لم يشكل البعد الثقافي في الحملة الانتخابية التي تسابق فيها 44 حزبا مدة ثلاثة أسابيع أي حضور قد يلفت المواطنين، وركزوا في خطاباتهم على تحسين الوضع الاجتماعي وتطوير التنمية الاقتصادية للبلاد دون الاهتمام بالشق الثقافي الذي يعد عاملا مفصليا في تطور الشعوب وازدهار البلدان، ورغم أن معظم الجمعيات والحركات والأحزاب السياسية قد نشطت تجمعاتها في دور الثقافة الموجودة عبر القطر، إلا أن المصادفة هذه لم تذكّر السياسيين بالأهمية البالغة لدور الثقافة والمثقفين في هندسة الأفكار التي من شأنها أن ترتقي بالمجتمع نحو الأحسن. وفي مسح شامل عبر قراءة يومية لنشاطات الأحزاب وتجمعاتهم عبر الصحف اليومية، الخاصة والعمومية، ما يلفت النظر هو أن الشأن الثقافي لم يشكل هاجسا للسياسيين ولا مجالا للنقاش حوله، ومالوا أكثر إلى الجانب الاجتماعي والمعيشي بسبب مطالب المواطنين المتكررة في تحسين هذا الأداء، إلا أن الأمر يستدعي تحسين قطاع الثقافة، إذ يحق للجزائريين أن ينهلوا من ثقافة الوعي وإدراك فعاليتهم في بناء الوطن من خلال اكتساب سلوكات تعكس ثقافتهم وحضارتهم، والتي بدورها تنتج حياة أفضل لجميع الجزائريين. الجانب الثقافي في منظور الأحزاب المتنافسة على مقاعد المجالس البلدية والولائية غائب، إذ كشفت الحملة الانتخابية للتشريعيات التي يقودها العديد من المثقفين، أنهم لم يبدوا أي اهتمام بأي مشروع ثقافي حقيقي من شأنه أن يعطي الإضافة المنشودة لأبناء الوطن، وليتمكن الجزائريون من الإجماع على مشروع ثقافي واعد متفق عليه يصاغ على ضوئه عقد اجتماعي وسلم قيم ومعايير تحكم الممارسات السياسية والاجتماعية. ويمكن استثناء بعض الأحزاب التي سلطت عبر مواقعها الالكترونية فقط الضوء على قطاع الثقافة، وليس عبر تجمعاتها، على غرار حزب جبهة التحرير الوطني الذي رصد في برنامجه مجموعة النقاط التي تخص القطاع الثقافي، حيث تعهدت بوضع دراسة معمقة للضحالة الثقافية على كل الأصعدة وابتكار الحلول لها، واستكمال مشروع مكتبة في كل بلدية وتزويدها بالكتب ومدّها بالتأطير الملائم واستكمال ربطها بشبكة الانترنت، بالإضافة إلى دعم الجمعيات النشطة في مجال الثقافة وحماية التراث، ومرافقة الشباب في تكوين النوادي العلمية والفرق المسرحية فضلا عن إقامة مؤسسات صغيرة للشباب تعنى بصناعة الكتاب وتوزيعه ودعم إنشاء النوادي الفكرية والعلمية ما بين الجامعات. ويتضمن برنامج الأفلان كذلك، مواصلة إنجاز المتاحف على مستوى الولايات والمناطق ذات الأهمية التاريخية وصيانة وعصرنة الموجود منها حماية للتراث الوطني والذاكرة الجماعية من التشويه أو المتاجرة. من جانبه، اكتفى التجمع الوطني الديمقراطي بالإشارة إلى ضرورة ترقية الثقافة الجزائرية، كإسمنت بالنسبة للهوية الوطنية. أما تكتل الجزائر الخضراء الذي يضم حركة مجتمع السلم وحركة النهضة وحركة الإصلاح الوطني فلم يخض في القطاع أو يشر إليه، وركزت حسب مفهومها على أهمية النهوض بالتّعليم كأساس لمجتمع بشري أكثر استدامة. ونجد حزب الحرية والعدالة يرصد في الميدان الثقافي عبر موقعه الالكتروني، العمل على تأسيس مجلس وطني للثقافة والفنون والآداب وتطوير اللغة الأمازيغية وتوحيد طريقة كتابتها، وتطوير التراث الأمازيغي والتّعريف به باعتباره شاهدا على العمق الحضاري للجزائر، والعمل على إشراك النّخبة الثقافية في عملية التّغيير حتى لا تظل حركة الفكر معزولة عن حركة المجتمع، دعم نشر وصناعة الكتاب الجيد وتشجيع المطالعة، تفعيل المؤسسات الثقافية للمساهمة في البناء الحضاري، وتنظيم قوافل ثقافية وترفيهية نحو المناطق الريفية والنائية وإعادة الاعتبار للمعالم الثقافية والأماكن السياحية والمواقع الأثرية.