وينقسم »مجتمع النادي«، أي الخدم، ومن يعمل به إلى قسمين. قسم، معظمهم من النوبة المصرية والسودانية يحتج على إهانات يلحقها بهم »الكوو«، ممثل الملك في النادي: تصل إلى حد ضربهم وحرمانهم من البقشيش. وقسم منهم يتواطأ مع الكوو، بل ويقدم له معلومات عمن يتزعم التمرد ضده ويعلنون أنهم لا يأبهون لضربهم لهم طالما لم يحرمهم من البقشيش. مقابل المجتمع المصغر في النادي نجد في »التيس« مجتمعا بطبقاته المتعددة في «جمهورية الدومينيكان« يرزح تحت وطأة الديكتاتور السادي النزعة وهو من عرق خارج العرق السائد في الجمهورية، قدم من هجرة أهالي هايتي المجاورة. يتشابه عرقيا مع الكوو في لون البشرة السمراء الداكن وهو عرق ينظر إليه أهالي الدومينيكان باحتقار. والهايتيون يعملون - أيضا مثل النوبيين - كخدم في البيوت والمزارع في الدومينيكان. وقد وصل الديكتاتور في حفلة التيس إلى أعلى منصب في البلاد نتيجة مجموعة من الانقلابات، بينما نجد أن الكو في نادي السيارات. هو المتصرف في الشؤون السياسية في قصر عابدين الملكي .. يقول له الملك قاصدا القرارات الملكية التي لا يعنى باتخاذها: »قاسم.. تصرف« . ص .61 وقاسم هذا هو اسم الكوو. يقدم لنا الأسواني شخصية الكوو النوبي السوداني واسمه بالكامل قاسم محمد قاسم.. أكبر شماشرجية الملك الذي يساعد مولانا على ارتداء الملابس وخلعها.. واكتسب الكوو نفوذا طاغيا غير مسبوق في القصر. ص60 و.61 «الكوو« يفسرها الأسواني بأن معناها في النوبية القائد أو الكبير. وقد وجدت شخصية مشابهة لها كثيرا كانت تعمل في القصور الخديوية إبان الثورة العرابية هي شخصية خليل أغا التي رصدتها رسالة ماجستير عن الرقيق في مصر في القرن التاسع عشر. لقبه الرسمي »فخر الأغوات المعتبرين ذخر أصحاب العز والتمكين معتمد الملوك والسلاطين الجناب المكرم والمخدوم المعظم خليل أغا باش أغاي القصر العالي«. ونحن نعرف أن »الأغا« هو رقيق جرى شراؤه ثم يجري ترفيع وظيفته في القصر الذي يعمل له.. في هذه الدراسة نكتشف أن خليل أغا أمر بضرب عبد الله النديم الذي كان يعمل تلغرافجيا في قصر الخديوي بعد اكتشاف علاقته بالعرابيين، وطرده من الخدمة. وهنا نكتشف التشابه الواضح بين الشخصيتين. وبالتمعن في شخصية الديكتاتور وشخصية الكوو في السيارات لم يكن بالصدفة! ثم هناك في السيارات» المدير البريطاني مستر رايت الذي يوافق أن يستغل القواد ابنته ليقدمها لفاروق رغم أنه لم يفقد الحظوة الملكية أساسا (!) لكنه يرحب بذلك مرددا ذات العبارة بمفهومها العام) بأنه يفعل ذلك لمصلحة ابنته (ص 220 و.221 في التيس نجد أجواء مشابهة لما يحدث في النادي، في نطاق حاشية الديكتاتور. هو يستمتع بإهانتهم بل ويحرمهم فجأة ودون أسباب واضحة من الحظوة بلقائه أو رضاه. وهذا ما حدث لوالد الفتاة أورانيا الذي عمل رئيسا لمجلس الشيوخ وفقد الحظوة فجأة دون سبب مفهوم، فأقنعه القواد «الملكي» بتقديم ابنته لفراش الديكتاتور حتى يسترجع حظوته. وينجح المتآمرون في قتل الديكتاتور غيلة.. كما ينجح متآمرون آخرون في السيارات لا نعرف عنهم شيئا في التسلل إلى غرفة نوم الكوو في القصر الملكي وقتله. * تناص الشخصيات والأماكن أولا، في كل من الروايتين نجد قوادا له دور محدد. في السيارات نجد قوادا للملك هو بوتشيللي. في التيس نجد قوادا للديكتاتور هو مانويل وهو أيضا شماشرجي الديكتاتور.ص .284 أي الذي يختار له ثيابه. وثانيا، نجد أن الأسواني جعل النادي مرتعا لملذات فاروق. إنه نادٍ لملك - كما جاء في الرواية - يقضي فيه أوقاتا للعب القمار والتسلية، وكذا الاستراحة الملكية على ضفاف بحيرة قارون. وكل من فاروق والديكتاتور يفضلان الفتيات الصغيرات. ونجد في «التيس» حوارا بين الأب والابنة.ص ,298 حول فكرة إرضاء الديكتاتور، ونجد أيضا أن التبرير الذي يقدمه الأب الدومينيكي يتشابه في التبرير الذي يقدمه الأب البريطاني. وثالثا، يتشارك الأسواني مع يوسا في محور أساسي من رواية الثاني «حفلة التيس»، بل إن الشخصية الأساسية في رواية يوسا هي الفتاة التي قدمها والدها إلى الديكتاتور. وعند الأسواني نجد أن ميتسي ابنة المستر رايت شخصية محورية. على الرغم من أن هذين الحدثين في الروايتين لم يشكلا أهمية كبيرة في بناء العملين، لكن التناص هنا نجده أيضا في ردود أفعال ابنة رئيس مجلس الشيوخ المتشابهة لردود أفعال ابنة رئيس النادي. فقد هجرت كلتاهما والدها. رفضت الأولى التخاطب مع والدها أو حتى الاستجابة لمكالماته الهاتفية واستقرت في أميركا البلد المعادي للديكتاتور، بينما هجرت ميتسي عمليا منزلها واستقرت مع حبيبها الثوري المصري في منزله، وواصلت انتماءها الفكري والجسدي لخلية الثوار المصريين المعادية للاحتلال والملك. وتتشابه أيضا مواقف البنتين: الأولى لم يستطع الديكتاتور ممارسة الحب معها. عجز عن ذلك. والثانية تهربت من فراش الملك بحجة وجود مرض غامض في حنجرتها.. ونعلم أن ميتسي ترفض عرض والدها في البداية لأنها تعلم رغبة الملك فيها على العكس من أورانيا التي لم تفهم العرض.. أورانيا ذهبت طائعة ذاهلة إلى فراش الديكتاتور العاجز، فأحس بالخزي وأهانها وطردها. * المتآمرون والاغتيال.. والخدم المتآمرون في نادي السيارات قتلوا الكوو كما جرى مقتل الديكتاتور في «حفلة التيس» على يد متآمرين. ونحن لا نعلم من الذين قتلوا الكوو. فالأسواني ترك هوية المتآمرين غامضة ولعل السبب أنه لا توجد سابقة تاريخية لدخول متآمرين قصر عابدين واغتيالهم ممثلا للملك! في «التيس» نحن نعلم بالتفصيل أسماء وأسباب خلية من أصدقاء ورفاق وزملاء أقسموا يمين الولاء على اغتيال الديكتاتور لانغماسه في الملذات ولقتله أقاربهم وأصدقائهم. * الأب الدومنيكاني والأب البريطاني ولأن موقف كل من الأبوين الدومنيكاني والبريطاني يشكل مفصلا هاما في الروايتين وما نتج عن موقفيهما هذا، لذلك سأورد بعض التفاصيل المتعلقة بهما في الروايتين: يستنجد الأب الدومنيكاني بمانويل وهو معروف في أوساط الحكم بأنه قواد الزعيم، فيستدعيه إلى بيته متذرعا بصداقة قديمة لكي يتوسط له عند الديكتاتور حتى يسترجع حظوته السابقة. يرى مانويل الابنة أورانيا ذات الأربعة عشر عاما - العذراء - يتيمة الأم فيبهره جمالها العذري. يقول لها » لقد كنت طفلة حينما رأيتك في المرة الأخيرة أطرى عليها مانويل ألفونسو مبتسما - وأنت الآن آنسة باهرة الجمال«. الأب مخاطبا القواد مانويل: »أنا أيضا أدين له الزعيم بكل ما أنا عليه وكل ما فعلته يا مانويل - قال مؤكدا - إني أفهمك جيدا ولهذا السبب أنا مستعد لكل شيء من أجل استعادة صداقته«. نظر إليه مانويل ألفونسو وقرب رأسه منه. لم يقل شيئا لوقت لا بأس به لكنه واصل تفحصه كأنه يتأكد من مدى جدية كلماته بالمليمتر: - أتعرف أمرا. لو أنها ابنتي لما ترددت لحظة واحدة. ليس من أجل نيل ثقته وليس لأثبت له أني مستعد لأية تضحية من أجله، إنما ببساطة لأنه ليس هناك ما يرضيني ويسعدني أكثر من جعل الزعيم يُمتع ابنتي ويستمتع بها. فيرد الأب: »إنها ما تزال طفلة بعد». لكن القواد يقول « هذا أفضل فالزعيم سينظر بتقدير كبير إلى اللفتة.. لا تفكر بنفسك فقط لا تكن أنانيا.. فكر بابنتك وما الذي سيحدث لها لو خسرت كل شيء وانتهى بك الأمر إلى السجن مُتهما بسوء التصرف والاحتيال». * المستر رايت في الفصل 16 نشاهد العلاقة بين رايت الأب وبوتشيللي القواد الذي يزور رايت في مكتبه بنادي السيارات يستدرجه لكي يأخذ ابنته لفراش الملك بعد أن رآها بالصدفة في نادي الجزيرة. - رايت: طمني كيف صحة جلالة الملك؟ - بوتشيللي: صحة مولانا جيدة لكنه يعمل أكثر مما يجب. - جلالته يجب أن يرتاح. - القواد يسأل رايت: إذا سنحت لك الفرصة لإرضاء جلالة الملك هل تتردد؟ - أنا تحت أمر جلالته. - هذه بداية جيدة. - يحدث أحيانا أن يطلب مني مولانا الملك أن أنظم حفلا صغيرا حتى يلتقي فيه شبان وشابات الطبقة الراقية. يوم الاثنين القادم سأنظم حفلة صغيرة. المدعوون جميعا شبان وشابات من الطبقة الراقية. يسعدني أن أوجه الدعوة للآنسة ميتسي. يسأله الأب: هل تعرف ميتسي؟ - رأيتها في نادي الجزيرة فلفتت نظري وفكرت أن أقدمها للملك. - هذا شرف عظيم. ويستطرد الأسواني كيف أن مستر رايت فكر، فيما بعد، بأنه يفعل هذا «من أجل ابنته. إنه لا يريد شيئا لنفسه.. إنها ابنته الوحيدة.. صداقتها بالملك لن تفيد سواها ص .22 وحينما يخبر زوجته بما دار من اتفاق بينه وبين بوتشيللي تقول له: هل تعلم أن بوتشيللي قواد؟ لكن الحوار بين رايت وميتسي في «حفلة التيس» مختلف في طبيعته العدوانية بعد أن أخبرها والدها بأنها «معزومة» لحفلة عند الملك. ميتسي: من قال لك إني سأقابل الملك؟ - ألم تخبرك أمك بالدعوة؟ - أخبرتني. - ستوافقين بالطبع. - لم أقرر بعد. * الاغتيال كحل وعقاب في »نادي السيارات« قتل الكوو في غرفته في قصر عابدين بعد أن »اطمأن أن جلالة الملك قد خلد إلى النوم ثم راجع مع الخدم مهام اليوم التالي«، كما جرى قتل الديكتاتور في «حفلة التيس» وهو في سيارته، بإطلاق الرصاص عليه للأسباب المتعددة التي ذكرناها ومنها الأسباب الأخلاقية. والاغتيال البدني، للسياسيين وغيرهم، سمة من سمات الصراع السياسي في أميركا اللاتينية، لكنه بعيد كل البعد عن ميكانيزم وتاريخ الصراع في مصر، على الرغم من عمليات اغتيال بعض السياسيين حتى مرتبة رؤساء وزراء في مصر نتيجة لمواقفهم السياسية التي رأى الذين اغتالوهم أنها غير متفقة مع النضال الوطني المصري. ونرى أن إقحامه في عمل الأسواني - خاصة أن القتيل في نادي السيارات لا يمثل أي أهمية سياسية - ليست له ضرورة روائية، لذا قدم اغتيال الكوو في قصر عابدين الملكي بديلا للملك وكذا بديلا للديكتاتور الذي جعل الكوو يشبهه كثيرا في السمات الجسدية والنفسية!