منتدى الدوحة: إشادة واسعة بجهود الجزائر لنصرة القضية الفلسطينية    عطاف يجري بالدوحة محادثات ثنائية مع رئيس حكومة الوحدة الوطنية بدولة ليبيا    بنك التنمية المحلية يعتزم إطلاق خدمة الدفع الإلكتروني على المستوى الدولي    سعيدة: تشجيع ومرافقة أصحاب المستثمرات الفلاحية للانخراط ضمن مسعى تربية المائيات    المغرب: المخزن يستمر في الاعتقالات السياسية في خرق سافر لحقوق الانسان    إبراز جهود الدولة في تسجيل عناصر ثقافية في قائمة الموروث الثقافي غير المادي باليونسكو    وزير الداخلية يستقبل المدير العام للديوان الوطني للحماية التونسية    قوجيل: مواقف الجزائر تجاه فلسطين "ثابتة" ومقارباتها تجاه قضايا الاستعمار "قطعية وشاملة"    عطاف يدعو لتوجيه الجهود المشتركة نحو نصرة القضية الفلسطينية    جيدو/الجائزة الكبرى لدوشانبي: الجزائر تشارك بثلاثة مصارعين    كريكو تؤكد أن المرأة العاملة أثبتت جدارتها في قطاع السكك الحديدية    تيسمسيلت: إلتزام بدعم وتشجيع كل مبادرة شبانية ورياضية تهدف "لتعزيز قيم المواطنة والتضامن"    اتصالات الجزائر تضمن استمرارية خدماتها غدا تزامنا واليوم العالمي للعمال    سايحي يكشف عن بلوغ مجال رقمنة القطاع الصحي نسبة 90 بالمائة    عقب شبهات بعدم احترام الأخلاق الرياضية :غلق ملف مباراة اتحاد الكرمة - مديوني وهران    حوادث المرور: وفاة 38 شخصا وإصابة 1690 آخرين خلال أسبوع    نجم المانيا السابق ماتيوس يؤكد أن بايرن ميونخ هو الأقرب للصعود إلى نهائي دوري الأبطال على حساب الريال    تندوف: شركات أجنبية تعاين موقع إنجاز محطة إنتاج الكهرباء بالطاقة الشمسية بقدرة 200 ميغاواط    المغرب: مركز حقوقي يطالب بوقف سياسية "تكميم الأفواه" و قمع الحريات    تاقجوت يدعو إلى تأسيس جبهة عمالية قوية    نظام إلكتروني جديد لتشفير بيانات طلبات الاستيراد    نحو إنشاء بنك إسلامي عمومي في الجزائر    هل تُنصف المحكمة الرياضية ممثل الكرة الجزائرية؟    طاقة ومناجم: عرقاب يستقبل المستشار الدبلوماسي لرئيسة الوزراء الإيطالية المكلف بخطة ماتي    مشعل الشهيد تحيي ذكرى وفاة المجاهد رابح بطاط    رئيس الجمهورية يُبرز الدور الريادي للجزائر    الجزائر معرضة ل18 نوعا من الأخطار الطبيعية    درك بئر مراد رايس يفكّك شبكة إجرامية دولية    ملتقى وطني عن القضية الفلسطينية    منح 152 رخصة بحث أثري في الجزائر    أوسرد تحتضن تظاهرات تضامنية مع الشعب الصحراوي بحضور وفود أجنبية    مهرجان عنابة للفيلم المتوسطي/منافسة الأفلام القصيرة: أفكار الأفلام "جميلة وجديدة"    المجلس الأعلى للشباب/ يوم دراسي حول "ثقافة المناصرة" : الخروج بعدة توصيات لمحاربة ظاهرة العنف في الملاعب    منتجات البنوك في الجزائر تتطابق مع مبادئ الشريعة الإسلامية    مهرجان عنابة للفيلم المتوسطي    حلف دول شمال إفريقيا..العمل يهزم الشعارات    سياسة الاحتلال الصهيوني الأخطر في تاريخ الحركة الأسيرة    بهدف القيام بحفريات معمقة لاستكشاف التراث الثقافي للجزائر: مولوجي:منحنا 152 رخصة بحث أثري على المستوى الوطني    هذه الأمور تصيب القلب بالقسوة    الاحتلال يفشل في تشويه "الأونروا"    "حماس" ترد على مقترح إسرائيل بوقف إطلاق النار 40 يوما    محرز يقود ثورة للإطاحة بمدربه في الأهلي السعودي    اتفاق على ضرورة تغيير طريقة سرد المقاومة    إبراز أهمية إعادة تنظيم المخازن بالمتاحف الوطنية    بلومي يُشعل الصراع بين أندية الدوري البرتغالي    شباب بلوزداد يستنكر أحداث مباراة مولودية وهران    الشرطة تواصل مكافحة الإجرام    لا أملك سرا للإبداع    مصادرة 100 قنطار من أغذية تسمين الدجاج    إخماد حريق شب في منزل    الجزائر تتحول إلى مصدّر للأنسولين    استئناف حجز التذاكر للحجاج عبر مطار بأدرار    ذِكر الله له فوائد ومنافع عظيمة    دورة تدريبية خاصة بالحج في العاصمة    عون أشرف على العملية من مصنع "نوفونورديسك" ببوفاريك: الجزائر تشرع في تصدير الأنسولين إلى السعودية    نطق الشهادتين في أحد مساجد العاصمة: بسبب فلسطين.. مدرب مولودية الجزائر يعلن اعتناقه الإسلام    لو عرفوه ما أساؤوا إليه..!؟    أهمية العمل وإتقانه في الإسلام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مصالح الحالة المدنية.. تطلّق المتزوّجين، تميت الأحياء وتبعث الموتى
“الفجر” تقترب من معاناة المواطن وتكشف..
نشر في الفجر يوم 02 - 02 - 2011

أصبح الإقبال على مصلحة الحالة المدنية ببلديات الوطن بمثابة هاجس لكل راغب في استخراج الوثائق الإدارية، حيث بات كابوس الأخطاء المرتكبة في الوثائق، نتيجة ضعف مستوى بعض الأعوان وتقاعسهم، فضلا عن سوء الإستقبال، يرهق المواطنين الذين غيرت زلاّت الأقلام ألقابهم أو تواريخ ميلادهم أوألغت زواجهم أوحتى أكّدت طلاقهم..”الفجر” تواصل سرد هذه المعاناة، من زاوية أخرى عنوانها أم البواقي وخنشلة
15 ألف طلب تصحيح لوثائق إدارية خاطئة
أم البواقي وخنشلة نموذجا
كشف تقرير رسمي لوزارة الداخلية والجماعات المحلية عن وجود معوقات يتعرض لها المواطنين عبر الوطن في استخراج بعض الوثائق الإدارية، كشهادات الميلاد وعقود الزواج أثناء الحصول عليها بمصالح الحالة المدنية.
وأكد التقرير، حسب مصادر“الفجر”، وجود مشكلات في إصدار مختلف الوثائق الإدارية، مطالبا بتسهيلات لرفع المعاناة عن المواطنين، وللحد من ظاهرة الأخطاء الفادحة والمتكررة في الوثائق الإدارية الخاصة بالمواطنين التي هي في تزايد مطرد، رغم إجراءات الرقمنة والتحديث التي باشرتها الوزارة مؤخرًا.
وطالب مصدر صحي محلي المواطنين -عبر “الفجر”- بالتأكد من اسم ولقب وتاريخ ولادة الطفل ونوع جنسه، والتدقيق في ذلك بشكل جلي قبل إرسال الدفتر العائلي من المستشفى إلى البلدية المعنية، وذلك تفاديًا لأي خطأ محتمل حدوثه قبل التسجيل الرسمي لجميع بيانات هوية المولود الجديد في السجل الرسمي للمواليد بالبلدية مسقط رأسه. وأضاف أن إجراءات تسجيل المواليد الجدد لا تستغرق 72 ساعة، وأعلن مسؤول بمصلحة الحالة المدنية في بلدية عين مليلة وجود أخطاء في عملية التسجيل نتيجة السرعة في التسجيل، وأن هذه الأخطاء تمكن معالجتها عند التصحيح، موضحًا أنه كلما تم اكتشاف الخطأ بسرعة يتم التصحيح بسرعة.
5 آلاف طلب تصحيح لوثائق إدارية في ظرف سنة واحدة
ذكرت مصادر قضائية محلية ل “الفجر”، أنه تم إحصاء بجميع المحاكم الابتدائية في ولاية أم البواقي، حوالي 5 آلاف طلب رسمي محرر من طرف مواطنين من مختلف الشرائح الاجتماعية ومن أعمار مختلفة ومن كلا الجنسين، يتعلق بطلب تصحيح أخطاء إملائية وردت بشكل أو بآخر في وثائق الحالة المدنية والشخصية الخاصة بهم وبأهاليهم، أغلبها وقعت في شهادات الميلاد والوفاة وعقود الزواج والطلاق، وذلك خلال العام الماضي فقط، وأنه منذ بداية العام الجاري تم تسجيل بمحكمة عين مليلة الابتدائية فقط أزيد من 200 طلب لتصحيح أخطاء أقل ما يقال عنها أنها فادحة، تورط فيها أعوان الحالة المدنية.. وأن نفس العدد تم إحصاؤه بولاية خنشلة التابعة قضائيًا لولاية أم البواقي.

وحسب بعض المحامين الذين التقت بهم “الفجر“ واستفسرتهم عن هذا الموضوع، فإن أغلبية الأخطاء ارتكبها أعوان الحالة المدنية في البلديات، وكذلك المصالح الإدارية المسؤولة عن تسجيل المواليد الجدد بالمستشفيات العمومية وعيادات التوليد الخاصة، والذين هم في الغالب كتّاب أو أعوان يعملون في إطار الشبكة الاجتماعية أوالإدماج المهني، أثناء نقل المعلومات من الوثائق المقدمة كالدفتر العائلي، وتكون بعضها واردة في سجلات البلدية الرسمية.
وذكرت مصادر بمصلحة الحالة المدنية لبلدية أم البواقي أن الآلاف من عقود الزواج تعود تواريخها إلى سنة 2000 لم تسجل لحد الآن، وهي المشاهد التي عكست حالة الفوضى الكبيرة المخيمة يوميًا بالبلدية. وإذا كان هذا حو الحال في بلدية عاصمة الولاية فكيف هي الأوضاع بالبلديات النائية؟!
من جانب آخر، ذكرت مصادر على اطلاع بملف هذه الفضائح ببلدية أم البواقي أن مصلحة الحالة المدنية أضحت تستقبل يوميا من 15 إلى 30 طعنًا في شهادات الميلاد والوثائق الإدارية الأخرى، وهو ما يوضح بشكل واضح الإهمال واللامبالاة الكبيرتين بمصلحة الحالة المدنية ببلدية أم البواقي، مع إسقاط ذلك على أغلب البلديات بالولاية. وأوضحت مصادرنا أن مثل هذه الأخطاء باتت مألوفة بل روتينية، فلا يمر يوم واحد حتى تستقبل الحالة المدنية أكثر من 15 شكوى من هذا القبيل كما ذكرنا آنفا، وقد تعذر لأسباب تبقى مجهولة تصحيح وضعية الآلاف، ولو أن المشكل - حسب المصادر نفسها - مرتبط بواقع المحسوبية والمحاباة في معالجة انشغالات المواطنين.
ومن أسباب هذه الأخطاء.. كشف لنا مسؤول مصلحة الحالة المدنية ببلدية خنشلة عن الضغط الكبير الذي تعرفه المصلحة من طرف المواطنين، لاسيما خلال المناسبات المحددة، ومن بين الأخطاء التي تحدث عنها المسؤول ذاته الأخطاء المرتكبة أصلاً في الشهادات المسلمة بالمستشفيات والعيادات أو من طرف القابلات المعتمدات، كما أن معظم سجلات الحالة المدنية الخاصة بسنة 1980 وما قبلها مكتوبة باللغة الفرنسية، وبالتالي فإن جميع المولودين في تلك الفترة قد تعرف وثائقهم أخطاء بسبب ترجمتها من اللغة الفرنسية إلى العربية.
“سمير” أصبح “سميرة” و”رامي” صار “راوي”
أصبح استخراج الوثائق الإدارية من مصلحة الحالة المدنية دون أخطاء إملائية يشكل هاجسًا كبيرًا لمواطني ولاية أم البواقي، إن لم نقل معاناة يومية، إذ تشهد هذه المصلحة طوابير طويلة تحتم على قاصديها الانتظار لساعات وساعات لاستخراج الوثائق اللازمة، وذلك يعود للاكتظاظ وكثرة الوافدين من جهة ونقص عدد الأعوان من جهة أخرى، والنتيجة غالبًا ما تكون وثائق تتضمن أخطاء فادحة لا تُغتفر.. ف”سمير” أصبح “سميرة” و”سلطاني” أصبح “سلطان” و”رنيم” أضحت “رنين” و”رامي“ صار “راوي” وهكذا دواليك.. أخطاء إملائية تسببت فيها زلّة قلم من عون إداري بمصلحة الحالة المدنية يبدو أنه يصلح لأي شيء إلا لعمله المنوط به والذي يتلقى مقابل أدائه راتبًا ماليًا، ولسان حاله يقول عن المواطن: “يخبط راسو للحيط”.. طالما أنه لا رادع قانوني يردعه جرّاء أخطائه الكارثية.
كان أعوان الحالة المدنية عبر مختلف بلديات ولاية أم البواقي ال29، لأسباب مختلفة، قد ارتكبوا أخطاء متعددة والتي تم اكتشافها مؤخرًا، بعد اعتماد النظام البيومتري، حيث التمس المواطنون، وفقًا للقانون، من وكلاء الجمهورية لدى محاكم الاختصاص الابتدائية وبعد إعداد ملفات كاملة ومرهقة، العمل على تصحيح الخطأ الإملائي من طرف مصالح المؤسسات الاستشفائية العمومية أثناء تسجيل المواليد الجدد من طرف أعوان المكاتب والمصالح من الشبان المدمجين في إطار الشبكة الاجتماعية، وذلك خلال عملية نقل المعلومات في الوثائق الرسمية الواردة إليها إلى السجلات البلدية الرسمية المرجعية.
أخطاء أعوان الحالة المدنية كثيرة ومختلفة، وقد وقفت “الفجر” على جملة من هذه الأخطاء.. دون الحديث عن مشكلة الخط الرديء عند تحرير الوثائق الشخصية، ما يصعب عملية القراءة، مرورًا بالأخطاء في كتابة الأسماء بالحروف اللاتينية، إلى أخطاء
تدوين تواريخ الميلاد والوفاة و الزواج والطلاق. كما شاءت الأخطاء بمصالح الحالة المدنية عبر البلديات إلا أن تزوّج العزّاب و تعزّب المتزوجين، كما قامت بتأنيث الذكور وتذكير الإناث، وبقتل الأحياء وإحياء الأموات.
التحديث والرقمنة الحلّ الأمثل للحدّ من الظاهرة
المختصون أجمعوا ل''الفجر'' أن الحل الأمثل لهذه الظاهرة، التي باتت تؤرق الكثير من المواطنين، يكمن في تحديث هذه المصالح الإدارية ورقمنتها للحد من الأخطاء، إضافة إلى الإعتماد على الكفاءة والمستوى التعليمي، خاصة إتقان القراءة والكتابة، عند توظيف أعوان البلدية المكلفين بعملية تحرير مثل هذه الوثائق الهامة، خاصة منها شهادات الميلاد وعقود الزواج.
وإلى جانب تجسيد هذا المشروع المتمثل في التحديث وإدخال الإعلام الآلي في مصالح الحالة المدنية، والتي تسعى لتحقيقه جميع بلديات ولاية أم البواقي، وقد تمكنت بعضها من تجسيده بشكل فعلي مثل عين مليلة، أم البواقي وعين البيضاء.. فقد باشرت وزارة العدل بعض الإجراءات الاستعجالية قصد الحد من معاناة المواطنين الذين مستهم هذه الأخطاء، حيث أصدرت مؤخرًا تعليمة تنظيمية تُلزم جميع المحاكم عبر الوطن بتجنيد قضاة إضافيين قصد الإسراع في عملية استخراج الأحكام الخاصة بالمواطنين الذين يتقدمون إلى وكيل الجمهورية، إما لتصحيح الخطأ المادي الموجود في اللقب أوالاسم أوتاريخ الميلاد أو الجنس.
.. ومع ذلك أخطاء الحالة المدنية في تزايد مطرد
كشفت الإحصائيات التي بحوزة “الفجر” عن ارتفاع نسب طلبات تصحيح عقود الحالة المدنية بالمحاكم سنة 2010، حيث سجلت ولاية أم البواقي 2200 طلب تصحيح لعقود الميلاد و1500 طلب تصحيح عقود الزواج وكذلك 1300 طلب فيما يخص تصحيح عقود الوفاة. أما ولاية خنشلة فقد سجلت محاكمها الابتدائية الثلاث ارتفاعًا في طلبات تصحيح العقود هي الأخرى، حيث سجلت 3000 طلبًا لتصحيح عقود الميلاد،1200 تصحيح لعقود الزواج و800 طلبًا لتصحيح عقود الوفاة. وتم تسجيل هذه الأخطاء بعد الزيارات التفتيشية التي قام بها وكلاء الجمهورية الذين لاحظوا إسناد مهمات تسجيل عقود الحالة المدنية في بعض البلديات إلى أشخاص معاقين أو لا تتوفر فيهم أدنى شروط ممارسة هذه المهام، ما أدى إلى وقوع أخطاء فادحة في سجلات الحالة المدنية. وبالرغم من أن الحالة المدنية تعتبر رصدًا تاريخيًا واجتماعيًا هامًا، إذ أنها جزء من الأرشيف الذي يعتبر بدوره ذاكرة الشعوب، إلا أن أخطاء أعوانها الفادحة لا تزال في تزايد مطرد ومخيف.
كل هذه الطلبات تتفرع أيضا إلى طلبات تصحيح إداري بحكم بساطة الأخطاء وإلى طلبات تصحيح قضائي عندما يكون الخطأ معقدًا.. فكم من شخص اكتشف أن لقب ابنه يكتب بصورة مخالفة للقبه العائلي الأصلي في شهادة الميلاد عندما أراد تسجيل ابنه للدراسة أول مرة، وكم من مواطن أضاع فرصة عمل بسبب أخطاء مادية جاءت في الوثائق الرسمية. وأجبرت هذه المشكلة العديد من الأشخاص على تأجيل مشاريعهم، وآخرين توفوا ولم يتم تصحيح وثائقهم الإدارية.
وقد ذكر عدد من المواطنين بمدينة عين مليلة المعاناة الكبيرة التي باتوا يتخبّطون فيها على مدار عدة سنوات نتيجة الأخطاء التي تبدو بسيطة، لكنها قد تساهم في حرمانهم من عدة أمور، كالحصول على منصب عمل أو الاستفادة من سكن اجتماعي أو قرض بنكي أو حتى الزواج و السفر إلى الخارج لأداء مناسك العمرة و الحج، أو طلبًا للعلاج بسبب الصعوبات الإدارية التي يلاقونها أثناء تصحيح وثائقهم الإدارية.. حيث يقول (وحيد.ك)، 25 سنة، إن هذه المشكلة أصبحت أكثر تعقيدًا في الوقت الحاضر بعد أن منع الكثيرون من إيداع ملف استخراج جواز السفر البيومتري بالدائرة حتى إشعار آخر في انتظار الحصول على شهادة الجنسية. وذكر (رشيد.ط)،30 سنة، أن الأخطاء الكتابية في أسماء الأشخاص قلبت حياتهم رأسًا على عقب بعد أن أرجأت الكثير من الأمور الشخصية والإدارية لهؤلاء.
كما أجمع عدد من المواطنين ممن مروا بالتجربة المريرة أن عملية التصحيح قد تدوم من شهر إلى سنوات عند وجود خطأ إملائي في لقب الأب أوالجد بشهادة الميلاد، حيث يتحتم عليهم البحث عن شهادة الجد الأصلية وحتى أب جد المعني بالأمر عبر التنقل إلى مسقط رأسهم الذي عادة ما يكون منطقة نائية يصعب السفر إليها.
ويحمّل المواطنون بعض الكتاب الإداريين مسؤولية، ويعتقدون أن المتسبب في الأخطاء الحاصلة بالفروع البلدية فئة من الكتاب الإداريين العاملين بها خلال الحقبة الماضية، والذين ليسوا ضالعين في اللغتين لا العربية ولا الفرنسية.
الجهات القضائية تصحح الأخطاء دون تسليط عقوبات على مرتكبيها
يتساءل المواطنون الذين وقعوا ضحايا هذه الأخطاء الإدارية عن جدوى مجرد قيام الجهات القضائية بتصحيح تلك الأخطاء دون تسليط عقوبات ردعية على مرتكبيها، أواتخاذ أي إجراء آخر لمعالجة السبب الرئيسي، أوتعويض المتضررين جراء الخسائر المادية والمعنوية والمصاريف المالية المترتبة عن حدوث الأخطاء في وثائقهم الشخصية والعائلية الرسمية.
يقول المحامي المعتمد لدى المحكمة العليا، محمد فتح الله، من عين مليلة: “بالرجوع إلى نص المادتين الأولى والثانية من قانون الحالة المدنية نجده يضفي صفة ضباط الحالة المدنية على أشخاص معينين تسند إليهم مهمة تلقي التصريحات بالولادات والوفيات وتحرير عقود الزواج وتسجيلها في سجلات معينة، وهؤلاء هم كل من رئيس المجلس الشعبي البلدي ونوابه والموظف البلدي الذي يفوض لهذا الغرض على المستوى الوطني، أما في الخارج فهم كل من رؤساء المراكز القنصلية و رؤساء البعثات المشرفون على دائرة القنصلية، وهذا وفق ما نصت عليه المادة 01 من الأمر رقم 70/20 المتضمن لقانون الحالة المدنية. ويمثل ضباط الحالة المدنية اختصاصين هما: اختصاص نوعي واختصاص إقليمي.
فالاختصاص النوعي لضباط الحالة المدنية: بمقتضى هذا الاختصاص يكون كل رؤساء المجالس البلدية بصفتهم ضباطا للحالة المدنية مكلفون بالقيام بما يلي:
- تلقي التصريحات بالولادات و تسجيلها في سجلات معدة لذلك.
- تحرير وتسجيل عقود الزواج وفقا لأحكام القانون.
- تلقي التصريح بالوفيات وتسجيلها في سجلات الحالة المدنية المعدة لذلك.
- السهر على الحفاظ و رعاية السجلات المستعملة.
أما الاختصاص الإقليمي: يتحدد هذا الاختصاص وفق دائرة بلدياتهم، فهم وفق الاختصاص الإقليمي مخولون سلطة تلقي وتسجيل وثائق الحالة المدنية وتحرير عقود الزواج والوفاة التي تقع داخل نطاقهم الإقليمي.
وتجدر الإشارة إلى أن ضباط الحالة المدنية عند قيامهم بوظائفهم قد يرتكبون أخطاء، وهنا يكونون إما محل متابعة مدنية وإما محل متابعة جزائية. فالمتابعة المدنية تكون عند ارتكابهم لخطأ أو إهمال أولعدم احترام النصوص المنظمة لسجلات الحالة المدنية وفق نص المادة 29 من قانون الحالة المدنية.
كما تجدر الإشارة إلى أن هذه المتابعة المدنية يكون لها عقاب جزائي، فهي تحرك بناءًا على طلب النيابة العامة أو ممثلها من تلقاء نفسها، أوبطلب من الغير، وتصدر العقوبة من المحكمة المدنية كأصل عام لأن في بعض الحالات تخضع للمحاكم الجزائية، مثل حالة المخالفة المنصوص عليها وفق المادة 441 من قانون العقوبات التي تشير إلى إمكانية معاقبة ضباط الحالة المدنية بالحبس من 10 أيام إلى شهرين، وبالغرامة من 50 إلى 500 دج، أو بإحدى العقوبتين فقط. ونشير إلى أن ضباط الحالة المدنية يخضعون إلى رقابة قضائية و رقابة إدارية.
فأما الرقابة القضائية فإنها مسندة إلى السلطات المخولة للنائب العام بمقتضى نصوص المواد 24 - 25 - 26 من قانون الحالة المدنية فإنه يجب أن يقوم النائب العام بنفسه بمراقبة سجلات الحالة المدنية أو عن طريق ممثليه.
أما الرقابة الإدارية فإنها مخولة لوزير الداخلية والجماعات المحلية، واستنادًا إلى تقدير الوالي الذي يوقّف ضباط الحالة المدنية عن ممارسة مهامهم في حال الحكم عليهم بعقوبة جزائية.
شهادات “ضحايا” الوثائق الإدارية الخاطئة..
حكاياتهم من نوع السهل الممتنع، بسيطة وواضحة، ولكن حلولها مستعصية إن لم نقل مستحيلة في ظل الظروف الراهنة، ولاتوجد إحصائية دقيقة للعدد النهائي لضحايا الوثائق الإدارية الخاطئة بولايتي أم البواقي وخنشلة، لا من قبل البلديات ولامن قبل الهيئات القضائية، ولكن وفق إحصائيات غير دقيقة تحصلت عليها “الفجر” من مصادر قضائية موثوقة، عددهم حوالي 15 ألف شخص أوأكثر.

40 سنة وهو يؤدي واجبه الانتخابي في مكتب اقتراع النساء..!
لعلى الحاج بورقبة سيكمل قريبًا عقده الثامن من العمر، لم يجد أي حرج في تأدية واجبه الانتخابي منذ الاستقلال إلى اليوم في مكتب اقتراع خاص بالنساء في مدينة عين مليلة، بسبب خطأ فادح اقترفه في حقه أحد أعوان الحالة المدنية عندما أضاف حرف التاء المربوطة لاسمه ليصبح حليمة عوض حليم. ولعل ما زاد في تأزيم وضعيته الإدارية هو وضع كلمة “أنثى” عوض “ذكر” في المكان المخصص لتحديد نوع الجنس. رغم محاولاته الحثيثة لتصحيح اسمه وجنسه إلا أنه لم يفلح بسبب بيروقراطية الإدارة الجزائرية التي عشش فيها الفساد حتى العظم، كما قال لنا بكل أسف ومرارة. الحاج بورقبة قال إنه تزوج بعقد عرفي لأن الإدارة الجزائرية منعته من الزواج بالمرأة التي اختارها شريكة لحياته، لأن القانون والشرع يمنعان زواج شخصين من نفس الجنس..!
سمير.. حرموه من الزواج
بسبب خطأ في تحديد جنسه
(سمير.ط)، فتى في ريعان شبابه امتهن الأعمال الحرة في عين الفكرون، ولأنه أراد الباءة فقرر إكمال نصف دينه والزواج بالفتاة التي اختارها، فتقدم لخطبتها على سنة الله و رسوله، وعندما قصد البلدية للقيام بإجراءات عقد الزواج الإداري والرسمي مثلما تقتضيه الأعراف و التقاليد، تفاجأ باستحالة ذلك لأنه أنثى على الورق.. والقانون والشرع في الجزائر يمنعان عقد قران شخصين من جنس واحد. سمير الذي صُدم بذلك قرع جميع الأبواب في محاولة لتصحيح نوع جنسه الموجود في الدفتر العائلي وشهادة ميلاده، لكن لا حياة لمن تنادي..
جمال اتُهم جورًا بالإرهاب بسبب اسمه الخاطئ
حكاية (جمال.ح) البالغ من العمر 19 سنة، والمنحدر من منطقة قرع سعيدة، إحدى أخطر معاقل الجماعات الإرهابية ببلدية عين كرشة في أم البواقي، أثناء العشرية الحمراء - مع اسمه، جد مؤثرة، فذلك الراعي الذي لا يعرف شيئا غير الأغنام و رعيها، ولم يتمكن من ولوج المدرسة بسبب الأوضاع الأمنية الخطيرة خلال فترة التسعينيات، حيث تم حلق المدرسة الوحيدة بمنطقة قرع سعيدة من طرف الإرهابيين. وبسبب الأوضاع الأمنية دائمًا لم يتمكن والده من تسجيله بمصلحة الحالة المدنية بالبلدية التي ينتمي إليها إلا بعد استتباب الأمن في ربوع الوطن، ليُقدم والده على تسجيله بعد أن بلغ من العمر 15 سنة، ولكن عون مصلحة الحالة المدنية بعين كرشة ارتكب خطأ فادحا في اسم جمال لم ينتبه له الجميع إلا بعد أن وقع الفأس في الرأس.. ففي إحدى الأيام قامت مصالح الدرك الوطني بالقبض عليه بتهمة الإرهاب لتشابه اسمه حد التطابق مع المتهم الفعلي، وقد تم الزج به في السجن عن تهمة لم يرتكبها.. ذنبه الوحيد أن اسمه يشبه اسم أحد الإرهابيين. والد جمال حاول المستحيل من أجل إثبات براءة فلذة كبده، ولحسن حظه أنه وكّل محاميا ضليعا في القانون للدفاع عن ابنه، وهو الذي انتبه للخطأ الفادح في شهادة ميلاد جمال ونجح في إثبات براءته. الوالد لم يهضم الخطأ الإملائي في كتابة اسم والده و رفع دعوى قضائية ضد البلدية مصدر الخطأ، لكن لحد الآن، رغم مرور سنتين، لم يتمكن من تصحيح اسم ابنه ولم يتم تسليط أي عقوبة على البلدية المذكورة آنفًا.
تزوّجت وأنجبت بهوية خاطئة وحُرمت من الميراث لذات السبب
خالتي مريم، البالغة من العمر 60 سنة، تزوّجت وأنجبت ثمانية أطفال بهوية خاطئة، والسبب زلة قلم ارتكبها أحد أعوان الحالة المدنية في بلدية مسقط رأسها عين مليلة، فلقبها العائلي الأصلي هو (ناصري) لكن العون البلدي حذف حرف الياء من لقبها ليصبح ناصر. حدث ذلك منذ نصف قرن، كبرت ولكن أهلها لم يتمكنوا من تدريسها بسبب الاستعمار الفرنسي آنذاك، وعندما بلغت مريم سن الزواج تزوجت من أحد أقاربها ودوّن نفس الخطأ الإملائي في عقد الزواج الذي تم تسجيله لدى المصالح البلدية المختصة بعد مرور عدة سنوات، تمكنت فيها خالتي مريم من إنجاب أربعة أطفال تم تسجيلهم جميعهم بنفس الخطأ الذي لم ينتبه له أحد إلى حين وفاة والد خالتي مريم، والذي ترك وراءه أملاكا وأموالا طائلة، وعندما طالبت خالتي مريم بحقها الشرعي من ميراث والدها تفاجأت بوجود خطأ في مجمل الوثائق الإدارية الخاصة بها، وهو ما منعها من الحصول على أموال قالت عنها إنها كفيلة بتزويج أبناءها الذكور الخمسة وتأمين مستقبلهم وتحسين وضعهم المعيشي. أبناء مريم لم يفقدوا الأمل وهم عازمون بذل قصارى مجهوداتهم لأجل أخذ حقهم وحق والدتهم، ولن يتأتى ذلك إلا بتصحيح لقبها العائلي رغم مرور 60 سنة عن حدوث الخطأ.
خالد وُلد سنة 2000 وتوفى سنة 2020..!
هي حكاية غريبة ومضحكة في نفس الوقت، فخالد طفل صغير ولد سنة 2000 بمدينة عين البيضاء ولكن الأقدار شاءت أن يتوفى سنة 2002 بسبب مرض عضال. والده (محمد.ل) قام بإجراءات التصريح بوفاة فلذة كبده كما يقتضيه القانون، لكن العون البلدي المكلف بتسجيل وفاة الطفل خالد ارتكب خطأ غير مسبوق عندما دوّن تاريخ وفاة خالد سنة 2020 التي لم نصلها بعد..! الوالد، مباشرة بعد اكتشافه لهذا الخطأ الفادح، سارع لتصحيحه، وهي العملية التي تطلبت وقتًا زمنيًا طويلاً.. رغم أن المشكلة واضحة وضوح الشمس..
روبورتاج: عمّار قردود
ولاية أم البواقي تسجل 2200 طلب تصحيح لعقود الميلاد و1500 تصحيح عقود الزواج
و1300 طلب تصحيح عقود الوفاة بسبب أخطاء الإداريين غير المتحكمين في اللغتين العربية والفرنسية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.