نبينا صلى الله عليه وسلم هو خير أسوة وأفضل قدوة بما اشتُهر به من جمال الخَلق والخُلق وحسن السمت وطيب الرائحة وكانَ من شأنه وصفته التي عُرِف بها بين أصحابه: رائحته الطيبة فكان إذا صافحه أحد يعرف ذلك من أثر طيب يده التي صافح بها رسولَ الله صلى الله عليه وسلم روى أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (ما شممتُ عنبرًا قطُّ ولا مسكاً ولا شيئاً أطيبَ من ريحِ رسول الله صلى الله عليه وسلم) رواه مسلم. وكان صلوات الله وسلامه عليه يحب الطِّيبِ ويأمر به خاصة في يوم الجمعة فعن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (منِ اغتسل يومَ الجمعة فأحسنَ الغُسْل وتطهَّر فأحسَنَ الطُّهور ولبِسَ مِنْ أحسن ثيابه ومَسَّ مَا كتَبَ الله له مِنْ طيبِ أوْ دُهْنِ أهله ثُمَّ أتى المسجد فلم يَلْغُ ولم يُفَرِّقْ بينَ اثنينِ غفر الله له ما بينه وبين الجمعة الأُخْرى) رواه الطبراني. فالطيب والعِطْر سنة نبوية وله في حياة النبي صلى الله عليه وسلم شأنٌ وأهمية وهو من الأمور التي حُبِّبت إليه من أمور الدنيا وأمر بها صلى الله عليه وسلم فعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم: (كان يحب الطيب ويأمر به). قال ابن القيم: لما كانت الرائحة الطيبة غذاء الروح والروح مطيةُ القوى والقوى تزداد بالطيب وهو ينفع الدماغ والقلب وسائر الأعضاء الباطنية ويُفرح القلب ويسرُّ النفس ويبسُط الروح وهو أصدق شيء للروح وأشدُّ مُلاءمةً لها وبينه وبين الروح الطيبة نسبة قريبة كان أحد المحبوبين من الدُّنيا إلى أطيب الطَّيبين صلوات الله عليه وسلامه . وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: (حُبِّبَ إليّ من دنياكم: النساء والطيب وجعلت قرة عيني في الصلاة) رواه النسائي. قال ابن القيم: هذا لفظ الحديث ومن رواه: حُبّب إليّ من دنياكم ثلاث فقد وهِم ولم يقل صلى اللَّه عليه وسلم: ثلاث والصلاة ليست من أمور الدنيا التي تضاف إليها وكان النساء والطيب أحب شيء إليه صلى اللَّه عليه وسلم . وقال النيسابوري: مراده صلى الله عليه وسلم أن يفهم السامع أن ما حُبِّب إليه من أمور الدنيا ليس يلهيه عن أمور الآخرة وطلبها فأشار إلى أن الصلاة -المتضمنة لمناجاته ربه- تسمو على ما حبب إليه من أمور الدنيا فهي تشغله عن ذلك لا أن الصلاة مما حبب إليه من أمور الدنيا فتأمل . وعن أنس رضي الله عنه قال: (كانت للنبي صلى الله عليه وسلم سُكَّةٌ يتطيَّبُ منْها) رواه أبو داود. (سُكَّةٌ) بضم السين المهملة وتشديد الكاف: نوع من الطيب عزيز وقيل: وعاء يوضع فيه الطيب والظاهر أنه المراد هنا. الطيب لا يُرد ما عُرِضَ عليه صلَّى الله عليه وسلم طيبٌ قطُّ فردَّهُ فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَن عُرِضَ علَيهِ طيبٌ فلا يرُدَّهُ فإنَّهُ طيِّبُ الرِّيح خفيفُ المَحمل) رواه أبو داود وصححه الألباني وفي رواية مسلم: (من عُرِض عليه ريحان فلا يرده فإنه خفيف المحمل طيب الريح). قال المنذري: ويحتمل أن يراد ب (الريحان) جميع أنواع الطيب يعني مشتقاً من الرائحة . وقال النووي: وفي هذا الحديث: كراهة رد الريحان لمن عُرِض عليه إلا لعذر . وقال ابن العربي: إنما كان لا يردُّ الطيب لمحبته فيه ولحاجته إليه أكثر من غيره لأنه يُناجي مَنْ لا نُناجي وأما نهيه عن رد الطيب فهو محمول على ما يجوز أخذه لا على ما لا يجوز أخذه لأنه مردود بأصل الشرع .