وسط ترقب الدوري السعودي.. ميلان يضع بن ناصر على لائحة البيع    حنكة دبلوماسية..دور حكيم ثابت وقناعة راسخة للجزائر    أكنّ للجزائر وتاريخها العريق تقديرا خاصا..وكل الاحترام لجاليتها    مهرجان عنابة..عودة الفن السابع إلى مدينة الأدب والفنون    إبراز البعد الفني والتاريخي والوطني للشيخ عبد الكريم دالي    التراث الثقافي الجزائري واجهة الأمة ومستقبلها    مطالبات بتحقيقات مستقلّة في المقابر الجماعية بغزّة    تقرير دولي أسود ضد الاحتلال المغربي للصّحراء الغربية    استقالة متحدّثة باسم الخارجية الأمريكية من منصبها    تكوين 50 أستاذا وطالب دكتوراه في التّعليم المُتكامل    ثقافة مجتمعية أساسها احترام متبادل وتنافسية شريفة    العاصمة.. ديناميكية كبيرة في ترقية الفضاءات الرياضية    حريصون على تعزيز فرص الشباب وإبراز مواهبهم    وكالة الأمن الصحي..ثمرة اهتمام الرّئيس بصحّة المواطن    تحضيرات مُكثفة لإنجاح موسم الحصاد..عام خير    تسهيلات بالجملة للمستثمرين في النسيج والملابس الجاهزة    المسيلة..تسهيلات ومرافقة تامّة للفلاّحين    استفادة جميع ولايات الوطن من هياكل صحية جديدة    قال بفضل أدائها في مجال الإبداع وإنشاء المؤسسات،كمال بداري: جامعة بجاية أنشأت 200 مشروع اقتصادي وحققت 20 براءة اختراع    الشباب يبلغ نهائي الكأس    بونجاح يتوّج وبراهيمي وبن يطو يتألقان    خلافان يؤخّران إعلان انتقال مبابي    بعد إتمام إنجاز المركز الوطني الجزائري للخدمات الرقمية: سيساهم في تعزيز السيادة الرقمية وتحقيق الاستقلال التكنولوجي    سوناطراك تتعاون مع أوكيو    الأقصى في مرمى التدنيس    حكومة الاحتلال فوق القانون الدولي    غزّة ستعلّم جيلا جديدا    جراء الاحتلال الصهيوني المتواصل على قطاع غزة: ارتفاع عدد ضحايا العدوان إلى 34 ألفا و356 شهيدا    الأمير عبد القادر موضوع ملتقى وطني    باحثون يؤكدون ضرورة الإسراع في تسجيل التراث اللامادي الجزائري    أهمية العمل وإتقانه في الإسلام    بن طالب: تيسمسيلت أصبحت ولاية نموذجية    هذا آخر أجل لاستصدار تأشيرات الحج    المدرب أرني سلوت مرشح بقوّة لخلافة كلوب    جامعة "عباس لغرور" بخنشلة: ملتقى وطني للمخطوطات في طبعته "الثالثة"    "العميد" يواجه بارادو وعينه على الاقتراب من اللّقب    مدرب مولودية الجزائر باتريس يسلم    أمن دائرة عين الطويلة توقيف شخص متورط القذف عبر الفايسبوك    سيدي بلعباس : المصلحة الولائية للأمن العمومي إحصاء 1515 مخالفة مرورية خلال مارس    أحزاب نفتقدها حتى خارج السرب..!؟    مشروع "بلدنا" لإنتاج الحليب المجفف: المرحلة الأولى للإنتاج ستبدأ خلال 2026    بطولة العالم للكامبو: الجزائر تحرز أربع ميداليات منها ذهبيتان في اليوم الأول    حوالي 42 ألف مسجل للحصول على بطاقة المقاول الذاتي    هلاك 44 شخصا وإصابة 197 آخرين بجروح    حج 2024 :استئناف اليوم الجمعة عملية حجز التذاكر للحجاج المسافرين مع الديوان الوطني للحج والعمرة    الجزائر العاصمة.. انفجار للغاز بمسكن بحي المالحة يخلف 22 جريحا    من 15 ماي إلى 31 ديسمبر المقبل : الإعلان عن رزنامة المعارض الوطنية للكتاب    المهرجان الوطني "سيرتا شو" تكريما للفنان عنتر هلال    شهداء وجرحى مع استمرار العدوان الصهيوني على قطاع غزة لليوم ال 202 على التوالي    إستفادة جميع ولايات الوطن من خمسة هياكل صحية على الأقل منذ سنة 2021    السيد بوغالي يستقبل رئيس غرفة العموم الكندية    حج 2024: آخر أجل لاستصدار التأشيرات سيكون في 29 أبريل الجاري    رئيس الجمهورية يترأس مراسم تقديم أوراق اعتماد أربعة سفراء جدد    خلال اليوم الثاني من زيارته للناحية العسكرية الثالثة: الفريق أول السعيد شنقريحة يشرف على تنفيذ تمرين تكتيكي    شلغوم العيد بميلة: حجز 635 كلغ من اللحوم الفاسدة وتوقيف 7 أشخاص    الدعاء سلاح المؤمن الواثق بربه    أعمال تجلب لك محبة الله تعالى    دروس من قصة نبي الله أيوب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأديب مرزاق بقطاش ل"المساء":‏
الكتابة جزء من العبادة والترجمة عندي..عشق وهوى
نشر في المساء يوم 07 - 11 - 2012

لقد صادف وأن التقيت اسم مرزاق بقطاش في أحد أعداد مجلة “العربي” وأنا في بداية تفكيك رموز مختلف الأشكال الأدبية، ومنذ ذلك الوقت، بقي هذا الاسم راسخا في ذاكرتي، ومثلما دفعني الفضول أوّل مرة نحوه، دفعني التقدير والاحترام لإلقاء التحية عليه في كلّ مرة كنت ألتقيه فيها وبتّ من الأوفياء للعمود الذي يخصّ به “المساء” كلّ يوم خميس.. هذه المرة أردت أن أبحر في يمّ بقطاش أكثر فأكثر.. رغم المرض، دعانا “خويا دحمان” إلى مرفئه حيث ترسو قواربه الإبداعية لتبادل حديث لا يخلو من الحميمية والمتعة، وسط أوراقه ودفاتره، لنستحضر معه بعض المحطات من الذاكرة ونرصد أراء ومواقف صاحب “دم الغزال”، ونحاول الاقتراب أكثر من هذه الشخصية التي تمزج بين الصرامة والرقة وتلمس وأنت تتعامل معها أنّك أمام خزانة لا تنضب من المعلومات كلّما نهلت منها زاد فضولك ورغبتك في الغوص فيها والتعمّق في جوانب شخصية هذا المبدع الذي لا يكلّ عن الكتابة ولا يتوقّف عن التفكير واسترجاع العصور المشرقة من حيواتنا بثراء لغوي متميّز.
- يطلّ الروائي مرزاق بقطاش على القراء بمجموعة قصصية جديدة تحمل عنوان “آخر القعدات”، حدّثونا عنها وما تحمل بين صفحاتها؟
* “آخر القعدات” هو آخر ما نشر لي، ويضمّ ثماني قصص هي “فاطمة”، “قبلة عائشة”، “كتاب العقائد”، “توكاتة” (شكل موسيقي)، “خطوات على رصيف بحري”، “الحوت”، “البابور” و”آخر القعدات” التي تحمل المجموعة عنوانها.. هي قصص تعالج مواضيع جزائرية محضة، مواضيع اجتماعية وسياسية، ففيها قصة لها علاقة بالإرهاب وما أحدثه من أفاعيل في المجتمع الجزائري.
”آخر القعدات” فيها قصتان سياسيتان، الأولى تقريرية مباشرة في آخر أيام الرئيس هواري بومدين وهي ليست عنه بل عن الذين كانت لهم مشاكل مع بومدين، والثانية رمزية أسميتها “الحوت” أو “بقايا الحوت”، وتعالج موضوع الجانب السلبي الذي آلت إليه الثورة أي أنّ الجانب الإيجابي ضاع منها ولم يبق إلا الهيكل العظمي بعد ان أكلنا اللحم والشحم.
هناك أيضا قصة لها علاقة بالاستقلال وأخرى بما حدث في جوان 1965 ويمكن اعتبارها واقعية تدور حول أحد المغابين كان يسكن حيي، علاوة على “آخر القعدات” التي تعد واقعية هي الأخرى.
- يحتل التاريخ في كتاباتكم حيزا كبيرا، لما هذا الاشتغال على الذاكرة، أهو خيار أم حنين لما مضى؟
* كلّ كاتب يحنّ إلى ماضيه لأنّ فيه عنصرا الشباب والفتوة، ولكن بالنسبة لي هذا الماضي القريب جزء من حياتي وجزء حميم من الجزائر ويعتبر شهادة ميلاد لي وللجزائر، فأنا من مواليد 1945، شهدت الثورة وهي تندلع وشهدت الثورة وهي تنتزع الاستقلال وبالتالي كان لابدّ أن أعالج هذا الموضوع -الثورة- من زاوية طفل صغير، والحنين إلى الماضي مرتبط بالواقع الذي أعيشه.. شخصيا كنت أتصوّر أنّ الحياة تكون أجمل وأروع قياسا بالتضحيات الجسام التي قدّمها الشعب الجزائري، لكن هناك جوانب سلبية كثيرة، وهو ما يدفعني للحنين إلى الماضي وجوانبه المشرقة.
وفي هذا الموضوع جانب ديني، فأنا أنظر إلى حياتي وإلى المجتمع الجزائري من زاوية دينية بمعنى أنّ الكتابة مسؤولية ليس من الجانب الفقهي ولكن من جانبها الجمالي.
- أقاطعكم للإشارة إلى انّه سبق أن أكّدتم أنّ الكتابة مسؤولية أخلاقية في المقام الأوّل، كيف ذلك؟
* طبعا، أعتبر أن كلّ كلمة أخطّها على الورق ينبغي أن تكون جميلة، معبّرة وصادقة وأن يكون لها هدف أخلاقي محمول على متن لغة نظيفة وجميلة.. إذن المسألة مسألة أخلاقية.. أنا لا أكتب شيئا لا يمكن أن يقرأه أولادي أو أناس آخرون، وعليه فأنا لا أستعمل كلمات نابية أبدا في كتاباتي وأرفض كتابات أولئك الذين يستخدمونها.. إذن الكتابة عندي مسألة دينية، لماذا؟، لأنّ الكتابة عندي جزء من العبادة، والعبادة لا يمكن إلاّ أن تكون أمرا جميلا.. كلمة نظيفة، رسالة معبّرة.. وبالتالي فالكتابة مسؤولية أخلاقية في المقام الأوّل بالنسبة لي، ويمكن للقرّاء أن يتحقّقوا من ذلك في جميع ما كتبت من روايات وقصص ومقالات صحفية وترجمات.
- بعد 50 سنة من الاستقلال، ما هو الانطباع الذي خرجتم به عن الأدب الذي جاء بعد 1962؟
* الأدب الجزائري يحمل جوانب إيجابية وهناك جيل جديد يكتب ولكن ألاحظ أنّ الموضوع الأدبي الكبير لم نعالجه بعد وأعني به موضوع الثورة الذي يشكّل بجد موضوعا ساخنا قد يكون كذلك ولكن في تصوّري معالجة الثورة التي تشكّل شهادة ميلادنا في العصر الحديث ومكّنتنا من أن نضع قدما راسخة في هذا العصر، بعد أن تبرد إن صحّ التعبير، وهذه حقيقة أدبية عالمية نجدها في جميع الثورات الإنسانية، تولستوي عالج هجمة نابليون على روسيا عام 1812 بعد 60 سنة في “الحرب والسلام”، نجيب محفوظ عالج ثورة 1919 بعد حوالي 35 سنة في ثلاثيته، همنغواي كتب عن الحرب العالمية الأولى بعد15 سنة من انتهائها، وهو ما يعني أنّ الثورة كموضوع أدبي لا تعالج أثناء حدوثها، إذ تصبح كتابات ساخنة، فمثلا موضوع الإرهاب في الجزائر، أظن أنّه لم يعالج بعد، ولا يمكن أن نعالجه معالجة فنية وصادقة إلاّ بعد حين من الزمن.
- لكن ظهر في تلك الفترة ما سمي بالأدب الاستعجالي؟
* أنا لا أومن أبدا بالأدب الاستعجالي، فهذا الأدب يندرج ضمن الكتابات الصحفية، أمّا أن يتناول الإرهاب كموضوع فهذا في اعتقادي غير ممكن لأنّ الأدب ينضج على نار هادئة لا في قدر ضاغط، الكتابات الاستعجالية جاءت استعجالية ولم تأت بشيء جديد، جاءت تقريرية وميكانيكية.. الرواية معمار وبنية مكتملة وفلسفة ونظرة إلى الحياة وتأمّل ولغة وأسلوب وكذلك القصة القصيرة.. أنا لم أجد للأدب الاستعجالي أثرا في الأدب العالمي إلاّ من استثناءات قليلة جدا كجون فيركور الذي كتب “صمت البحر” التي تصوّر جانبا صغيرا من احتلال النازية لباريس، وكتب جون بول سارتر “دروب الحرية” بعد الحرب، جون لوي بوري كتب “قريتي بالتوقيت الألماني” بعد الحرب وآخرون.. وبالتالي فالأدب الاستعجالي لا أومن به، من يريد أن يكتب الأدب يكتب التأمّل ومن يريد أن يكتب عن عذاب الناس يكتب الآن.
في مرة من المرات، قالت لي إحدى الصحفيات أنّها قرأت “خويا دحمان” ولم تجد فيها دما فقلت لها “أعوذ باللّه”، هذه الرواية كتبتها عن فترة ما قبل الإرهاب، لكنّني لم أعالجه بينما تحدّثت عن صياد يستعيد التاريخ من 1830، لأنّه يريد أن يفهم كيف وصل الأمر بالإنسان الجزائري إلى أن يقتل أخاه الجزائري، وجاءت رواية “دم الغزال” في نفس الإطار وأتحدّث فيها عن فكرة الموت ولكن لم أتحدّث عن الإرهاب كإرهاب، ومن يريد الكتابة عنه الآن فله ذلك.. شخصيا لا أحبّ أن ّأتحدّث عن هذه الفترة لأنّني نجوت من الموت بفضل اللّه تعالى ولا أحب التحدّث في الموضوع ربّما أتحدّث عنه من زاوية جمالية وفكرية في المستقبل.
- تعيش الساحة الأدبية الجزائرية واقعا نقديا هشّا تطبعه المحاباة والمهادنة تارة وتصفية الحسابات تارة أخرى، ما تعليقكم؟
* ليس هناك نقد أدبي أصلا في الجزائر، الذي يمارس النقد عليه أوّلا أن يقرأ وأن يقرأ العينات الجيّدة من الأدب الجزائري والأدب العالمي، أن يفهم هذا النوع الأدبي الذي استوردناه من الغرب، ولا أقول أنّ عليه أن ينتمي إلى مدرسة نقدية ما، وكما قلت هناك محاباة وجهل بالفن النقدي وأصوله، فالنقد مثلما تطوّر اليوم هو عبارة عن إبداع والناقد عليه أن يفهم الحالات النفسية التي يعيشها الأديب لحظات كتابة عمله، لماذا؟، لأنّ الأديب الروائي يكتب وهو في حالة نفسية معينة وينتهي منها قد ينشرها وقد لا يفعل ويأتي ناقد يحاول نقدها، إذا قال عنها أنّها كذا وكذا فإنّه لن يفيد الكاتب في شيء ولا القارئ، كيف ذلك؟، لأنّ الكاتب يكون في حالة معيّنة حين وضع الرواية وعندما يقرأ النقد لا يفيده في شيء لأنّه يكون في مخاض آخر لكي يضع رواية أخرى، إذن إذا حاول الناقد أن يشرح أو يشرّح العمل، فإنّه لن يأتي بجديد..النقد حالة إبداعية، مثلما نجد ذلك عند رولان بارت والأدباء المبدعين الغربيين.. لقد انتهى النقد النقد أو النقد الشرح، أو النقد الموازنة، لقد تجاوزه الزمان.
- معروف عنكم تعاطيكم مع الرواية والقصة وحتى كتابة السيناريو والفن التشكيلي، لكن ما موقع الشعر من كلّ هذا؟
* بدأت حياتي شاعرا وفنانا تشكيليا وموسيقيا لا أنظم الشعر ولكن لديّ خواطر، وتمنيت لو استعدت بصري لكي استأنف التعبير بالألوان وكذلك الموسيقى إذ أدندن أحيانا بالعود والغيتار..لدي والحمد لله عين تشكيلية وأذن موسيقية، وأقرأ الشعر كثيرا خاصة الشعر العربي الكلاسيكي، وبالفرنسية والانجليزية.. أنا اطرب للكلمة الجميلة والصورة الجميلة وللجملة الموسيقية الجميلة وأفرح للوحة الجميلة، أحب الألوان وهي جزء هام من حياتي وبالتالي يمكنني القول أنّّ الشعر موجود في كتاباتي الروائية والقصصية، إذ يجب أن توجد الرنة الموسيقية الجميلة، والإرنان والترجيح يلمس أذني وقلبي، لا أرضى أن تكون الجملة عندي مبتذلة ولابدّ أن تكون بنية الجملة كاملة متكاملة وأن يكون وقعها في أذني مقبولا وجميلا وأتمنى أن يكون كذلك عند القارئ..الشعر جزء من أسلوبي.
- لا يمكن الحديث معكم دون التوقّف عند راهن الترجمة في الجزائر، كيف تقيّمونه خاصة في ظلّ وجود المعهد العالي العربي للترجمة؟
* الترجمة قليلة جدا، ولم نعطها حقها في الجزائر، مع الأسف بالرغم من وجود المعهد العالي العربي للترجمة وتخريج مترجمين من معهد الترجمة بجامعة الجزائر.. شخصيا ترجمت بعض الأعمال لكن الكتابة شغلتني، لديّ مشاريع ترجمة كثيرة لكن لم أستطع تجسيدها، لأنّ الترجمة عندي عبارة عن عشق وهوى، يستحيل عليّ أن أترجم شيئا لا أحبه ولا أميل إليه، وكلّ ما ترجمت كانت تربطني بها علاقة حميمية، ولدي مشاريع تنتظر إن شاء اللّه الفرج، حيث كنت أنتوي مثلا ترجمة حوالي عشرين قصيدة من الشعر العربي إلى الفرنسية بدءا من طرفة مرورا بالمتنبي والمعري ووصولا إلى أبي فراس والبغدادي والرندي.
وهناك أيضا قصائد من الفرنسية والانجليزية، إلى جانب قصص قصيرة كثيرة كنت أنتوي ترجمها إلى العربية لهمنغواي، فولكنر، مونباسون وتشيكوف وغيرهم من أباطرة القصة القصيرة علاوة على ترجمة “منطق الحي” لفرانسوا جاكوب الحائز على جائزة نوبل في الطب، إلى جانب مشاريع أخرى بإذن اللّه، ولكن ما يترجم الآن في الساحة الجزائرية قليل جدا، والعيب كلّ العيب أنّني لا أجد جهدا كبيرا بين من يترجمون إلى العربية وبين من يترجمون إلى الفرنسية، وهناك من يترجم الأدب إلى العربية لكن هناك في المقابل أدباء لا يكلّفون أنفسهم عناء ترجمة الادب الجزائري المكتوب بالفرنسية إلى العربية.
- خضتم تجربة ترجمة أعمالكم إلى الفرنسية، كيف كانت؟
* إلى حدّ الآن هناك من ترجم قصصي القصيرة إلى الفرنسية، هناك دار نشر ترجمتها إلى الايطالية، وشخصيا نقلت بعض كتاباتي إلى الفرنسية كروايتي الأخيرة الصادرة عن دار “الآداب” في لبنان “رقصة في الهواء الطلق” ولم أنشرها.
- لم ذلك؟
* لم أسلّّمها بعد للناشر، لأنني تصوّرت أنّها رواية “قبيحة” بعض الشيء سياسيا.
- تتباين كتاباتكم بين الرواية والقصة والكتابات الصحفية وكذا الترجمة، كيف تجدون الوقت الكافي للخوض في هذه التشعّبات الإبداعية؟
* أنا متقاعد، كلّ وقتي أقضيه في القراءة والكتابة، أبنائي وزوجتي يتكفّلون بشؤون البيت، وأسمع الكثير من الموسيقى المقامية والعالمية، وأتفرّج على الأفلام الكلاسيكية فكلّ يوم أشاهد فيلما كلاسيكيا ناطقا باللغة الانجليزية من الوسترن وكذا المقتبسة من الروايات الكلاسيكية لديكنز وغيره، وبالإجمال هذه حياتي.
- ظهرت في السنوات الماضية أسماء روائية شابة لها وعليها، كيف تنظرون إلى هذه التجارب؟
* هي روايات جيدة، ولكن العيب فيها وهذا رأيي الشخصي، أنّها لا تعتمد على اللغة كثيرا، أصحابها لا زالوا يبحثون عن أنفسهم في مضمار الأسلوب، هم شبان مطلعون على الأدب العالمي ولا يكتفون بالروايات العربية وألاحظ أنّهم لا يقرأون الأدب العربي الكلاسيكي كثيرا، ومن يريد أن يكتب الرواية العربية الحديثة عليه أن يتمكّن من اللغة العربية الكلاسيكية، هذه ضرورة من الضرورات ليشق الكاتب الروائي طريقه في مضمار الأسلوب والتعبير.. يستحيل مثلا على الفنان التشكيلي أن يرسم على طريقة السرياليين بل يتعيّن عليه أن يتمكّن من الأساليب الكلاسيكية للوصول إلى السريالية.. نجيب محفوظ وصل إلى ما وصل إليه بعد أن قرأ التراث، وكذلك جمال الغيطاني ويوسف إدريس وزكريا تامر.. التمكّن من التراث هو ما يجعلهم يطوّرون أسلوبهم والرواية الجزائرية.. أنا ضد الذين يقولون أنا أكسر اللغة كسرا.. لا اللغة بناء وليست تكسيرا.
- كيف تفسّرون عدم التأسيس لجوائز تقديرية تثمّن أعمال المبدعين الجزائريين؟
* هذه ضرورة لابدّ منها، أظن أنه لا بدّ أولا من إنشاء مثل هذه الجوائز على مستوى الدولة والمؤسسات الاجتماعية وعلى مستوى بعض الأثرياء، كما ينبغي إنشاء تقاليد موسم أدبي في كلّ مرة ففي فرنسا جويلية وأوت يكونان مخصّصين لنشر كلّ ما هو جديد، وفي سبتمبر يبدأ الفرز والترشيح لمختلف الجوائز كغونكور، دوماغو وغيرهما من الجوائز، أي أنّ الموسم الأدبي مربوط بما نشر من إبداع وله علاقة بدور النشر.. الناشر يبيع، القارئ يستفيد والناقد يكتب وبالتالي هو تقليد من عشرات السنين.
- لكن ما يمنع الجزائر من أن يكون لها موسم أدبي وجائزة ذات صيت وثقل؟
* ليس هناك أناس يفكّرون في هذه المسألة، الدولة تجتهد لكن المهم هو إرساء تقاليد مثلما يحدث في مصر والسعودية والإمارات وغيرها.. ليس لدينا من يفكّر هذا التفكير، نحن مرتبطون بالمناسباتية.. نريد جائزة للرواية، للقصة القصيرة، للشعر، الترجمة والتاريخ وللفلسفة.. جوائز تقديرية وتشجيعية، هذه كلّها ينبغي أن تنشأ وتكون ضمن موسم أدبي جديد ينطلق في كلّ شهر سبتمبر على غرار ما يحدث في العالم أجمع.
- كانت لكم تجارب في الإنتاج التلفزيوني ك”شجرة الخلد” ثم سيناريو لمسلسل تلفزيوني مع عمار تريباش، أين وصل العمل، ولماذا لا نرى أعمالا لبقطاش مقتبسة سواء للسينما أو للمسرح؟
* هذا مرهون بي، إذ من المفروض أن أقدّم عملا مع عمار تريباش لكن صحتي وطريقة عملي التي تحمل الكثير من الحميمية عطّلت نوعا ما العمل، فكتابة سيناريو هي كتابة بالصور، والمسلسل أكتبه لممثلين معيّنين، واشترط أن يحترم هذا الشيء في العمل.. لدي مشاريع كثيرة حيث كتبت الكثير من المسلسلات الإذاعية للكويت ومثّلت.. أنا أنتظر الفرج.
- كيف يرى الأديب مرزاق بقطاش الجزائر بعد خمسين سنة من الاستقلال؟
* بالرغم من كلّ شيء ومن كلّ ما حدث، أنا متفائل لأنّني مؤمن باللّه، هناك لعبة ديمقراطية لكنّني لا أرى الديمقراطية في هذه اللعبة السياسية كلّ شيء محصور في السلطة العليا، أتمنى أن تكون هناك لعبة سياسية حقيقية أن يكون للأحزاب الفاعلة دور في اللعبة السياسية أن يكون هناك تجاذب في الآراء وتصارع سلمي، أن يكون لدينا نقاش سياسي حقيقي في الصحف وفي المجتمع.
وفي هذا السياق، أنا لا أرى ربيعا عربيا.. كلّ الدول تعيش واقعا مرا من تونس إلى العراق إلى مصر وليبيا واليمن وكذا سوريا، وسط المصطلحات مطبوخة إما في العالم العربي أو في أوروبا لأهداف معيّنة، كما أود قراءة تعاليق في الصحف الجزائرية حول هذا الموضوع.. أنا أحب وطني وأود أن نعطي ما يحدث رؤية جزائرية خاصة تلك التي تمسّنا، وهذه المواضيع يعالجها الصحفيون والناشطون.. أتمنى من الجزائريين أن يمنحوا رؤية جزائرية محضة للربيع العربي.
- ونحن على بعد أيام قليلة من عام جديد، أماني مرزاق بقطاش لعام 2013؟
* لا يمكن إلا أن أكون متفائلا، أتمنى أن يزداد الحراك الثقافي في وطننا وأن نتكاتف ونتعاضد وأن تكتمل اللعبة السياسية الديمقراطية في الجزائر، مثلما يحدث في العالم الغربي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.