احتفلت جمعية "روافد للثّقافة والفنون" باليوم العالمي للّغة العربية، في تظاهرة ثقافية متميّزة نُظمّت بالتنسيق مع دار الثّقافة والفنون لولاية باتنة، بشعار "آفاق مبتكرة لتطوير اللّغة العربية، سياسات وممارسات من أجل مستقبل متسامح لغويًا"، وذلك في إطار يوم دراسي نشّطه نخبة من دكاترة اللّغة والفنون في جامعة باتنة 1. شمل برنامج اليوم الدراسي إلى جانب المداخلات الأكاديمية، فقرات شعرية راقية قدّمها نخبة من الشعراء الذين وشّحوا الأسماع بأعذب القصائد وأرقّها، مبرزين قدرة اللّغة العربية على صناعة الجمال والتعبير الإنساني العميق، وكان في مقدّمة المشاركين سليمة مسعودي، نورا القطني، نعيمة بوستة، عليجة عبادلية، وسليم صيفي، إلى جانب سعاد كاشا، فاتح غضبان وأحمد حجيرة. كما تخلّل اليوم الدراسي معرض لفن الزخرفة والخط العربي للفنّانة الواعدة عبير بولسنان، عكس ثراء الإبداع الفنّي والأصالة الثّقافية المرتبطة باللّغة العربية، وتكامل هذا المشهد الجمالي مع وصلات إنشادية مميّزة أدّتها المنشدة خديجة حربوش، من ذوي الهمم العالية في نموذج ملهم للطموح والإبداع. بهذه المناسبة ألقى رئيس الجمعية مصطفى ضيف الله، كلمة نوّه فيها بالمكانة الراقية التي تحتلّها اللّغة العربية عالميًا، والتي دفعت بالأمم المتحدة إلى اعتماد يوم عالمي للاحتفاء بها منذ سنة 2012، كما أكّد على خصوصياتها الحضارية والثّقافية، مشيرًا إلى أنّ التحدّيات والمضايقات التي تواجهها خاصة بسبب ضعف حضورها في مجالات التقانة والبرمجيات، هي عوائق مرحلية ستتجاوزها العربية حتمًا في الأفق القريب. وشهدت الاحتفالية تقديم ثلاث مداخلات علمية وازنة، جاءت الأولى للدكتورة حقاين جمعة، بعنوان من "حماية اللّغة إلى تمكينها، استراتيجيات معاصرة للنّهوض بالعربية"، حيث تناولت واقع اللّغة العربية والتحدّيات التي تواجهها، داعية إلى الانتقال من منطق الحماية والخوف من الاندثار إلى منطق التمكين والمواكبة خاصة في ظلّ الإعلام الرقمي الجديد، مع طرح حلول لمواجهة تأثيرات العولمة على الهُوية واللّغة. أما المداخلة الثانية فكانت للبروفيسور دومان غنية، بعنوان "أدب الطّفل واللّغة العربية، حيث يولد الإبداع ويُغرس الفكر، إذ تناولت أدب الطّفل كظاهرة ثقافية وتربوية، مبرزة دوره في تنمية الخيال الإبداعي وبناء القدرات الاجتماعية، مؤكّدة أنّ التنشئة الاجتماعية لا تقتصر على التعليم الرسمي، بل تشمل الأسرة بوصفها النّواة الأساسية في بناء شخصية الطّفل وصناعة رجل وامرأة المستقبل، مع التشديد على أهمية ما يُغذّى به فكريًا وقيميًا. جاءت المداخلة الثالثة للدكتورة سليمة مسعودي، بعنوان "اللّغة العربية وإبداعها في ظلّ التحوّلات الرقمية"، دعت فيها إلى الاعتزاز باللّغة العربية باعتبارها لغة حضارة وهُوية، وطرحت تساؤلات حول قدرتها على التفاعل مع التحوّل الرقمي بوصفها لغة علم وتكنولوجيا، مشيرة إلى ما تتميّز به من مرونة اشتقاقية وثراء تعبيري، كما اعتبرت النّص الرقمي حاضنة جديدة للإبداع، وتطرّقت إلى أهمية الترجمة والتعلّم الإلكتروني في تعزيز مهارات التفكير النّقدي والكفاءة اللّغوية لدى النّاطقين بغير العربية. في الشّق الثاني من الاحتفالية حضر الإبداع الشعري بقوّة، حيث أكّدت الشاعرة المتألّقة نورا القطني، التي صدر لها مؤخرًا ديوانها الثالث "وهم في قفص الاتهام"، أنّ مصطلح "الأدب النّسوي" يظلّ غير ثابت وغير مستقر لما يثيره من جدل واعتراضات بغضّ النّظر عن إشكاليات التعبير. وقد أطربت الحضور بقصيدتها "إيه يا زمان" التي جسّدت معاناة أهل غزّة الجريحة. من جهتها أوضحت الشاعرة نعيمة بوستة، أنّ الأدب والشعر يشكّلان إضافة ثمينة للفسيفساء الثّقافية الجزائرية، مؤكّدة أهمية مثل هذه المبادرات الجادة في نبش الرصيد الحضاري والثّقافي، والتعريف بالطقوس الموروثة التي احتلّت مكانة اجتماعية مقدّسة في تقاليدنا العريقة، مع التشديد على ضرورة تثمين قيمة الأدب وتعزيز الوجود النّسائي في المشهد الأدبي من خلال تنظيم لقاءات شعرية احتفاءً باللّغة العربية. وتطرقت الشاعرة إلى قصيدتها "طفلة من غزّة"، المستوحاة من مأساة طفلة فقدت عائلتها في القصف الجائر على غزّة، وكانت النّاجية الوحيدة تجلس على أنقاض منزلها تبكي وتصرخ "فقدت عائلتي... فمن لي بعدهم؟"، وهي الصورة التي ألهمتها كتابة القصيدة. واختُتمت هذه الاحتفالية الثّقافية بتكريم المشاركين وزيارة معرض فن الزخرفة والخط العربي للفنّانة عبير بولسنان، في أجواء جسّدت مكانة اللّغة العربية كحاضنة للإبداع ورافعة للهُوية وجسر للحوار الثّقافي.