جلّ الآفات الاجتماعية من إجرام ورذيلة ومخدّرات متأتّية من الفقر والحرمان والبطالة، كلّ هذه مجتمعة إذا اجتمعت مع الأمّية تجعل من الفرد قنبلة موقوتة قابلة للانفجار بين لحظة وأخرى إذا لم تعالج الأسباب وتقتلع من الجذور ويقدم البديل المناسب. ويظهر في الصورة كأبطال لهذه الظاهرة الشباب والنّساء على اختلاف أعمارهن، حيث تجدهن مرفقين بأطفال رضّع أو في عمر الزهور لم يلتحقوا بعد بالمدرسة أو لم يلتحقوا بها أصلا رغم بلوغهم السنّ القانوني، لكن لضرورة جمع المال والتسوّل جهارا نهارا وأمام أعين السلطات المحلّية والجهات المعنية استغلّوا في ذلك حتى غدت العملية تركة يتوارثها أبا عن جدّ دون حياء أو تحرّج من الأمر. وأمام استفحال الظاهرة المشينة للبلد والمسيئة لتاريخه، خاصّة على مستوى العاصمة والمدن الكبرى، تفطّنت السلطات المركزية مؤخّرا، حيث أعلن منذ فترة وزير التضامن عن مشروع قانون جديد يحارب كلّ ألوان وأشكال التسوّل ويقضي عليه، خاصّة ضد أولئك الأولياء أو غيرهم المتسوّلين بالأطفال مستغلّين براءتهم في استعطاف المارّة. إن الظاهرة التي زادت استفحالا مؤخّرا بسبب البطالة وارتفاع تكلفة المعيشة، حيث بدل أن يلجأ هؤلاء سواء كان منهم النّساء أو المعاقين أو الرجال من كبار السنّ إلى الاسترزاق بالعمل في مهنة تدرّ بعض المال، فضّلوا الطريقة السهلة التي تدرّ المال بكلّ يسر، والتي هي طريقة التسوّل ومدّ اليد إلى الغير، مع أن الدين الإسلامي يمنع ذلك ويحثّ على العمل وعدم اللّجوء إلى الغير، سواء أعطوه أو منعوه، وهذا كلّه بهدف منع إراقة ماء الوجه والحفاظ على كرامة الإنسان. لكن من أين لمثل هؤلاء الذين يجوبون الطرقات ويقفون أمام المساجد وفي الساحات العمومية مثل هذه القيم الإنسانية التي شدّد ديننا الحنيف على التمسّك بها مهما كانت الوضعية الاجتماعية للأفراد والجماعات؟ وإن كان هذا ليس مسؤولية المتسوّل وحده وإنما للمجتمع وذوي السلطات مسؤولية يد في ذلك، وقد يكون للقانون الذي تعدّ له وزارة التضامن بعض الحلول التي تقلّل من الظاهرة إلى حين أن تتيسّر سبل العمل والعيش الكريم لدى شبابنا ونسائنا وشيخونا، والتي لن تذهب ريحها إلاّ بتدعيم القطاع العام الذي في مقدوره لمّ شمل العائلات بتقديمه لها أجرة ثابتة بكلّ كرامة.