أمرنا الله ورسوله أن نحفظ لساننا من كل ما يضر غيرنا، إلا أن بعضا من أصحاب القلوب الخبيثة والنفوس المريضة والألسن الطويلة، الذين يعانون من مرض خبيث يتجمع فيه الكذب والنفاق والنميمة لتصبح عدوى مجتمعية تعمل بجهد جهيد على تقويض العلاقات الإنسانية السليمة، وإفساد الأخلاق النبيلة، وتدمير القيم الرفيعة، وبالتالي يصعب الفصل بينها، لأنها عناصر ونتائج لمرض واحد، هو ضعف الإيمان الذي يعاني صاحبه من الشعور بالنقص، فيلتجئ إلى الكذب لاستعماله قناعا يخفي وراءه مكره وضعفه، فيضطر إلى النفاق والنميمة، لإفساد العلاقات الاجتماعية وتدمير الروابط الإنسانية التي عجز ذلك النمام ربط مثيلات لها مع الآخرين، وهو يثير نار الفتنة بين الناس، ويزرع الأحقاد بينهم، ليخفف عبر الإسقاطات النفسية عن نفسه بعضا من الآلام والأحزان.أصبح تناول سيرة الغير كموضوع للحديث في غيابه وبشكل يتضمن التجريح به شيء عادي بالنسبة للراوي والمستمع، ولو كان الهدف منها الإساءة إلى الغير وهذا بصرف النظر عن المعتقد ودرجة التطور، فهي موجودة لدى جميع الثقافات وإن بأشكال ودرجات متفاوتة، كما أنها فعل يمارسه النساء والرجال، المتعلمون وغير المتعلمين، الموظفون والعاطلون. فقد تكون على شكل نقد جارح، أو وشاية بفعل الغيرة والحسد. وتؤدي ممارستها بشكل مستمر ومنتظم إلى أن تصبح حالة مرضية يعاني منها الفرد بحيث تشبه وضعية الإدمان التي لا يستطيع صاحبها التحرر منها ولو شاء ذلك.وفي هذا الإطار حاولت الاتحاد التعرف على درجة التمايز بين النساء والرجال بخصوص هذه الظاهرة من خلال آراء المواطنين من كلا الجنسين فاستنتجنا أن مؤشر الظاهرة كان فيما مضى أكثر لدى النساء منها لدى الرجال، ولدى العاطلين عن العمل أكثر من الموظفين، ولكن اليوم المؤشر شمل العامل والعاطل، الرجل والمرأة، وحتى الأطفال وفي هذا الصدد يقول جهيد بن موسى أخصائي نفسي ومرشد اجتماعي: دكتور إلى ماذا تؤوبون ظاهرة النميمة والنفاق؟ تعود ظاهرة النميمة والنفاق إلى طبيعة المحيط والتنشئة الاجتماعية و الذي ينشئ فيه الفرد ولازمت الإنسان في كل زمان ومكان، وفي مختلف القطاعات والميادين، حتى أصبحت ثقافة سلبية في المضمون والأبعاد والأهداف، فهدمت عوائل وفرقت أحبة، وأساءت إلى أعراض الناس وشرفهم، وقطعت صلات الأرحام، حتى القتل في بعض الأحيان. لماذا أصبحت النميمة أسلوبا تواصليا يصعب مقاومته؟ يقول الرسول صلى الله عليه وسلم "إني لا أخاف عليكم مؤمنا ولا مشركا، ولكن أخاف عليكم كل عليم اللسان، منافق الجنان، يقول ما تعرفون، ويفعل ما تنكرون" فالنمام يشعر بالفرح والاستمتاع لأن النميمة تمنحه الشعور الآني بالسيطرة على الآخر والتحكم به، وينفس عن غيرته وأحقاده وحسده فيشعر بالراحة، فالنميمة تمنحه الفرح.. وهذا الفرح ينم عن مشاكل نفسية لديه لأنه يفتقد للثقة بنفسه والاحترام لذاته، لا يملك من المستوى الفكري والثقافي والخلقي والروحي ما يجعل منه إنسانا حاقد على كل من يفوقه مكانة، لذلك عندما يبدأ بإطلاق الأخبار السيئة ضد الغير، يكون يحاول بذلك تلميع صورته الذاتية وإظهار الإيجابيات في شخصيته ونفسيته ليكسب احترام الآخرين ومحبتهم وتقديرهم له وثقتهم فيه، فالمنافق النمام يضمر في نفسه المريضة الخيانة والغدر، ويعبر عن أحقاده بأساليب ملتوية مقنعة تحت ستائر الجبن والذلة والمسكنة، مطبوعة بألوان الخسة والرذيلة، وهو يطعن بسهام اللؤم نفوس الأبرياء والأصدقاء.. هل تلحق النميمة الضرر بالشخص وما مدى خطورتها؟ بالطبع تسبب هذه الظاهرة المقيتة أضرارا متعددة ومتنوعة تمتد من التجريح بالآخرين الذي يتسبب فيه أفراد يشعرون بالملل والفراغ فيقومون بذلك لقتل الوقت، إلى حالات أخطر تؤدي إلى نتائج وخيمة على الناس ومصالحهم مثل ذلك النميمة بين الأزواج التي قد تؤدي إلى تفكيك الأسر وتخريب البيوت وتشريد الأطفال، لذلك نحن الأطباء نعتبره مرضا نفسيا خطيرا، وبداية لمشاكل لا حصر لها، ومعاناة نفسية لا أحد يتنبأ بعواقبها الوخيمة.. في رأيكم دكتور أي مسرح يعتبر أكثر خصوبة لتفشي النميمة؟ النميمة موجودة في كل المهن والمجالس والمستويات الاجتماعية والثقافية، بين السياسيين والفنانين والعلماء، وبين الجيران وزملاء العمل، إلى ما هنالك. وهذا يعني أن النميمة تجد مسرحا رحبا لها عندما نجد فريقين واحدهما ضعيف والآخر قوي، طرف ناجح والآخر فاشل، فريق متوازن نفسيا وفريق آخر مضطرب. ماهي الطريقة المثلى للحد منها ؟ يكون التصدي بالطريقة المباشرة، وهي بسد الطريق أمام النمام أي أنه لا يجب أن يجد حليفا له لئلا يسترسل في كلامه، وذلك بإخباره بضرورة العمل على تهذيب سلوك الشخص الذي تنقل الأخبار عن لسانه، لذلك من الأفضل سماع الحديث من صاحبه. ونصحه نفسه أن يلتفت لتفعيل المنظومة القيمية التي أودعها الله في داخله، فالقيم تنمو وتكبر بالاستخدام وتضمر وتذبل بالترك والإهمال، ومراجعة ومراقبة النفس ومحاسبتها: قبل النوم، بعد الصلاة، في أوقات الخلوة بها، فمن لا يراقب نفسه لا يتطور ولا يتقدم. كلمة أخيرة دكتور وامتثلوا لقول ربكم عز وجل: "يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين". و اتقوا واحذروا كيد الكذابين والنمامين لكي لا تعيثوا في أرض فسادا، ولا تظلموا أحدا. الغيبة والنميمة خلق من لا خلق له.. أكدت دراسة أمريكية حديثة أن الثرثرة والنميمة لهما بعض الفوائد الصحية والحياتية لدى الإنسان٬ مثل الحد من الإجهاد وتقليل التوتر واعتدال معدل ضربات القلب ومنع السلوك السيء، وانتقال العديد من المعلومات الهامة بين الناس وبعضها من خلال الأحاديث الجانبية سواء في العمل أو البيت أو من خلال الهواتف. وخلص الباحثون عموما إلى أن الأشخاص الأكثر ميلا للبوح بالمعلومات هم أكثر صحة وتكون حالتهم الذهنية أفضل من هؤلاء الذين لا يتحدثون مع الآخرين عن مشاكلهم وهمومهم الحياتية.ولكن مهما أوتي من أبحاث واكتشافات يبقى كلام الله عز وجل جلاله هو الأسبق عن الغيبة والنميمة بأنها تدمر حيوات وتنهي مصائر إنسانية وتطعن في شرف المعنى وشرف الحياة. وطبقا لما جاء في التراث الإسلامي الأخلاقي العظيم، فإن رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم كان يمشي مع أصحابه فمروا على قبر، وعلى جانب الطريق جلس نبينا الكريم وبكى! وحينها سأله أصحابه: مِمَّ بكاؤك يا رسول الله؟ فقال: «إن في هذا القبر (وأشار إليه) رجلا يتعذب لأنه كان كثير الغيبة والنميمة في حياته»، وحينها أحضر النبي الكريم صلى الله عليه وسلم سعفة وغرسها على القبر، ولما سئل عن ذلك أجاب بأن العذاب يخفف عن صاحب القبر مادام السعف أخضرا، ومن هذه الرواية، يتبين لنا أن الدين الإسلامي حذر من الحسد والغيرة والنميمة، وبينهما علاقة وثيقة قطعا، لأن هذا المثلث يعكس سوء الحالة النفسية للإنسان، وهي إن اجتمعت في قلب الإنسان تدهورت حياته.