جيش الاحتلال يعلن بدء عمليته الموسّعة.. استشهاد 82 فلسطينيا في قصف إسرائيلي على غزة    انطلاق الحفريات العاشرة بموقع "رجل تيغنيف القديم"    أشغال عمومية: اجتماع عمل لضبط البرنامج المقترح في مشروع قانون المالية 2026    سعداوي يجتمع مع إطارات الوزارة ومديري التربية..تعليمات للتواجد الميداني وضمان دخول مدرسي ناجح    رشيد بلادهان من جنيف.. اعتداء الكيان الصهيوني على الدوحة "جريمة نكراء" يسجلها التاريخ    ندوة دولية غدا الأربعاء بأوسلو حول واقع حقوق الإنسان في الصحراء الغربية    زيد الخير يستقبل السفير فايز أبو عيطة.. بحث سبل تعزيز التعاون الفكري والديني والثقافي بين الجزائر وفلسطين    تجارة المنتجات القادمة من الصحراء الغربية "غير شرعية"    حضور جزائري في سفينة النيل    المجلس الشعبي الوطني : الجزائر تشارك في أشغال جمعية برلمانية لرابطة "آسيان" وإجتماعات البرلمان الإفريقي    جلسات التراث الثقافي في الوطن العربي : "جلسة الجزائر" المحطة الأولى يومي 18 و19 سبتمبر    المجلس الأعلى للغة العربية: اجتماع لتنصيب لجنة مشروع "الأطلس اللساني الجزائري"    ضرورة تمكين المواطنين من نتائج ملموسة في المجال الصحي    الجزائر العاصمة : تنظيم معرض جهوي للمستلزمات المدرسية بقصرالمعارض    دخول مدرسي 2025-2026 : إطلاق قافلة تضامنية لتوزيع المحافظ المدرسية على الأطفال بالمناطق النائية    تجارة: إقبال واسع على جناح الجزائر بالصالون الدولي للصناعات الغذائية والمشروبات بموسكو    منصب جديد لصادي    محرز يتألق    ألعاب القوى مونديال- 2025: تأهل الجزائريان جمال سجاتي و سليمان مولى الى نصف نهائي سباق ال800 متر    صناعة صيدلانية : تنصيب أعضاء جهاز الرصد واليقظة لوفرة المواد الصيدلانية    وزير الشؤون الدينية يعطي إشارة انطلاق الطبعة 27 للأسبوع الوطني للقرآن الكريم    تنصيب سويسي بولرباح مديرا للمدرسة الوطنية العليا لتكنولوجيات الإعلام والاتصال والبريد    الجزائر تشارك في اجتماعات البرلمان الإفريقي بجنوب إفريقيا    غزة: ارتفاع حصيلة الضحايا إلى 64964 شهيدا و165312 مصابا    قرابة 29 ألف تدخل خلال السداسي الأول    اختتام مخيّم ذوي الاحتياجات الخاصة    مجوهرات ثمينة.. سبيل ثراء نسوة    العُدوان على قطر اعتداء على الأمّة    الجزائر تشارك في اجتماعين وزاريين بأوساكا    شراكات جديدة لشركة الحديد    التجارة الداخلية رافعة للاستقرار    تقديم كتاب سفينة المالوف    دعوة إلى تكثيف الأبحاث والحفريات بالأوراس    إطلاق الأسماء على الأولاد ذكورا وإناثا ..    أبو أيوب الأنصاري.. قصة رجل من الجنة    الإمام رمز للاجتماع والوحدة والألفة    ناصري وبوغالي يترأسان اجتماعاً    القديم في قلب النظام الدولي الجديد    تحوّل استراتيجي في مسار الأمن الصحّي    التزام بتنفيذ سياسات رئيس الجمهورية    الحكومة بنفس جديد لبلوغ الرهانات الاقتصادية    تنظيم صالون الواجهات والنّوافذ والأبواب الأسبوع القادم    دعم التعاون العسكري الجزائري الروسي    بلمهدي يهنّئ الأئمّة وموظفي القطاع    تيطراوي يطرق أبواب "الخضر" ويحرج بيتكوفيتش    مشواري لم يكن سهلا ورُفضت بسبب قصر قامتي    بن طالب يتألق مع ليل الفرنسي ويحدد أهدافه    37 مكتبة متعاقدة لتسهيل اقتناء الكتب المدرسية    188 عملية تخريب تطول المنشآت الكهربائية    وجه جديد لمداخل عاصمة الأمير عبد القادر    85794 تلميذ مستفيد من المنحة المدرسية    اليوم الوطني للإمام: نشاطات متنوعة مع إبراز دور الإمام في المجتمع بولايات شرق البلاد    قفزة ب300% في تموين المستشفيات بالأدوية المحلية تعزز الأمن الصحي بالجزائر    الرابطة الأولى المحترفة "موبيليس": م.الجزائر-م.وهران صراع من أجل التأكيد    الصيدلة الاقتصادية أداة استراتيجية لمرافقة السياسات الصحية    من أسماء الله الحسنى (المَلِك)    }يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ {    نحو توفير عوامل التغيير الاجتماعي والحضاري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وإذا النيل سجر !!
مراصد
نشر في الفجر يوم 30 - 06 - 2010

تحدث الروائي العالمي نجيب محفوظ، رحمه الله، في حواراته مع محمد سلماوي عن مكانة النيل فقال: "إن أول ما تذكر مصر يذكر شيئان: النيل والأهرامات، لكن النيل هو الأقدم، لذلك فالنيل ليس من الأشياء التي يمكن غض الطرف عنها أو تجاهلها في مصر...إن النيل كان معشوقي فعلا...كنت أفكّر - حين الجلوس على ضفاف النيل - في كل شيء، فهي لحظات صفاء وتأمل لكن معظم أفكاري كانت تدور حول أعمالي الأدبية... لقد كان النيل يلهمني كثيرا".
إن النيل الذي ألهم نجيب محفوظ وقادته زوارقه إلى منصّة نوبل قد أصبح الصهاينة يخططون لجعله يبدو ثُلما جافا فلا زرع حوله ولا زوارق ولا أفراس النهر ولا التماسيح...لأن الكيان الغاصب بات التمساح العملاق الذي يسعى لالتهام وادي النيل !.
كشف التمساح الصهيوني عن أنيابه لما زار وزير الخارجية الصهيوني، ليبرمان، في شهر سبتمبر من العام الماضي ثلاث دول لحوض النيل: إثيوبيا وكينيا وأوغندا... صرح لبعض وسائل الإعلام بأن جولته الإفريقية كانت ناجحة بامتياز وفاقت في نجاحها كل التوقعات. وقد تحدث بفرحة عارمة وهو يؤكد بأن قادة الدول الإفريقية استفسروا عن سبب إسقاط الكيان الغاصب للدول الإفريقية من حسابات سياسته الخارجية، وأسفرت زيارة ليبرمان عن تمويل الكيان الصهيوني إنشاء خمسة سدود في بعض دول حوض النيل منها: تانزانيا ورواندا، وكل ذلك لأن ليبرمان على علم بحجم تأثير هذه السدود على كل من السودان ومصر.
إنها مفارقة كبيرة، فالكيان الصهيوني أبرم معاهدة سلام مع مصر، ولكن بالمقابل يعلن عليها حرب المياه من جهة أخرى. وإن لهذه الحرب تبعات على جميع الأصعدة، إنها مصيبة إنسانية بالدرجة الأولى، فإذا انخفض مستوى مياه النيل فهذا سينعكس سلبا على الحياة الاجتماعية والاقتصادية والبيئية لكل من السودان ومصر، وإن ما يقوم به الكيان الصهيوني يحيلنا إلى ما سبق وأن قامت به تركيا لخفض مستوى نهر دجلة، ما يؤكد لنا بأن حرب المياه قد أعلنت على الدول العربية، وسوف تدق طبول الحرب لتطال دولا أخرى في وقت لاحق.
قرعت طبول حرب المياه على ضفاف نهر النيل ولاحت في الأفق رؤية النبي يوسف عليه السلام، وقد سقطت منها السنابل الخضر ولم تبق إلا السنابل اليابسة... سقطت الأبقار السمان ولم يبق سوى الأبقار العجاف تغدو وتروح على ضفاف النيل وقد برزت عظامها تعلن الموت عطشا... إنها سنوات عجاف، سنوات العطش قد تُقبل على الشعب السوداني والشعب المصري وسنوات عجاف ستنخر ما تبقّى من شرف العرب جميعا.
إنها سنوات عجاف ينذر البعض من تبعاتها على كل الأصعدة، ما يجعلنا نتساءل لماذا تسعى إسرائيل لإعادة مصر خصوصا إلى زمن السنوات العجاف، وما أقسى هذا الأمر، لأنها ستكون سنوات بلا عزيز يعين مصر؟!
يبدو أن الكيان الغاصب يريد أن يعكس هذه الحادثة التاريخية، فبينما كان اليهود هم الذين يفدون إلى مصر في زمن أخناتون من أجل الحصول على الحنطة، أصبحوا يسعون لتفد مصر إليهم للحصول على الحنطة... !
إن الكيان الغاصب قد عرف كيف يختار تقنيات حربه الجديدة ضد السودان ومصر، ولكن هل سينجح العرب في ردّ هذا العدوان لأنه في الواقع عدوان ضد العرب جميعا وعدوان ضد الإنسانية. وكم يجيد الكيان الغاصب عدوانه عندما يكون موجها خصيصا ضد الإنسانية !.
إنه مصاب جلل، يدعو للتأمل والتألم في نفس الوقت. إنها حقيقة مرّة نواجهها في عالمنا العربي.
ففي عالمنا العربي، حتى الوديان تُسحب منا بصمت، فبعد نهر دجلة الذي امتصه الأتراك، يأتي دور النيل الذي كنا، وإلى وقت قريب، نعتقد بأنه ذو هوية عربية، لأنه يتدفّق في أراض عربية؛ لكن يبدو أن حتى المياه تُسحب منها الهوية في عالمنا العربي!
لقد كنا إلى وقت قريب نعتبر النيل سودانيا ومصريا، ولكن نفاجأ بأن هذا النهر، الذي قيل بأن مصر هبته، أصبح مهددا بالجفاف، أو في أحسن الأحوال بانخفاض مستوى مياهه، مما سيؤثر مباشرة على الزراعة والسياحة كذلك.
إن المتأمل في الحال التي وصلنا إليها لا يسعه سوى أن يقول: رحم الله زمان ابن الهيثم الذي قال: "لو كنت في مصر لفعلت في نيلها ما يجعله في جميع أحواله مصدرا للخير"، وقالها العالم ابن الهيثم نظرا لكونه سمع بأن نهر النيل كان يفيض باستمرار ويلحق أضرار جسيمة بالزراعة. ولما كان ذلك الفيضان مدعاة للقلق بعث الحاكم بأمر الله الفاطمي إلى بغداد واستقدم ابن الهيثم وسخّر له كل الإمكانيات التي من خلالها يحقق حلمه في التحكم في تدفق مياه النيل الفيّاض.
بدأ ابن الهيثم دراسة مشروعه على أرض الواقع ولكنه لما بلغ مدينة أسوان وجد آثارا تدل على أن الفراعنة القدماء قد حاولوا إقامة مشروع للحيلولة دون فيضان مياه النيل لكنهم فشلوا في مشروعهم. صدم ابن الهيثم وفشل بدوره وتبخّر حلمه أمام قوة النيل المتدفق. ولكن العالم خاف على نفسه فاضطر لادعاء الإصابة بالجنون خوفا من غضب الخليفة.
واليوم بتنا بحاجة إلى ابن الهيثم، لكن ليست كحاجة الحاكم بأمر الله الفاطمي إليه، إننا بحاجة إليه كي يبحث إيجاد حيلة توقف مشروع الصهاينة في تجفيف منابع النيل، فمساعي ابن الهيثم التي أخفقت أمام تدفق النيل قد تنجح أمام جفافه المرتقب، خاصة وأن الكيان الغاصب ما زال يحاول تجفيف منابعه بالإسمنت. إنه عدوان بالإسمنت أعلنه ليبرمان وقادة الصهاينة.
وهذا يقودونا لطرح أسئلة مؤداها: ما قيمة دفاع مصر عن معاهدة السلام مع الكيان الغاصب إذا كان هذا الكيان قد أعلن حروب العطش على الشعب المصري؟
ما قيمة تجفيف منابع الحياة ومحاصرة غزة من أجل عيون ليبرمان، وليبرمان عيونه على وادي النيل؟
ما جدوى إعلان النظام المصري حربا بالإسمنت على غزة لقتلها جوعا من أجل إرضاء الصهاينة، والصهاينة يعلنون حرب الإسمنت ضد مصر لقتلها عطشا؟
أمام هذه المفارقة العجيبة، لا يمتلك المرء سوى أن يتساءل: أهي العدالة الإلهية أرادت أن تنتقم لأهلنا في غزة، وفي هذا تجسيد فعلي للحديث الشريف "كما تدين تدان"، أو تحقيقا للمثل العربي الذي يقول (اتقي شر من أحسنت إليه).
جيجيكة إبراهيمي
جامعة بوزريعة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.