الفريق أول السعيد شنقريحة يؤكد: يجب التيقظ والاحتراس و تنفيذ المهام بدقة وصرامة    ممثلا لرئيس الجمهورية: العرباوي يشارك في قمة المؤسسة الدولية للتنمية بكينيا    وزارة التربية تضبط ترتيبات العملية: تعليمات بتسجيل التلاميذ الجدد في المدارس القريبة من الإقامة    بعد الإعلان عن خفْض الفوائد البنكية على قروض الاستثمار: قرارات الحكومة تريح المستثمرين    سونلغاز تفتح أزيد من 550 منصب شغل بولايات الجنوب    لموقفها الداعم لحق الفلسطينيين قولا وفعلا: هنية يعبر عن إجلاله وإكباره للجزائر    حراك الجامعات الأميركية يمتد إلى كندا وأوروبا وآسيا    بعد مسيرة تحكيمية دامت 20 سنة: بوكواسة يودع الملاعب بطريقة خاصة    3 تذاكر ضاعت في نهاية الأسبوع: الثنائي معمري يرفع عدد المتأهلين إلى دورة الأولمبياد    تهيئة عدة شوارع للقضاء على مظاهر الترييف: 110 ملايير لربط 1300 سكن بالكهرباء في الطارف    لحماية سكيكدة من الفيضانات: وزير الري يوافق على تسجيل مشروع سد بوشطاطة    وزيرة التضامن كوثر كريكو: الجزائر وفرت الآليات الكفيلة بحماية المسنين    مختصون يشرحون آليات التدخل ويقترحون حلولا    عون أشرف على العملية من مصنع "نوفونورديسك" ببوفاريك: الجزائر تشرع في تصدير الأنسولين إلى السعودية    القضاء على إرهابي بالشلف    الجزائر بقيادة الرئيس تبون تساند فلسطين قولا وفعلا    لأول مرة في الجزائر: «اتصالات الجزائر» ترفع سرعة تدفق الانترنت إلى 1 جيغا    الجزائر حققت نجاحات كبيرة للقضية الفلسطينية بمجلس الأمن    اتحاد العاصمة لم يلعب مقابلة أمس    دور الجزائر سمح بتحقيق نجاحات دبلوماسية كبيرة لصالح فلسطين    يعيشون وضعية صعبة مع فرقهم: قبل توقف جوان.. 3 لاعبين يثيرون المخاوف في صفوف "الخضر"    الجزائر-قطر..علاقات متميّزة وتوافق حول أمّهات القضايا    إبراز دور وسائل الإعلام في إنهاء الاستعمار    اتفاق على استمرار وتوسيع التشاور مع باقي الفصائل الفلسطينية    تخوّف من ظهور مرض الصدأ الأصفر    الإنتاج الفكري والثقافي محرك النمو الاقتصادي    الجزائر تصدّر أقلام الأنسولين إلى السعودية    مدربون سعوديون لتكوين أعضاء بعثة الحج لأول مرة    العثور على الشاب المفقود بشاطئ الناظور في المغرب    سارقا أغطية البالوعات في قبضة الشرطة    راتب بن ناصر أحد أسباب ميلان للتخلص منه    "العايلة" ليس فيلما تاريخيا    عائد الاستثمار في السينما بأوروبا مثير للاهتمام    "الحراك" يفتح ملفات الفساد ويتتبع فاعليه    مواجهة كل من يسيء للمرجعية الدينية ولثورة نوفمبر    مخلفة خسائر في الأرواح والمعدات في صفوف قوات الاحتلال: الجيش الشعبي الصحراوي يستهدف قواعد عسكرية مغربية    مولودية الجزائر تقترب من اللقب و"الكناري" يبتعد عن الخطر    مدرب ليون الفرنسي يدعم بقاء بن رحمة    قسنطينة: دخول "قريبا" فندق سيرتا العمومي حيز الخدمة بعد إعادة تهيئته    بطولة إفريقيا لكرة الطائرة/ سيدات: فوز مشعل بجاية مام آسيك ميموزا الإيفواري    15 جريحا في حوادث الدرجات النارية    تعزيز القدرات والمهارات لفائدة منظومة الحج والعمرة    التراث.. ثابت في مكوّنات الهوية الوطنية    مهرجان عنابة للفيلم المتوسطي: انطلاق ورشات تكوينية في مهن السينما لفائدة 70 شابا    برج بوعريريج.. 7 مخازن عملاقة لإنجاح موسم الحصاد    باتنة: إجراء عمليات زرع الكلى بحضور أطباء موريتانيين    الصحراء الغربية: إبراز دور وسائل الإعلام في إنهاء الاستعمار خلال ندوة بالإكوادور    قسنطينة: السيد ديدوش يعاين عديد المشاريع الخاصة بقطاعه    الجزائر الجديدة.. إنجازات ضخمة ومشاريع كبرى    الصهاينة يتوحّشون في الضّفة    استئناف حجز التذاكر للحجاج المسافرين مع الديوان الوطني للحج والعمرة بالنسبة لمطار أدرار    غرداية : اقتراح عدة معالم تاريخية لتصنيفها تراثا ثقافيا    نطق الشهادتين في أحد مساجد العاصمة: بسبب فلسطين.. مدرب مولودية الجزائر يعلن اعتناقه الإسلام    مباشرة إجراءات إنجاز مشروع لإنتاج الحليب المجفف    لو عرفوه ما أساؤوا إليه..!؟    أهمية العمل وإتقانه في الإسلام    مدرب مولودية الجزائر باتريس يسلم    دروس من قصة نبي الله أيوب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



1957 هي سنة الميلاد الفعلي لهذا النظام
الرائد عز الدين، نائب بومدين في قيادة أركان الثورة، ل''الخبر''
نشر في الخبر يوم 03 - 07 - 2012


بومدين كان يحضّر للسيطرة على الحكم منذ 1960
قال رابح زراري، المدعو الرائد عز الدين، نائب قائد الأركان خلال الثورة التحريرية، إن الشرعية الثورية يمثلها المجلس الوطني للثورة، مشدّدا على أنه لا يمكن نزع الشرعية التاريخية من مجموعة ال22، معتبرا أن أول انقلاب قام به العسكريون ضد السياسيين كان في مؤتمر القاهرة في 1957 الذي اعتبره تاريخ ميلاد النظام الحالي.
كيف استطاع بومدين، في ظرف وجيز، أن يسيطر على معظم أفراد جيش التحرير ويسحب السلطة من تحت أقدام الباءات الثلاثة الأقوياء (بلقاسم، بوصوف وبن طوبال)؟
خلال انعقاد المجلس الوطني للثورة في طرابلس ما بين ديسمبر 1959 وجانفي 1960، أقرّ إنشاء هيئة الأركان العامة في 6 جانفي 1960، ووضع على رأسها العقيد هواري بومدين كمسؤول سياسي عسكري ومعه ثلاثة نواب: فايد أحمد، علي منجلي وعز الدين زراري، وأخذنا مسؤولياتنا، وتمركزنا في غارديماو (بلدة تونسية قريبة من الحدود الجزائرية). وقبلها، كان العقيد هواري بومدين على رأس قيادة التنظيم العسكري ((COM للغرب، فيما عيّن العقيد امحمدي السعيد على رأس قيادة التنظيم العسكري للشرق.
لكن الدكتور عمار بوحوش يشير إلى أنه بعد حلّ لجنتي التنظيم العسكري للشرق والغرب، تم تشكيل قيادتي أركان في الشرق والغرب بنفس قيادة ''كوم''، قبل أن يتم توحيدهما في قيادة الأركان العامة، هل تؤكد هذا الكلام أم تنفيه؟
لم يكن هناك قيادة أركان للشرق ولا قيادة أركان للغرب، وإنما كانت هناك ''كوم'' الشرق و''كوم'' الغرب، وبعدها تشكيل قيادة الأركان العامة. وهناك، قمنا بعمل استثنائي في تنظيم الجيش، حيث كانت هناك فوضى عارمة في الشرق، وقمنا بإنشاء مدارس سياسية وعسكرية للجيش.
ما هي أسباب الخلاف بين بومدين والباءات الثلاثة؟
كانت الخلافات تتعلق بتسيير الثورة، والقيادة والمال. وصراحة، كانت خلافات شكلية، فمن غير المعقول أن يطلب من وزير الدفاع، كريم بلقاسم، أن ينام في كوخ مثل بقية المجاهدين ولديه مسؤوليات خارجية. ولكن النقطة التي أفاضت الكأس، عندما قامت طائرة حربية فرنسية بقصف معاقلنا في ملاق (الحدود التونسية الجزائرية)، فقمنا بالدفاع عن أنفسنا والرد عليها فأسقطناها، ولكن طيّارها نجا، وهو الملازم أول ''فايار''، وكنت حينها مع بومدين في ''غارديماو''، فلما سمع بأسر الطيار، ذهب في السيارة إلى ملاق وبقيت في غارديماو، فرنّ الهاتف فأجبت، وكان على الخط فرحات عباس، وطلب أن يكلم بومدين، فأخبرته أنه غير موجود، فقال: علمت أنكم أسقطتم طائرة وأسرتم طيّارها، يجب أن تطلقوا سراحه حالا وتسلموه للسلطات التونسية، فقلت: ربما يكون قد مات. فقال: لا، لم يمت. فقلت له: عضو قيادة الأركان معكم. فرد علي: السلطات التونسية أعلمتنا أنه لم يمت. وبدأت السلطات الفرنسية تضغط علينا، فوضعوا الحواجز الأمنية وحاصرونا، وقطعوا عنا الماء والمؤن.
هل وقعت صدامات حينها بين جيش الحدود والحرس الوطني التونسي؟
لم تحدث أي اشتباكات، كما أن جيش التحرير كان أقوى من القوات التونسية، عددا وتدريبا، وقمنا حينها بتحريك وحداتنا القتالية في استعراض للقوة. ولما عاد بومدين إلى مقر قيادة الأركان، أخبرته بما دار بيني وبين فرحات عباس، وحينها، رنّ الهاتف مجدّدا، فكان على الخط فرحات عباس، فأعطيت سماعة الهاتف لبومدين، فقال له فرحات: يجب تسليم الطيّار الفرنسي للسلطات التونسية حالا، بسبب الضغط الفرنسي الكبير على الحكومة التونسية، ولا تنسوا ماذا فعلوا في ساقية سيدي يوسف (مجزرة مروّعة ارتكبها الطيران الفرنسي في حق التونسيين والجزائريين). فقال له بومدين: قال لكم سي عز الدين مات، يعني مات.
أعطني جثته.
أحرقناها.
أعطنا جثته المحروقة.. لدينا معلومات أنه حيّ.
وهل تصدق التوانسة أو تصدق قائد الأركان؟
وتفاقمت القضية بين الرجلين، وتحوّلت إلى أزمة.
لماذا لم تقولوا الحقيقة لمسؤوليكم السياسيين؟
لأننا لم نكن نريد تسليم الطيّار، ولكننا كنا حينها على خطأ، فالطيار الفرنسي سقط على الأراضي التونسية، والحكومة التونسية لها كل السيادة على أراضيها، وبالتالي كان من المفروض أن نسلمهم الطيّار. ولكننا لم نفكر في عواقب الأمور، لأننا كنا نتكل على قواتنا وعلى ثورتنا.
وكيف اضطرت هذه القضية بومدين ومعه هيئة الأركان إلى الاستقالة؟
في الصباح الباكر، قدمت سيّارة إلى ملاق، تقلّ مسؤولين كبيرين في الثورة، هما عبد الحفيظ بوصوف، وزير التسليح والاتصالات (المخابرات)، ولخضر بن طوبال، وزير الداخلية، فاستقبلتهما بمقر قيادة الأركان، ثم قالا لي: جئنا لنأخذ الطيّار. فقلت لهما: قال لكما سي بومدين مات. فضحك بوصوف وقال لي: سي عز الدين، الطيّار في ملاق، وهو موجودة في الزنزانة رقم... وأضاف: ستذهب إلى ملاق، وأخبر النقيب عبد المؤمن (مسؤول مركز ملاق العسكري) ليسلمنا الطيّار. وشخصيا، لم أكن أعلم برقم الزنزانة، ولكني أمسكت الهاتف وكلمت النقيب عبد المؤمن وقلت له: إذا جاءك (بوصوف وبن طوبال)، سلمهما المحبوس. فقال لي عبد المؤمن: يجب أن تعطيني أمرا مكتوبا. فقلت له: سيأتيانك ومعهما الأمر المكتوب. وذهبت إلى بومدين وأخبرته بالأمر، وقلت له: بإمكاني إلغاء الأمر. فقال: لا. وقرّر بومدين، حينها، أن نستقيل دون أن نستقيل.
كيف استقلتم دون أن تستقيلوا؟
استدعينا قادة المنطقة الشمالية (جيش الحدود في الجبهة الشرقية)، والتي كان يقودها النقيب عبد الرحمان بن سالم، ومعه كل من الشاذلي بن جديد (أصبح رئيسا للجزائر)، وعبد الغاني (أصبح قائدا للناحية العسكرية الرابعة ثم رئيسا للحكومة)، وشابو (صار أمينا لوزارة الدفاع)، وقادة المنطقة الجنوبية بقيادة صالح السوفي (تولى قيادة الناحية العسكرية الثالثة)، ونائبيه السعيد عبيد (أصبح قائدا للناحية العسكرية الأولى)، وأقصى الجنوب بقيادة محمود فنز (أصبح وزيرا للمجاهدين)، وقائد قوات الحدود ''سي دي آف''، سي موسى بن أحمد (عيّنه رئيس الحكومة المؤقتة غداة الاستقلال قائدا للأركان خلفا لبومدين، لكن جيش الحدود رفض الخضوع له). واجتمع بومدين مع هؤلاء القادة، وقلنا لهم: ''لقد استقلنا''، وأضفنا: ''إياكم أن يرسلوا لكم شخصا ليقودكم''. وشكلنا لجنة قيادة جماعية، ويكون الاتصال عبر اللجنة التقنية المشكلة من زرفيني، هوفمان، بوتلة (من الضباط الفارين من الجيش الفرنسي والمقرّبين من بومدين)، وهؤلاء كانوا يعرفون دائما أين نكون.
أين توجهتم بعد استقالتكم؟
ذهبت وبومدين إلى ألمانيا للاتصال بفيدرالية فرنسا ومسؤولها عبد الكريم سويسي، وذلك لتوضيح أسباب الأزمة، والتي أدت إلى عقد اجتماع استثنائي للمجلس الوطني للثورة. وخلال هذا الاجتماع، تحدثنا عن أزمة قيادة الأركان، ودافعنا عن موقفنا، رغم أننا كنا نعرف بأنه ليس لدينا حق. وحينها، لاحظت أننا ذهبنا بعيدا في معارضتنا للحكومة المؤقتة. وبدأ بومدين من حينها يفكر في السيطرة على السلطة، باستعمال أحد الزعماء الخمسة، ولم أسانده في طموحاته هذه، فقلت خلال اجتماع المجلس الوطني: ''سأدخل إلى الجزائر لأكافح ل''واس'' (منظمة الجيش السري) التي ارتكبت جرائم كثيرة في العاصمة، فجذبني بومدين من سروالي لأصمت لأنني لم أشاوره في هذه الفكرة، فقد كنت ضد المؤامرة للحصول على السلطة.
متى وقع هذا الاجتماع الاستثنائي لمجلس الثورة؟
في ماي 1961 في فندق ''مياري''، كان مجلسا ديمقراطيا بمعنى الكلمة. ففي كل اجتماع، كان فرحات عباس يضع استقالته لدى كتابة المجلس الوطني للثورة، في انتظار تجديد أعضاء المجلس ثقتهم فيه، وفي العديد من المرات، كانت هناك محاولات للإطاحة به من رئاسة الحكومة المؤقتة (أنشئت في 19 سبتمبر 1958) ولكنها فشلت، وكان يجدّد فيه الثقة في كل مؤتمر، باستثناء هذا المؤتمر (طرابلس ماي 1961)، والذي تمت الإطاحة به وانتخاب بن يوسف بن خدة رئيسا للحكومة المؤقتة، وهذا ما لم يتقبله عباس نهائيا، وهذا ما يفسر وقوفه في صف بومدين والجيش ضد بن خدة في أزمة صائفة .1962 فقد كان موقفا شخصيا ضد بن خدة، رغم أن الديمقراطية تقتضي قبول الصندوق، مهما كانت النتائج.
كانت هناك أزمة شرعية بعد الاستقلال. برأيك، من كان يملك الشرعية التاريخية لقيادة الجزائر، بن بلة الذي كان آخر قائد للمنظمة الخاصة، أو بوضياف أول منسق عام للثورة، أو بن خدة آخر رئيس للحكومة الجزائرية المؤقتة؟
الشرعية التاريخية كانت بين يدي المجلس الوطني للثورة، وأعطى جزءا من شرعيته للحكومة المؤقتة. ولكن هاتين الشرعيتين قتلتا في آخر مجلس وطني للثورة في مارس 1962، والباءات الثلاثة (كريم بلقاسم، وزير القوات المسلحة ونائب رئيس الحكومة، عبد الحفيظ بوصوف، وزير التسليح والاتصالات ''المخابرات''، ولخضر بن طوبال، وزير الداخلية) كانوا يمثلون الشرعية التاريخية، لأنهم من فجروا الثورة، فبوضياف وكريم بلقاسم كانوا يرون أنهم مدعومون من الولايات الثانية والثالثة والرابعة، ومعهم فيدراليات جبهة التحرير في فرنسا وتونس والمغرب، ولكن كان هذا على الورق، لأن بومدين كان على رأس جيش منظم ومنضبط، يضم أكثر من 30 ألف مقاتل مسلحين بشكل جيد، ولم ترهقهم الحرب كثيرا، وأكثر من ذلك، كانوا مدعومين من الولايات الأولى والخامسة والسادسة. ولكن الباءات الثلاثة خرجوا من داخل الجزائر، وضعف نفوذهم على جيش التحرير، والولايات المدعمة لهم خرجت من الحرب منهكة القوى، خاصة بعد أن تعرّضت لعمليات شال بداية من .1958
إذن، تم الاحتكام إلى شرعية القوة، وليس حتى إلى الشرعية التاريخية، للوصول إلى الحكم؟
الميلاد الأول لهذا النظام كان في اجتماع القاهرة في 1957 بعد مؤتمر الصومام في 20 أكتوبر 1956 الذي أطلق المبادئ الكبرى للثورة، والمتمثلة في أولوية السياسي على العسكري وأولوية الداخل على الخارج والقيادة الجماعية، وكانت لجنة التنسيق والتنفيذ تضم 5 أعضاء (القيادة العليا للثورة)، 4 مدنيين (عبان رمضان، العربي بن مهيدي، بن يوسف بن خدة، سعد دحلب)، وواحد عسكري (كريم بلقاسم).
ولكن العربي بن مهيدي كان قائدا للولاية الخامسة وهران، معناه أنه كان عسكريا، فلماذا اعتبرته سياسيا؟
العربي بن مهيدي كان مسيّرا، ولم يقد أبدا الولاية الخامسة. ولكن ما حدث في اجتماع المجلس الوطني للثورة في القاهرة في 1957 ألغيت أولوية الداخل على الخارج وأولوية السياسي على العسكري، وأصبحت لجنة التنسيق والتنفيذ تضم 9 أعضاء بدل خمسة، ولكن عدد العسكريين أصبح أكبر من عدد السياسيين (5 مقابل 4)، وأصبح أعضاء مجلس كل ولاية أعضاء في المجلس الوطني للثورة تلقائيا، وبهذه الطريقة تقوى الباءات الثلاثة، لأن كل عضو في المجلس له صوت، بينما الباءات الثلاثة كان لكل منهم أربعة أصوات إضافية، تمثل وكالات أعضاء مجلس الولاية التي يقودها، وبالتالي أصبح لكل واحد فيهم 5 أصوات، مقابل صوت واحد لكل عضو في المجلس.
سأعيد عليك نفس السؤال الأول: كيف استطاع بومدين أن يستحوذ على السلطة من الباءات الثلاثة الأقوياء؟
في 1960 أسسنا قيادة الأركان، وفي 1961 أصبح الجيش منظما وتحت سلطة قيادة الأركان، فمن كان حينها يستطيع مواجهة قيادة الأركان. وخلال أزمة الطيّار، سألت بومدين: ماذا لو قطعوا علينا المال والمؤونة؟ فقال لي: لدي 5 ملايير فرنك فرنسي. وهذا المبلغ الكبير الذي احتفظ به بومدين لم يكن لاستعماله الشخصي، ولكن هذا يؤكد أنه كان يفكر في السيطرة على الحكم، فأول انقلاب (عسكري) على الحكم كان في 1957، والانقلاب الثاني كان في .1962
ألم يكن بن بلة سياسيا ويمثل الشرعية التاريخية، بحكم أنه كان آخر قائد للمنظمة الخاصة التي منها اندلعت الثورة، كما أنه أول من تلا بيان أول نوفمبر في إذاعة صوت العرب في القاهرة، وقرّر في 3591 مع بوضياف ومحساس في باريس التحضير لتفجير الثورة؟
الشرعية الثورية كانت للمجلس الوطني للثورة، ولا يمكن نزع الشرعية الثورية من مجموعة ال22، والمنظمة الخاصة ليست هي الشرعية، كما أن أول نوفمبر ليس انطلاقة الثورة، ولكنه نقطة نهاية مرحلة بالنسبة للحركة الوطنية بعدد كبير من التضحيات، كانت نتيجتها أول نوفمبر. الجزائر: حاوره مصطفى دالع



الدكتور ناصر جابي ل''الخبر''
عادت الشرعية الثورية عندما شكّك الإسلاميون فيها

يعتقد الدكتور ناصر جابي أن الجزائر هي البلد الوحيد في العالم الذي مازال يُنظر فيها للشيخ، الذي وصل عمره إلى ستين، على أساس أنه لازال شابا صغيرا لا يمكن الثقة في قدراته. وقال جابي، الذي يدرّس علم الاجتماع السياسي بجامعة الجزائر، في حديث مع ''الخبر'': ''إن المواطن في الجزائر يبقى إنسانا طائشا، حتى وإن كان عمره ستين سنة، فقط لأنه لا يملك نصيبا من الشرعية الثورية''.
هناك أطراف تؤكد على ضرورة بقاء الشرعية الثورية كمرجعية أساسية، هل توافق هذا الرأي؟
لا أعتقد أن هذا وارد بالنسبة للأغلبية الساحقة من الجزائريين الذين ولدوا بعد الاستقلال، ويريدون، بكل تأكيد، إنتاج شرعيات جديدة لا تعتمد على الماضي، مهما كان هذا الماضي، بل تعتمد على الحاضر، وعلى منجزات العصر. علما بأن الإفراط في استعمال هذه الشرعية، التي كانت ايجابية في مرحلة سابقة، ولم تعد كذلك، هو إهدار لقيمها وتشويه لصورة جيلها التي يمثلها. تماما مثلما أن استعمال الدين في السياسة يشوه الدين نفسه، ولا يفيد السياسة.
كيف تبدو لك الاستعمالات السياسية للشرعية الثورية الآن؟
هناك إفراط وشطط في استعمال هذه الشرعية، المرتبطة بتجربة جيل وبمرحلة تاريخية محددة. علما بأن هذه الشرعية قد تمت العودة لها عندما قام التيار الإسلامي الجذري بالتشكيك فيها، مستعملا فئات شابة من الجزائر تنظر بسلبية إلى الجيل الذي احتكر السياسة، واحتكر التاريخ، وتمظهر بهذه الشرعية التاريخية. العودة إلى هذه الشرعية، التي تمت في إطار أزمة الوطنية، كعقيدة، بعد أن انغلقت على نفسها، ولم تعرف كيف تتجدد، وسيطرت عليها تيارات محافظة، ما جعلها تبدو بعيدة عن عكس التحولات التي عاشها المجتمع الجزائري نفسه.
هل تشكّل الشرعية الثورية عقبة أمام ميلاد فضاء سياسي ديمقراطي؟
بكل تأكيد، فالجيل الذي لازال يتكلم باسم الشرعية الثورية ''عقّد'' كل الأجيال الشابة، التي أصبحت من دون مهام تاريخية تنجزها. فقد قاد هذا الجيل، طويل العمر من الناحية السياسية، الحركة الوطنية وثورة التحرير ومرحلة بناء الدولة.. الخ، ولازال يسيطر سياسيا، لدرجة أن الجزائر هي البلد الوحيد في العالم الذي مازال يُنظر فيها للشيخ، الذي وصل عمره إلى ستين، على أساس أنه لازال شابا صغيرا، لا يمكن الثقة في قدراته. فأنت إنسان طائش في الجزائر حتى وإن كان عمرك ستين سنة. فالجيل الحاكم مازال ينظر إلى كل الأجيال الأصغر منه كأطفال، لا حق لهم في التسيير السياسي، ولا في اتخاذ القرار.
هل عجز جيل نوفمبر عن تقديم بديل للشرعية الثورية؟
ما سميته أنت جيل الشرعية الثورية، من مصلحته، ومن مصلحة الجزائر، أن ينظّم ابتعاده عن مركز القرار السياسي والرمزي. فهو جيل أنجز ما عليه. كانت له انتصارات أكيدة، مثل تحقيق الاستقلال وبناء الدولة في مراحلها الأولى، لكنه، الآن، يعيش الوقت بدل الضائع. الأحسن أن يصفّر لنفسه ويغادر الملعب، وينظّم مغادرته، أو يفرض عليه المغادرة في ظروف سيئة جدا، وليست لصالح البلاد، ولا لصالحه، ولصالح الفكرة الوطنية التي يجب أن تتعصرن، وتنفتح على العالم إذا أرادت العيش والاستمرار مع الجزائريين. الوطنية التي يجب أن ترتبط بالحاضر والمستقبل، وبمنجزات العصر إذا أرادت أن تغري الجزائريين بتبنيها. الجزائر: حاوره حميد عبد القادر


زهور ونيسي ل''الخبر''
الشرعية التاريخية انتهت ولابدّ من تسليم المشعل

المرحلة الحالية تحتاج إلى كفاءات أخرى

قالت المجاهدة، والوزيرة سابقا، زهور ونيسي ل''الخبر'' ''إنني لا أتحرج أن أقول إن الثورية التاريخية قد انتهت، وليسلّم المشعل للأجيال الأخرى''، وتابعت ''الحياة مراحل وتاريخ وأحداث: ولما يقول الرئيس انتهت الشرعية المستمدة من التاريخ فهذا يعني أنها انتهت، من حيث الممارسة. لكن لابدّ من تواصل الأجيال''، مضيفة أن هذه الأجيال ''التي ربيناها نتمنى أن تحترم قيم الثورة التي جاءت بالاستقلال''.
أوضحت المجاهدة زهور ونيسي أن جيل الثورة قد ينقرض كرجال، ولكن مبادئ ثورة نوفمبر لا يمكن أن تقتصر على الذين يموتون من جيل الثورة، بل لا بدّ أن تحملها الأجيال الأخرى.
واعتبرت زهور ونيسي أن مطالبة الشعوب العربية بالتغيير لا يتعارض مع فوز جبهة التحرير الوطني بالأغلبية البرلمانية في التشريعيات الأخيرة، معتبرة أن التغيير، في حد ذاته، ضرورة، مشيرة إلى أن حزب جبهة التحرير الوطني، الذي فاز بأغلبية المقاعد البرلمانية في التشريعيات الأخيرة، ليس فيه المجاهدون فقط، بل فيه أجيال أخرى، مشددة على ضرورة عدم ربط حزب جبهة التحرير بالعمر فقط، متسائلة ''لماذا لا يكون التغيير داخل جبهة التحرير نفسها؟''.
ورفضت زهور ونيسي ما ذهب إليه بعض الاقتصاديين من أن الشرعية التاريخية برّرت إقصاء الكفاءات وتهميشها، ما أدى إلى تأخّر الجزائر، ولكنها أوضحت أن هناك إطارات ليست قادرة على التسيير، رغم امتلاكها للمعرفة، وفي الوقت نفسه هناك مجاهدون، وإن لم يتكونوا في معاهد عليا، إلا أنهم أثبتوا كفاءتهم في التسيير، غير أنها في الوقت ذاته شددت على أن ''المرحلة الحالية تحتاج إلى كفاءات أخرى، تختلف عن المراحل السابقة، وإلا سنكون في المؤخرة''. وأشارت الوزيرة السابقة للتربية والتعليم إلى أنها، بعد استقلال الجزائر، رفضت أن تكون عضوا في المجلس التأسيسي لما عُرض عليها وفضلت الالتحاق بالجامعة، مضيفة أنها لم تكن، حينها، تملك الكفاءة لتكون في المجلس التأسيسي، ملمحة إلى أنها لم تتولى منصب وزيرة (أول امرأة جزائرية تصل إلى هذا المنصب) إلا بعد أن رأت في نفسها بأنها تمتلك الكفاءة اللازمة للتسيير.
وحول اتهام النظام القائم على الشرعية التاريخية بأنه يشكّل البيئة المثالية لتفريخ الفساد وغياب الرقابة الجدية، قالت زهور ونيسي ''إن السارق يبقى سارقا، سواء أيام الثورة أو بعد الاستقلال''، داعية إلى عدم تعميم الفساد على جيل كامل، مشيرة إلى أن ''الفساد موجود حتى بين الكفاءات الشابة''. وبرّرت بقاء عدد من الشخصيات التاريخية على رأس مسؤوليات عليا، رغم تجاوزهم سن التقاعد، ''بالحرص الكبير عند بعض رجال النظام للحفاظ على مبادئ نوفمبر''، معتبرة أن هذا الحرص مبالغ فيه، ومن المفروض أن تسلّم السلطة للأجيال الشابة، التي يتراوح سنها ما بين 50 و60 عاما، ونسلم السلطة، شيئا فشيئا، خاصة على مستوى الإدارة.
الجزائر: مصطفى دالع

الباحث عروس الزوبير ل''الخبر''
اقتصار الشرعية على الثورة أدى إلى الجمودئ
تساءل الأستاذ عروس، في رده على سؤال ''الخبر'' حول مكانة الشرعية الثورية في النسق السياسي الجزائر، قائلا: ''هل نريد أن نبني وطنا أو نحافظ على النظام؟ إذا أردنا بناء وطن، فالأوطان تُبنى على أساس مراحل تاريخية متعاقبة، ولا يمكن حذف أي حقبة تاريخية، لأن حذفها يؤدي إلى انهيار البناء في حد ذاته. وفي هذه الحالة فإن إهمال كل تاريخ الجزائر، والتركيز فقط على الشرعية الثورية، المرتبطة بحرب التحرير، هو، في حد ذاته، نفي لفكرة بناء المواطنة''. وأدت هذه الظاهرة، حسب الأستاذ عروس، إلى ''غلق إمكانية التغيير بوجوه جديدة. كما أدى ذلك إلى استنساخ النخبة السياسية، على صورة الرواد الأوائل الذين شاركوا في حرب التحرير. إن الشرعية الثورية المستنسخة أصبحت قضية مصالح ووراثة. كأن هذه الشرعية الثورية تحوّلت إلى ريع يُورث، وهذا الريع الموروث هو أحد أسباب الأزمة التي نمرّ بها''.
ويصرّ الأستاذ عروس على إعادة مناقشة مسألة المشاركة في ثورة التحرير، والوثائق المؤسسة لها، دون نفيها. ومناقشتها بجدية، لأن الالتباس بتوظيف الأسس المعرفية للثورة أدى، حسبه، إلى الانزلاق، وأدى إلى التفسير المغلوط. وكل إنسان أصبح يفسر المراجع التأسيسية للثورة حسب هواه، لا حسب مصالح الوطن، وبناء المجتمع الجديد، على سبيل المثال.
وتساءل المتحدث مجددا: ''هل ناقشنا العناصر الأساسية لبيان أول نوفمبر؟ ونقصد، بالذات، الفقرة التي تنص على بناء دولة جزائرية في إطار القيم الإسلامية. أعتقد أننا لم نقم بذلك. فهل نقصد بها قيم التسامح والتعدد، أم نقصد بها القيم الأخرى الكابحة، والتي توظّفها تيارات محافظة؟''.
وخلص عروس الزوبير إلى أنه إذا أردنا بناء وطن فلابدّ من إعادة طرح النقاش، والتركيز أساسا على مبدأ رئيسي، وهو أن الشرعية الثورية التاريخية ليست إرثا يورّث لهذا أو ذاك، وأنها لا تعطي الحق لأي كان أن يتميز عن بقية الجزائريين، لأنها تضحية والتزام تاريخي في فترة تاريخية محددة.
وأضاف: ''ومن ثم لابدّ من الخروج من حالة توظيف هذه المسألة. إن أردنا أن نبني وطنا فعلينا أن نطرح الأسئلة الكبرى حول ذاتنا، حول من نحن، ما هي مرجعياتنا التاريخية، ما هي مكنوناتنا ومرجعياتنا التاريخية الموسعة؟ لا بد من إعادة قراءة إرثنا الثقافي، سواء النضالي أو السياسي. إذا دخلنا في هذا المسار فبإمكاننا القول إننا بدأنا نسلك المسار الصواب لبناء المجتمع المنسجم، المتفتح، القائم على الكفاءة''.
وقد حاولت النخبة، حسب الأستاذ عروس، الذهاب في هذا الاتجاه، ولكن المحاولات كانت فردية غير منظمة، ولم ترقى إلى مستوى بناء الجماعة الأكاديمية أو السياسية المترابطة عضويا، لتصل باجتهاداتها إلى الهدف المنشود.
وكل المجهود كان مجهودا فرديا يقوم على التاريخ الشخصي، ولم يكن اجتهادا ذا طابع جماعي قائم على الاستنتاج المتوافق عليه.
وبخصوص البديل، قال عروس: ''البديل موجود، لكن لابدّ من توفير المحيط المناسب له ليبرز، ويؤدي دوره التاريخي، وهذا الدور قد تقوم به النخب على مستوى مراكز البحث أو الجامعة أو الأحزاب السياسية. ولابدّ من اتخاذ قرار قبل الدخول في حوار شامل، مخطّط له، ومقبول من طرف الذين يسيّرون البلد باسم الشرعية التاريخية''.
الجزائر: حميد عبد القادر



المناضل الفرنسي المعادي للاستعمار، هنري بويو، ل ''الخبر''
الساركوزية انتهجت سياسة احتقار للجزائريين

قال المناضل المعادي للاستعمار، هنري بويو، إنه ما يزال ينتظر إقدام الدولة الفرنسية على تقديم اعتذاراتها للشعب الجزائري. وذكر بويو، في حوار مع ''الخبر''، أن الساركوزية انتهجت سياسة احتقار تجاه الجزائريين. وعرف عن هنري بويو مشاركته في ''حرب الجزائر'' كجندي احتياط، وكان شاهدا على التعذيب الذي مورس على الفدائيين الجزائريين في فيلا ''سوزيني''.
ما هي دوافع مطالبتكم الدولة الفرنسية بتقديم اعتذاراتها نظير الجرائم التي ارتكبتها في حق الشعب الجزائري؟
هذه الخطوة لها صلة بماضي النضالي والإنساني، المرتبط، بدوره، بإيماني بقضايا حقوق الإنسان ومعاداة النزعة الاستعمارية والعنصرية. وارتبطت هذه المواقف كذلك بتجربتي كجندي احتياط تم استدعاؤه لخوض غمار هذه الحرب، وهو ما جعلني أكتشف معنى الظاهرة الاستعمارية.
حسب اعتقادكم لماذا لم تقدم فرنسا اعتذارها للجزائريين إلى حد الآن؟
لم يتحقق استقلال المستعمرات الفرنسية بشكل عفوي. كان ذلك نتيجة صراعات طغى عليها العنف في كثير من الأحيان. وخلفت تلك الصراعات ضحايا، سواء في الجزائر، أو الكاميرون، ومدغشقر، وفيتنام.. وعليه يجب توضيح المسألة التالية: وهي أن اليمين الكلاسيكي، بالاشتراك مع تيار الديمقراطية الاجتماعية (آس. آف. إ.آو)، كان مجبرا على التخلي عن الإمبراطورية الاستعمارية. هناك مسؤولية سياسية كاملة. وهناك عدة شخصيات سياسية شاركت في حرب الجزائر كفاعلين، على غرار ميسمر ومتيران، وبقوا كذلك على الساحة السياسية الفرنسية، إلى غاية الألفية الثانية. وعليه كان من الصعب أن يعترف هؤلاء الفاعلون بمسؤوليتهم في الأحداث.
في رأيكم لماذا تندرج الظاهرة الاستعمارية ضمن الجرائم ضد الإنسانية؟
لأنها أعادت النظر في الثقافة، وفي الحقوق الأساسية للسكان الأصليين، واعتبرتهم كمواطنين من درجة سفلى ومنحطة. ففرض المعمرون سيطرتهم بوسائل وحشية وعنيفة، منها التقتيل الجماعي خنقا، والتعذيب وغيرها.
وماذا سوف يتغير اليوم مع عودة الاشتراكيين إلى الحكم بخصوص نظرة الفرنسيين لحرب الجزائر؟
لا أعتقد أن الأوضاع سوف تتغير بشكل عميق. أتمنى أن يحدث ذلك، وأنا الآن بصدد الانتظار. مع الساركوزية كنا متأكدين أن سياسة الاحتقار تجاه الشعب الجزائري سوف تستمر. يكفي أن نتذكر أن عددا كبيرا من المسؤولين السياسيين، الذين أصبحوا قياديين على مستوى حزب الحركة الشعبية من أجل الجمهورية، هم مناضلون شباب قدموا من جمعيات سياسية تنتمي لليسار المتطرف، التي انبثقت من حرب الجزائر. ثم إن خطاب تولون وداكار سنة 2007 كان عبارة عن تمجيد للاستعمار. وعايشنا ظاهرة إعادة الاعتبار لمنظمة الجيش السري، مع بروز إرادة سياسية في اتجاه تحقيق مطالب قدماء الجزائر الفرنسية. لما كان فرانسوا متيران رئيسا للجمهورية انتهج سياسة شبيهة بسياسة ''الديغولية''. لكن خلال السنوات الأخيرة لاحظنا أن الحزب الاشتراكي بقي في الخلف بشأن التظاهرات المناهضة للاستعمار.
نلاحظ في المذكرات التي نشرها عدد كبير من قدامى الجنود الفرنسيين في الجزائر، وجود اعترافات بممارسة التجاوزات في حق الشعب الجزائري، هل هذه خطوة أولى نحو الاعتراف الفردي؟
أعتقد أن غالبية هؤلاء الجنود اكتسبوا وعيا بالدور الذي أسند إليهم خلال هذه الحرب. وكثير منهم يريد أن ينقل اليوم لأبنائه وأحفاده حقيقة تلك الحرب والفظائع والجرائم التي كانوا شهودا عليها، حتى يتم تجنبها مستقبلا.

الجزائر: حاوره حميد عبد القادر



خلافات الشرعية

الإشارة إلى ''الشرعية الثورية''، في سياق المقاومة المسلحة ضد النظام الاستعماري، من خلال ثورة 1 نوفمبر 1954، تثير ما لا يقل عن إشكاليتين، واحدة، على وجه الخصوص، لوصف طبيعة الصراع حول الشرعية.
مفهوم ''الثورة'' الذي حدد في الخطاب التأسيسي، لاسيما، في أعقاب الاستقلال، جاء للإشارة إلى رؤية معينة للمجتمع، لا تُخل بالأسس والأهداف التي حددها إعلان 1 نوفمبر، الذي يحدد الاستقلال والسيادة الوطنية كهدف للمعركة والقتال، علاوة على ذلك دعوة ''جميع الوطنيين الذين لا يزالون متشبثين بالأسس التي تقوم عليها الجبهة''، ومن هذا المنطلق نشأت تعهدات عبان رمضان، ومؤتمر الصومام، من خلال طرح قضية لمّ شمل جميع الأطياف، دون النظر إلى الجذور الاجتماعية والسياسية لكل واحد منهم.
من وجهة النظر هذه، فإنه من الضروري العودة إلى الأساطير الشعبية التي تتحدث عن قيم المقاومة التي يحملها أناس بسطاء، ولقد كنت من بين أول من دافع عن تأهيل ''حرب الاستقلال'' من 1954إلى 1962، وقراءة أعمال زملائنا المؤرخين، خاصة الفرنسيين، ما سيبين إلى أي درجة كانت إشكالية الشرعية مؤكدة حتى خلال الثورة.
كما يعتبر الرئيس السابق الراحل أحمد بن بلة، والذي كان عضوا في الوفد الخارجي لجبهة التحرير الوطني، هذا الوفد الذي كان غائبا لأسباب لا تزال تثير الجدل حول مؤتمر الصومام، يعتبر أول قيادي في جبهة التحرير طرح مشكلة الشرعية، برفضه القيادة المنبثقة عن جلسات إيفري.
وبالإضافة إلى ذلك حضور ممثلين عن المركزيين داخل المجلس الوطني الثوري، ولجنة التنسيق والتنفيذ، حيث طرحت قضية نظام القيادة في جبهة التحرير في لب الجدال، الذي رفع من قبل بن بلة، والذي كان مرتبطا بفكرة المبادرين للتمرد.
إذا كان مسار الحرب، بما في ذلك الصعود للطائرة التي نقلت مسؤولين من جبهة التحرير الوطني في الخارج في أكتوبر 1956، سوف يحل جزئيا هذا النقاش، فمن الجيد أن نعرف ما هي أسس ممارسة السلطة داخل المؤسسة، جبهة التحرير الوطني، لتصبح بعد ذلك، ولأول مرة، قضية سياسية، كما تحولت بعد ذلك إلى أحد أغراض البحث العلمي.
ومن اللافت للانتباه، في هذا الصدد، أن الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية بيّنت، من حيث القيمة الرمزية، مؤسسي جبهة التحرير الوطني المسجونين في فرنسا، بإشراكهم في المفاوضات مع الحكومة الفرنسية، وعليه ثبتت، من جانبها، واقع الشرعية التاريخية.
كما أن مؤرخي الثورة التحريرية يتوافقون مع محمد حربي حول مفهوم المسؤولين المؤسسين الأوائل لجبهة التحرير الوطني، المميزين والحاملين للشرعية التاريخية.
فمن وجهة النظر هذه فالشرعية الحاسمة، داخل جبهة التحرير الوطني، خلال ثورة التحرير، كانت للفاعلين، والمؤسسات المكلفة بتنظيم المقاومة، والتعبير عن المواقف الوطنية الجزائرية.
وتتجسد هذه الشرعية عن المؤسسات التي انبثقت عن مؤتمر الصومام، وهي المجلس الوطني الثوري، ولجنة التنسيق والتنفيذ، ثم بشكل أكبر داخل الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية.
ليكون اعتراف الحكومة الفرنسية المنعرج الحاسم في طريق حرب التحرير. فبتسارع الأحداث، وتأكيدها بقرب موعد الاستقلال، ظهرت بوادر الاعتراض على هذه الشرعية من داخل جبهة التحرير الوطني، بظهور قيادة الأركان العامة، ومطالبتها بالمشاركة في صنع القرار، من خلال طلب ضم العقيد هواري بومدين للجنة التنسيق العسكري للحكومة المؤقتة، واعتراض قيادة الأركان بخصوص اتفاقيات إيفيان، ما يعتبر مؤشرا لظهور شكل جديد من أشكال الشرعية، وهي شرعية السلاح، المسيطرة على جيش تقليدي، مكون ومهيأ للضغط على مسار الأحداث.
كما أن الأزمة العنيفة لصيف 1962 وضعت الشرعيات الثلاث في مفترق الطرق، فالشرعية الأولى، والتي تعتبر سياسية، وتحملها الحكومة المؤقتة، المعترض عليها من قبل التحالف بين بن بلة وقيادة الأركان العامة، حددت السلاح والعنف كمرجعية للشرعية على أي شكل آخر من الشرعية، خاصة الشرعية الديمقراطية، التي لا تزال قيد البناء.

عبد المجيد مرداسي / أستاذ بجامعة منتوري في قسنطينة


الشرعية الثورية بين الصواب والفهم السقيم

قبل أن نعرّف مصطلح ''الشرعية الثورية''، لابد من تقديم تعريف مختصر لمفهوم ''الشرعية''، فهو يعني خلع الصفة القانونية على أمر ما. والأصل هو أن تكتسب الممارسة شرعيتها من القوانين التي تسنّها الهيئة المعنية بوضع القوانين. لكن حدث أن عُطّلت السيادة الشعبية في الجزائر، جراء ظاهرة الاستعمار، فصارت الدولة المستعمِرة المعتدية تسنّ القوانين- دون عقد يربطها بالأمة الجزائرية- لإضفاء الشرعية على عدوانها على الجزائريين، وعلى اغتصاب أملاكهم وفق مصالحها الاستعمارية.
وما دامت الشرعية القانونية قد انفلتت من أيدي الجزائريين المقهورين، وتحوّلت إلى أداة في يد المحتل لاستعبادهم، فإن التغيير لم يعد ممكنا في ظل الشرعية القانونية. لذا كان لابدّ من هدم هذا الإطار، وإيجاد شرعية بديلة لمواجهة شراسة الاستعمار، فكان أن قرّر الشعب المقهور رفض هذا الواقع المر، باسم الشرعية الثورية للتخلص من نير الاستعمار. وعليه فإن الاستعمال الصحيح لمصطلح الشرعية الثورية، يتمثل في مواجهة المعتدين بإضفاء الشرعية على جهود المستعمَرين الرامية إلى تكسير نير الاستعمار. وهكذا حلّت الشرعية الثورية محل الشرعية القانونية المغتصبة، كقاعدة أخلاقية استعملها المناضلون لتجنيد الشعب حول ثورة نوفمبر، لتحرير الوطن، ولتبرير اللجوء إلى القوة، وإبعاد صفة الإجرام عن هذه الأخيرة، لأن ''الشرعية'' في الأصل هي التي تحوّل القوة إلى ''سلطة''. ونجح قادة ثورة نوفمبر في هيكلة ''الشرعية الثورية'' بمقتضى بيان أول نوفمبر 1954 وقرارات مؤتمر الصومام المنعقد سنة 1956، التي أسفرت، بصفة خاصة، على تأسيس لجنة التنسيق والتنفيذ (تحوّلت سنة 1958 إلى حكومة مؤقتة)، وعلى تأسيس المجلس الوطني للثورة الجزائرية، الذي كان بمثابة برلمان يوجّه الثورة.
وكان من المفروض أن تشرف الحكومة المؤقتة على الفترة الانتقالية، الممتدة من تاريخ وقف إطلاق النار( 19 مارس1962) إلى أن يتم الانتقال إلى الشرعية القانونية عن طريق مجلس تأسيسي يُعد الدستور، وفق الفلسفة الديمقراطية، يحدد طبيعة النظام السياسي، والعلاقة بين الحكام والمحكومين. لكن شاءت الأقدار أن يحدث انقلاب على الشرعية الثورية الحقيقية، باسم شعار الشرعية الثورية المخاتل. وأكثر من ذلك تم تعطيل السيادة الشعبية، والشرعية القانونية باسم هذا الشعار البرّاق لعقود طويلة.
ولعل أفضل من وصف هذا المنطق المقلوب، ودقّ ناقوس الخطر في وقت مبكر، المناضل السياسي المحنّك محمد بوضياف في كتابه الشهير ''الجزائر إلى أين؟''، والمجاهد الرائد لخضر بورفعة في كتابه ''شاهد على اغتيال الثورة''، حيث أفاضا في الحديث عن تعطيل الشرعية القانونية، عن طريق استغلال شعار ''الشرعية الثورية'' خارج إطاره الصحيح، من طرف ثلة من رفاق السلاح، غايتها الاستحواذ على السلطة. وفي ظل هذه المغالطة السياسية الكبرى، عاشت الجزائر مآسيَ دامية مطلع الاستقلال، تجلت في استعمال السلاح بين رفاق الجهاد الذين انقسموا إلى فريقين، أحدهما ذو رؤية سياسية مستقبلية، يدافع عن الشرعية القانونية، والآخر مخاتل باسم الشرعية الثورية، ذات البريق والتأثير السحري في أوساط المجاهدين والشعب الطيب. وكم كان صعبا لبلد خرج لتوّه من جحيم الاستدمار، ويفتقر إلى ثقافة سياسية، أن يميّز أهله بين الخطاب السياسي الصادق والخطاب السياسي المخادع باسم هذه الشرعية.
ومن دواعي الحسرة والوجع، أن يتحوّل مصطلح ''الشرعية الثورية''، لعقود طويلة، إلى أداة لقمع بعض رموز الشرعية الثورية، ولتكريس نظام سياسي شمولي، عجز عن تحقيق التنمية الشاملة، الأمر الذي دفع بالشباب- مع الأسف- إلى النفور من كل الروابط التي تذكّره بالثورة والمجاهدين. ولعل البعض لا يزال يتذكر ذلك الشعار المشؤوم، الذي رفعه بعض الشباب المتذمّر في أواخر السبعينيات من القرن الماضي، ''التاريخ في المزبلة(!)''.
ويبدو أن ذهنية ''الشرعية الثورية'' قد فقدت بريقها ونحن نحتفل بالذكرى الخمسين لاسترجاع السيادة الوطنية، بالتزامن مع رياح الربيع العربي التي ساعدت على ترجيح كفة الشرعية الدستورية. ومن المؤشرات الدالة على ذلك، ما ورد في الخطاب الأخير لرئيس الجمهورية، الذي ألقاه في مدينة سطيف، قبيل الانتخابات البرلمانية الأخيرة، حين أشار، بالتلميح، إلى أن الجيل المتعلق بمفهوم ''الشرعية الثورية'' قد أوشكت شمسه على المغيب، وآن الأوان لفسح المجال للجيل الجديد المتشبع بالثقافة الديمقراطية، للإشراف على مهمة الدخول في عهد الشرعية الدستورية، بمعناها الديمقراطي الصحيح.

الدكتور محمد أرزقي فراد
[email protected]



الباحث السوسيولوجي، الدكتور أحمد رواجعية، ل''الخبر''
الشرعية الثورية ليست قدرا محتوما

تحت ستار التعددية والديمقراطية يختفي النظام القديم

يعتبر الدكتور أحمد رواجعية، المتخصص في التاريخ وعلم الاجتماع السياسي بجامعة المسيلة، وصاحب كتاب ''الإخوان والجامع'' الذي يبحث في شؤون الجماعات الإسلامية في الجزائر، بأن ''النظام يحاول، منذ الاستقلال، تأويل التاريخ وفقا لمصالحه، وعرض ''رواية'' وحيدة الجانب لهذا ''الحدث التاريخي المؤسس''. كما يرى بأن ''الحكومات المتعاقبة منذ ظهور التعددية الحزبية تجدّدت أكثر من مرة هي وأفرادها، لكن العقليات وأساليب التفكير والمناهج السياسية التي تسيّر شؤون الدولة، بقيت كما هي، وما يتغير هو الشكل فقط''.
هل الشرعية الثورية باتت حتمية؟
سؤالكم يذكرني بنظرية ابن تيمية التي توحي للقدر، بالمفهوم الديني للكلمة. وقد ألف زعيم النهضة بتونس، راشد الغنوشي عام 1987 كتابا حول هذا الموضوع، تحت عنوان ''القدر عند شيخ الإسلام ابن تيمية''، مدافعا بحماس عن هذه النظرية القائلة بأن كل ما يصيب الإنسان، من خيره وشره، هو من عند الله سبحانه. أعتقد أن الشرعية الثورية ليست قدرا ولا حتمية، بل هي نتيجة جملة من الأعمال والعوامل التاريخية التي ولدت أفكارا فرضت وجودها، بحكم ظروف تاريخية تمثلت في اندلاع الثورة ضد الاستعمار الفرنسي. ولذا، فإن مصدر ''الشرعية الثورية'' لا يرجع لا للحتمية ولا للقدر، بل هو راجع إلى إرادة إنسانية محضة، أي إلى إرادة الشعب الجزائري التي كسرت قيود الاستبداد من أجل استرجاع حريته المغتصبة بالنار والحديد.
أليس من حق الشعوب أن تغيّر أقدارها، وهل تعتقدون بأن خطاب الرئيس في سطيف بداية لهذا التغيير؟
المجاهدون الذين تحدث عنهم الرئيس بوتفليقة في خطابه الأخير بسطيف لم يبق منهم إلا عدد قليل، عاطلين جسديا وفكريا، وربما لهذا السبب قال الرئيس لهم: ''انتهى دوركم في تسيير البلاد''، زاعما في نفس الوقت بأن النظام يتحمّل مسؤولية عدم تدريس التاريخ الحقيقي للشباب الذين لا يعرفون رموز الجزائر، حسب رأيه. والرئيس الذي يعتبر نفسه مجاهدا ومن جيل الثورة، وإن كان قد اعترف بنهاية دوره، يدافع بحماس عن ''الإنجازات'' التي حققها، فهو يتساءل: ''يقولون 50 سنة وأنتم تحكمون، ماذا عملتم؟''، ثم يرد: ''لقد عملنا الكثير، ومن يريد محاسبتنا، نحن على استعداد للحساب. لقد علمنا من كان غير متعلم، وعالجنا من كان لا يعالج، ووفرنا السكن..''. إن خطاب الرئيس كان متناقضا ومطبوعا بالغموض، لأنه يمجد من جهة جيل الثورة، ويؤكد على ضرورة إهداء ''أكاليل الزهور للمجاهدين''، وفي نفس الوقت يطلب منهم التخلي عن السلطة التي خلدوا فيها.. وهذا الخطاب لم يكن بريئا ولا موضوعيا، بل يندرج ضمن حسابات سياسية ترمي إلى تخليد النظام وتكريس التوجهات القديمة.
إلى متى يبقى الفكر الثوري ومنطق الوصاية أداة للحكم بالجزائر، ونحن في زمن الرشادة ومفردات الديمقراطية وحقوق الإنسان وزمن الربيع العربي؟
الحكام الجالسون ليسوا كلهم منحدرين من المجاهدين أو من الجبهة. إن الكثير من المسؤولين وصنّاع القرار ينتمون إلى الجيل الجديد الذي تكوّن في مدارس وجامعات الجزائر المستقلة. ورغم تشبع هذا الجيل بأفكار الاشتراكية الموجودة في الميثاق الوطني والثورة الزراعية، فهو لم يعش الثورة التحريرية مثل أسلافه، ولهذا السبب لا يجوز أن نضعه في خانة العائلة الثورية. الجيل الجديد المشارك في النظام الحالي يعتبر نفسه ''حديثا'' و''تقنيا'' ثم ''ديمقراطيا'' ومدافعا عن المواطنة وحقوق الإنسان، على الأقل شكليا. لكن أسلوب تفكيره وتسييره للسلطة لا يختلف أساسا عن أسلوب الحزب الواحد. فتحت ستار التعددية الحزبية والديمقراطية، يختفي النظام القديم وممارساته غير الشفافة، ناهيك عن تهميش الفئات الاجتماعية الغاضبة على السلطة. إن الحكومات المتعاقبة منذ ظهور التعددية الحزبية تجدّدت أكثر من مرة هي وأفرادها، لكن العقليات وأساليب التفكير والمناهج السياسية التي تسيّر شؤون الدولة بقيت كما هي، وما يتغير هو الشكل فقط.
هل تحوّلت كتابة الثورة إلى فزاعة في يد النظام يستعملها لإطالة عمر شرعيته وللبقاء في السلطة؟
الشيء الذي يضرّ من كتابة الثورة هو كشف الحقائق التي غيّبت، والتي تغطي الكثير من جوانب الثورة، كاغتيال بعض زعماء الجبهة، مثل عبان رمضان، ناهيك عن الصراعات والانقسامات التي نشأت داخل الجبهة. والشيء الذي يمس بسمعة الثورة هو أيضا إظهار ونقد الأسطورة الرسمية، القائلة إن ''وحدة الصف'' تحت راية جبهة التحرير خلال الحرب كانت حقيقة لا مفر منها، وأن الشعب الجزائري كان كله واقفا كرجل واحد لمساندة الجبهة والجيش. إنها الرواية، أو الأسطورة، التي يحاول النظام الجزائري تسويقها منذ الاستقلال، وهذه الرواية تخفي الاغتيالات وأسبابها، وكذا إخفاء الدور الحقيقي الذي لعبه مصالي الحاج في بث روح القومية لدى الجزائريين. فالنظام يحاول، منذ الاستقلال، تأويل التاريخ وفقا لمصالحه، وعرض ''رواية'' وحيدة الجانب لهذا الحدث التاريخي المؤسس.
المسيلة: حاوره بن حليمة البشير


بخصوص ''الشرعية الثورية''
تعتبر مسألة شرعية السلطة السياسية في كل المجتمعات مسألة أساسية، تطرح قبل كل شيء شرعية قوة الإجماع والتوافق الاجتماعي الذي تتوصل السلطة السياسية إلى جمعه حولها. وعليه، فإنه على أساس المبادئ الأساسية التي تنظم التوافق الاجتماعي، يتم وضع وتحديد المبادئ التي تشكل لاحقا قاعدة الصيغة القانونية، من الناحية الشرعية التي تنظم ممارسة السلطة.
انطلاقا من وجهة النظر هذه، فإن السلطة السياسية التي ارتسمت معالمها مع بداية حرب التحرير، انطلاقا من وقف إطلاق النار يوم 19 مارس 1962، لم تجد سوى الانخراط ضمن الاستمرارية في النضال، على أساس المبادئ التي احتواها بيان أول نوفمبر، والذي قادته جبهة التحرير الوطني. في الواقع، منذ 1954 تشكل توافق اجتماعي وسياسي واسع مع استمرار النضال، وتبلور سنة 1962 حول مشروع إعادة بناء الدولة الوطنية، عقب وضع حد للهيمنة الاستعمارية.
ومن هذه اللحظة بالذات، بدأت الصراعات حول رهان ''الشرعية الثورية''، حيث برزت عدة تصورات، كل واحد يجسده شخص أو جماعة، تتصارع استنادا إلى حجج تزاوج جنبا إلى جنب بين الشرعية والمشروعية، وأدت تلك الصراعات إلى بروز أزمة صيف 1962 مع ما عرفته من خلافات بين الأشقاء.
وبما أن هذه الأزمة الخطيرة تمت تسويتها بواسطة قوة السلاح، بعد توقف أشغال المجلس الوطني للثورة الجزائرية في طرابلس، والأزمة المعلنة بين الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية وقيادة أركان الجيش الشعبي الوطني، أضحى واضحا أن رؤية خاصة هي التي سادت، والتي يصعب اليوم قياس درجة الوفاق الاجتماعي التي كانت تحظى بها.
على أي حال، منذ سبتمبر 1962 برزت في الواقع سلطة سياسية أخذت شرعيتها من قوة السلاح، بسبب الطريقة التي حسمت بها الأزمة التي استفحلت آنذاك.
هذا يدل على مدى طرح مسألة الشرعية من حيث منح الأولوية للقوة بدل القانون، وهذا المنطق سوف يبقى مستمرا. ففي 19 جوان 1965 تم إسقاط الرئيس أحمد بن بلة بواسطة القوة، وهي نفس القوة التي استعملها هو نفسه للاستيلاء على السلطة خلال أزمة صيف .1962 وعقب حدوث الانقلاب، عمد النظام الجديد إلى استحضار الشرعية الثورية لتبرير وجوده وضمان استمراره ودوامه. وخلال هذه المرحلة التي تمتد بين 1965 إلى غاية 1976 السنة التي عرفت فيها البلاد دستورا جديدا، تم اللجوء إلى الشرعية الثورية في الغالب. في الواقع، المحتوى الذي أُعطي لهذه ''الشرعية الثورية'' التي استندت إليها الأنظمة المتعاقبة منذ 1962 بصيغة أو بأخرى، ووفق قراءات مختلفة ومغايرة لكنها متقاربة، سوف تستند على منطق الولاء المفترض لاستمرارية تاريخية للمقاومة للاحتلال الأجنبي، الذي بدأ منذ سنة 1830 واستمر طيلة القرن التاسع عشر، ثم خلال القرن العشرين وفق سياق متواصل، ينطلق من نجم شمال إفريقيا إلى حزب الشعب الجزائري، ثم حركة انتصار الحريات الديمقراطية، وأخيرا جبهة التحرير الوطني والمرحلة التي تمتد بين 1954 و1962 إلى غاية السياق الذي استمر بعد الاستقلال.
وفق شرعية وصحة قرار اللجوء إلى العنف من أجل تحرير البلاد من الاستعمار، سيحوّل هذا المنطق بطريقة أو بأخرى إلى منطق تثمين اجتماعي للمؤسسة الوطنية التي أدت إلى تحرير البلد بامتياز، وهي جيش التحرير الوطني، التي أصبحت فيما بعد الجيش الوطني الشعبي. والحالة هذه، فإن جيش التحرير الوطني ثم الجيش الوطني الشعبي، لم يشتركا فقط بشكل مباشر في السلطة السياسية، بل تحوّلا في الواقع إلى مؤسسة صاحبة الشرعية في نهاية الأمر. وهذا المسار أصبح بدوره مُكوّنا مُكمّلا للمنطق الذي يؤسس للشرعية الثورية. وهاتان المرجعيتان المتكاملتان اللتان تقومان من جهة على الوفاء لتقليد النضال ضد الاستعمار، ومن جهة أخرى على التثمين الاجتماعي للمؤسسة العسكرية وإضفاء الشرعية على وظيفتها السياسية التي تساهم في الواقع في ترسيخ الأسس الحقيقية للشرعية الثورية.
هذا المنطق الشامل، وبحكم تغيير الظروف التاريخية المرتبطة بالاستقلال، دخل تدريجيا في أزمة منذ 1962، لأنه تعرّض لمسار حتمي من البطلان. هذه الأزمة الزاحفة، الخفية وغير المحسوسة، أصبحت فاضحة أكثر، بسبب فعل التآكل الذي ألحقه الزمن بالرجال والمؤسسات على حد سواء.
في الحقيقة، لو حاولنا تفكيك المنطق الأساسي الذي عزّز العلاقات بين المجتمع والدولة لفترة طويلة، نجد أنفسنا الآن أمام وجود نموذج مبني على منطقين وثيقي الصلة، وكان لهما بمثابة ''محرك'' هما نوعين من الريع: الريع الأول ذا طابع اقتصادي، وله بُعد اقتصادي يقوم على استغلال المحروقات وارتفاعها وتثمينها في السوق الدولية. أما الريع الثاني، فهو رمزي، له طابع تاريخي هدفه السياسي والاجتماعي يقوم على استغلال ''الشرعية الثورية'' التي تحققت خلال حرب التحرير. هذا الريع الثاني يعرف حاليا أزمة حقيقية لسببين رئيسيين، هما: من حيث العرض، مخزون ''الشرعية الثورية'' ما انفك يتراجع، لأنه أصبح يبتعد شيئا فشيئا عن الواقع الذي تنتجه الحياة اليومية، ولأنه أصبح يرتبط فقط برمزية الذاكرة الفردية والجماعية. ثم من حيث الطلب، فقد أصبح ضعيفا ولا يلبي احتياجات الشباب، علما أن نصف المجتمع يتكوّن من شبان لا يتجاوز عمرهم 28 عاما. وهؤلاء قلّ اهتمامهم بالخطاب الرسمي الذي يستحضر أوضاعا لا يعرفها الشباب، الذي يفضل بدوره التعبير عن حاجيات مستقبلية.
لكل هذه الأسباب، نجد أن ''الشرعية الثورية'' عبارة عن فكرة تحظى بجاذبية أقل في المجتمع الجزائري، وعليها أن تفسح المجال أمام نموذج الشرعية الوحيدة الحديثة، وهي الشرعية الديمقراطية الحقيقية، وليس الشكلية فقط، والتي يتعرّف فيها المجتمع برمته على نفسه، وبالأخص فئة الشباب. ناجي سفير / أستاذ علم الاجتماع بجامعة الجزائر


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.