جمع الماستر كلاس الذي احتضنه فندق "قورارة" بتيميمون وخصّص لموضوع "التفكيك: تمثيل افريقيا، حوار لكسر الصور النمطية في النظرة الغربية" المخرج الكونغولي ديودو حمادي والجزائري عبد النور زحزاح لتبادل تجاربهما وتفكيك تراكمات النظرة النمطية إلى إفريقيا، ومساءلة الأثر العميق الذي خلّفته السينما الاستعمارية في تشكيل التمثلات البصرية عن القارة. افتتح ديودو حمادي النقاش بالعودة إلى قضية الصور النمطية في تمثيل إفريقيا والكونغو. وبالنسبة إليه، الصورة النمطية ليست خطأ في حدّ ذاتها، فهي تمثّل جزءاً من الواقع، لكن المشكلة تبدأ حين يتحوّل هذا الجزء إلى الكل، وحين يُختزل بلد بكامله في صورة مبسّطة أحادية البعد. وانطلاقاً من تجربته كمخرج، يوضح حمادي أنّ عمله يتمثّل في تجاوز هذه الصور السطحية، فسرد الحرب أو الفقر أو الأزمات السياسية لا يشكّل إلا طبقة أولى من المشهد. أما السينما الحقيقية، كما يقول، فهي في البحث عن تفاصيل الحياة اليومية، وعن كيف يعيش الناس رغم الصعوبات، وفي التقاط تنوّع التجارب وعمقها.يؤكّد حمادي أيضاً أنّ فهم التاريخ والذاكرة شرط أساسي للتمييز بين نظرة المخرج الإفريقي ونظرة صانع الأفلام الذي ينتج أعمالاً "نمطية". فالكونغو، مثل العديد من الدول الإفريقية، يحمل تاريخاً ثقيلاً وحاضراً هشّاً. ويذكّر قائلاً "لقد قطعنا طريقاً طويلة"، موضّحاً أنّ ضعف الوسائل الإنتاجية يجعل مسؤولية التمثيل الصادق أكثر تعقيداً. وعن واقع التمويل وصعوبات صناعة السينما في إفريقيا يقول "منذ فترة، عندما أتيحت لي الفرصة للحديث عن وضع السينما في إفريقيا، أعود إلى ما يلاحظه الكثير من الناس في الوسط السينمائي الإفريقي، لا يجب الدوران حول الموضوع. من يموّل السينما الإفريقية؟ أين تُقدَّر؟ ومن يشاهدها؟". بمجرد أن نجيب عن هذه الأسئلة الثلاثة، نبدأ بفهم مكان المشاكل، يقول المتدخّل "بالنسبة لي، كمخرج كونغولي أعمل منذ نحو خمسة عشر عامًا، بالكاد حصلت في عام 2025 على دعم ملموس من الحكومة الكونغولية. لقد اضطررت للعمل فقط بالأموال الأجنبية، وغالباً مع لجان لا يشارك فيها كثير من الأفارقة. وعندما يُموَّل الفيلم من الخارج، هناك رقابة ضمنية غير معلنة، وقد يكون هناك أجندة لا أعرفها تؤثّر على عملي. كما توقّف حمادي عند مسألة المهرجانات، مشيرا إلى أنّ العديد من المهرجانات التي تمنح الفيلم القيمة الكبرى تقع خارج إفريقيا، باستثناء فسباكو وقرطاج وعدد قليل آخر. إذا لم يشارك المخرج في مهرجانات مثل برلين أو كان، يُنظر إلى فيلمه وكأنّه لم يُصنع، أما عن التوزيع، في بلد يقدر عدد سكانه بمئة مليون نسمة وعاصمة تضم عشرين مليوناً، فلدينا قاعة سينما واحدة فقط تتّسع ل83 شخصًا. إذا أردنا الاستمرار في صناعة الأفلام وعيش حياة كريمة كمخرجين، نحتاج إلى دعم محلي، استثمار حكومي، تدريب الشباب، وتجهيز الأعمال. وإلاّ، سنظل مضطرين للبحث عن تمويل خارج بلادنا، مع الحفاظ على كرامتنا". اما المخرج الجزائري نور الدين زحزاح، فيشير إلى ضرورة تحليل إرث السينما الاستعمارية لفهم اختلالات النظرة المعاصرة، ويوسّع في مداخلته، النقاش بالعودة إلى إرث السينما الاستعمارية، موضّحاً أنّ الأفلام المنتَجة خلال الحقبة الاستعمارية كانت أكثر انتشاراً وعرضاً وحفظاً من الأفلام الجزائرية بعد الاستقلال، وتشكّلت منها مع مرور الوقت ما يشبه نوعًا سينمائيًا مستقلًا. ويحلّل زحزاح كيف تستمر آثار السينما الاستعمارية في التغلغل داخل أساليب الصورة والسرد عند بعض المخرجين المعاصرين، من اعتماد جنيريكات باللغة الإنجليزية، إلى غياب استخدام اللغات المحلية، إلى تكرار أنماط سردية وافدة لا تمت إلى الواقع بصلة. ويعترف بأنه وقع في هذه الفخاخ في بداياته، ما يعكس امتداد هيمنة بصرية قديمة. ولفهم هذا الامتداد، يذكّر زحزاح بأن النظرة الغربية إلى إفريقيا لم تُبنَ عشوائياً، بل تأسّست على منظومات إيديولوجية وعسكرية وعلمية. ويستحضر مدرسة الجزائر للطب النفسي في ثلاثينيات القرن الماضي، التي روجت لنظريات عنصرية صنّفت "الإنسان المغاربي" بين "البدائي" و"المتطوّر"، وظلت تُدرس حتى عام 1971. رغم اختلاف التجربتين اللتين قدّمتا في الماستر كلاس، التقى المخرجان في نتيجة واحدة هي أنّ السينما الإفريقية مدعوّة إلى تفكيك الصور المختزلة واستعادة حقها في إنتاج سردياتها الخاصة. بالنسبة لحمادي، يتجلى هذا المسعى في تجاوز الصور النمطية والغوص في تعددية الحياة مع تأمين شروط العمل والدعم المحلي. وبالنسبة لزحزاح، يكمن في فهم البنى التاريخية التي شكلت هذه الصور ومواجهة جذورها العميقة. يتفق الاثنان على أن السينما الإفريقية اليوم فعل مقاومة، مقاومة للهيمنة البصريةوللتصنيفات الجاهز وللصور المفروضة على الشعوب بدل أن تُصاغ من داخلها، كذلك. فهي دعوة لإعادة بناء صورة إفريقيا من داخل الذاكرة المحلية، ومن عمق اللغة، ومن الحياة الواقعية للناس.. بكل ما فيها من قوة وتنوع وتعقيد.