مسراتي تشارك بفيينا في دورتين حول تنفيذ الإتفاقية الأممية لمكافحة الفساد ومنعه    المغرب: أكبر جمعية حقوقية تجدد موقفها الداعم لحق الشعب الصحراوي في تقرير المصير    الشلف: تسجيل أزيد من 300 مشروع على مستوى الشباك الوحيد اللامركزي للاستثمار    كأس إفريقيا سيدات 2024: المنتخب الجزائري يواصل تحضيراته بوهران    نحو إدراج 40 تخصصا جديدا    محكمة بريكة بباتنة: إدانة عدة أشخاص بالحبس بتهمة المساس بنزاهة امتحان شهادة البكالوريا    المصادقة على حصيلة سوناطراك    عُمان ضيف شرف الطبعة ال56    الرئيس يستقبل سفير بريطانيا    إيران تطلق موجة جديدة من الرد الإيراني على العدوان الصهيوني    الأمم المتحدة تحذر من تأثير الذكاء الاصطناعي على تزايد خطاب الكراهية عالميا    رُعب في قلب تل أبيب    زوالها مسألة وقت... واسألوا نتنياهو    تخرج دفعة ضباط وطلبة    الخضر يتوّجون    خطّة عمل لتوفير أفضل ظروف الاصطياف    أين حقّ الملايين في الاستجمام؟    تعارف الحضارات محور ملتقى دولي بالجزائر    مرّاد يستقبل المخرج السعيد عولمي    هذه أسباب زيادة الخير والبركة في البيت    التلاحم بين الشعب الفلسطيني و المقاومة الباسلة لا تكسره المؤامرات    تدشين مصنع لإنتاج الأدوية القابلة للحقن    بومرداس : توقيف سائق شاحنة قام بمناورات خطيرة    موجة حر وأمطار رعدية    رهان على الرقمنة لتتبُّع المفقودين    تكذب خبر إجراء رئيس الجمهورية لأي لقاء إعلامي مع صحف أجنبية    تتويجا للإصلاحات الهيكلية العميقة التي بادرت بها الدولة    فلسطين : 50 شهيدا في قصف صهيوني بخان يونس    يرتقي بالقطاع ويؤكد حق المواطن في التمتع المجاني بالشواطئ    الوقاية من الأمراض المتنقلة أمر بالغ الأهمية    تنظيم دخول اجتماعي موحد وإعداد منصة لتسيير المؤسسات الشبانية    الاستفادة من التظاهرة للترويج للمنتج الوطني    الرابطة الاولى "موبيليس": شباب بلوزداد يفتك الوصافة من شبيبة القبائل, و الصراع متواصل على البقاء بين ترجي مستغانم و نجم مقرة    تسخير البحث العلمي لتحقيق الأمن الغذائي وترشيد النّفقات    خطّة ب3 محاور لتفعيل المجمّعات الصناعية العمومية الكبرى    إنشاء وكالة لتسيير الأموال المصادرة في قضايا الفساد    لا حلول لأزمة الشرق الأوسط إلا بالدبلوماسية والتزام حسن الجوار    حين تتحوّل المنمنمات إلى مرآة للروح القسنطينية    "فترة من الزمن"....عن الصمود والأمل    مدرب نادي ليل الفرنسي يصر على بقاء نبيل بن طالب    دعوة لمرافقة الشباب نفسيا في زمن التحولات    نادي "سوسطارة" يعود إلى سكة الانتصارات    التعاون السعودي يسعى إلى التعاقد مع نور الدين زكري    تجديد وحدة حقن الدم بالمستشفى الجامعي مصطفى باشا    السيد سايحي يشرف على تنصيب اللجنة الوطنية لأخلاقيات الصحة    معرض " ورثة النور" : بللو يثمّن إبداع فناني الزخرفة والمنمنمات    الجزائر/الأردن: تدشين مصنع لإنتاج الأدوية القابلة للحقن تابع ل "حكمة فارما الجزائر"    تعارف الحضارات محور ملتقى دولي السبت المقبل    الفاف تحدّد شروط الصعود والنزول    مرتبة ثانية لسجاتي    إطلاق موجة جديدة من الهجمات الصاروخية    احياء التظاهرات المرتبطة بالثورة التحريرية المجيدة    دعم تربوي ونفساني للأطفال المصابين بالتوحد    الحماية الاجتماعية مبدأ مكفول قانونا لكل جزائري    على الكاتب المساهمة في بناء الوطن    لماذا تتضاعف أسباب الهم والغم هذه الأيام؟    كيف يقضي المريض الصلوات الكثيرة الفائتة؟    "واللَّه يعصمك من الناس"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قدسيّة الإبداع.. هل هي صنمٌ آخر؟
نشر في صوت الأحرار يوم 19 - 02 - 2014

ما هو الإبداع؟ هل نستشف الجّواب من جذور اللغة أمْ من محمول دلالات كلمة الإبداع أمْ نغوص أكثر في عودةٍ لبداهة « في البدء كان/ت الكلمة» أمْ من أسطورية الكاتب أمْ من طبيعة عقله!؟ لا ريب أنّ كلّها تنفع للخطوة الأولى، التي تقود إلى تفرّد المبدِع وإضفاء قدسية معينة تربطه بمنابع الإبداع الإلهية؛ لا ريب أنّ في ذلك مدْحة للمبدع/ الكاتب تجعله سليل برومثيوس أو سيزيف أو شكلاً آخر من النبوة؛ تدعو قارئه لتمثل سننه وأكثر إذْ تضعه حامل راية الإنسانية، فهو النبع الذي تمتح منه الجداول وجودها!؟ وعليه هل تصحّ مساءلة هذه المدْحة وتعريتها لمحاولة الكشف عن سرّ الإبداع!؟.
عندما أحالتْ النظريّة البنيويّة والتي سادتْ ستينات القرن الماضي إلى مصونية اللغة كما هي مصونية المادة لا شيء يفنى بل يتغير واعتبرت اللغة هي المتعالي المستقِل الذي يتنزل وحيُه على الكاتب، فأقصتْ جهد الكاتب وأماتته بعد أن مجّدته النظريات السّابقة واعتبرت الإبداع بالمجمل والخاص هو نتيجة للماء المالح / اللغة الذي بتبخره وهطوله من الغيم تُخلق المياه الصالحة للشّرب أيّ الإبداعات الكتابية المجنّسة تحت بنود: شعر، رواية ، قصة ، نقد ، فلسفة .. الخ؛ في حين قبل ذلك جاء مؤسس التحليل النفسي سيغموند فرويد ليجعل من التسامي على المكبوت في لبّ الإبداع ومحركه الأساسي وكأنّه يكمل رؤية الرومنسية في أنّ المعاناة والألم هما في جذر الإبداع ودعم تلك التوجهات المتعلقة بتعالي الكاتب موضوعة الأدب الملتزم والمثقف العضوي وفق غرامشي الذي اعتبر المبدع قائداً طليعياً تفرزه لحظة اجتماعية يصبح فيها الفنار الذي يقودها لشطّ الأمان!؟.
فيما تقدم سواء عبر نظرة البنيوية التي أماتت الكاتب والنظريات الأخرى التي مجّدت الكاتب لدرجة القدسيّة، نقف أمام استنسابية، شطحية، صوفية لا تغني ولا تسمن من جوع، فبقي مفهوم الإبداع عصياً على الفهم، يمعن في قدسية المبدِع والأخطر تصنيم نتاجه حتى يأتي مبدعٌ آخر يكسر هذه الصنمية في حين المتلقي يظلّ مغلوبا على أمره، فالمبدع هو صاحب المشاعر وهو الأكثر إنسانية وهو المتألم الأكبر وإلى تلك الصفات التي تكاد تجعله مثالياً أو تلغيه وتنحل تلك الصفات إلى اللغة كمتعالٍ مفارق لطين الوجودّ في المقلب الآخر؟.
أيوجد صراع حقاً بين طرفي المقولات السابقة أم أنّ الأمر مكر وتواطؤ؟ لابدّ لكل خطاب من سلطة لكي يكون له وقع بين سامعيه؛ فيما مضى كانت ملازمة أبواب السلطة من ملوك وقادة كفيلة بذلك والرعاية من قبل محبي الإبداع تكفل للمبدِع سلطة؛ لكن مع ظهور الطباعة وتمدّد الكتابة على رقعة أكبر بدأت تظهر أجيال جديدة تطالب بذات الميزات للكتّاب وبدأ الصّراع والبحث عن مصدر للسّلطة غير كلاسيكي، فظهرت مقولة الفنّ للفنّ وأنّ الفنّ مترفع عن المكاسب المادية وبدأ المجال الأدبي يتشكّل كسلطة تمنح وتعطي المميزات داخلها للمنضمين إليها أو تمنعهم منها وتقصيهم وصار من الضروري إيجاد منابع متعالية للإبداع، تهدف هذه المنابع لفصل علاقة المبدِع بالسلطات الكلاسيكية وتسعى لتحريره منها وبنفس الوقت لا تتركه عارياً من أيّ قدسية بل جهدت لتجد له أصولاً لهذه القدسية بعيداً عن أبواب الملوك أو رعاة الفنّ وحتى الميتافيزيق كمتعالٍ بدأ العلم بتقويض تعاليه وخاصة مع الثورة الصناعية والتحكّم بالطبيعة وهكذا جهد المجال الأدبي لحياكة الأسباب التي تجعل المشتغِل فيه يمتلك ميزات خاصة وهبات لا يمكن للبشر العاديين أنْ يحوزها وكلّ ذلك لتشكيل رأسمال أدبي يستطيع المبدِع من خلاله فرض سلطته ولعبَ المريدون للدخول في هذا المجال دور المذيع ومسوّق الدعاية المذكورة أنفاً، فمن ناحية يكسب رضاء المبدِع ومن ناحية أخرى يمهد لنفسه الطريق للاستلام وفي النهاية يكرس أكثر سطوة المجال الأدبي ورأسماله.
ما تقدم يأخذ ناحية تصنيم المبدِع وتقديسه، فيما المقلب الثاني الذي أمات المبدِع وإنْ ظهر أنّه يثور على تلك النّظرة إلا أنّه يؤكدها لكن بمكر أكبر، فالذي جعل اللغة هي الجوهر المكتفي بذاته والمتعالي وما الأدباء إلا جماعة من المتلقين لا حول ولا قوة لهم، جعلهم سدنة معبد الإبداع ولا يمكن لأحد أن يعرف وحي اللغة إلّا من خلالهم وبالتالي هم من يتحكم بالإنتاج الأدبي وتحويله من خام اللغة المتعالية إلى مشتقاته من شعر ورواية وفلسفة .. الخ!؟.
الموهبة قد تموت إن لم تُكتشف والواقع يحفل بهذه القصص كثيراً، ومن هنا نجد أنّ الموهبة تحتاج لرحم يحتضنها يسبقها في الوجود، فالكاتب في مجتمع لا يعترف به أو لا يعيه لن يجد لموهبته مكاناً لقد ظلّت الكتابة والرّسم والنّحت لحدود القرن الخامس عشر تحت طلب الزبائن سواء من أصحاب سلطة وراعين وزبائن ومريدين، فالشخصية المستقلة للمبدِع كما تبدّت في زمننا ليست صنيعته بقدر ما هي صنيعة المجتمع ومجالاته الأخرى من سياسة واقتصاد وتطورات عامودية وأفقية وكما نما الفرد وشخصيته في القرون المنصرمة القريبة الماضية كان للمبدِع حصته بالتفرّد وكما حققتْ الرأسمالية استقلاليتها عن الاقتصاد الإقطاعي وما فرضته من تغيّر شكل الدولة وما تبعها من تغيّر أشكال الحكم، كان للمبدِع أن يعي أنّ رأسماله الإبداعي سيحقق له حرّية وتفرّد واستقلالية، فذهبَ في صنع أسطورة الإبداع، ليكفل لنفسه السّلطة في مواجهة سلطات المجتمع الأخرى ولأنّه صاحب موهبة الخطاب إلى الآخر، بدأ بصنع قدسية له، ليصبح هو منبع الإنسانية وعواطفها ومشاعرها وكأنّ الإنسان قبله كان دون ذلك، كمن يبيع قوارير الماء مستنكراً وجوده في الأنهار!؟.
الإبداع وإنْ كان موهبة، لكن هذه الموهبة متجذرة في صيرورة البشرية هي تراكم ساهم فيه كل شخص تنفس على هذه الأرض، فالإبداع هو كالحضارة لا يمكن نسبتها لمجموعة بشريّة معيّنة وكما أنّ النّار من أثر صاعقة، فلا يعتدّ مالك عود الثّقاب بناره الصّغيرة.
ليس ما سبق، أنّه يتم التقليل من قيمة الإبداع والمبدِع، لكن وضع الأمور في نصابها، فعاطفة الأمّ وكلمتها « يا أمي» لولدها أكثر شاعرية من كلّ الشّعر، لكنّها شعر كالطبيعة كذلك عرق العامل وتعب الصانع كلّها رغم صمتها إبداعية وتوازي ما يقدمه الإبداع.
كلّ ما يبغيه الإنسان إلّا يسرق الأدب والمبدِع مشاعره وعواطفه بحجة أنّه أكثر قدرة على التعبير كما فعل الاقتصاد بأن حوّل العامل لمسنن والسياسة حولت المواطن لصوت في صندوق والدين حول المؤمن لمريد سمل عينيه، فأن كنت أيّها المبدِع مبدعاً بحقٍّ، فاكسرْ صنمك بيدك ومن ثم تكلَّم عن الإنسانية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.