يلقي الرئيس عبد المجيد تبون، اليوم الثلاثاء، بمقر الأممالمتحدة في نيويورك، خطابا هو الأول من نوعه منذ اعتلائه كرسي قصر المرادية نهاية العام 2019، في إطار مشاركة نادرة له في أشغال الجمعية العامة الأممية، ينتظر أن يستغلها في تبليغ المجموعة الدولية تصورات الجزائر تجاه العديد من الملفات والقضايا المطروحة إقليميا ودوليا. قال المختص في الشؤون الإستراتيجية، الدكتور رشيد علوش، إن "من أبرز الملفات التي سيحملها خطاب رئيس الجمهورية في الجمعية العامة للأمم المتحدة ستكون بداية التأكيد على عقيدة الدبلوماسية الجزائرية ومبادئها الثابتة إزاء قضايا الشعوب العادلة وحق الشعوب في تقرير مصريها غير القابل للتقادم، خاصة بالنسبة للقضية الفلسطينية التي سيتم تجديد الالتزام الجزائري بأن تحصل الدولة الفلسطينية على العضوية الكاملة في الأممالمتحدة، ولكن أيضا بتكرار الدعوة للمجتمع الدولي أن يتحمل مسؤوليته تجاه الشعب الفلسطيني الذي يتعرض لانتهاكات متكررة حرمته حتى من حقه في الحياة". وأضاف في تصريح ل "الخبر": "سيرتبط الملف الثاني بقضية الصحراء الغربية وضرورة تنظيم استفتاء تقرير المصير بما يتوافق مع قرارات اللوائح الأممية وقرارت مجلس الأمن الدولي ذات الصلة، لنصل إلى الأزمة الأوكرانية وتداعياتها على السلم والأمن الدوليين والتأكيد على التصور الجزائري المطروح لإمكانية إيجاد مخرج سلمي للأزمة". وتابع: "كما تعد الأزمة الليبية هي الأخرى من أهم الملفات التي ستحملها كلمة رئيس الجمهورية نظير معاناة الشعب الليبي من استمرار الانقسام السياسي والتدخل الخارجي الذي عرقل مسارات التسوية السلمية". وسيتطرق رئيس الجمهورية -بحسب المتحدث- لمنطقة الساحل الإفريقي عامة ومالي خاصة، من خلال إعادة التأكيد على أن المخرج الوحيد للأزمة في مالي هو التطبيق الفعلي والكامل لاتفاق السلم والمصالحة الموقّع في الجزائر سنة 2015. كما أن ما تشهده منطقة الساحل الإفريقي -حسب المصدر ذاته- سيكون في صلب خطاب رئيس الجمهورية وحدّة التعقيد التي تعرفها المنطقة كرّست الحركيات الأزموية من إرهاب وجريمة منظمة وهجرة غير شرعية عرقلت مجمل خطط وجهود التنمية، آخرها الأزمة في النيجر التي سيتم إعادة التأكيد على أن المسار الأنسب لحل الأزمة هو عدم التدخل في الشؤون الداخلية للنيجر وفسح المجال لتطبيق المبادرة الجزائرية في ذات السياق، ناهيك عن الأزمة السودانية التي تهدد تداعياتها مجمل منطقة القرن الإفريقي".
المقاربة التنموية في الساحل
ومن جهة أخرى، سيؤكد الرئيس تبون، حسب الدكتور رشيد علواش "على المبادرة الجزائرية التي تم طرحها لمكافحة الإرهاب والتطرف العنيف في إفريقيا وفق آليات إفريقية قائمة أساسا على التنمية كخيار حتمي لمواجهة مجمل الإشكاليات الأمنية التي زادتها التغييرات غير الدستورية للحكم تعقيدا، كما سيتم التطرق أيضا لمسائل الأمن الغذائي وضعف سلاسل التوريد العالمية التي تأثرت نظير التغيّرات الجيوسياسية المتسارعة والتي كرّست حالة من الاستقطاب مورست على الدول الإفريقية، زادتها التغيرات المناخية المتطرفة تعقيدا وألقت تداعياتها على شعوب القارة التي أصبحت غير قادرة على الوصول إلى الحد الأدنى من الغذاء والماء.
انفتاح على جميع القوى
لفت رشيد علوش، أن "مشاركة رئيس الجمهورية في أشغال الدورة، تأتي أيضا للتأكيد على أن الجزائر متمسكة بخيارها الحيادي في فترات الأزمات الدولية، ولكن أيضا بالتأكيد على سياسة عدم الانحياز المترافقة مع تجنّب سياسة الكيل بمكيالين وازدواجية المعايير التي طبعت العلاقات الدولية في العقد الأخير، وهذا ما سيمكّن الرئيس تبون، حسب المتحدث، من التأكيد على أن الجزائر "منفتحة على جميع القوى وترفض سياسة الاستقطاب الدولي، وهي نفس الرسائل التي حملتها مجمل الزيارات التي قادت رئيس الجمهورية إلى روسيا والصين بحثا عن موازنة الجزائر لعلاقاتها مع مجمل القوى الدولية بما يتوافق مع مصلحة الجزائر، خاصة وأن الفترة الحالية على مستوى النظام الدولي، تشهد إعادة ترتيب وإعادة تشكيل للنظام الدولي لا تريد الجزائر أن تفوّت فرصة المشاركة فيما يتم إعادة تشكيله".
تتويجا لحركية دبلوماسية
وقال الباحث في الشؤون الإستراتيجية، إن أهمية مشاركة رئيس الجمهورية في أشغال الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها 78، تأتي بداية بعد غياب للتمثيل الرئاسي على مدى 13 سنة مضت تنبع من اللقاءات التي ستكون على هامش الدورة والتي تعد رافدا مهما للدبلوماسية المتعددة الأطراف، خاصة أنها ستكون في مستويات رفيعة. وأضاف رشيد علوش، "أن الحضور الشخصي للرئيس تبون في هذه الدورة يأتي كتتويج لحركية دبلوماسية عرفتها الجزائر على مدى الأربع سنوات الماضية، استندت على مسار عمل والتزام بإعادة تفعيل الدبلوماسية الجزائرية بالارتكاز على الإرث الدبلوماسي للجزائر والمبادئ الموجهة للسياسة الخارجية الجزائرية بما يتوافق مع القانون الدولي في مجمل الملفات والقضايا المرتبطة بالسلم والأمن الدوليين".
عضوية مجلس الأمن
من جهة أخرى، تأتي مشاركة رئيس الجمهورية في الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الحالية، حسب المتحدث، بعد كسب الجزائر لرهان العضوية غير الدائمة في مجلس الأمن الدولي ومجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة كتأكيد على عودة الجزائر للعب دورها المركزي والفعال في المنطقة، وهو أيضا تأكيد على مصداقية الدبلوماسية الجزائرية في العديد من الملفات التي أثبتت فعالية التصور الجزائري في الوصول إلى حلول سلمية لأزمات معقدة في الجوار الإقليمي حفظا للسلم والأمن الدوليين اللذان يعدّان أصل وجود وإنشاء منظمة الأممالمتحدة. ومن جانبه، أكد المتحدث الأسبق باسم الأممالمتحدة، الدكتور عبد الحميد صيام، أهمية مشاركة رئيس الجمهورية شخصيا في أشغال الجمعية العامة للأمم المتحدة، بالنظر إلى ما قطعته الجزائر من أشواط معتبرة في ظل تموقعها أكثر على الساحتين الإقليمية والدولية. وأبرز الدكتور صيام، أمس الاثنين، عبر أمواج القناة الإذاعية الأولى، الأدوار الجيوستراتيجية التي تنتظر الجزائر في المرحلة القادمة بالنظر إلى ثقل وزنها الدبلوماسي في الهيئة الأممية وعضويتها غير الدائمة القادمة بمجلس الأمن. وفي ذات المنحى، شدّد الدكتور عبد الحميد صيام، على أن الجزائر تستعيد مكانتها التي تليق بها "هناك دور ينتظر الجزائر وهذا الدور سيتجلى أكثر خلال السنتين القادمتين من خلال عضوية مجلس الأمن، ستجد الجزائر نفسها تمثل من جهة المجموعة العربية، فهي الدولة العربية الوحيدة التي ستكون عضوا في مجلس الأمن وبالتنسيق مع عضوين آخرين في مجلس الأمن ستمثّل أيضا القضايا الإفريقية". وأوضح الدكتور صيام أهمية القضايا المحورية التي ستعمل الجزائر على تمثيلها، قائلا "هي قضايا مهمة جدا وتطرح نفسها الآن بشدة بعد ما حصل في النيجر والغابون والتشاد وفي مالي وفي بوركينافاسو، وبالتالي ستكون الجزائر الصوت الذي يتحدث باسم القارة الإفريقية والمنطقة العربية، وتطرح هذه الملفات بقوة على بقية أعضاء مجلس الأمن". ومن الأولويات التي ستعمل الجزائر على تحقيقها في مجلس الأمن، العمل على تعزيز التسوية السلمية للأزمات وتوطيد الشراكات ودعم دور المنظمات الإقليمية وكذا تعزيز مكانة المرأة والشباب في مسارات السلم، إلى جانب العمل على إضفاء زخم أكبر على الحرب الدولية ضد الإرهاب.