سيكون الرئيس الفرنسي اليوم أمام المحك، في ظل مؤشرات السقوط المحتمل لحكومة رئيس الوزراء فرانسوا بايرو الذي دعا إلى الإعلان عن تصويت الثقة لحكومته خلال جلسة يعقدها الرئيس الفرنسي على مستوى البرلمان بطلب من رئيس وزرائه، غير أن دعوة بايرو النواب للاختيار بين الفوضى أو الضمير والمسؤولية، لم يكن لها الصدى المطلوب في ظل ضغط الطبقة السياسية من يمينها إلى يسارها لسحب الثقة من الحكومة التي زادت إجراءاتها التقييدية في تأزيم الوضع الاجتماعي المرشح للانفجار. يجد الرئيس الفرنسي نفسه في وضع حرج بسبب الإفرازات المرتقبة لسقوط الحكومة، حيث سيضطر للبحث عن خامس وزير أول بعد اعادة انتخابه في ماي 2022، والأمر لا يتوقف عند هذا الحد بل أنه يعكس حقا الأزمة السياسية التي تعيشها فرنسا منذ حله الجمعية الوطنية في جوان 2024 بعد فوز اليمين المتطرف في الانتخابات الأوروبية. ولن يكون مصير بايرو مختلفا عن مصير سلفه ميشال بارنييه، خاصة وأن الأوساط السياسية والشعبية في فرنسا مازالت تتمسك بتنظيم احتجاجات الغضب العارم يوم 10 سبتمبر، لتليها مظاهرات النقابات العمالية يوم 18 من ذات الشهر، ما يعني أنها رسالة واضحة لحكومة ماكرون برفض أي محاولة لإحجام غضب الفرنسيين الذين لا يتسامحون مع أي إجراء يمس جيوبهم. بل أن مطالب الطبقة السياسية وصلت إلى حد مطالبة الرئيس الفرنسي لمغادرة الحكم، حيث أظهرت استطلاعات الرأي الأخيرة تراجع ثقة الفرنسيين بالرئيس ماكرون بشكل غير مسبوق، أبدى خلالها نحو 64% من المواطنين عن رغبتهم في استقالته وتنظيم انتخابات رئاسية مبكرة، بدلا من تعيين رئيس وزراء خامس في أقل من عامين. كما دعا 56% من الفرنسيين إلى إجراء انتخابات تشريعية مبكرة لإيجاد حلّ للأزمة السياسية التي تعصف بالبلاد، في حين لم يعرب سوى 15% عن ثقتهم بالرئيس ماكرون وفق استطلاع آخر، في أدنى مستوى منذ انتخابه عام 2017. علاوة على ذلك، تراجع دعم الناخبين لماكرون بين من صوتوا له في الدورة الأولى عام 2022 إلى 45% فقط، فيما سجل رئيس الوزراء فرنسوا بايرو أدنى مستوى ثقة على الإطلاق قبيل تصويت الجمعية الوطنية، وسط أزمة ديون واحتقان سياسي حاد. وأجريت الاستطلاعات عبر الإنترنت على عينات تمثل سكان فرنسا الكبرى، مع هامش خطأ تراوح بين 1.4 و3.1 نقاط، لتؤكد عمق الأزمة السياسية وارتفاع مطالب الفرنسيين بإحداث تغيير جذري في القيادة. من جهته، حاول الوزير الأول الفرنسي منذ توليه المنصب في ديسمبر الماضي، منح فرنسا مساحة للمناورة السياسية، لكنه لم ينجح في تبديد الغيوم الاقتصادية الثقيلة، في الوقت الذي حاول فيه اعتماد خطاب يحمل ما وصفه ب«الضرورة الوطنية"، ما جعل عددا من وزرائه يصفون الإجراء بالشجاع والديمقراطي، في حين حذّر وزير الداخلية برونو روتايو من أن التصويت لإسقاط الحكومة سيكون تصويتا ضد مصالح فرنسا. ويبدو أن بايرو قد تعلم من تجربة سابقه ميشال بارنييه، الذي أُطيح به بعد ثلاثة أشهر فقط في منصب رئيس الوزراء، وأكد أنه لا ينوي انتظار الحجب دون محاولة البحث عن حلول أو إعادة تأكيد المبادئ، في الوقت الذي يرى أن مبلغ التوفير المالي البالغ نحو 44 مليار أورو غير قابل للتفاوض، غير أنه أبدى استعداده لمناقشة كل التدابير على غرار أيام العطل وإيجاد تواريخ بديلة، متمسكا بعدم التخلي عن الوعي بخطورة الوضع والرغبة في الخروج من فخ الديون المتفاقمة. والواقع أن الفرنسيين لا يحملون بايرو مسؤولية تأزم الوضع بقدر ما يحملون ماكرون المسؤولية المباشرة في الأخطاء الجسيمة، ما يجعله في مواجهة العزل أو استمرار الاحتجاجات والإضرابات وتداعياتها الخطيرة على الأسواق الداخلية وتكاليف الإنتاج والبطالة والأمن الداخلي.