بلعابد يجدد التزام القطاع بالمرجعية الدينية الوطنية: إعادة النظر في البرامج التربوية بلغ مراحل جد متقدمة    رئيسة السلطة العليا للشفافية و الوقاية من الفساد و مكافحته تكشف: إحالة 14 ملف فساد على الجهات القضائية منذ أكتوبر الفارط    الفريق أول شنقريحة خلال استقباله رئيس اللجنة العسكرية للناتو: الجزائر حريصة على قرارها السيّد و سيادتها الكاملة    رئيس المجلس الشعبي الوطني في زيارة رسمية إلى سلطنة عمان    العداء الفلسطيني محمد دويدار للنصر: نتدرب في أحسن الظروف في الجزائر والاتحادية لم تبخل بشيء    رئيس الفاف بعث لها برسالة تهنئة: بلايلي يعتذر من الحكمة غادة محاط    تخوض اليوم نهائيين بمرحلة الدوحة من كأس العالم: الجمبازية نمور تحرز ذهبية جهاز العمودين غير المتوازيين    بطولة الرابطة المحترفة: السنافر يتمسّكون بالوصافة    كأس العالم للملاكمة/دورة كولورادو: تأهل الجزائرية إيمان خليف إلى الدور النهائي    كشف المخططات التخريبية لحركة "رشاد" الإرهابية وعلاقاتها مع تنظيمات دولية ومخابرات أجنبية    وزير الاتصال محمد لعقاب يؤكد من وهران: الرئيس أوصى بتزويد الصحافة بالإمكانيات اللازمة    الفنانة هاجر سراوي للنصر: "دموع لولية" لفت الأنظار إلى موهبتي    المرحلة التجريبية ستتم في 6 ولايات: إطلاق بطاقة الشفاء الافتراضية الموجهة للطلبة الجامعيين    حج 2024 : استئناف اليوم السبت بالنسبة لمطار أدرار عملية حجز التذاكر للحجاج المسافرين مع الديوان الوطني للحج و العمرة    تسليم أزيد من 100 رخصة استغلال مختلفة النشاطات : تسهيلات لمستثمرين ستمكن من خلق 3352 منصب شغل بقسنطينة    انطلاق حصاد القمح اللين شرق الولاية: توقع جمع 650 ألف قنطار من الحبوب ببسكرة    اللجنة الدولية للشؤون النقدية والمالية : محافظ بنك الجزائر يرافع من أجل دعم الدول ذات الدخل الضعيف وتخفيف ديونها    وزير السكن والعمران والمدينة يكشف: رقمنة صيغة السكن الاجتماعي في طور الدراسة    بن جامع يؤكد بعد الفيتو الأمريكي: سنعود أقوى من أجل العضوية الكاملة لفلسطين بالأمم المتحدة    لتخفيف العجز عن خطوط بين الولايات: تعويض الناقلين المتخلين عن النشاط بقالمة    سكيكدة: منح شاحنتين ضاغطتين لبلديتي بكوش لخضر وجندل سعدي    حسب رئيس دائرة سيدي عيسى بالمسيلة: توزيع حصة 750 سكنا قبل نهاية السنة    عطاف يحذر من مخططات للقضاء على مقومات الدولة الفلسطينية: غزة أماطت اللثام بِصمودها عن مآرب المحتل الصهيوني    استشهاد عدد من الفلسطينيين إثر قصف الاحتلال الصهيوني مناطق متفرقة في قطاع غزة    بعدما دهنت باللون الأبيض: إزالة الطلاء عن الأحجار الأثرية بموقع "الأقواس الرومانية"    استشهاد وإصابة فلسطينيين في اعتداء قوات الاحتلال الصهيوني على مخيم نور شمس بالضفة الغربية    العدوان الصهيوني : غزة تواجه كارثة بيئية جديدة    شركتا شيري و جيلي توفران قطع الغيار لزبائنها    الوجه الخفي لحركة رشاد..    الفيتو الأمريكي يجهض منح فلسطين العضوية الأممية    الإيطاليون ينتقدون بن ناصر وإنجلترا وجهته المحتملة    اللقاء النهائي يوم 4 ماي القادم    إحباط إدخال 109 كلغ من الكيف عبر الحدود مع المغرب    الرئيس تبون يولي أهمية قصوى للتكفل بالمرضى    ربط بيني لقطاع التجارة مع مختلف الهيئات والقطاعات    ندوة فكرية بالمركز الجامعي    العلاج المجانيّ يصل إلى مناطق البدو الرحّل    تسويق 12 طنا من المنتجات الصيدية خلال رمضان    199 ألف فلاّح استفادوا من "قرض الرفيق"    فوكة في تيبازة: افتتاح مركز تحضير النخب الوطنية بمعايير عالمية    6 قضايا إرهاب في جدول الدورة الجنائية    استرجاع 30 رأسا من الماشية المسروقة    مشكلة المصطلح في لغتنا مرتبطة بضعف إنتاجنا العلميّ    أحسن مشروع لربط البناء التقليدي بالوسائل العصرية    القبض على قاتل بسيق    حجز 26.5 كلغ "كيف" و1440 قرص مهلوس    الجزائر تنجح في تحقيق تأييد دولي "ساحق" لأم القضايا    وزارة الثقافة تقدّم ملف الزّليج لدى اليونيسكو    لا بديل عن رفع مستوى التّكفّل بمرضى القلب والشّرايين    الأندية الجزائرية..للتّألّق وتحقيق أفضل نتيجة    العاصمة.. تهيئة شاملة للشواطئ وللحظيرة الفندقية    هؤلاء سيستفيدون من بطاقة الشّفاء الافتراضية    بجاية: مولوجي تشرف على إطلاق شهر التراث    هذا موعد عيد الأضحى    أوامر وتنبيهات إلهية تدلك على النجاة    عشر بشارات لأهل المساجد بعد انتهاء رمضان    وصايا للاستمرار في الطّاعة والعبادة بعد شهر الصّيام    مع تجسيد ثمرة دروس رمضان في سلوكهم: المسلمون مطالبون بالمحافظة على أخلاقيات الصيام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مؤسستا البوني وبوزعرورة نموذج لأنسنة السجون

تعددت وتنوعت التساؤلات عن كيفية إمضاء المسجون حياته اليومية وكيفية التعامل مع هذه الشريحة وإدماجها في النشاطات التكوينية بعد انقطاعها عن العالم الخارجي، خاصة وأن كل من يتصفح صفحات الجرائد والمجلات وبمجرد قراءته للجرائم تصل إلى مخيلته أن هذا الكائن البشري مجرم دون التفكير في الأسباب الحقيقية التي جعلته يقترف هذا الجرم نتيجة ارتكابه جناية أو جنحة أو مخالفات أدت به إلى السجن، وبالرغم من كل هذا يعمل الجميع على إعادة إدماج المسجون وتؤهليه من جديد للعودة للحياة الاجتماعية وتمكينه من التأقلم مع المجتمع بشكل طبيعي دون حرج ففرصة الإدماج التي تسمح للمحبوس بالدراسة واجتياز الامتحان داخل المؤسسة أو خارجها عبر ما يسمى بنظام الحرية النصفية والتكوين المهني، والعمل بالورشات وحصوله على شهادات تكوينية، كل هذا لاحظناه خلال زيارتنا التي قادتنا إلى مؤسسة إعادة التأهيل بالبوني، أردنا من خلالها الولوج إلى حياة هذه الفئة بالسجن والإجابة على التساؤلات التي تطرح في الخارج.
كانت الساعة تشير إلى التاسعة والنصف حين وصلنا إلى بوابة السجن، أين وجدنا في استقبالنا مدير المؤسسة الذي رحب بنا وبفكرة الاطلاع على قطاع التكوين والتعليم بالورشات المهنية، حيث يتلقى القطاع دعما كبيرا من الوزارة إزاء هذه الفئة وإعادة إدماجها استعدادا لمواجهة العالم الخارجي من جديد بعد استرجاع حريتها، وفي إطار اتفاقية التعاون التي أبرمت بين المديرية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج والوكالة الوطنية لتسير القرض المصغر التي تهدف إلى تحديد مجالات التعاون والتكامل بين الطرفين بغية مساعدة المحبوس وإدماجه ومتابعة مشاريعه، وتوصل الاتفاق إلى تكفل الوكالة الوطنية لتسيير القرض المصغر عن طريق تنسيقيتها الولائية وبالتنسيق مع قاضي تطبيق العقوبات ومسؤول المصالح الخارجية لإعادة الإدماج بتنظيم حملات إعلامية وتحسيسية موجهة للمحبوسين المتحصلين على شهادات مهنية، والمحبوسين الذين يتميزون بقدرات حرفية وإبداعية على مستوى المؤسسات العقابية للتعريف بالدور الفعال لهذه الوكالة التي تعمل على توعية الشباب من الاستفادة من القرض المصغر، كما تعمل الوكالة عبر التراب الوطني وبالتنسيق مع المسؤولين على التكفل بالأشخاص المحبوسين والمفرج عنهم الراغبين في إنجاز مشاريع مستقبلية خلال كل المراحل الخاصة بذلك حسب شروط التأهيل لجهاز القرض المصغر، ومصلحة إعادة الإدماج بالمؤسسة، ومن خلال مرافقتنا لرئيسها السيد "منصوري سمير" أدركنا أنها تقوم بدور كبير من الناحية التعليمية والتكوينية والثقافية في تحضير النزيل وعودته لكنف المجتمع بشهادات ومؤهلات تسمح له بأن يكون عنصرا فعالا يعول عليه في بناء الوطن. المؤسسة تتوفر على عدة فروع تكوينية من بينها الطلاء والزجاج والنجارة المعمارية، والميكانيك العام، والإعلام الآلي، والحدادة الفنية...وقد سجلت المؤسسة لهذه السنة 177 مسجون بتسعة فروع، كما أن هناك فروعا جديدة سيتم فتحها بعد جلسة عمل عقدها السيد مدير المؤسسة مع المدير الولائي لمراكز التكوين المهني لولاية عنابة، والتي أسفرت على الاتفاق لفتح 4 فروع جديدة كفرع الحلاقة الطبخ والخبازة والحلويات إلى جانب صناعة الفخار، ويأتي كل هذا بعد الاتفاقية المبرمة بين وزارتي العدل والتكوين المهني.
ورشات السجن ومهارات المساجين
وقبل قيامنا بجولة داخل الورشات ارتأينا أن نستغل فرصة تواجدنا بالمؤسسة لزيارة المطبخ وكيفية تحضير الوجبات المتنوعة مع مراعاة برنامج أسبوعي يتضمن وجبات حسب الإمكانيات الموجودة في المخزن خاصة بالمصابين بالأمراض المزمنة، وعلى رؤساء الأجنحة تسجيل أي ملاحظات عبر سجلات تعرض على المدير المسؤول لدراسة أي إشكال يطرح من ناحية الوجبات، مع اقتطاع عينة من الغداء كل يوم تحفظ لمدة 72 ساعة قصد تقديمها للتحليل في حالة تسجيل حالات تسمم، نفس التعليمة مفروضة على المخبزة التي يعمل بها ثلاثة أفواج من بينهم من امتهن هذه المهنة سابقا وبالتالي يعمل على تعليمها للبعض من خلال تكوين تأهيلي لمدة 6 أشهر بعد تحرير تقارير عن حسن السيرة والسلوك، فالمخبزة توفر يوميا 4000 خبزة وفي بعض الأحيان يصل الطلب إلى 8000 خبزة، خاصة عندما يتعرض فرن مؤسسة بوزعرورة لعطب تقني.
ومن بين الورشات التي وقفنا عليها وكانت لنا دردشة مع بعض المساجين الذين يتلقون التكوين بها، قسم فرع الحدادة المتكون من 22 متربص دون المستوى يتلقون تكوين 6 أشهر لتحسين المستوى تليها سنة التطبيق بعد النظري يجتهد خلالها الأستاذ في تلقين السجين فن الحرفة، وهذا ما أكده لنا السجين ب ،ص البالغ من العمر 33 سنة والمتابع بتهمة تزوير وتقليد أوراق نقدية، وحكم عليه بعقوبة 6 سنوات خلقت بداخله العزيمة على التحدي والخروج بشهادة تمكنه من الاستمرارية وبناء حياة أفضل وأرقى، خاصة وأنه توقف عن الدراسة في سن مبكرة.
وعن المستلزمات المستعملة في التكوين صرح الأستاذ أن المؤسسة تتكفل بذلك بعد طلب خطي يتقدم به بجميع الأدوات وهذا ما وقفنا عليه بالمخزن الذي به كل الأجهزة التي يحتاج إليها المتربص، نفس القوانين تطبق على فرع النجارة الذي باشر الفوج التكوين بها منذ شهر سبتمبر في انتظار الشهادة التي أصبحت حلم كل سجين، كما قال "ف،س" البالغ من العمر 38 سنة والمتابع بتهمة القتل العمدي دفاعا عن الشرف، قال أن اختياره النجارة جاء لسببين، نيل الشهادة والتأهل للعمل بند خروجه من السجن وضمان مهنة تكون قوت حياته، وهذا كان رأي المدرس الذي يشرف على الفوج حيث أكد بدوه أن التعليم داخل المؤسسة يختلف تماما عن التعليم خارجها، فالمتربصون يتقبلون الدروس بتمعن وانضباط تجعل المدرس يبذل قصارى جهده دون عناء عكس المراكز التكوينية بالخارج التي بها صعوبات في إيصال المعلومة للمتربص الذي تجده في بعض الأحيان لا يكترث للدروس ويتغيب بشكل منتظم، وهناك من يفضل التكوين في البناء والتربص لمدة عام ونصف وبنشاط وحماس للفوز بالشهادة وهذا ما لاحظناه من خلال وقوفنا على الأعمال التطبيقية المشتركة لنعرج بعدها إلى قسم الإعلام الآلي وهذه المرة كان الحديث مع السجين "د،ب" البالغ من العمر 41 سنة الذي كان يتولى تعليم زملائه في غياب الأستاذ بحكم الخبرة التي يمتاز بها ومتابع بتهمة التهرب الضريبي، خبرته في الإعلام الآلي وشرحه الدقيق جعل الإقبال والرغبة على طلب التربص كبيرا مع مراعاة العدد الكبير للمسجونين وضرورة التوفيق في الطلبات وحب النجاح يصنع المعجزات، كما تتوفر المؤسسة على ملعب لكرة القدم وكرة الطائرة وكرة اليد والسلة وقاعة لرياضة كمال الأجسام مجهزة بأحدث الوسائل كلها في خدمة المحبوس يوميا.
فالرياضة لها فوائد كثيرة جسمانيا ونفسيا وخاصة بالنسبة للمساجين باعتبارهم حالات خاصة تعاني من اضطرابات نفسية وجسمية آو إدمان على المخدرات، وبالتالي فإن ممارستهم للأنشطة الرياضية تخفف من معاناتهم النفسية، وهناك البعض ممن ترفض الإدارة ملفاتهم في حالة إصابتهم بأي مرض يكون عائقا أمام ممارستهم الرياضة وفي هذه الحالة على الطبيب والمدرب التعامل دون حساسيات قد تؤثر على نفسية السجين، وتعويضها بأنشطة رياضية أخرى تعزز السيطرة على النفس كلعبة الشطرنج مما يساهم في العلاج النفسي، العقلي، والتخفيف من العدوانية الزائدة وتلقينهم طريقة التحكم في الأعصاب.
وللسجين نصيب من الوعظ الديني والأدب
أما في المجال الديني والثقافي فإن المؤسسة تسهر على تقديم دروس في الوعظ والإرشاد الديني مرتين كل أسبوع وأنشطة في مختلف المناسبات الدينية يشرف على تقديمهم إمامين منتدبين من طرف مديرية الشؤون الدينية والأوقاف لولاية عنابة وتشكيل نواد خاصة بالموسيقى والمسرح والأدب والرسم والفنون التشكيلية بتأطير من طرف مرب مختص في الشبيبة ومختصة نفسانية كما تحرص مصلحة الإدماج بالمؤسسة على تطبيق برامج التعليم وتوفير كل الدعم لهذه الفئة من أجل التحصيل العلمي والمعرفي وتعيين أساتذة في مختلف المواد (رياضيات، علوم، فرنسية عربية، فلسفة) والتي تخص المحبوسين المقبلين على امتحان شهادتي البكالوريا والتعليم المتوسط فقط، والتمدرس داخل المؤسسة يخضع لنفس الشروط المعمول بها خارجا كتسجيل الغيابات وإجراء فروض فصلية في جو يسوده التنافس والتشجيع لطلب العلم حيث وفرت الوزارة كل الإمكانيات المادية بتخصيص ميزانية معتبرة لهذا الجانب مع توفير الكتب الدراسية، كما أن مكتبة المؤسسة تحتوي على أزيد من 13265 كتاب منها الدراسية والعلمية، الدينية، التقنية، مجلات وقواميس في خدمة السجين الذي له الحق في استعارة 03 كتب لمدة أسبوعين.
ما أروع أن يتحدث السجين إلى عائلته عبر الهاتف
خدمة الهاتف داخل المؤسسات العقابية جاءت في إطار الإصلاحات التي اعتمدتها الوزارة المعنية منذ سنوات والغرض منها تقريب العائلة من المحبوس البعيد عن مقر إقامة أهله وبالتالي فخدمة الهاتف بمثابة الوسيط، وقد تجسدت هذه الفكرة ميدانيا في أواخر سنة 2008 بعد عملية تهيئة وتجهيز لقاعات الاتصال وتكوين العاملين المؤهلين للعملية وحسب الرقيب "الحسين" فإن المؤسسة تعد الأولى على مستوى الشرق التي وفرت هذه الخدمة وأول دفعة تلقت التكوين على المستوى الوطني وحسب المرسوم التنفيذي فإن المحبوس المحكوم عليه نهائيا أو الطاعن بالنقض يمكنه الاستفادة من هذه الخدمة بترخيص مكتوب يصدره مدير المؤسسة، أو بترخيص من الجهة القضائية المختصة إذا كان المحبوس موقوفا مؤقتا أو مستأنفا في الحكم الصادر، وتكون هذه الخدمة في متناول المحبوس قليل الزيارات مع الأخذ بخطورة الجريمة ومدة العقوبة والسوابق القضائية، والسيرة داخل المؤسسة، حيث يحرم المحبوس من استعمال الهاتف في حالة إذا ما تلقى عقوبة في أي مخالفة يقوم بها.
وبالرجوع لما جاء في المرسوم التنفيذي، فإن المدة المحددة للمكالمة الواحدة هي 5 دقائق في الأسبوع ومنذ بداية 15 / 12/ 2008 تم تسجيل 399 اتصال وبفضل مجهودات المصلحة تم تسجيل 402 اتصال خلال 3 أسابيع، هذا الاستحسان لمحناه في أعين المحبوسين المحكوم عليهم بأقصى العقوبات مثل حالة "م،ع" البالغ من العمر 37 سنة والمتابع بتهمة القتل العمدي الذي أبى أن يعبر لنا عن فرحته بهذه الخطوة والدموع تكاد تنزل من عينيه فما أروع أن يتحدث المسجون مع عائلته والفرحة تغمر قلبه وهو الشيء الذي لا يقدر بثمن.
وقبل مغادرتنا كانت لنا وقفة على قسم محو الأمية والذي لاحظنا به إقبالا كبيرا من طرف المساجين الذين أصبحوا واعين بمدى أهمية الدراسة وقيمة الشهادة، التي باتت مشعل أمل، تركنا مؤسسة إعادة البوني لنواصل جولتنا في اليوم الموالي ولكن هذه المرة بسجن إعادة التربية ببوزعرورة.
مؤسسة بوزعرورة..نموذج لحسن السيرة
هناك وجدنا في استقبالنا رئيس مصلحة الإدماج الذي كلف بمرافقتنا في زيارتنا التي بدأت بعد خضوعنا لتفتيش روتيني مع مصارحتنا بعدم التصوير، وبعد إعطاء أمر من مرافقنا بفتح البوابة الحديدية حتى دخلنا إلى مكتبة السجن التي بها 1772 كتاب من مختلف المواضيع تصل إلى السجين بعد تقديمه طلبا خطيا بالكتاب المطلوب، وخلال ساعات يتحصل على طلبه بعد تدوين كل ذلك في سجلات رسمية إلى جانب قاعة البث الإذاعي، هذه القناة المصغرة التي أدخلت عليها تجديدات من خلال شبكة تمكن السجين من مشاهدة مختلف الأفلام والأشرطة العلمية تتخلله رسائل قصيرة تحث على النظافة والتوعية الصحية والبدنية تساعد المسجون على ضبط أموره والإحساس بالمسؤولية مع تعديل بسيط لبعض الأفلام التي تخضع للمراقبة قبل أن تصل إلى السجين، كما أن البث يبدأ في حدود الساعة الخامسة مساء إلى غاية الحادية عشر ليلا، حتى الموسيقى لها نصيب من البرنامج المعتاد شرط أن يكون الاختيار للأغاني النظيفة والخالية من الكلمات الركيكة.
وبعد التعرف على المكتبة وقاعة البث الإذاعي دخلنا قسما من أقسام محو الأمية به حوالي 20 سجينا من الأحداث يتلقون دروس تقدمها أستاذة في إطار عقود ما قبل التشغيل والتي أعربت لنا عن ارتياحها في تأدية هذه المهمة النبيلة تساعد من خلالها في إنشاء شباب واعين ومتفهمين للجرم المقترف وعدم الخوض في هذا العالم الغامض وحثه على ضرورة التعليم لمواجهة العالم الخارجي بشجاعة وبشهادة تمكنه من الوقوف من جديد.
نفس تقنية الهاتف اكتشفناها في الجناح الثاني والتي أصبحت في متناول السجين منذ أربعة أشهر، يتحدث مع عائلته مرة في الأسبوع ما إن تدخل هذه القاعة يغمرك إحساس وكأنك في "طاكسي فون" مهيئ من جميع الوسائل إلا أن هذه الخطوة الفعالة تخضع لرقابة سمعية، حيث يسمح بتسجيل المكالمة في حالة ما إذا كان هناك شك في المسجون أو طبيعة سلوكه فتقطع المكالمة في أي حال من الأحوال وفي سؤالنا عن كيفية تمكين السجين من هذه الخدمة كان الرد أن المعني يقوم بتقديم طلب خطي كنا قد اطلعنا على نسخة مماثلة مرفقة ببطاقة تعبئة يكون السجين قد تحصل عليها من قبل عائلته، إضافة إلى دراسة لسلوك كل سجين مع أخد التهمة المتابع بها في الحسبان والتوقع للمكالمات التي ينوي إجراءها.
بين قاعات الألعاب والموسيقى
شدنا الشوق إلى دخول قاعة الموسيقى المجهزة بجميع الآلات الحديثة يتلقى فيها المساجين تدريباتهم كل حسب ميوله، وبجدول مخصص بالتنسيق مع الكشافة الإسلامية حتى أن حفلات السجن هم من يقومون بإحيائها، بحيث يخرج من خلالها السجين كل نبر حزين يحاول التخلص منه، ناهيك عن قاعة الألعاب التي لها نصيب في هذا الجناح بها لعبة "البيار" و"الشطرنج" ويسودها قانون مفروض يعمل على تنظيم أفواج للعب حتى يتسنى للجميع أخذ حقه بطريقة شرعية، خاصة وأن السجن به حوالي 1200 سجين.
وتبقى قاعة الألعاب الرياضية الذي حضرنا التدريبات بها فيما يخص رفع الأثقال وألعاب القوى بصورة منتظمة، بها 6 أفواج تزاول تدريباتها الرياضية يوميا كل فوج يتكون من 10 أفراد حسب المسؤول عن هذه القاعة الذي أكد لنا بعد سؤالنا عن الشروط المطلوبة في السجين لالتحاق، وهو الخضوع للفحص الطبي أولا، يرفق برسم تخطيط القلب حتى يستطيع ممارسة مثل هذه الرياضات، حتى أننا اطلعنا على بعض الملفات التي قوبلت بالرفض لأسباب صحية، هذه الإجراءات تطبق أيضا على الفئة النسوية اللواتي لهن نصيب في مزاولة الرياضة يومين في الأسبوع.
وبعد أن استحسنا عملية الوقوف أمام البوابات الحديدية التي تفتح بعد التعريف عن هويتنا جاء دور جناح العيادات الطبية الحريصة على سلامة السجين والساهرة على خضوعه للفحص بانتظام مع متابعة للحالات المزمنة المبرمج لها رقابة طبية مستمرة بالتنسيق مع 9 أخصائيين نفسانيين يعيشون حالات كل المساجين والعمل على مساعدتهم للخروج من حالات الاكتئاب التي تنتابهم، هذا ما أكدته لنا الطبيبة العامة للسجن التي رحبت بجولتنا في الجناح بما في ذلك الصيدلية التي لا فرق بينها وبين الصيدليات الخارجية، لنقف بعدها على الجناح المخصص للمساجين المصابين بالأمراض المستعصية كالسرطان وداء السكري، وعزلهم عن البقية ناتج عن صراخهم من الآلام، إضافة إلى ضرورة مراقبة صحتهم باستمرار خوفا من حدوث أي مضاعفات.
من بين 40 سجينة 8 يستفيدن من عفو الرئيس
شوقنا إلى الدخول إلى جناح النساء لم يكتمل، حيث من بين 40 سجينة لم نستطيع أن نرى منهن سوى 4 سجينات، بمختلف الجرائم معظمها القتل والسرقة والمخدرات أكبرهن خالتي "بهية" البالغة من العمر 59 سنة والمحكوم عليها بعقوبة الإعدام، وبعد النقض أصبحت عقوبة المؤبد.
تقول خالتي بهية أنها قضت 17 سنة من مدتها تفضل قراءة القرآن والعزلة وعدم الاحتكاك بالأخريات، تزاول دراستها بقسم محو الأمية وهي من المتفوقات، كانت لها صديقة شاركتها وحدتها مدة 13 سنة، لكن هذه الأخيرة تم تحويلها مؤخرا إلى سجن الحراش مما حاز في نفس خالتي "بهية"التي تحلم بالخروج والعيش في كنف العائلة من جديد بعد أن منعنا من عدم معرفة المزيد وضرورة الاكتفاء بأسئلة محدودة.
سنة 2008 /2009 سنة مشرقة، وتعد سنة تفاؤل بالنسبة لإيمان والأخريات من حيث الدراسة والتكوين، فحسب الإحصائيات التي زودنا بها في مختلف المستويات قد تم تسجيل 101 ذكور و08 إناث في السنة الأولى متوسط و13 ذكور فقط بالنسبة لسنة الثانية، أما عن السن الثالثة والرابعة متوسط، فقط سجلت 100 بين الذكور والإناث على غرار المرشحين لشهادة البكالوريا المقدر عددهم ب 31 بين ذكور وإناث مقسمين على عدة اختصاصات آداب وفلسفة، تسير واقتصاد، وعلوم تجريبية.
وقد استفادت 8 سجينات متابعات بتهم السرقة من عفو الرئيس الأخير يوم 8 مارس لهذه السنة، هذا القرار بعث نفسا وروحا في أوساط السجينات، أما عن الحالات التي تستفيد من قضاء مدة 10 أيام بالمنزل كمكافأة يرجع كل ذلك للتركيز على السيرة الحسنة والتكوين الجيد إضافة إلى انخفاض المدة، وفي حالة الوفاة وكيفية التصرف مع هذا الوضع، كان رد رئيس المصلحة أن هذا يرجع للطب الجنائي الذي يتبت أسباب وظروف الوفاة لتتولى بعدها الإجراءات اللازمة لإبلاغ عائلة المتوفي.
ختمنا زيارتنا بإلقاء نظرة على مشروع المشتالة وكيفية إنشاء بستان لغرس الورود، تكوين يعمل به 17 سجينا يخضعون لتمارين يوميا بعد اختيارهم المطلق لهذه الحرفة، ويسعى السجين من خلالها لرفع مستوى الحدائق والتحضير للمشاركة في عدة معارض، في انتظار التحضير لمشروع تربية الدواجن الذي سيتم إنشاؤه في نواحي السجن والهدف من كل هذا إدماج المسجون في جميع الميادين وحتى يتسنى لكل من يجهل الهدف وراء عملية الإدماج. "


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.