الفريق أول السعيد شنقريحة يؤكد: يجب التيقظ والاحتراس و تنفيذ المهام بدقة وصرامة    ممثلا لرئيس الجمهورية: العرباوي يشارك في قمة المؤسسة الدولية للتنمية بكينيا    وزارة التربية تضبط ترتيبات العملية: تعليمات بتسجيل التلاميذ الجدد في المدارس القريبة من الإقامة    بعد الإعلان عن خفْض الفوائد البنكية على قروض الاستثمار: قرارات الحكومة تريح المستثمرين    سونلغاز تفتح أزيد من 550 منصب شغل بولايات الجنوب    لموقفها الداعم لحق الفلسطينيين قولا وفعلا: هنية يعبر عن إجلاله وإكباره للجزائر    حراك الجامعات الأميركية يمتد إلى كندا وأوروبا وآسيا    بعد مسيرة تحكيمية دامت 20 سنة: بوكواسة يودع الملاعب بطريقة خاصة    3 تذاكر ضاعت في نهاية الأسبوع: الثنائي معمري يرفع عدد المتأهلين إلى دورة الأولمبياد    تهيئة عدة شوارع للقضاء على مظاهر الترييف: 110 ملايير لربط 1300 سكن بالكهرباء في الطارف    لحماية سكيكدة من الفيضانات: وزير الري يوافق على تسجيل مشروع سد بوشطاطة    وزيرة التضامن كوثر كريكو: الجزائر وفرت الآليات الكفيلة بحماية المسنين    مختصون يشرحون آليات التدخل ويقترحون حلولا    عون أشرف على العملية من مصنع "نوفونورديسك" ببوفاريك: الجزائر تشرع في تصدير الأنسولين إلى السعودية    اتحاد العاصمة لم يلعب مقابلة أمس    لأول مرة في الجزائر: «اتصالات الجزائر» ترفع سرعة تدفق الانترنت إلى 1 جيغا    اتفاق على استمرار وتوسيع التشاور مع باقي الفصائل الفلسطينية    مساهمة جزائرية كبيرة في البنك الإسلامي للتنمية    الجزائر-قطر..علاقات متميّزة وتوافق حول أمّهات القضايا    دور الجزائر سمح بتحقيق نجاحات دبلوماسية كبيرة لصالح فلسطين    يعيشون وضعية صعبة مع فرقهم: قبل توقف جوان.. 3 لاعبين يثيرون المخاوف في صفوف "الخضر"    مخلفة خسائر في الأرواح والمعدات في صفوف قوات الاحتلال: الجيش الشعبي الصحراوي يستهدف قواعد عسكرية مغربية    مواجهة كل من يسيء للمرجعية الدينية ولثورة نوفمبر    تحدّ آخر يرفعه الرئيس تبون.. وإنجاز تاريخي    القضاء على إرهابي بالناحية العسكرية الأولى بالشلف    بطولة إفريقيا لكرة الطائرة/ سيدات: فوز مشعل بجاية مام آسيك ميموزا الإيفواري    قسنطينة: دخول "قريبا" فندق سيرتا العمومي حيز الخدمة بعد إعادة تهيئته    تعزيز القدرات والمهارات لفائدة منظومة الحج والعمرة    مهرجان عنابة للفيلم المتوسطي: انطلاق ورشات تكوينية في مهن السينما لفائدة 70 شابا    برج بوعريريج.. 7 مخازن عملاقة لإنجاح موسم الحصاد    التراث.. ثابت في مكوّنات الهوية الوطنية    الصحراء الغربية: إبراز دور وسائل الإعلام في إنهاء الاستعمار خلال ندوة بالإكوادور    باتنة: إجراء عمليات زرع الكلى بحضور أطباء موريتانيين    الصهاينة يتوحّشون في الضّفة    لحوم الإبل غنية بالألياف والمعادن والفيتامينات    داس عنابة يؤكد: مرافقة قوية لمسنين دار الصفصاف لإدماجهم اجتماعيا وتدعيمهم صحيا    الكرة الطائرة/ بطولة إفريقيا للأندية/سيدات: جمعية بجاية تتغلب على ليتو تايم الكاميروني (3-2)    العدوان الصهيوني على غزة: ارتفاع حصيلة الضحايا إلى 34 ألفا و454 شهيدا    الرئيس يكرّم قضاة متقاعدين    الجزائر الجديدة.. إنجازات ضخمة ومشاريع كبرى    قسنطينة: السيد ديدوش يعاين عديد المشاريع الخاصة بقطاعه    وزير التربية لجمهورية زامبيا يزور جامعة الجزائر 1    استئناف حجز التذاكر للحجاج المسافرين مع الديوان الوطني للحج والعمرة بالنسبة لمطار أدرار    فلسطين : العدوان الإرهابي على قطاع غزة من أبشع الحروب التي عرفها التاريخ    غرداية : اقتراح عدة معالم تاريخية لتصنيفها تراثا ثقافيا    نطق الشهادتين في أحد مساجد العاصمة: بسبب فلسطين.. مدرب مولودية الجزائر يعلن اعتناقه الإسلام    مباشرة إجراءات إنجاز مشروع لإنتاج الحليب المجفف    أكتب لأعيش    شبان "المحاربين" يضيّعون اللقب    لو عرفوه ما أساؤوا إليه..!؟    رياض محرز ينتقد التحكيم ويعترف بتراجع مستواه    إنجاز جداريات تزيينية بوهران    15 ماي آخر أجل لاستقبال الأفلام المرشحة    منظمة الصحة العالمية ترصد إفراطا في استخدام المضادات الحيوية بين مرضى "كوفيد-19"    حج 2024 : استئناف اليوم الجمعة عملية حجز التذاكر للحجاج المسافرين مع الديوان الوطني للحج والعمرة    أهمية العمل وإتقانه في الإسلام    مدرب مولودية الجزائر باتريس يسلم    دروس من قصة نبي الله أيوب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الاستقطاب الحاد والتصدعات الهيكلية (الحلقة الثالثة)
نشر في الحوار يوم 07 - 07 - 2017


بقلم الوزير السابق عبد القادر بن قرينة
إن العالم العربي عموما ومنطقة الشرق الأوسط خصوصا، تمران بوضع عصيب يكاد ينهي الأدوار التقليدية للعديد من دوله، وسوف يغير من خرائطه في المستقبل القريب. وواضح أنه كان مخطط لحرب كونية ليس بالضرورة تقليدية، فقد تأخذ زيادة على ذلك أشكالا أخرى (اقتصادية، ثقافية وحتى إلكترونية…).
وتدار هذه الحرب في ساحات المثلث الثلاث: إيران – تركيا والسعودية، فحاولت بقدر المستطاع أن تدفع بها إيران لخارج أراضيها مؤقتا، رغم أن العمليات الانتحارية الأخيرة بها هي محاولة لجرها لعمق جغرافيتها، و نجحت تركيا هي كذلك في فشالها على ساحتها، و التف الجميع حول الدولة و أسقط الانقلاب العسكري، و الحلقات لازالت متواصلة، بينما وقعت السعودية ضحية لها في تصدع المجال الحيوي لأمنها القومي، و الحلقات متوالية..
أن تدمير أسس مقومات الدولة في العراق و حل الجيش به أغرى القوى الاستعمارية، فبرمجوا الضغط على أضلع مثلث آخر ( سوريا – مصر والجزائر )، و كانت الفرصة سانحة بذريعة الربيع العربي، و بالفعل تم تدمير الجيش السوري بشكل كبير بما يحده من التأثير في ميزان القوى بمعادلة أي صراع عربي إسرائيلي مستقبلي لاسترداد الأراضي العربية المغتصبة، و الترجيح القائم هو التغيير في عقيدته العسكرية عاجلا أو تجزيئته تبعا لأي تقسيم منتظر، وقد يكون قريبا في سوريا (لا قدر الله).
وبسبب اختيار منهج السلمية من طرف جماعة الإخوان المسلمين جُنِبت مصر الكارثة إلى حين،. وبالنسبة للجزائر لازال التربص بها قائما، وتقارير مراكز الدراسات الأمنية والاستشرافية بأوربا وأمريكا تجمع في تنبؤاتها بهذا الخطر، وليس من باب الصدفة أن رموزا (الريسوني – الحمداوي – المقري الإدريسي) من حزب العدالة والتنمية الذي يقود الحكومة في المغرب الشقيق شهورا بعد الربيع العربي يصدروا كتابا متعلقا برؤيتهم لقضايا إقليمية، و يتطرق فيه بكل وضوح بالباب الثالث للبحث من الكتاب:
إن خارطة الجزائر بها انتفاخات غير طبيعية (و يذكر أن جزءا من أراضي السيادة الجزائرية بالجهة الغربية يجب أن يتبع المغرب، و جزءاً آخر يتبع الدول الإفريقية في أقصى جنوب الجزائر وورقلة و حاسي مسعود يجب أن تتبع ليبيا.. )، وكأنها تدعو وتحرض قوى معينة أنه أثناء حدوث أي فوضى وفلتان في الجزائرو يجب أن يبدأ التقسيم على هذا الأساس، ثم إن هيئة تفكير في مستقبل صحراء ليبيا وإمكانية فصلها على الشمال اجتمعت بنفس الوقت بالمغرب، متزامنة مع إقامة فرنسا قاعدة عسكرية في النيجر على تخوم الحدود الليبية الجنوبية أو صحراء ليبيا .
إذن المنطقة تمر بحالة إرباك وارتباك شديدين وعدم استقرار، وتشهد الكثير من دولها صراعات سياسية وتجاذبات وأزمة اقتصادية وحمل سلاح واحتراب محتدم وحالات من الاستقطاب الطائفي والعرقي والإثني، أتاحت للقوى الطامحة تحقيق مأربها والتقدم في تنفيذ مشاريعها باستغلال الخلخلات المجتمعية وتقوية تناقضاتها و تنافراتها…
لقد انتكست و كسرت الإرادات الشعبية، و هدأت ديناميكية الشارع العربي الثائر والتواق للحرية والعيش الكريم وتعثر المسار الديمقراطي وتباطأ مشروع الإصلاح والتغيير، نتيجة تحالفات إقليمية ودولية من أجل إجهاض الحراك السلمي للشعوب وإدامة أوضاع الاستبداد والفساد، وذلك على ثلاث مسارات:
– إحداهما بالالتفاف على حركة الشارع بتحويله من السلمية إلى الاحتراب بعسكرة الهبات الشعبية (سوريا وليبيا).
– و ثانيهما بالانقلاب العسكري المباشر (مصر)، أو الانقلاب إقليمي غير المباشر بوصاية إقليمية (اليمن).
– و ثالثهما بإنفاذ انقلاب محلي ناعم دون إراقة دماء، كالذي حدث بتونس (و لعله الانقلاب الوحيد الذي حقق أغلب أهدافه).
– إن ما يحدث في ساحاتنا من فعل و ردّة فعل مرده إلى أمرين:
– أنفسنا وكيف تعطلت عقولنا عن التفكير وتشكلت فينا نتيجة الصدمة القناعة بقابلية الاستعمار والاستخدام، و أصبحنا جهاز استقبال وبرمجة لا تفكير وتمحيص ومبادرة.
– و راجع كذلك للمشاريع و المحاور التي لها تأثيراتها المباشرة و غير المباشرة، والتي تنشط على أرضنا تتداخل مصالحها، تتنافر أحيانا وأحيانا أخرى تتقاطع، وإن اهم تلك المشاريع و المحاور التي تتواجد أو لها تأثير في عالمنا العربي وكذا النظري منها، هي:
1. مشروع نهضة الأمة (مفترض) لأنه حاليا مشتت و ممزق و متحارب.. إلخ .
2. المشروع الأمريكي الغربي، وهو الوحيد الكوني، ومن أدواته:
أ. دول الاعتدال العربي أو دول المماليك أو دول الثورة المضادة.
ب . الكيان الإسرائيلي.
ج . مشروع الدولة العلماني التركي ( حت سقف الأطلسي).
3 . المشروع الجهادي أو العنفي المتطرف قاعدة، نصرة، القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي، بوكو حرام، داعش.
1. تجربة حزب العدالة و التنمية التركي (و طموحه العثماني).
2. ما تبقى من قوى أو دول الممانعة .
3. المشروع الإيراني .
4. المشروع الروسي، و هو المشروع فوق الإقليمي تحت الكوني.
5. النفوذ الاقتصادي الصيني.
إن أجزاءً من تلك المشاريع تتشط أحيانا وتتباين رؤاها لتشكيل محور قد يناقض مصلحة المشروع تماما، أو بمنطق المصالح تتقاطع المشاريع وتتفاهم أو حتى تتخادم، كما وأن مدى تأثيراتها وحجم فعلها متفاوت في منطقتنا.
يمكن الرصد أنه إلى ما قبل الأزمة الخليجية كان يصنع الفعل في المنطقة بتلك اللحظة محوران إقليميان متناقضان في عقيدتهما ومصالحهما وتوجهاتهما:
– المحور الإيراني و محور الثورة المضادة
أولا: المشروع الإيراني، طموحاتها تتعلق أساسا:
– حاجات و ضرورات صيانة الأمن القومي
– حماية و دعم و قيادة الطائفة أينما كانت تبعا لنظرية ولاية الفقيه.
– تطلعات من أجل التسليم لها بالسيادة الإيرانية على الإقليم بالخليج والشرق الأوسط .
إن هذا المشروع هناك من يعتبره طائفي عقدي مذهبي، و هناك من يعتبره قومي فارسي، و بعيداً عن تسميته و توصيفه ما يزال هذا المحور مرتاحا ويصنع الحدث في ساحات، كما وأنه مأزوما في ساحات أخرى، ويواجه العديد من التحديات في مواقع حضوره السياسية،
ويخوض في ذات الوقت حربا على ثلاث جبهات، منها المباشرة و منها بالوكالة :
أ – الجبهة الأولى: تثبيت مواقعه الحالية في سوريا والعراق ولبنان بتحقيق التفوق والنجاح، أو محاولة الخروج من أزماته في تلك الساحات بأقل الخسائر.
وأول النجاح الذي حققه على حساب الثورة المضادة كان في لبنان بتنفيذ الاستحقاق الرئاسي وفرض حزب الله خياره بالمجئ بحليفه الرئيس ميشال عون لسدة الحكم.
ب- الجبهة الثانية:
بسط مساحات نفوذه والتمدد في مناطق جديدة يتمتع فيها بوجود طائفي يضغط فيه ويشتت جهد و تركيز خصمه محور الثورة المضادة (البحرين، السعودية، الكويت والإمارات).
ج – الجبهة الثالثة:
المراوحة في الكر و الفر بالساحة اليمنية، كما ويسخنها أحيانا مستهدفا من ذاك التسخين على الأقل خمس مصالح إستراتيجية يجنيها:
– استنزاف لمحور الثورة المضادة عموما والسعودية خصوصا.
– المقايضة بالجبهة السورية في أي تسويات قادمة.
– يهدد الملاحة الدولية بباب المندب، وبالتالي يكسر كبرياء أمريكا و حلفائها.
– يدخل الرعب للسعودي وهو على حدوده بما يهدد الأمن القومي للملكة بصفة مباشرة و الخليج عموما.
– الضغط على الإماراتي (لدور المقاول الذي تطوعت أن تلعبه هذه الإمارة ببناء القاعدة العسكرية الإماراتية بأسمرا، والجُزر التي تعلن الإمارات احتلالهما من طرف إيران.
– موضع قدم في المنطقة الحيوية للأمن القومي الخليجي بما يسمح لها بالتدخل في أي ترتيبات قادمة بالمنطقة لاحقا.
وبدخوله استغلال حقل الغاز المشترك مع قطر، أدخلهم بالصفة المباشرة في الاشتراك في منطقة حيوية لأمن القومي لإيران والمشترك مع الخليجي .
– كما وأن هذا المحور يلعب في مناطق أخرى متنافسا مع الإسرائلي فقط، كما هو الحال في الساحة الإفريقية دون وجود يذكر لمحور الثورة المضادة أو دول المماليك، إلا بما تعلق بالمذهب الوهابي، تلك الساحة والتي لها تأثيراتها المباشرة على أمن العالم العربي، لاسيما دول مثل مصر و السودان و الصومال و غير مباشرة على كثير من الأقطار العربية.
– كما ويلعب منفردا بكثير من الأحيان في ساحة أمريكا اللاتينية، و يتحالف وحده مع (روسيا والصين) و يشارك في تحالف دول بريكس، ويملك علاقات جيدة و تشارك في الرؤى لبعض أزمات الإقليم مع ما تبقى من دول الممانعة كالجزائر .
– يجب أن نسجل أن هذا المحور تخادم بصدق دون خديعة مع الأمريكي في عدة ساحات، لذلك قبله الأمريكي كعدو وخصم مجرب يتبادل معه المصالح و المنافع، و كلما وجد له مصلحة محققة في أي ساحة لا يجد حرجا بأن يتقاطع مع المشروع الغربي أو غيره (في أفغانستان و في العراق من أجل إسقاط صدام، و مع الخليجي و الاأريكي ضد صدام بعد احتلال العراق)، و حاليا مع الروسي من أجل تثبيت أركان الحكم بسوريا، و مع التركي بالملف الكردي و غيرها كثير .
– كما وأنه و جب أن نضع بالحسبان أن هذا المحور أصبح ينتمي للنادي النووي، وأنه كذلك خرج من أزمة العقوبات المفروضة عليه.
– بسبب تحالف محور الثورة المضادة (دول الخليج العربي) مع أمريكا والغرب في إسقاط صدام حسين، إستطاع أن يكسب المحور الإيراني مرجعيتين أساسيتين كان الإشراف عليهما عربي:
– أ: الحوزات العلمية ومختلف المزارات الشيعية (بالنجف و كربلاء و غيرهما) لما لهما من قدسية عند المسلمين الشيعة.
– ب: المقامات القادرية ومرجعية الطريقة القادرية، لما لها من رمزية عند المسلمين من أغلب الطرائق الصوفية السنية.
إن هذه الرمزية الأخيرة خلقت له بيئة خصبة لنشر المذهب الشيعي في الساحة الإفريقية ذات الانتماء الصوفي المتعلق بحب آل البيت لمقارعة المذهب السلفي (الذي يعتمد عليه محور الثورة المضادة)، والذي يناقض التدين المذهبي الصوفي بإفريقيا، زِد على ذلك امتلاكها لورقة رمزية عند عموم العرب و المسلمين، ويتعلق الأمر بالعلاقة مع القضية الفلسطينية، وضعت الدولة كل ثقلها الإعلامي والمادي واللوجستي و كذا كل خطب رموزها فارتبطت بهذه القضية فتستغله وتدخل به كل بيت مسلم مرتبط بالدفاع على الأقصى الشريف، لتوصف نفسها بأنها المدافع الوحيد على هذه القضية.

ثانيا : محور دول الاعتدال
إن هذا المحور و الذي بدأ يطلق مصطلحه الأول عموما بعد سقوط بغداد على دول: مصر و الأردن والسعودية والإمارات، و السلطة الفلسطينية، إلا أنها في الحقيقة تشمل كل الدول الحليفة لأمريكا أو التي ترقى لعلاقات إستراتيجية معها، وبالتالي تشمل معظم دول الخليج العربي (مع بعض التباينات أو الاستثناءات من الراعي الأمريكي) والدول التي تربطها بإسرائيل اتفاقات سلام.
إن هذه الدول بقت إلى حد كبير متناغمة مع بعضها ومع أسس السياسة الأمريكية بالمنطقة فيما يسمى بشرق أوسط جديد (باستثناء مناكفات تتم بين الحين والآخر بين السعودي والقطري، والقطري والمصري، لا تؤثر على التوجيه العام للسياسة الأمريكية في المنطقة، بل لربما حاجة أمريكية للتنفيس في الساحة الملتهبة)، إلا أنه وبمجئ حراك الربيع العربي وسقوط الرئيس حسني مبارك، انكفأ هذا المحور على ذاته ودخل بنوع من السبات، لكن و لشعوره أن حراك الشعوب السلمي إذا أخذ مداه سوف يهدد عروش دول الملوك العربية، لذلك استفاق ما تبقى من دولها وقرر إجهاضه بشتى الوسائل والطرق.
و بالفعل أظهر هذا المحور قدرة كبيرة على الفعل والمبادرة في العديد من الساحات:
– الالتفاف على الثورة اليمنية وفرض الوصاية عليها .
– الانقلاب على الشرعية في مصر .
– الدفع بعسكرة الحراك بكل الساحات ونجحت في ليبيا و لاحقاً بسوريا.
و بالفعل أحدثت جرحا نازفا في اليمن وكذلك في ليبيا وفي سوريا ولايزال ( آخرها إقامة قاعدة عسكرية إماراتية بشرق ليبيا بالمناطق التي يسيطر عليها حفتر).
و كاد أن يحدث مثل ذلك في تونس لولا عناية الله بتدخل الجزائر بحزم بوجه هذا المخطط، الذي كان يستهدف إحداث الفوضى والفلتان فيها، وحقق هذا المحور نجاحات في أكثر من دولة ووضع استهداف خيارات الشعوب والانقلاب عليها في مقدمة أولوياته واهتماماته، وتعفين أغلب الساحات بالاحتراب، وعلى الرغم من خصومته وتنافسه مع المحور الإيراني، إلا أنه لم يجد حرجا في تقاطع المصالح والتنسيق وإيجاد بعض التفاهمات بينهما ببعض الساحات، إلا أن هذا المحور به عدة تنوعات و تعقيدات وخصوصيات وصلت إلى حد التصادم و التنافر أحيانا، بحيث مقارباتهم قبل وفاة الملك عبدالله وبعده لعدة ملفات متباينة و متناقضة وأحيانا متحاربة كما هو الحال:
في الموقف من الربيع العربي وفي حصار غزة و كيفية إعمارها والتآمر على المقاومة، و في إعلانهم أو سرية تحالفات بعضهم مع المحتل الإسرائيلي، وتباين تلك الرؤى بين مكونات هذا المحور عميقة كذلك في الموقف من انقلاب مصر و في ليبيا و في اليمن و في سوريا و مع السيسي في النظرة لفتنة سوريا ( إذ أن مصر ترى فيه تهديدا للاستغناء عن جزء من فعالية قناة السويس لو تم إمداد أنابيب الغاز و النفط الخليجي عبر سوريا إلى المتوسط)، و كذا في ملف الصحراء الغربية وكذا حول تركيا قبل الانقلاب وبعده و في القرن الإفريقي و غير ذلك،
وحيث أن رأس الحربة في هذا المحور هو المملكة السعودية يجب التسجيل أن دورها أصبح يتضاءل و يستغنى عليه على الأقل لستة أسباب:
– أ : مشكلتها الداخلية بحيث مستقبل الحكم غامض لحد الآن نتيجة التنافس بين أفراد العائلة في كيفية انتقال الحكم بين الآباء و الأبناء و بين الأبناء و الأبناء (رغم الوضوح و الحسم الظاهري مؤخرا).
– ب : توسيع دائرة فعلها مما شتت جهدها على جميع الساحات (مصر، اليمن، ليبيا، سوريا، البحرين، العراق، لبنان، الصحراء الغربية ،تركيا وحماية نظام المماليك بتوسيع مجلس التعاون الخليجي ليضم الأردن و المملكة المغربية، و مع إيران و روسيا في حرب أسعار النفط، و أخيراً الأزمة مع قطر و غير ذلك ..).
– ج : تراجع أسعار النفط وتدهور الوضع الاجتماعي والاقتصادي للملكة وازدهار اكتشافات الغاز الصخري والطاقات الجديدة كبديل مستقبلي لنفط المملكة.
– د : إعلانها لموقفها المبدئ المعادي لما يسمى بالإسلام السياسي أو الحركة الإسلامية عموما عدا الوهابية السياسية، و المداخلة، جردها من تأثيرها في قطاعات واسعة في الساحات العربية و كذا الإسلامية، كما أفقدها حليفا سنيا مؤثرا يمكن أن يكون بجنبها.
– ه : المناكفئة المستمرة مع إمارة قطر و تباين وجهات النظر، و حرص الإمارة على توظيف نظرتها و تسويقها عبر قناة الجزيرة الواسعة الانتشار .
– و : بعدما كانت الوهابية السياسية تشكل مرتكزا لتثبيت أركان حكم العائلة السعودية منذ نشأت المملكة أصبحت تدريجياً تشكل عبأ على المملكة و خطرا على أمريكا و التي طلبت رسميا من المملكة بضرورة تحجيمها والإسراع بإنهائها لأربعة أسباب أساسية:
أولا: صارت الوهابية السياسية متهمة وتُحَمَّلُ المسؤولية بأنها هي من أوجدت بيئة فقهية مشرعنة للإرهاب و التطرف.
ثانيا: تزويدها لجميع ساحات الاحتراب بفيالق من المجاهدين المزعومين خلفيتهم العقدية والفكرية صاغها وبناها هذا المنهج .
وثالثا: الاستغناء عن دور الوهابية السياسيّة الذي كلفت به بعد نجاح الثورة الإيرانية للتصدي للظاهرة الخمينية و افتعال حرب طائفية سنية شيعية.
و رابعا: الانتهاء من الحاجة لتكليفاتها السابقة بإصدار ترسانة من الفتاوي الداعمة لما أوهموا به شباب المسلمين أنه جهاد المقدس ضد التواجد السوفياتي و المعسكر الاشتراكي عموما في أفغانستان والشيشان وفي دول البلقان البوسنة و الهرسك و دول يوغسلافيا سابقا، و حاليا في ليبيا و سوريا، مع ملاحظة أن وجود الحرمين الشريفين على أرض المملكة يعطيها رمزية كبيرة في مرجعية المسلمين عموما وخاصة السنة منهم.
كما وأن هذا المحور استطاع أن يعلن و يقود تحالفين نتيجة هذه الرمزية أي رمزية الحرمين الشريفين و رمزية المملكة، و نتيجة أموال النفط، و هما:
– عاصفة الحزم ضد الحوثي وصالح باليمن، و بالرغم أنها تجاوزت السنتين، إلا أنها لم تأت إلا بالمآسي على شعب اليمن ولم تؤمن المملكة من خطر الحوثي، و لم تمكن هادي من التربع على عرش صنعاء.
– التحالف الدولي الإسلامي ضد الإرهاب تبين لاحقاً بعد مجئ ترامب للملكة، و حسب تصريحات متتالية لوزير خارجية المملكة، تم تعريفه على أن قوى الاإرهاب المستهدفة هي جماعة الإخوان المسلمين و حركة المقاومة الاسلامية حماس و دولة إيران و لواحقها بمختلف الساحات العربية، و قناة الجزيرة، و توجهات إمارة قطر لعلاقتها بهذه المكونات كما صدر من تصريحات الخارجية السعودية.
مع ملاحظة أن عموم دول الثورة المضادة أو دول المماليك هي دول غير ديمقراطية والحكم بها وراثي لا ينبثق عن الاختيار الحر عن طريق الشورى أو الديمقراطية و بأغلب دولها تُصَادرُ فيها الحريات الخاصة و العامة.
– إن دخولها في الأزمة الأخيرة مع إحدى مكونات مجلس التعاون الخليجي أدخل الخلل إلى عمق جغرافيتها، مما يفرض تدخل إرادات دولية لتجاوز الأزمة، يترتب عليه حتما انتهاك لسياداتها، والتي لم تكن محصنة أصلا بشكل كبير.
يتبع..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.