يعد حي القبية بمدينة عاصمة روسيكادا، أو كما كان يعرف خلال الحقبة الاستعمارية، ب«الحي العربي" أو "حي الأهالي"، واحدا من بين أهم الأحياء التي ما تزال إلى يومنا هذا، تؤرخ لمدينة عريقة ومجد أمة ووطن ارتوى بدماء أبنائه، ورغم صروف الزمن، ما يزال هذا الحي، يحافظ على النمط العمراني الذي بني عليه منذ مئات السنين، مع بعض التحويلات والتحويرات التي طرأت عليه، فرضتها الظروف والأحوال، وفي بعض الأحيان "الجهل"، فهو حي متميز بطابعه المعماري المتفرد، والذي كان بالإمكان أن يكون واحدا من بين أهم المعالم للسياحية بسكيكدة. حسب المصادر التاريخية التي جمعتها "المساء" من عدة مراجع، تشير إلى أن هذا الحي بني ما بين سنتي 1948 و1949 بنمط عمراني يشبه إلى حد كبير، الديار العربية الموجودة بالأندلس، خصوصا ديار بنو ظريف، يحتوي على أكثر من أربعين بيتا، كلها أنجزت على الطراز العربي الموريسكي، على غرار العديد من المباني التي لا تزال موجودة، حتى وإن كان بعضها قد طرأت على هندسته، العديد من التحويرات، كما هو الحال بمسجد "سيدي علي الأديب"، الذي بني ما بين سنتي 1844 و1846، وبعده مقر البلدية سكيكدة، الذي بني سنة 1848، والمسرح الجهوي الذي يعود إلى نفس السنة تقريبا، فيما شيد قصر مريم عزة سنة 1913، والنزل البلدي ومحطة القطار سنة 1930، والبنك الوطني ومركز البريد ومقر الشرطة الذي يتواجد بشارع "زيروت"، أو كما يعرف بمجمع "مونطالو"، وهو المهندس الذي وضع تصميمه، دون إغفال دار الصناعة التقليدية التي هي الآن المركز الثقافي البلدي "عيسات إيدير"، الذي كان مقرا للخطب الوطنية لمناضلي "انتصار الحريات الديمقراطية"، وكذا "حزب أصدقاء البيان" الذي خطب فيه فرحات عباس.. والحي الذي استقر فيه السكان الأصليون لمدينة سكيكدة "القبية"، كان من الأحياء التي شهدت ميلاد الحركة الوطنية الجزائرية، ولجأ إليه الوطنيون، وحتى الفدائيون خلال الثورة المسلحة، من بين هؤلاء الأبطال، الشهيد والبطل الرمز محمد ناموس. وحي "القبية"، كغيره من الأحياء العريقة بعاصمة روسيكادا، ما يزال إلى اليوم، يحتفظ بعدة بنيات عريقة، على غرار "الحمام العربي"، أو كما يعرف باسم "حمام لآلة ربيحة"، الذي أنجز هو الآخر على الطراز الموريسكي، والذي يحتفظ ببعض الزخارف ذات الألوان المختلفة من الزليج، بما فيها ألوان زجاج الحمام ومحتوياته، كما توجد به زخارف ذات تقاسيم بربرية، كما هو الحال بالمشكاة التي تزين قصر "مريم عزة". والأكثر من ذلك، ما تزال في بعض جدران عدد من سكنات "القبية"، كتابات تندد بسياسة الاستعمار الفرنسي. ويبقى الحي ككل، الذي تعرف فيه العديد من السكنات تدهورا كبيرا، فيما تهدَّم جزء منها وطرأت تغيرات كثيرة على بعض منها، وأفقدها طابعها المميز، بحاجة ماسة إلى التفاتة الجهات المعنية، لاسيما من مديريتي الثقافة والسياحة، من أجل إخضاع العديد من تلك السكنات، أو ما تبقى منها، لعملية ترميم كبيرة، كما هو الحال بحي القصبة، ليحافظ على نمطه العمراني، قبل أن تتحول أجزاء منه إلى أطلال، بما فيها تلك البنايات المتواجدة داخل المقبرة، والتي تعد، حسب العارفين، امتدادا للحي، لاسيما وأن بها بعض الزخارف وغيرها، ولما لا العمل على تصنيفه، مع تحديد وتعيين الأماكن التي كان يتخذها الفدائيون لتنفيذ عملياتهم الفدائية، خصوصا خلال أحداث "20 أوت 55"، وجعلها مزارا للسياح.