بقلم: الشيخ قسول جلول الأمن يعني السكينة والاستقرار النفسي والاطمئنان القلبي واختفاء مشاعر الخوف من النفس البشرية. هناك أنواع عديدة للأمن منها: الأمن الديني والأمن الثقافي والفكري والأمن الاقتصادي والأمن المائي والأمن الوطني والأمن الوقائي والأمن الغذائي وغيرها من أنواع الأمن الأخرى: مطلب حيوي لا يستغني عنه إنسان ولا ذي روح من الكائنات ولأهميته دعا به إبراهيم عليه السلام لمكة أفضل البقاع: قال تعالى: وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ إبراهيم: 35. وهو مطلب الشعوب كافة بلا استثناء ويشتد الأمر خاصة في المجتمعات المسلمة التي إذا آمنت أمنت وإذا أمنت نمت فانبثق عنها أمن وإيمان إذ لا أمن بلا إيمان. مفهوم الأمن من منظور إسلامي لعل أكبر دلالة على مفهوم الأمن في الإسلام ما ورد في كتاب الله سبحانه وتعالى: فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف 3 قريش. ونتيجة لذلك فإن الأمن هو مواجهة الخوف والمقصود به هنا ما يهدد المجتمع اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا وفكريا.. وبشكل عام فإن مفهوم الأمن هو الوصول إلى أعلى درجات الاطمئنان والشعور بالسلام. وقوله تعالى: (وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْناً) 125 البقرة وقوله تعالى: (وَهَذَا الْبَلَدِ الأَمِينِ) 3 التين. أي أن الأمِين يعني مكة وهو من الأمن. وقد بين الرسول أن الأمن أعظم مطلب للمسلم في هذه الحياة قال: رسول الله صلى الله غليه وسلم: من أصبح منكم آمناً في سربه معافى في جسده عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا . وحرم الله مكة والبيت الحرام إلى يوم القيامة فإليها تشد الرحال وتضاعف فيها الصلاة وأهلها في أمن وأمان لدعوة إبراهيم عليه السلام لهذه البقعة المباركة قال تعالى: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنَامَ) 35 إبراهيم. ولقد اهتم الإسلام بتنمية الوعي الأمني وليحفظ على الناس مقاصد الشريعة الخمس وهي حرمة الدين والنفس والعقل والعرض والمال وأول هذه المقاصد وأهمها الدين فكل اعتداء على الدين قولاً أو فعلاً فإن الشريعة الإسلامية تحرمه وتمنع ذلك الاعتداء على عقائد الناس ومحاولة تغييرها والإخلال بأمنهم الفكري ولهذا كان دور المسجد في غاية الأهمية فهو يعزز القيم في الضمير الجمعي ويدعو إليها وينمي الإحساس والشعور المتبادل بالجماعة ووحدة الضمير الذي هو صمام الأمان للمجتمع ومن ثم ينمي فيهم روح التعاون والتآزر والتآخي والتضامن والسعي في خدمة النفع العام ومحاربة الانعزال والانطواء وفكرة الأحادية والانحراف لذلك جُعل مصدر التلقي في العقائد والعبادات والقضايا الكبرى في دور المسجد وفي حياة المسلمين موحداً. لقد تعددت مفاهيم الأمن الفكري ولكنها في النهاية تصب في معين واحد: فهو عند المسلمين أن يعيشَ أهل الإسلام في مجتمَعِهم آمنين مطمئنِّين على مكوِّنات شخصيّتِهم وتميُّز ثقافتِهم ومنظومَتِهم الفكريّة المنبثقةِ من الثقافة المجتمعية لأمتهم كضرورة العيش الجماعي للمحافظة على النسيج الاجتماعي والفكري للأمة كالمحافظة على المذهب المالكي والمرجعية الدينية التي صاغت الشخصية الجزائرية عبر التاريخ وأصبح منا من يحفظ كتاب الشيخ خليل باللغة الأمازغية. وكذا قراءة القرآن برواية ورش عن الإمام نافع ... نجد ختى بعض الألفاظ التي تستعمل عند الناس وهي في الأصل صيغت من قراءة القرآن برواية ورش كقولنا الارض بدون نطق الهمزة وكقولنا الارنب بدون نطق الهمزة خلاف للمشارقة الذين درسوا برواية حفص ..... وغيرها من العدات والأعراف واللباس والتعامل الحياتية التي شكلت المجتمع الجزائري. المحافظة على مكونات الجزائر ويعني الحفاظ على المكونات الثقافية المختلفة للمجمع الجزائري في مواجهة التيارات الثقافية الوافدة أو الأجنبية المشبوهة التي تريد أن تجد لها مكانة في المجتمع الجزائري كالفرق والملل والنحل على حساب النسيج الاجتماعي والفكري وتعد خطرا على الأمن الفكري لأن بعض الفرق والنحل لها خاصية التمدد والتبشير بهدف زعزعة المجتمعات وبوابة للتدخل في البلدان كما سمعنا مؤخرا أن مقتدى الصدر الإيراني الشيعي ينادي بحماية الأقلية الشيعية في الجزائر فهذا التدخل يجب التصدي له ودور المسجد والمدرسة القرآنية يصب في صالح الدعوة لتقوية هذا البعد من أبعاد الأمن الوطني. وهو بهذا يعني حماية وصيانة الهوية الثقافية والمرجعية الدينية من الاختراق أو الاحتواء من الخارج ويعني أيضا الحفاظ على العقل من الاحتواء الخارجي وصيانة المؤسسات الثقافية في الداخل من الانحراف. والأمن الفكري والأمن الديني الذي يقدمه المسجد هو اطمئنان الناس على مكونات أصالتهم وثقافتهم النوعية ومنظومتهم الفكرية ويعني دور المسجد السكينة والاستقرار والاطمئنان القلبي واختفاء مشاعر الخوف على مستوى الفرد والجماعة في جميع المجالات النفسية والاجتماعية والاقتصادية. ويعني دور المسجد صيانة عقول أفراد المجتمع ضد أية انحرافات فكرية أو عقدية مخالفة لما تنص عليه تعاليم الإسلام الحنيف أو أنظمة المجتمع وتقاليده. أهمية الأمن الفكري دور المسجد في ربط الناس بخالقهم لاستجلاب السكينة والطمأنينة ركيزة هامة وأساسية في حياة االمجتمع ألا بذكر الله تطمئن القلوب وتحتل قضية الأمن الفكري عامة والأمن الديني خاصة مكانة مهمة وعظيمة في أولويات المجتمع الذي تتكاتف وتتآزر جهود أجهزته الحكومية والمجتمعية لتحقيق مفهوم الأمن الفكري تجنباً لتشتت الشعور الوطني أو تغلغل التيارات الفكرية المنحرفة وبذلك تكون الحاجة إلى تحقيق الأمن الفكري هي حاجة ماسة لتحقيق الأمن والاستقرار الاجتماعي. ويؤدي المسجد أدوارا وقائية وتحصينة بنشر الوعي الفكري والثقافي القائم على المرجعية الدينية الوطنية. استغلال الوسائط الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي وتعليم الناس بأن الأمن الفكري أو الأمن الديني هي مهمة مؤسسات التأهيل الاجتماعي الصانعة للوعي والثقافة التي أوكل إليها المجتمع هذه المهمة وهي : الأسرة المدرسة المسجد والمؤسسات الثقافية الأخرى وأنَّ الأمنَ بمفهومِه الشامل مطلَبٌ رئيس لكلِّ أمّة إذ هو ركيزَة استقرارِها وأساسُ أمانها واطمئنانها إلاَّ أنَّ هناك نوعًا يُعدَ أهمَّ أنواعِه وأخطرَها فهو بمثابةِ الرأس من الجسَد لِما له من الصِّلة الوثيقةِ بهويّة الأمّة وشخصيّتِها الحضارية حيث لا غِنى لها عنه ولا قيمةَ للحياة بدونه فهو لُبّ الأمنِ ورَكيزتُه الكبرى ذلكم هو الأمنُ الفكريّ. والأمن الديني فإذا اطمأنَّ الناس على ما عندهم من أصول وثوابِت وأمِنوا على ما لدَيهم من قِيَم ومثُل ومبادئ فقد تحقَّق لهم الأمنُ في أَسمى صوَرِه وأجلَى معانيه وأَنبلِ مَراميه . فالأمن الفكري يأتي في الدرجة الأولى من حيث الأهمية والخطورة وتصرفات الناس تنطلق من قناعاتهم التي تستند إلى أرصدتهم الفكرية والاعتقادية وبهذا يكون منطلق كل عمل يمارسه الإنسان ويظهر في سلوكه من خير أو شر مركوزاً في كيانه الفكري والاعتقادي ومستكناً في داخل النفس وأعماقها. وأي خطأ في التصرف أو نتيجة في الفعل تستند إلى خطأ في الفكر أو الاعتقاد ودور المسجد يهدف إلى حماية العقول من الغزو الفكري والانحراف الثقافي والتطرف الديني بل الأمن الفكري يتعدى ذلك كله ليكون من الضروريات الأمنية لحماية المكتسبات مثل المصالحة الوطنية والوئام الوطني والوقوف بحزم ضد كل ما يؤدي إلى الإخلال بالأمن العام لاسيما في هذه الأيام التي هبَّت فيها رياحُ الجنوحِ عن منهجِ الوسطيّة والاعتدال وتعدَّدت فيه أسبابُ الانحراف ووسائلُ الانحلال والظرف الذي تمرّ به مجتمعاتُنا وأمّتُنا ويُكادُ فيه لأجيالِنا وشبابنا مما يحتِّم المسؤوليةَ العظمى على جميع شرائحِ المجتمع وأطيافِ الأمّة في الحفاظِ على أمنِ الأمة الفكرِي.