إذا كان الاحتفال بتوديع الحجاج إلى البقاع المقدسة يحظى باهتمام كبير من العائلات، من خلال إقامة مأدبة عشاء ودعوة الأقارب والأحباب، فإن فرحة عودتهم تكون أكبر، حيث تبدأ منذ اللحظة التي تطأ فيها أقدامهم أرض الوطن، إذ يُستقبلون بالزغاريد في المطار، وتنظيم مواكب يكون فيها الحاج بمثابة العريس الذي يُزف في يوم عرسه، غير أن الملاحظ في السنوات الأخيرة، أن مظاهر الاحتفال بدأت تخرج عن التقاليد المتعارف عليها، وبدأت تأخذ أبعادًا لا يمكن وصفها، إذ تميل إلى البذخ والتبذير، وهو ما حاولت "المساء" تسليط الضوء عليه. بدأت وفود الحجاج تصل إلى أرض الوطن، بعد أداء مناسك الحج، ويُعد هذا الحدث من أهم المناسبات التي توليها العائلات اهتمامًا بالغًا. فعادةً ما يُعتبر موعد عودة الحاج، سواء كان الجد أو الجدة، الأب أو الأخ، أو أحد الأقارب، عيدًا حقيقيًا، حيث يتم تهيئة وتنظيف المنزل، ويتأهب جميع أفراد الأسرة والأقارب للذهاب إلى المطار، واستقباله بالزغاريد والأعلام الوطنية والورد والغناء والتهليل. ومن أبرز العادات التي دأبت عليها العائلات في مختلف مناطق الوطن، إقامة وليمة عشاء ودعوة الأهل والأقارب، كنوع من الصدقة، وتعبيرًا عن الفرح بأداء هذه الشعيرة الدينية وطريقة للم شمل العائلة، وتوطيد صلة الرحم. والمتعارف عليه، حسب ما رصدته "المساء"، من شهادات عدد كبير من المستجوبين، أن طريقة الاحتفال كانت تتم بتحضير طبق تقليدي، غالبًا ما يكون الكسكسي باللحم، "الرشتة"، أو "الشخشوخة"، حسب طبيعة المنطقة. ويجتمع الأهل والأقارب لتهنئة الحاج، وتناول العشاء في أجواء من الفرحة والدفء العائلي. كما تُعد المناسبة فرصة لارتشاف ماء زمزم، الذي يُعد أهم هدية ينتظرها الضيوف من الحاج. ويظل منزل الحاج مفتوحا لاستقبال المهنئين لعدة أيام، خاصة لمن تعذر عليهم حضور مأدبة العشاء. غير أن ما يُلاحظ في الآونة الأخيرة، خروج طريقة استقبال الحجاج والاحتفال بعودتهم عن إطارها التقليدي، حيث بدأت تظهر بعض الممارسات التي تُسيء إلى هذا الحدث الديني والاجتماعي. فبعدما كانت مأدبة العشاء تقام في المنازل، باتت تُنظم في قاعات الحفلات، وتأخذ شكل الأعراس، حيث يتم إرسال الدعوات وتحديد موعد الاحتفال في القاعة، وهو أمر استنكره الكثيرون، كونه يفتح باب البدعة، ويحول الحدث من مناسبة اجتماعية بسيطة إلى مظاهر مبالغة ومنافسة على من يقيم أكبر احتفال. وفي هذا الصدد، لفت كمال شكات، عضو رابطة علماء وأئمة ودعاة دول الساحل، في حديثه إلى "المساء"، إلى أن الأصل في الأمور هو الإباحة، بمعنى أن الاحتفال بعودة الحجاج لا يُعد أمرًا مرفوضا، ما دام في إطاره العائلي المعتدل. وأكد أن الوسطية هي الأساس، فلا ينبغي المبالغة، خاصة وأن مثل هذه الاحتفالات تُنفق فيها أموال طائلة لتحضير مأدبة العشاء، مضيفًا أن الأولى أن تُصرف هذه الأموال في وجوه الخير والصدقة، بدلًا من التبذير. وأضاف شكات، بأن الاحتفال بعودة الحاج لا يُعتبر بدعة، إذا اقتصر على الأسرة الصغيرة، لكنه حذر من الوقوع في فخ التباهي، والبذخ، وتقليد الآخرين، لأن ما يبدأ بمبادرة فردية سرعان ما يتحول إلى عادة، قد تأخذ أشكالًا غير محمودة. من جهة أخرى، أشار المتحدث إلى أن الأصل في الاحتفال جائز، باعتباره تعبيرا عن الفرح بعودة الحاج سالمًا غانمًا، لكن يُفضل أن يظل في إطار الأسرة الصغيرة، ويقتصر على تبادل التهاني وتناول العشاء، أما ما عدا ذلك من ممارسات دخيلة، فلا ينبغي الترويج لها، حتى لا تتحول إلى بدع. ودعا في الختام، إلى التحلي بالعقلانية والاعتدال في مثل هذه المناسبات الاحتفالية.