المولودية تتأهّل    سيلا يفتح أبوابه لجيل جديد    تونس : تأجيل جلسة المحاكمة في قضية التآمر إلى 17 نوفمبر المقبل    سطيف..إعادة دفن رفات 11 شهيدا ببلدية عين عباسة في أجواء مهيبة    المنافسات الإفريقية : آخرهم مولودية الجزائر .. العلامة الكاملة للأندية الجزائرية    بطولة الرابطة الثانية:اتحاد بسكرة يواصل التشبث بالريادة    كأس افريقيا 2026 /تصفيات الدور الثاني والأخير : المنتخب الوطني النسوي من أجل العودة بتأشيرة التأهل من دوالا    منع وفد من قيادة فتح من السفر لمصر..93 شهيداً و337 إصابة منذ سريان اتفاق وقف إطلاق النار    المهرجان الثقافي للموسيقى والأغنية التارقية : الطبعة التاسعة تنطلق اليوم بولاية إيليزي    الطبعة ال 28 لمعرض الجزائر الدولي للكتاب: المحافظة السامية للأمازيغية تشارك ب 13 إصدارا جديدا    في مهرجان الفيلم ببوتسوانا.."الطيارة الصفرا" يفتك ثلاث جوائز كبرى    ممثلا لرئيس الجمهورية..ناصري يشارك في قمة إفريقية بلوندا    وزير الاتصال: الإعلام الوطني مطالب بالحفاظ على مكتسبات الجزائر الجديدة    دعوة إلى ضرورة التلقيح لتفادي المضاعفات الخطيرة : توفير مليوني جرعة من اللقاح ضد الأنفلونزا الموسمية    شايب يشرف على لقاء افتراضي مع أطباء    الشبيبة تتأهل    دورة تكوينية دولية في طبّ الكوارث    الجيش يسجّل حضوره    تركيب 411 ألف كاشف غاز بالبليدة    حيداوي يشدد على ضرورة رفع وتيرة تنفيذ المشاريع    دورات تكوينية للقضاة    الجامعة أصبحت مُحرّكا للنمو الاقتصادي    برنامج شامل لتطوير الصناعة الجزائرية    صالون دولي للرقمنة وتكنولوجيات الإعلام والاتصال    تم غرس 26 ألف هكتار وبنسبة نجاح فاقت 98 بالمائة    أمطار رعدية على عدة ولايات من الوطن    الشباب المغربي قادر على كسر حلقة الاستبداد المخزني    فلسطين : المساعدات الإنسانية ورقة ضغط ضد الفلسطينيين    ركائز رمزية تعكس تلاحم الدولة مع المؤسسة العسكرية    الإطلاع على وضعية القطاع والمنشآت القاعدية بالولاية    نور الدين داودي رئيسا مديرا عاما لمجمع سوناطراك    دعوة المعنيين بالفعالية إلى الولوج للمنصة الإلكترونية    يجسد التزام الجزائر بالعمل متعدد الأطراف والتعاون الدولي    الجزائر فاعل اقتصادي وشريك حقيقي للدول الإفريقية    وقفة حقوقية في الجزائر لملاحقة مجرمي الحرب الصهاينة    اتفاق الجزائر التاريخي يحقّق التوازن للسوق العالمية    رفع إنتاج الغاز الطبيعي أولوية    مخطط استباقي للتصدي لحمى وادي "الرفت" بالجنوب    شروط صارمة لانتقاء فنادق ومؤسّسات إعاشة ونقل الحجاج    أخريب يقود شبيبة القبائل إلى دور المجموعات    غاريدو يثّمن الفوز ويوجه رسائل واضحة    ملتقى دولي حول الجرائم المرتكبة في حق أطفال غزة    عمورة يعاني مع "فولفسبورغ" والضغوط تزداد عليه    عودة الأسواق الموازية بقوّة في انتظار البدائل    إعذارات للمقاولات المتأخرة في إنجاز المشاريع    المصحف الشريف بالخط المبسوط الجزائري يرى النور قريبا    إصدارات جديدة بالجملة    تأكيد موقف خالد في مساندة قضية "شعب متلهّف للحرية"    قراءات علمية تستعين بأدوات النَّقد    ما أهمية الدعاء؟    مقاصد سورة البقرة..سنام القرآن وذروته    فضل حفظ أسماء الله الحسنى    معيار الصلاة المقبولة    تحسين الصحة الجوارية من أولويات القطاع    تصفيات الطبعة ال21 لجائزة الجزائر لحفظ القرآن الكريم    لا داعي للهلع.. والوعي الصحي هو الحل    اهتمام روسي بالشراكة مع الجزائر في الصناعة الصيدلانية    حبل النجاة من الخسران ووصايا الحق والصبر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"لوح ترك وراءه الخراب والرداءة"
نشر في الخبر يوم 27 - 05 - 2019

في حوار مع "الخبر"، الأول منذ انتخابه نقيبا للقضاة، يخوض يسعد مبروك في الجدل الذي تثيره "إملاءات قائد الجيش على القضاة" بخصوص معالجة قضايا الفساد وملاحقة رموز النظام البوتفليقي. ويرد على تهمة "تسيير القاضي بالهاتف"، فيذكر أن العيب في القانون وليس في القاضي، لهذا وجب، حسبه، توجيه سهام النقد للمشرّع.
ولرئيس نقابة القضاة رأي في عودة بلقاسم زغماتي إلى منصبه السابق كنائب عام بالعاصمة بعدما أزيح منه عام 2015 بسبب قضية شكيب خليل. كما يتحدث عن حادثة التقاط صور لمشتبه بهم بالمحكمة العسكرية دون علمهم ومدى مطابقة القانون لهذا التصرّف. أما عن وزير العدل السابق الطيب لوح فيقول عنه إنه "تحدّث كثيرا ولم يقل شيئا".

في أول بيان تصدره النقابة الوطنية للقضاة تحت رئاستك (11 ماي 2019)، قلت إن القضاة "يرفضون التعامل معهم كجهاز يتحرك بالأوامر تارة وبالاستدعاء تارة أخرى". هل المقصود رئيس أركان الجيش الذي يخوض في شؤون القضاء بكثرة؟

البيان هو الأول للنقابة بتركيبتها الجديدة المنبثقة عن انتخابات شفافة، شارك فيها ما يقارب 5 آلاف قاض وهو موجّه لعموم الجزائريين سلطة وشعبا، طالما أن العدالة كقيمة اجتماعية هي مطلب الجميع، والقضاء هو أداة تكريسها عبر استقلالية كاملة تسمح له بالاضطلاع بدوره كاملا غير منقوص.
وإجابة عن السؤال، فإن البيان كان موجها للجميع، وليس لقائد الأركان بصفة خاصة ولكنه لا يستثنيه أيضا لأننا نرفض بصورة مطلقة أن يتم توظيف القضاء من طرف أي جهة. ويتعيّن على الجميع احترام الدور المنوط بالسلطة القضائية، والسهر على توفير الأدوات اللازمة لتحقيق عدالة مستقلة تحتكم للقانون دون سواه حتى يثق فيها الجميع.

القضاء بشكل عام ليس محل ثقة بالنسبة للجزائريين، لذلك توجد شكوك قوية في أنه يتعامل بمنآى عن الإملاءات والضغوط بخصوص سجن رجال أعمال ورموز من النظام السابق.. إلى أي مدى ذلك صحيح؟

ثقة الجزائريين مهتزة تجاه أغلب مؤسسات الدولة، إما بسبب عدم شرعيتها أو بسبب عدم تناغمها مع اهتمامات الشعب. ولن أدعي أن العدالة بمنآى عن هذا الشعور، ولكنها مع ما يعتريها من نقائص تبقى محل ثقة أكبر مقارنة بغيرها، ودليل ذلك أن الحراك الشعبي الذي ينشد التغيير الجدري يطالب بأن تتولى العدالة مهمة محاسبة من خانوا عهودهم مع شعبهم ووطنهم والشعارات المرفوعة في المسيرات الشعبية دليل ذلك، وهو ما حفّز القضاة عبر مختلف الجهات القضائية، على التعبير بوضوح عن انحيازهم لمطالب الشعب على حساب ضوابط قانونية مزيّفة كانت تفيد حق التعبير لديهم.
أما بخصوص قضايا الفساد وما نتج من متابعات بسبب الحراك الشعبي، فلا إملاءات بشأنها رغم وجود شائعات بذلك. وأصارحك القول إن النقابة اتصلت بالزملاء القضاة المكلفين بهذه الملفات للتأكد من وجود تدخل أو ضغط من أي جهة كانت، وكان الجواب بأن الأمور تسير دون أية تدخلات أو إملاءات. ونحن بصدد متابعة هذا الأمر عن قرب، وفي حالة ثبوت شيء من هذا القبيل، سنقوم بفضحه مهما كلّفنا الثمن.

القاضي لدى غالبية الجزائريين ينطق بالأحكام بناء على أوامر تأتيه بالهاتف، كيف يمكن للنقابة أن تمحو هذه الصورة عنه ؟

حكاية الهاتف ليست حكرا على القضاء أيضا، بل هي طريقة تم اعتمادها في تسيير الشأن العام في كل المناحي. غير أن قيمة العدالة تجعل من كل صور الإملاء مرفوضة، بل وممقوتة من الجميع. وهنا أود تنوير الرأي العام بأن طريقة عمل النيابة العامة وإدارتها، تسمح وبنص القانون استعمال الهاتف في إعطاء التعليمات والتوجيهات من الأعلى إلى الأسفل، بحكم مبدأ التبعية والتدرج الذي يحكم عمل النيابة العامة التي يلتزم قضاتها بتقديم طلبات طبقا للتعليمات التي ترد إليهم وفقا للمادة 30 من قانون الاجراءات الجزائية. كما أن النائب العام ملزم بتطبيق السياسة الجنائية التي يعدّها وزير العدل ويقدّم له تقارير دورية عن ذلك طبقا للمادة 33 من نفس القانون.
ومن هذا الباب، نلاحظ أن العيب في النص التشريعي وليس في القاضي الذي يبقى ملزما بتطبيقه، مما يستوجب توجيه سهام النقد نحو المشرّع بدلا من القاضي، الذي يجد نفسه ضحية نصوص لا تساير ما يطلبه المجتمع، وهذه إشكالية أخرى لا يتسع المجال هنا لشرح تفاصيلها.
ولكن هذا لا ينفي وجود تدخلات تؤثر في مسار الملف القضائي، سواء من جهات رسمية أو غير رسمية، والقضاة يحاولون التصدي لها في حدود ما يتاح لهم في غياب الحماية اللازمة لهم. وقد سبق لبعضهم أن دفعوا ثمنا غاليا بسبب تمسكهم باستقلاليتهم ورفضهم للإملاءات خاصة أمام الاستقالة المعنوية للمجلس الأعلى للقضاء في أداء دوره وتسلّط المفتشية العامة التي تحولت إلى خصم وحكم في نفس الوقت.
إن الصورة النمطية السيئة المرتسمة في أذن المواطن العادي، تنطوي على بعض الحقيقة لكنها تحمل أيضا الكثير من التجني إزاء الجهد المبذول من القضاة، والنقابة الوطنية للقضاة تدعو كل القضاة إلى التمسك بصلاحياتهم الدستورية كاملة، دون الالتفات لأي مؤثرات خارج الملف القضائي. وفي المقابل ستكون النقابة درع حماية لهم في مواجهة كل المتسلطين، رسميين كانوا أو شعبويين، مع الحرص على تقديم أداء قضائي فعال دون استعجال أو مماطلة بما يكرس قواعد الإنصاف.

طالبت في بيانك بمراجعة نصوص وتشريعات لا تسمح بتوفير الحماية للقاضي. ما هي القوانين التي ينبغي إعادة النظر فيها على استعجال؟

أنبهك أولا أن البيان ليس بياني، بل هو بيان النقابة الوطنية للقضاة ممثلة بمكتبها التنفيذي والنصوص الواجب مراجعتها لتكريس استقلالية القضاء بصورة فعلية، تتمثل أساسا في القانون العضوي المنظم لتشكيلة وعمل المجلس الأعلى للقضاء، والقانون العضوي المتضمن القانون الأساسي للقضاء، وذلك بجعل تشكيلة المجلس منتخبة كلها واستبعاد أي تعيين فيها مع جعلها هيئة تمثيلية بما يتناسب وعدد القضاة في المحاكم والمجالس، وإسناد رئاسة المجلس للرئيس الأول للمحكمة العليا، مع استبعاد وزير العدل من تشكيلته وإلحاق المفتشية العامة والمسار المهني للقاضي بمصالح المجلس الأعلى للقضاء، ثم تحديد حقوق وواجبات القاضي بصورة دقيقة، مع ضبط الأخطاء المهنية ودرجاتها وعقوباتها تفاديا لأي تعسف، مع وجوب تحديد مجال واجب التحفظ بدقة لأنه استعمل بصورة فضفاضة ودون ضوابط في معاقبة القضاة دون وجه حق. على كل سنفتح ورشات عمل لضبط النصوص الواجبة التعديل، مع إعداد مقترحات عملية بإشراك كل القضاة قصد الوصول إلى نصوص تكرس الحماية والاستقلالية.

أقال الرئيس المؤقت وكيل الجمهورية لدى محكمة سيدي امحمد ووضع في مكانه قاضي التحقيق من نفس المحكمة. هل إنهاء مهام الأول وتعيين الثاني قانوني؟

المادتان 26 و50 من القانون الأساسي للقضاء تجيزان لوزير العدل نقل قضاة النيابة، والقضاة العاملين بالإدارة المركزية أو مراكز البحث التابعة لوزارة العدل عندما تقتضي الضرورة المصلحة ذلك، على أن يتم عرض الأمر على المجلس الأعلى للقضاء في أول دورة له. وحسب ما بلغني من بعض أعضاء المجلس الأعلى للقضاء، فقد تمت استشارتهم بخصوص موضوع تعيين السيد بن دعاس فيصل الذي كان يشغل مهام قاضي تحقيق بمحكمة سيدي امحمد ليشغل مهام وكيل الجمهورية لدى نفس المحكمة خلفا للسيد الباي خالد، مما يجعل من الأمر قانونيا في الجانب المجرد للموضوع. غير أن المحيّر، بل غير المعقول أخلاقيا، أن تتم تنحية وكيل الجمهورية والنائب العام وهما بصدد القيام بإجراءات سماع واستجواب وزيرين أولين بمعية 5 وزراء ويصلهما خبر التنحية عبر التلفزيون، وهو أمر يثير العديد من التساؤلات حول السبب والطريقة والتوقيت والجهة التي تقف وراء ذلك، بل ويزيد من الشكوك حول إيمان من فعل ذلك باستقلالية العدالة ونزاهتها.

لماذا وزير العدل صامت بينما القضاء والقاضي في قلب أحداث ساخنة؟

وزير العدل الحالي قاض ساقته الظروف لأن يكون وزيرا في وقت صعب ودقيق. وبحكم معرفته الجيدة بالقطاع، أعتقد أنه يفضّل الصمت من باب الحكمة طالما أن من سبقه تكلّم كثيرا ولم يفعل شيئا وترك وراءه خرابا ورداءة انتشرت في القطاع بسبب الولاء والتزلف والمحاباة على حساب الكفاءة وحسن الأداء والحكمة تقتضي أن ينطق المرء بالخير وإلا فليصمت.

القضاة خرجوا في وقفات احتجاج في بداية الحراك وطالبوا باستعادة كرامتهم، لماذا انسحبوا فجأة من المشهد؟

في مرات عديدة يطلب من القضاة ما لا يليق بهم وبالرسالة والمهام التي يؤدّونها، لا أتصوّر كيف يطلب من القاضي الاستمرار بالاحتجاج في الشارع يوما، وفي اليوم الموالي يجد نفسه حكما فاصلا في خصومة أحد أطرافها كان محل تنديد من طرف القاضي في اليوم السابق.
إن الحياد يستوجب وقوف القضاة على مسافة واحدة من كل أطياف المجتمع، وانحيازهم الوحيد يجب أن يكون للحقيقة والقانون، لأن الاصطفاف المعلن والظاهر يعطي صورة مشينة عن العدالة برمتها. وقد سبق لي أن وضّحت في جوابي عن سؤالك السابق لماذا خرج القضاة تضامنا مع الحراك، والآن بيّنت لك سبب عدم تواجدهم في صدارة المشهد رغم متابعتهم له بكل تفاصيله.

لأول مرة يعود نائب عام إلى منصبه بعد تنحيته، هو بلقسام زغماتي، وتم ذلك خارج الحركة السنوية للقضاة. ألا يلقي ذلك مزيدا من الشكوك حول استقلال القضاء؟

إعادة تعيين السيد بلقاسم زغماتي كنائب عام لدى مجلس العاصمة، بعد أن تمت تنحيته سنة 2015 بسبب قضية شكيب خليل، يعطي صورة حية عن هشاشة وضع القاضي في الجزائر، بحكم تسلط الجهاز التنفيذي على القضاء، لأن سلطة التعيين والإقالة والنقل والترقية والعقاب، تعود فعليا للجهاز التنفيذي ممثلا في وزير العدل تحت رعاية رئيس الجمهورية. الرجل يتمتع بكفاءة مشهود له بها وكاريزما تؤهله لمعالجة القضايا الكبيرة والمعقدة، وإن كانت عودته لهذا السبب فلا حرج فيها، أما إن كان تعيينه مجددا يدخل في إعادة تموقع الأجنحة فسيكون ذلك إهانة شخصية له وإذلالا غير معلن للقضاء.

جدل كبير يطرح بخصوص المحكمة العليا للدولة, كيف يمكن متابعة الوزير الأول ورئيس الجمهورية في غياب هذا الهيكل؟

لقد تم إنشاء المحكمة العليا للدولة بمقتضى التعديل الدستوري الذي تم سنة 2016، وتم النص عليها في المادة 158 من الدستور، وهي مختصة بمحاكمة رئيس الجمهورية على الأفعال التي يمكن وصفها بالخيانة العظمى، والوزير الأول عن الجنايات والجنح التي يرتكبانها بمناسبة تأديتهما لمهامهما. وأحيل أمر تشكيلتها وتنظيمها وسيرها والإجراءات المطبقة أمامها إلى قانون عضوي لم يصدر إلى اليوم. وراهن الحال ينبئ بالحاجة إليها طالما أن رئيسي وزراء سابقين تم الاستماع إليهما من طرف القضاء في ملفات فساد ويمكن اتهامهما بجرائم مختلفة. في الحقيقة نحن أمام مأزق إجرائي قد يجد حلا له بالاستنجاد بالمادة 573 من قانون الإجراءات الجزائية، باعتبار أن رئيس الوزراء هو عضو في الحكومة ويخضع لنفس الإجراءات التي تخص الوزراء بصفتهم أعضاء في الحكومة.
أما رئيس الجمهورية، فلا أحد كان يتصور أنه سيكون من الممكن اتهامه أو متابعته، مما يجعل النص الدستوري المتضمن للمحكمة العليا للدولة عبارة عن ديكور تم وضعه للتباهي وتضليل السدج من الناس فقط.

ما موقف القانون من تصوير مشتبه بهم دون علمهم وهم يدخلون المحكمة العسكرية، كان ذلك حالة لويزة حنون والسعيد بوتفليقة والجنرالين توفيق وطرطاق؟

القانون يعاقب على التقاط أو تسجيل أو نقل صورة لشخص في مكان خاص بغير إذن أو رضا الشخص المعني، كما هو مبين في المادة 303 مكرر من قانون العقوبات. وفي المقابل، فإن الحق في الإعلام وحرية التعبير يكفلهما الدستور في المواد 50.48 منه. ومن الناحية المعيارية، فإن حرمة الحياة الخاصة والحق في الإعلام من درجة واحدة، ولا وجود لسوابق قضائية في الجزائر ترجح أحدهما على حساب الآخر. غير أنه يمكن الإستئناس بما ذهب إليه القضاء الفرنسي في القرار المؤرخ في 21-03-2018 رقم 309 الصادر عن محكمة النقض وقرار المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان بتاريخ 10-14-2015، إذ تم التأكيد على أن حرمة الحياة الخاصة عندما تكون في مواجهة مصلحة عامة ثابتة ومشروعة، فإن الغلبة تكون لهذه الأخيرة، خاصة عندما يتعلق الأمر بشخصيات عامة، فإن التقاط صور لها ونشرها على سبيل الإعلام لا يشكل مساسا بحرمة الحياة الخاصة.
وفي الحالة الجزائرية، نلاحظ أن القانون يشترط لقيام الجرم المنصوص عليه بالمادة 303 مكرر من قانون العقوبات، أن يتم التقاط الصورة في مكان خاص، وهو ما لا ينطبق على المحكمة العسكرية ومحيطها والتي لا يمكن اعتبارها مكانا خاصا، فضلا عن نوعية الأشخاص المعنيين بالتصوير، كشخصيات عامة يهتم الرأي العام وبشغف لمعرفة كل تحركاتهم في الظروف الزمانية والمكانية الراهنة تكريسا للحق في الإعلام الذي يكون هو الحق الأجدر بالحماية في مواجهة حرمة الحياة الخاصة لكل شخصية عمومية.

أي من القضاءين يوفر أكثر ضمانة محاكمة عادلة المدني أو العسكري؟

القضاء العسكري قضاء خاص واستثنائي، والكثير من الدول لا تعمل به إلا في حدود ضيقة تخص مخالفات العسكريين بمناسبة مباشرة وظائفهم، مما حوّله إلى قضاء تأديبي فقط. وفي الجزائر لا يزال العمل بالقضاء العسكري ساريا وقد تم تعديل قانونه سنة 2018. وفي الأيام الماضية، أحيلت عليه قضية السعيد بوتفليقة والفريق محمد مدين رفقة لويزة حنون تطبيقا للمادة 25 من قانون القضاء العسكري في الجانب الإجرائي، أحكام قانون الإجراءات الجزائية هي السارية أمام القضاء العسكري، ما عدا بعض القيود في تأسيس المحامين، إذ يشترط الموافقة المسبقة للمتهم مع موافقة رئيس المحكمة في بعض القضايا، وعلى كل حال، من الواضح أن القضاء المدني أفضل من القضاء العسكري، خاصة في الجانب الموضوعي المتعلق بالعقوبات وظروف التخفيف.

سبق للقضاة قبل تجديد النقابة مقاطعة المراجعة الاستثنائية للقوائم الانتخابية تحضيرا لانتخابات 04 جويلية المتعلقة برئيس الجمهورية، ما هو موقفكم اليوم من الانتخابات؟

يضطلع القضاة في العملية الانتخابية بمهام ذات طابع إداري، تتمثل في مراجعة القوائم الانتخابية ورئاسة اللجان الانتخابية البلدية والولائية التي تقوم بجمع وتركيز النتائج. وهنا يجب التوضيح، أن مهام القضاة في الانتخابات لا تختلف عن مهام أعوان الإحصاء، لأنهم لا يحضرون عملية التصويت والفرز ولا كيفية تحرير المحاضر. ومع ذلك يحملون مسؤولية نزاهة العملية الانتخابية ظلما، ووصل الأمر إلى نعتهم بأنهم شهود زور، وهو تجني سخيف لأن دورهم لا يتعدى الإحصاء وفقط، مع وضعهم في الواجهة لإعطاء الشرعية للنتائج المعلن عنها.
أقول هذا الكلام ليس من باب التبرير أو التنصل من المسؤولية، لأن القضاة واعون بأن ممارسة الشعب لسيادته يتم التعبير عنها عن طريق الانتخابات الشفافة والنزيهة، مع وجوب توفير ظروف نجاحها المادية والبشرية. والحالة الراهنة للبلد تستوجب اللجوء إلى حل يجمع بين الشرعية الدستورية والشرعية الشعبية تفاديا للسقوط في الفراغ والتسيب، على أن يكون دور القضاء في العملية الانتخابية محوريا نصا وممارسة بأن يكون الإشراف القضائي على العملية الانتخابية كاملا وحقيقيا وفقا لنصوص واضحة.
في الجهة المقابلة، فإن الهيئة العليا المستقلة لمراقبة الانتخابات كانت تضطلع بدور فلكلوري بحت، واقتصرت مهامها على الملصقات ومساحات الإشهار وتوزيع القاعات بين مختلف المترشحين، مما جعل من تسميتها أكبر بكثير من حقيقة مهامها. ونأمل بعد توفر الظروف الموضوعية المناسبة للانتخابات، تصحيح كل الاختلالات التشريعية والتنظيمية التي تسمح بإجراء انتخابات نزيهة وشفافة، تتيح للجزائريين التعبير عن إرادتهم الحرة، وعندئذ سيكون القضاة على أتم الاستعداد لأداء الدور المنوط بهم كما يجب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.