كل ما تحتاجه المرأة التي تتعرض للعنف، أيا كان نوعه، هو التحلي بالقليل من الشجاعة لتقوم بالإبلاغ، وأن لا تلزم الصمت... هي الرسالة التي رغبت صفية أن توصلها إلى كل النساء المعنفات، بعد موافقتها على إعداد فيلم تسرد من خلاله تفاصيل حياتها الحزينة مع رجل كافأها على صبرها عليه، وتحملها الظروف المعيشة القاسية إلى جانبه بالضرب والإهانة.''المساء'' دردشت مع السيدة صفية بطلة فيلم ''حكاية اِمرأة'' الذي أشرفت شبكة وسيلة على إنجازه في هذه الأسطر، والذي عرض مؤخرا على هامش اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة برياض الفتح. قالت صفية في حديثها ل''المساء'': ''صفية هي المرأة التي بقيت صامدة رغم كل العنف الذي تعرضت له، وكافحت حتى النهاية من أجل أن تعيش كغيرها من النسوة بكرامة محفوظة مع أبنائها الأربعة، لم يكن من السهل أن أتحرر من عذاب رجل دام لسنوات، ولشدة ما قاسيته، وافقت على طلب شبكة وسيلة التي تأثرت كثيرا بحكايتي وأعجبت بكفاحي، فقررت أن تعد فيلما، حيث اتصلت بي المخرجة حبيبة جحنين وطلبت أن أستضيفها بمنزلي لأسرد عليها قصتي، وكانت جد متحمسة لإعداد هذا الفيلم لاسيما وأنها من المدافعات عن حقوق المرأة''. وحول معاناتها، حدثتنا صفية قائلة: ''معاناتي الحقيقية بدأت عندما تقدم لخطبتي شاب في مقتبل العمر، حيث وافقت عائلتي على طلبه، وتمت الخطبة، لتليها مراسيم الزواج التي كانت بوتيرة سريعة، بعد أن توفي والدي، وتوفيت والدتي بعد صراع مرير مع مرض السرطان، وكان أول ما قاله لي رفيق دربي عند زواجنا، أنه يمنحني عهدا من الله ليحافظ علي ويحميني لا سيما وأني أصبحت يتيمة. غير أن ما حدث بعد الزواج مباشرة هو أنه خان العهد، إذ تعرضت لأول اعتداء عنيف لسبب واهٍ، حيث ضربني بمقعد ''طابوري'' على رأسي، ولكم أن تتصوروا مقدار الألم الذي لحقني، الأمر الذي جعلني أغادر المنزل وأحتمي عند أختي، ولكنه سرعان ما عاد إليّ وطلب مني السماح فسامحته، إلا أن ما حدث بعدها كان أسوء، فبعد أن اشترطت عليه السكن بمنزل مستقل حتى وإن كان البناء فوضويا، عندها طلب مني أن أمهله بعض الوقت، فاستضافتنا عائلته، ولكي يثبت لأبيه، الذي كان يكرهني بشدة، أني لا أتحكم به وأنه رجل يعول عليه، قام بضربي بقارورة مشروبات غازية زجاجية، في تلك اللحظة قررت أن أترك المنزل وأتقدم بشكوى ضده، غير أنه بعدما استُدعي أمام المحكمة، طلب السماح. غير أن الأمر الذي دفعني للرجوع إليه هو الأطفال... فما ذنبهم ليعيشوا مشردين. تواصل محدثتنا بعد أن أطلقت تنهيدة كبيرة، ''ولكن المفاجئة التي كانت في انتظاري كبيرة''، تصمت... ''وبألم ... باع زوجي المنزل الفوضوي الذي كان من المفروض أن يأوينا، والذي أنفقت عليه كل مصوغاتي وما أملك من مال، وضاع معه جهدي الذي بذلته في سبيل أن أحظى بمسكن، حيث قاسمت زوجي عملية البناء، ليأتي في آخر المطاف ويقترح علي أن أظل بمنزل أخوالي، بينما يظل هو بمنزل والديه ونضع الأطفال بأحد المراكز التي تتولى رعايتهم''. هذا الخبر، تستطرد المتحدثة، ''وقع علي كالصاعقة، فإلى جانب أني سامحته ورغبت في أن نعود للعيش سويا كأسرة واحدة، يطلب مني شيئا مماثلا... فالأسرة لا تهمه، مستقبل الأطفال لا يعنيه، والأكيد أني سأعاني مجددا إلى جانبه، هذا الأمر جعلني أطلب الطلاق خمس مرات، وفي كل مرة لا يمنحني فيها القانون هذا الحق لأن زوجي كان يرفض، حتى لا يتحمل تبعات الطلاق ...'' ولأن سلسلة الاعتداءات المتكررة علي من زوجي لم تتوقف بحكم أن الشكاوى التي كنت أتقدم بها لم تأت بفائدة، وبعد ما ضاقت بي السبل، قررت أن أطلب المساعدة من الجمعيات التي كنت أسمع عنها في وقت مضى أنها تدافع عن المرأة، وتذكرت شبكة وسيلة، وما كان علي إلا أن أحمل أبنائي الأربعة ذات صباح وتوجهت إلى موقع الشبكة الكائن بدرارية، حيث تم استقبالي، وعُرضت على بعض الأخصائيين الطبيين والقانونين الذين أرشدوني وقدموا لي يد المساعدة، وبفضلهم تمكنت من انتزاع التطليق وما يترتب عنه من نفقات تخصني وتخص أطفالي. تعيش صفية التي تعاني من مرض السرطان في صمت رفقة أبنائها الأربعة اليوم في بيت فوضوي، تكافح و تناضل من أجل سعادة أبنائها وتقول: ''من خلال هذا الفيلم الذي عرض قصة حياتي، رغبت في أن يفهم الناس أمرا واحدا فقط، هو أن ما عانيته كان من أجل تحقيق العدالة، وبحثا عن تطبيق القانون. كما رغبت أيضا -تضيف صفية- في أن أرفع صوتي إلى الجهات المعنية لأطلب تشريع نصوص قانونية تحمي المرأة من زوجها، وأسأل: لما نجد أن القانون يحمي المرأة بعد الطلاق، إلا أنه لا يؤمّن لها أي نوع من الحماية في علاقتها مع زوجها، ولزوجها أن يفعل بها ما يشاء من دون أن يحق لأي كان أن يتدخل... أعتقد أن هذا ما جعل بعض الأزواج يبالغون في الاعتداء عن زوجاتهم. وفي الأخير، قالت صفية: ''أرغب في أن أوجه من خلال جريدة ''المساء'' نداء إلى كل السيدات المعنفات، وهي أن حكايتي ما هي إلا عينة عن معاناة نساء كثيرات يعانين في صمت... حقيقة، ضاعت صحتي وسنوات من عمري، ولكني تمكنت من حماية أبنائي واستعداد كرامتي... وأنصح كل امرأة ألا تقبل مطلقا أي شكل من أشكال العنف حتى وإن كان لفضيا، لأن لكل إنسان الحق في أن يعيش حياة كريمة.