باتت الدروس الخصوصية شيئا ضروريا بالنسبة لجميع الطلاب بمختلف الأطوار الدراسية، أمام تدني مستواهم التعليمي وكذا إستغلال بعض الأساتذة حاجتهم الماسة لفهم الدروس من دون أن يضعوا أي إعتبار لمحدودية دخل أوليائهم. أصبحت ظاهرة الدروس الخصوصية منتشرة بجميع المؤسسات التربوية، فكثيرا ما يهمل الأساتذة واجبهم في إيصال المعلومات لتلاميذهم فيصبح الطلاب حائرين في العثور عن من يفهمهم الدروس، في المقابل فإن الأولياء محدودي الدخل يبقون ضحايا هذا الإستغلال بينما يظل الهم الوحيد للأساتذة هو تحقيق مصالحهم الشخصية من خلال تحقيق الربح على حساب الطلاب، في المقابل فإن مسألة إشتراك طلبة المرحلة النهائية بالدروس الخصوصية أصبحت ضرورة حتمية لايستطيع الكثير منهم الإستغناء عنها كوسيلة وحيدة لضمان النجاح في شهادة البكالوريا، لكن الغريب أن أطفال المرحلة الإبتدائية هم كذلك غالبا ما يقعون في فخ الإستغلال بالرغم من قدرة الأساتذة على إيصال الدروس لعقولهم، هذا ما دفعنا لزيارة بعض المؤسسات التربوية لنتعرف عن أسباب تفشي تلك الظاهرة، فكانت وجهتنا الأولى إلى إحدى الإبتدائيات المتواجدة ببئر خادم، حيث كان لنا لقاء مع إحدى ربات البيوت التي أكدت لنا أنها إضطرت لتدعيم طفلها الذي يدرس بالسنة الأولى بالدروس الخصوصية بعد أن إشتكى لها من رفض الأستاذة طلبه في إعادة شرح تمارين الرياضيات له، حيث أضافت أنها إضطرت إلى البحث عن أساتذة بجميع المواد لتضمن نجاح إبنها بالرغم من سهولة إستيعاب الدروس بتلك المرحلة بسبب إهمال الأساتذة القيام بواجبهم . في حين أكد لنا أحد الأباء أن بعض الأساتذة في الإبتدائية يتعمدون الغياب عن الأقسام لفترة طويلة خلال السنة، كما لايهتمون بمشاكل التلاميذ المتمثلة في عدم فهمهم للدروس حيث، كشف أنهم يحاولون إقناعهم بالقيام بالدروس الخصوصية لإجبارهم على دفع مبالغ كبيرة مقابل شرح الدروس لهم بمنازلهم . إقتربنا من بعض الأساتذة لنقف عند أسباب حاجة الطلاب للدروس الخصوصية حيث أرجعت سميرة أستاذة الفرنسية السبب إلى إزدحام الطلاب بالأقسام الذي لايسمح للتلاميذ بإستيعاب الدروس بشكل جيد إضافة إلى إختلاف قدرات الأساتذة على إيصال المعلومة للطلاب كما أكدت أن بعض الأساتذة يتعمدون إهمال واجبهم في شرح الدروس لإجبار التلاميذ على الإستعانة بمساعدتهم بدروس تدعيمية بمنازلهم. غيرنا وجهتنا إلى مدرسة التعليم المتوسط بحي العناصر، حيث كان لنا لقاء مع طلاب شهادة التعليم المتوسط الذين أكدوا لنا أن عددا كبيرا منهم إضطروا إلى البحث عن أساتذة خارج مؤسستهم التربوية بسبب غياب الأساتذة عن الأقسام ورفضهم شرح الدروس غير المفهومة لهم، حيث أكدت إحدى الطالبات في تلك المرحلة أن عائلتها المحدودة الدخل إضطرت إلى تحمل ميزانية ثقيلة خصصتها للدروس الخصوصية خوفا عليها من الرسوب في تلك المرحلة. أساتذة البكالوريا يستنزفون جيوب الأولياء أصبح شبح الدروس الخصوصية يطارد أولياء طلبة شهادة البكالوريا خاصة من يعانون من حالة إجتماعية صعبة، لا تتوافق مع الأسعار المرتفعة المبالغ فيهامن قبل بعض الأساتذة المعروفين الذين فتحوا أبواب منازلهم لتحقيق الربح السريع على حساب الضحايا من طلبة المرحلة النهائية، بفعل الفراغ العلمي الذي يتخلل عقولهم إضافة لعدم إستيعابهم للمعلومات التي يتلقونها من أساتذة يتعمدون إهمال واجبهم لإجبارهم على زيارة منازلهم، حيث علمنا من بعض طلاب البكالوريا أن الدروس التي يتلقونها بالأقسام غير كافية لضمان النجاح، إضافة أن بعض الأساتذة يطلبون من التلاميذ كتابة التمارين وحلها على السبورة من دون شرحها وهو ما يدفعهم للبحث عن أساتذة معروفين أو متابعة دروسهم خارج الأقسام بمبالغ ضخمة حتى وإن كانت تفوق إمكانيات أوليائهم. وإن كان عدم إستيعاب المعلومات من ضمن أسباب حاجة نسبة كبيرة من طلبة البكالوريا لتلك الدروس فإن التلاميذ النجباء هم كذلك إنضموا إلى تلك الفئة، حيث علمنا من إحدى الطالبات أن الإستعانة بالدروس في جميع المواد ستضمن لها نيل معدل كبير يسمح لها بدخول التخصص الجامعي الذي تطمح إليه مستقبلا. وللوقوف عند أسعار الدروس الخصوصية تقربنا من أحد طلاب البكالوريا، حيث أكد لنا أن أساتذة الأقسام يقنعونهم بالقيام بتلك الدروس بمنازلهم بطرق مختلفة فمنهم من يدعي إمتلاكه لنماذج الإمتحانات وحلولها لجذب أكبر عدد منهم. وعن الأسعار فيقول أنها تتباين من شخص إلى أخر، حيث يفوق سعر الساعة الواحدة من الدروس الخصوصية لمادة الرياضيات ال1000 دينار، كما أضاف أنه إضطر للبحث عن أحد الأساتذة الذين يجيدون شرح تلك المادة ليضمن نيل شهادة البكالوريا بمبلغ يفوق ال8000 دينار شهريا. ولم يقتصر الأمر على إستعانة تلاميذ البكالوريا بالدروس بل بات طلاب الجامعة بالتخصصات العلمية، هم كذلك غارقين في شبح الدروس الخصوصية وتكاليفه الباهضة أمام ضعف تحصيلهم الدراسي وغياب الأساتذة عن المحاضرات بفعل إهمالهم لهم، حيث أكدت لنا إحدى طالبات الصيدلة أن الأساتذة بالجامعة يرفضون إعادة شرح المحاضرات كما يكتفون بالبوليكوب مما جعل الطلاب يستعينون ببعض الأساتذة لمساعدتهم على فهم الدروس بشكل جيد بمنازلهم مقابل الرضوخ للأسعار الباهظة التي يتعمد الكثير منهم المبالغة بها بإستغلال حاجة الطلاب لمساعدتهم. شباب يكسبون لقمة عيشهم بالدروس الخصوصية بالرغم من أن سلبيات الدروس الخصوصية قد فاقت إيجابياتها، خاصة أنها حملت الأولياء ميزانية ثقيلة تفوق قدراتهم المادية إلا أن الكثير من طلاب الجامعة أو المتخرجين الذين لم يعثروا على منصب شغل إتخذوا من الدروس الخصوصية وسيلة تخلصهم من شبح البطالة، مع زيادة الطلب عليها فقد إعتبرت العديد من الطالبات أن تخصصها الجامعي بمثابة وسيلة تمنحها خبرة لتقديم تلك الدروس لأطفال في المرحلة الإبتدائية، فمنال قد أخبرتنا بكل صراحة أن منحتها الجامعية لا تكفي لسد إحتياجاتها مما جعل فكرة تقديم الدروس لجيرانها تراود أفكارها، كما أضافت أن تخصصها في الترجمة سمح لها بتقديم دروس في الفرنسية لتلاميذ الإبتدائية في أيام الراحة. لتتحدى ظروفها الإجتماعية الصعبة، حيث أكدت أنها تجني شهريا ما يفوق ال10000 دينار. بينما وجد شباب أخرون من المتخرجين في الأدب العربي أو المواد العلمية من تقديم الدروس الخصوصية وسيلة خلصت العديد منهم من شبح البطالة، فقد أكد لنا “عمار” الحاصل على ليسانس في الترجمة أنه فشل في العثور على منصب شغل، فلم يجد من بديل يكسب به لقمة العيش سوى تقديم دروس في اللغة الفرنسية لتلاميذ الإبتدائي.