يقصدها عشرات الآلاف سنويا، لنيل البركة والعلاج من الأمراض، ولما لا ... وهناك من يعتقد أن من زار قبر أحد ملوكها وقبور صحابة إسلاميين مدفونين بها كأنما زار قبر النبي محمد خاتم المرسلين صلى الله عليه وسلم في المدينةالمنورة، غربي السعودية، إنها قرية النجاشي، نسبة إلى الملك النجاشي، أو أصحمة بن أبهر، الذي حكم أرض الحبشة في الفترة بين عامي 610 و630م، وقال عنه النبي محمد صلى الله عليه وسلم: (ملك عادل لا يظلم عنده أحد). قرية النجاشي، الواقعة حاليا قرب مدينة مقلي عاصمة إقليم تجراي، شمالي إثيوبيا، كانت أول موضع في القارة السمراء يدخله الإسلام، حينما طلب النبي محمد صلى الله عليه وسلم من صحابته الهجرة إلى أرض الحبشة، في السنة الخامسة من البعثة (615 ميلادية)، وذلك بعد أن حوربت رسالته بضراوة في مكةالمكرمة بالجزيرة العربية (غرب السعودية حاليا). وكانت الحبشة تطلق، آنذاك، على المنطقة الواقعة شمال شرقي إفريقيا، وتشمل كل من إريتريا والصومال والسودان وجيبوتي وإثيوبيا حاليا، وأصبح الاسم اليوم قاصرا على إثيوبيا. وبعد أن وطأت أقدامهم أرض الحبشة، سكن الصحابة المهاجرون قرية النجاشي، وبدأ الإسلام ينتشر فيها، وتفيد المصادر التاريخية بأن الملك النجاشي (لقب كان يطلق على حاكم الحبشة آنذاك)، أسلم بعد أن تأثر بالمسلمين المهاجرين، ودفن جثمانه في القرية في العام ال9 للهجرة (630 ميلادية). المعالم التاريخية لا تزال باقية وفي رحلة لاستكشاف القرية التاريخية ومعالمها نلتقي بأحد المسئولين بالمجلس الأعلى للشئون الإسلامية بالإقليم، الذي قال إن المجلس -وهو منظمة حكومية ترعي شؤون المسلمين في إثيوبيا- يتولى الإشراف على كافة الأنشطة والفاعليات التي تعني المسلمين في إقليم تجراي. الشيخ سعيد أضاف أن (مدينة مقلي وضواحيها يوجد بها 25 مسجدا، إلى جانب المصليات والزوايا (مساجد صغيرة) المنتشرة في أحياء المدينة وقراها)، لافتا إلى أن (المسلمين في إقليم تجراي يمثلون 15 بالمائة من إجمالي سكان الإقليم). ويبلغ إجمالي عدد سكان إثيوبيا 91.7 مليون نسمة وفقا لتقديرات منظمة الصحة العالمية لعام 2012، يشكل المسلمون نحو 34 بالمائة منهم. الشيخ سعيد قال إن (هناك مشروعا متكاملا حول قرية النجاشي، تقوم عليه دول إسلامية (لم يحددها)، سيضم مشروعات خدمية من مبان وسكنات فضلا عن مجمع إسلامي يحتوي على مكان للدراسة وسكن متكامل لطلاب العلم). وأضاف أن (المشروع سيسهم في إعادة الحياة لهذه القرية التي تمثل مزارا وإرثا تاريخيا وستصبح منطقة جاذبة ومهيئة لاستقبال الزائرين). والطريق إلى القرية التاريخية يبدأ بصعود السيارة لهضبة عالية عبر طريق حلزوني في مدة تقترب من نصف ساعة، قبل أن تنحدر إلى أرض شبه منبسطة تتناثر على طرفيها قرى صغيرة. ضريح النجاشي وضمن هذه القرى، تقع قرية النجاشي، وفي مدخلها تنتصب مئذنة مسجد القرية كأنها ترحب بالزائرين، وقريبا منها تبرز القبة الخضراء لضريح (الملك النجاشي)، الرجل الذي خلد التاريخ الإنساني سيرته بعدله ومواقفه التاريخية. ومن فوق التلة التي ينتصب عليها المسجد، يرى الزائر كنيسة (ماريام) نسبة إلى اسم زوجة النجاشي (ماتت على الديانة المسيحية)، في مشهد مهيب يبرز احتضان القرية لدينين مختلفين. المسجد العتيق الذي لا تتجاوز مساحته 200 متر مربع، تمتد على يمينه، صالة لتعليم القرآن الكريم، وتدريس علومه، وفي الجهة الأخرى، مبان تضم غرفا ومخازن لمشروعات خيرية. وهناك بوابة بجوار المسجد تحمل لافتة تتحدث عن الأثر التاريخي لهذه القرية، وما تحتضنه من رفات صحابة النبي محمد (خاتم المرسلين) صلى الله عليه وسلم. اللافتة تقود إلى ساحة متسعة محاطة بسور صخري وتضم قبر الملك النجاشي، وقبور أخرى عديدة. هنا، قال الشيخ محمد زينو، المشرف على المسجد والمباني المحيطة به، إن (الجهة اليسرى من هذا الصرح التاريخي تضم مقابر 15 من صحابة الرسول؛ 10 من الرجال و5 من النساء). ويجذب الناظر ضريح الملك النجاشي ويأسره من الخارج، بقدر ما يبهره من الداخل، حيث يقع قبر الملك، المدون على ستارة خضراء تغطيه الآية القرآنية: (أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ). والضريح على شكل صندوق يحتضن بداخله المقبرة، وخلفه توجد المقبرة الكبرى لأكثر من 1400 من الأئمة والمشايخ وحفظة القرآن، فضلا عن مقابر الصحابة التي تعتبر أول مقابر للمسلمين في إثيوبيا وإفريقيا. وروى قصة بئر تعود إلى زمن المهاجرين المسلمين الأوائل، قائلا: (لما جفت الأرض وانعدم الماء عن قرية النجاشي ومن حولها، نزل المهاجرون إلى الوادي القريب من القرية بوصية من الرسول محمد، وهو المكان الذي حطت به رحالهم عند قدومهم إلى الحبشة، حيث بدأوا بالتكبير والتهليل، وسألوا الله السقيا ثم حفروا الأرض). وتابع: (ما إن ضربوا الأرض، تفجرت عين ماء مازالت تجري إلى يومنا هذا ولم تعرف النضوب، بل أصبحت مزارا على غرار العين المباركة الجارية بمكةالمكرمة (ماء زمزم)). يذكر أن إثيوبيا هي أكبر دولة صوفية في شرق إفريقيا الآن، حيث تقام بها حوليات (تجمعات دينية) على مدار السنة، ويأتي الناس من كافة أرجاء البلاد ومن خارجها، للمشاركة في تلك التجمعات. الجدير بالذكر أن 3 دول بخلاف إثيوبيا تدعي أنها صاحبة شرف استقبال أول ظهور للإسلام في إفريقيا، وهي الصومال والسودان وإريتريا، والأخيرة تؤكد الشواهد التاريخية أن سواحلها استقبلت وفد الصحابة إلى الحبشة، الذي بلغ عددهم آنذاك 83 صحابيا و19 صحابية.