توجهت ربات البيوت هذه السنة، مع وفرة الإنتاج الموسمي، إلى إحياء حرفة تقليدية عريقة، لطالما ميزت المطابخ الجزائرية، وهي صناعة المربى والمركزات المنزلية من الفواكه الموسمية. مشهد عاد ليزين البيوت مجددا، حيث تحولت المطابخ إلى ورشات صغيرة تفوح منها رائحة السفرجل والعنب والإجاص، في طقس جماعي دافئ، يستحضر روح الجدات وحنين الزمن الجميل. مع دخول موسم الفواكه، عرفت أسواق عنابة انتشارا واسعا لمختلف الأصناف: سفرجل طري ومتين، عنب متدلٍ وأصناف متعددة، إجاص يانع وليمون ذو جودة، وتين طازج من المناطق الجبلية أو الضواحي. هذه الوفرة لم تكن مجرد فرصة للشراء، بل هي دعوة لتحويل الكثرة إلى استثمار منزلي يعود بالفائدة. تعرف بعض الأنواع من الفواكه تذبذبًا في السعر، خلال المواسم الجيدة، لكن هذا الموسم تميز باتساع العرض واستقرار الأسعار نسبيا في معظم الأحياء. تقول ربة المنزل فلة "هذا العام الأسعار جيدة، ما بين المتوسط والمنخفض في بعض الأصناف، الأمر الذي جعلني أشتري كميات أكبر مما كنت أفعل في السنوات الماضية". تهدف ربات البيوت إلى صناعتين رئيسيتين، الأولى هي المربى، الذي يُستخدم لفطور الصباح في الشتاء، ويُحضر من السفرجل، الإجاص، العنب، التين وغيرها. تُقطع الفواكه، تُطهى مع السكر والليمون أحيانا، حتى تنضج وتكثُف، وتُخزن في أوانٍ زجاجية محكمة الغلق. بعض السيدات يُضفن لمسة من الزنجبيل أو القرفة، لإعطاء نكهة خاصة. أما الثانية فهي المركزات والعصائر المنزلية، مثل الليمون المركز ومركز الفواكه الحامضة، التي تُخزن تحضيرا لشهر رمضان، حيث يكثر الطلب على العصائر الباردة والمنعشة. ما يُميز هذه الحرفة ليس العمل وحده، بل الطقس الذي يصاحبها. تجمع الجارات والأخوات في مطبخ واحدة لتبادل الخبرات، وعمل المربى سويا، فتُقسم المهام: بعضهن تغسل وتقطع، وأخريات يُعِدن الأواني والزجاج. وخلال هذه الجلسات، تُتَناقَل الأسرار الصغيرة: معرفة متى تُطهى القطع دون أن تفقد شكلها، أو كيف تُحافظ الفاكهة على لونها الزاهي، أو كمية السكر المناسبة التي لا تُخنق النكهة الطبيعية. الاستمتاع برائحة الفواكه المشرقة يملأ البيت، رائحة حمضية من الليمون، وزهرية من السفرجل، تُعيد الذكريات إلى أيام الطفولة. رغم الحنين والتراث، هناك دوافع واقعية وراء هذه العودة، أهمها تحسين الميزانية المنزلية. بدل شراء المربى والعصائر الجاهزة التي غالبًا ما تكون باهظة الثمن، أو تحتوي على مواد حافظة، تُفضل العديد من السيدات تحضيرها منزليا بتكلفة أقل وجودة أعلى. كما يمنحهن ذلك التحكم في نسبة السكر والمحتوى، ما يجنب الإضافات الصناعية. والميزة الأكبر أن هذه المنتجات تُخزن لفترات طويلة، ما يوفر طمأنينة غذائية للعائلة طوال الشتاء أو شهر رمضان. خديجة، من حي الريم في عنابة، تقول إنها اشترت هذا الموسم سفرجلا من السوق المركزي، ووزعت حصصا من العنب والإجاص لتحضير مربى متنوع. "قسمت الأيام بين أنواع الفاكهة، حتى لا أُرهق نفسي ولا الأطفال. يومًا للسفرجل، وآخر للعنب، وثالث للإجاص"، وتضحك مضيفة "استعنت بجارتي، تقطع وتغسل، وأنا أطهو وأرتب الزجاجات" وتختم حديثها بشغف "هذا العام جربت وصفة جديدة، أضفت قليلًا من مركز الزهر في مربى الإجاص، وكانت النتيجة مدهشة." مع ذلك، لا يخلو هذا العمل من التحديات. تخزين آمن للمربى يتطلب أوعية زجاجية معقمة، وإغلاقًا محكمًا لمنع تسرب الهواء والعفن. ولأن النساء يرفضن استخدام المواد الحافظة الصناعية، يلجأن لليمون الطبيعي أو السكر بنسب مدروسة لضمان الحفظ السليم. ويبقى التحدي الأكبر هو عامل الوقت والجهد، إذ يتطلب التحضير ساعات من التنظيف والطهي والترتيب. لكن رغم عودة الكثير من النساء إلى تحضير المربى والعصائر المنزلية، إلا أن عددًا لا بأس به من السيدات لا يتحمسن لهذا النوع من الأشغال المنزلية "بسبب العملية المتعية، التي تأخذ الجهد والوقت معا، خاصة بالنسبة للعاملات".