عرضت ”شبكة وسيلة” مؤخرا فيلم ”صفية.. حكاية امرأة” للتنديد بانعدام حقوق المرأة داخل أسرتها وتحقيق الأمن والراحة، ووقف المعاناة التي تعيشها كل امرأة قد تكون ضحية تعنيف من قبل زوجها. جاء الفيلم في أجواء هادئة دون موسيقى، أرادت من خلاله المرحومة ”صفية” بعث رسالة إلى كل امرأة عبر العالم لوقف سلوكات الزوج العنيف وعدم المعاناة في صمت، إنما التبليغ واسترجاع الحقوق المسلوبة. لم تعط السيدة حبيبة جحنين مخرجة الفيلم القصير ”صفية” أهمية كبيرة للديكور، فكان المشهد العام للفيلم مجموعة من لقطات مركزة على ”صفية”، فأحيانا تدار الكاميرا إلى يديها وتصور لباسها التقليدي القبائلي تارة، وأخرى بعض الأركان المظلمة من بيتها البسيط الذي دارت به أحداث هذا الفيلم الوثائقي. اختارت المخرجة الإنارة الخافتة وجردت الفيلم من الموسيقى، مجرد أصوات رقيقة لأطفال بعضها تمتمات، وأخرى همسات وهفيف وضحكات بريئة لهؤلاء يجوبون المنزل. وركزت المخرجة عموما على القصة، فكان الهدف الرئيسي من فيلمها هو توضيح الحالة المزرية التي كانت تعيشها صفية في محيطها. سردت صفية من خلال فيلمها كل تفاصيل حياتها، تخللت كلماتها تنهدات طويلة وحزن عميق، كانت تخفي جاهدة دموعها التي أثرت على صوتها الذي كان يصرخ للإغاثة، وهو ما دفع بالمخرجة للاستعانة بالترجمة الخطية لدعم ما كانت تردده بأتراح عميقة. بدأت قصة بطلة الفيلم صفية مع زوجها الذي كان يهينها ويضربها... رغم ذلك بقيت صامدة حماية لأبنائها، وكانت محاولاتها للتحرر من الجحيم ما هي إلا رمل مغرق تغوص فيه أكثر كل مرة، إلا أن شجاعتها وصرامتها مكنتاها في الأخير من تحقيق ولو نسبة صغيرة، مما كانت تطمح إليه، وهو العيش مرتاحة البال. كما ازدادت معاناة المرحومة بعد وفاة أمها التي كانت تعاني السرطان الذي أصيبت به هي الأخرى وصارعته إلى أن تفوق عليها. ولم يكن مرضها معاناتها الوحيدة، إنما أشبعها زوجها مرارة وحزنا آخرين، حيث كانت أول إساءة لها، حسبما سردته في فيلمها، حين فاجأها بضربة حادة على رأسها بواسطة كرسي، قالت هذا في الفيلم: ”هذا الأمر دفعني إلى الهروب عند أختي رافضة الرجوع إليه، إلا أن إصراره على مسامحته وتعهده بعدم رفع يديه علي مجددا جعلني أسامحه واثق فيه ثانية”، وأضافت: ”إلا أن الجحيم الذي كان ينتظرني كان أشد، فبعد الحادثة اشترطتُ عليه السكن المستقل بعيدا عن أهله، ووافق حينها على الطلب، إلا أنه طلب مني الصبر، وليثبت قوته علي أمام عائلته، أعاد الكرة وضربني بقارورة زجاجية، في تلك المرحلة قررت أن أترك المنزل وأتقدم بشكوى ضده، وبعدما استدعي أمام المحكمة طلب السماح، غير أن عائلتي وأخوالي رفضوا أن أرجع إلى بيته وأعيش معه تحت سقف واحد، إلا أنني لم أتمكن من ترك أطفالي مشردين”.. وكانت فاجعة أخرى تنتظر صفية حين باع زوجها البيت الفوضوي الذي اشتراه بعدما انفقت عليه صفية كل مدخراتها ومصوغاتها، مما دفعها إلى طلب الطلاق مرة ثانية، إلا أنه كان يرفض الطلاق في كل مرة لعدم تمكنه من تحمل النفقة، وظل الأمر كذلك لخمس محاولات أخرى. وتواصل المرحومة سرد قصتها في فيلمها: ”... لم تفلح كل الشكاوى المقدمة ضد زوجي، وإنما بقيت أعاني إلى أن اتصلت ب (شبكة وسيلة) التي كثيرا ما سمعت عن مواقفها في مثل هذه الحالات.. حملت أبنائي الأربعة واتجهت نحو مقرها ببلدية ادرارية، حيث وجدت أيادي مرحبة من أخصائيين نفسانيين قانونيين، وبفضلهم تمكنت من الحصول على الطلاق وما يترتب عنه من نفقات تخصني وتخص أطفالي..” وبعد صراع مرير مع السرطان.. غادرت صفية الحياة منذ حوالي سنتين تاركة وراءها 4 أطفال حكمت عليهم الحياة بالتعاسة منذ الولادة، كما تركت أملا كبيرا ومثالا للشجاعة والقوة رغم مرضها، للاقتداء بها ورفض المعاناة وكل أشكال الظلم والعنف.. وعن الفيلم قالت السيدة دليلة جربال عضو ”شبكة وسيلة”: ”إن هذا الفيلم يحمل رسالة لوقف العنف الزوجي أو ما يعرف بعنف الأقارب، وهو أخطر أشكال العنف الذي تعانيه المرأة الجزائرية، وهو يمثل نسبة 80 بالمائة من الحالات المسجلة لدى المصالح الأمنية. وهذه أول مرة يعرض هذا الفيلم الوثائقي على المواطنين عامة، حيث كانت سابقته خلال الملتقيات والندوات الصحفية فقط.