت في 10 جوان 1961 قرار بتوزيع عائدات البترول اعتمادا على نسبة 60 بالمئة لفائدة المنظمة المشتركة للناطق الصحراوية و15 بالمئة لفائدة الصندوق الصحراوي للتضامن، يوزع على البلديات الصحراوية و25 بالمئة تصب في صندوق التجهيز لتطوير الجزائر في إطار برنامج التنمية الذي يخص الصحراء في قسمه الأكبر.

وفي ردها على هذه المناورات قررت قيادة الولاية السادسة تدعيم وتعزيز الثورة في المناطق الصحراوية بعدد من الإطارات جيش التحرير الوطني منهم الشهيد أحمد طالب والضابط السعيد عبادو، ورشيد الصايم ومحمد شنوفي وعثمان حامدي ورابح لبيض وغيرهم.

برزت خلال تلك المرحلة شخصية "محمد شعباني" الذي أظهر كفاءته وقدرته السياسية والعسكرية وإدراكه للسياسة الفرنسية، لذلك وبأمر من القيادة كثف العقيد محمد شعباني العمليات العسكرية في الصحراء.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.