خرجت مدينة البيض كلها، أمس، بعد صلاة الجمعة، لتوديع ابنها المرحوم بشير العرابي، الذي رحل فجأة يوم الخميس الماضي، تاركا المواطنين الذين كان ملاذهم يبكون فراقه. تحول المسكن العائلي للمرحوم، منذ انتشار خبر وفاته، إلى قبلة للمعزين من مدينة البيض ومن مختلف ولايات الوطن. وعرف شقيقاه محمد ومصطفى وأقاربه أنهم ليسوا هم وحدهم الذين أصيبوا في هذه الفاجعة. وظهر ابناه أمين وجمال الدين صابرين لما أصابهما. وكان الكل في البيض حزينا على والدة الراحل، التي لا تعلم إلى غاية نهار أمس أن بشير فارق الحياة، وهو الذي كان من المفروض أن يرافقها إلى البقاع المقدسة لأداء مناسك العمرة، إلا أن إجراءات بيروقراطية حالت دون ذلك، وأجّل زيارة الكعبة إلى رمضان المقبل. لكن القدر كان أسبق، ورحل إلى حيث يوجد الذين يحبونه والذين اختطفوا منه في المرحلة الصعبة التي مرت بها البلاد، في الدار الأخرى. وتجندت كل مدينة البيض لاستقبال المعزين، حيث فتح سكانها أبواب منازلهم لإيواء وإطعام الوافدين. ونصبت خيمة في الزقاق الذي يوجد فيه السكن العائلي للمرحوم، في حي راس لاكوت، وبقي جثمانه في مستشفى مدينة البيض إلى غاية منتصف نهار أمس، حيث تم نقله على متن سيارة للحماية المدنية ونقل إلى بيته ليلقي عليه المعزون النظرة الأخيرة. ثم تم نقله إلى مسجد “أنس ابن مالك” حيث صلى عليه الآلاف صلاة الجنازة بعد الجمعة، ومشوا وراء نعشه الذي كان مغطى بالراية الوطنية إلى مقبرة سيدي أحمد مرددين “لا إله إلا الله محمد رسول الله”، والسماء تمطر. وتنقل عشرات الصحافيين من النعامة، سعيدة، تيارت ووهران، وحضر كل صحفيي البيض الجنازة، وشاء القدر أن يدفن المرحوم في موقع يطل على المدينة التي لم يتوقف عن الدفاع عن ضعفائها، والذين لم ينزعج أبدا من المضايقات التي مورست عليه بسببهم. ومشى الناس في جنازة “الرجل الشجاع” الذي وهب حياته كلها لغيره.