السيد مزيان يؤكد على أهمية التكوين المتخصص للصحفيين لمواكبة التحولات الرقمية    التجمع الوطني الديمقراطي يبرز دور الجالية بالمهجر في إفشال المؤامرات التي تحاك ضد الجزائر    إعادة دفن رفات شهيدين بمناسبة إحياء الذكرى ال67 لمعركة سوق أهراس الكبرى    الفوز في الحروب التجارية عسير    أفضل لاعب بعد «المنقذ»..    بسبب بارادو وعمورة..كشافو بلجيكا يغزون البطولة المحترفة    لهذا السبب رفض إيلان قبال الانتقال لأتلتيكو مدريد    تربية: إطلاق 3 منصات إلكترونية جديدة تعزيزا للتحول الرقمي في القطاع    انتشار صناعة الأجبان عبر الوطن: نكهات محلية متميزة وأجبان عالمية ببصمة جزائرية    السيد بداري يشرف على تدشين مشاريع ابتكارية و هياكل بحث علمي بقسنطينة    "زمالة الأمير عبد القادر"...موقع تاريخي يبرز حنكة مؤسس الدولة الجزائرية الحديثة    حج 2025 : إطلاق برنامج تكويني لفائدة أعضاء الأفواج التنظيمية للبعثة الجزائرية    وزير الاتصال يشرف على افتتاح اللقاء الجهوي للصحفيين بورقلة    رفع الأثقال/بطولة إفريقيا: ثلاث ميداليات ذهبية ليحيى مامون أمينة    وفاة المجاهد هواري محمد المدعو "العميشي"    الإعلان عن إطلاق جائزة أحسن بحث في مجال القانون الانتخابي الجزائري    وصول باخرة محمّلة ب 13 ألف رأس غنم إلى ميناء وهران لتأمين أضاحي العيد    غزة: ارتفاع حصيلة الضحايا إلى 51495 شهيدا و117524 جريحا    عطاف يشارك في مراسم جنازة البابا فرنسيس    الجمباز الفني/كأس العالم: تأهل ثلاثة جزائريين للنهائي    أكسبو 2025: جناح الجزائر يحتضن أسبوع الابتكار المشترك للثقافات من أجل المستقبل    تصفيات كأس العالم للإناث لأقل من 17 سنة/الجزائر-نيجيريا (0-0): مسار جد مشرف لفتيات الخضر    حج: انطلاق عملية الحجز الالكتروني بفنادق بمكة المكرمة ابتداء من اليوم السبت    إطلاق عملية رقابية وطنية حول النشاطات الطبية وشبه الطبية    بالذكرى ال63 لتأسيس المحكمة الدستورية التركية، بلحاج:    ملك النرويج يتسلم أوراق اعتماد سفير فلسطين    مقتل مسؤول سامي في هيئة الأركان العامة    موجة ثانية من الأمطار في 8 ولايات    المرأة تزاحم الرجل في أسواق مواد البناء    ملتزمون بتحسين معيشة الجزائريين    مداخيل الخزينة ترتفع ب 17 بالمائة في 2024    الدبلوماسية الجزائرية أعادت بناء الثقة مع الشركاء الدوليين    مخططات جديدة لتنمية المناطق الحدودية الغربية    مزيان يدعو إلى الارتقاء بالمحتوى واعتماد لغة إعلامية هادئة    15 بلدا عربيا حاضرا في موعد ألعاب القوى بوهران    60 طفلًا من 5 ولايات في احتفالية بقسنطينة    وكالات سياحية وصفحات فايسبوكية تطلق عروضا ترويجية    متابعة التحضيرات لإحياء اليوم الوطني للذاكرة    اجتماع لجنة تحضير معرض التجارة البينية الإفريقية    إبراهيم مازة يستعد للانضمام إلى بايرن ليفركوزن    الجزائر وبراغ تعزّزان التعاون السينمائي    ختام سيمفوني على أوتار النمسا وإيطاليا    لابدّ من قراءة الآخر لمجابهة الثقافة الغربية وهيمنتها    رئيسة مرصد المجتمع المدني تستقبل ممثلي الجمعيات    الكسكسي غذاء صحي متكامل صديق الرياضيين والرجيم    المجلس الشعبي الوطني : تدشين معرض تكريما لصديق الجزائر اليوغسلافي زدرافكو بيكار    رئيس الجمهورية يدشن ويعاين مشاريع استراتيجية ببشار : "ممنوع علينا رهن السيادة الوطنية.. "    توقيع عقدين مع شركة سعودية لتصدير منتجات فلاحية وغذائية جزائرية    الأغواط : الدعوة إلى إنشاء فرق بحث متخصصة في تحقيق ونشر المخطوطات الصوفية    سيدي بلعباس : توعية مرضى السكري بأهمية إتباع نمط حياة صحي    250 شركة أوروبية مهتمة بالاستثمار في الجزائر    بلمهدي يحثّ على التجنّد    حج 2025: برمجة فتح الرحلات عبر "البوابة الجزائرية للحج" وتطبيق "ركب الحجيج"    هذه مقاصد سورة النازعات ..    هذه وصايا النبي الكريم للمرأة المسلمة..    ما هو العذاب الهون؟    كفارة الغيبة    بالصبر يُزهر النصر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قلما يستطيع الإنسان التجرد من المساوئ والدعاوي
حكمة عطائية
نشر في الفجر يوم 29 - 06 - 2014

يقول ابن عطاء الله السكندري: ”لو انك لا تصل إليه إلاّ بعد فناء مساويك ومحو دعاويك، لم تصل إليه أبداً، ولكن إذا أراد أن يوصلك إليه، غطّى وصفك بوصفه، ونعتك بنعته، فوصلك إليه بما منه إليك، لا بما منك إليه”
ما الفرق بين المساوئ والدعاوي؟
المساوئ تلك المعاصي التي يتورط فيها أحدنا، وتتبعها الطبائع المرذولة، والنقائص والعيوب الأخلاقية المتنوعة، وكل ما لا يليق من الأفكار والسلوكات التي قد تصدر عن الإنسان.
أما الدعاوي، فهي اعتداد الإنسان بما قد يصدر عنه من طاعات ورؤيته لها ثمرة لموافقة جهوده، وتباهيه على الأقران بما يرى أنه متميز عنهم به من المزايا العلمية والأخلاقية والمالية ونحوها.
والذي ينبه إليه ابن عطاء الله في هذه الحكمة، هو أن الإنسان، أياً كان، قلما يستطيع التجرد والتخلص من مساوئه ودعاويه.
فمساوئ الطبائع والعادات المرذولة و الأخطاء السلوكية لا تكاد تنفك عن الإنسان، إذ هو مبتلى دائما بنفسه الأمارة بالسوء، وبوساوس الشيطان التي تجري من ابن آدم مجرى الدم، فهو في عراك معهما دائما، في أحسن الأحوال..فإن استطاع أن ينجو بنفسه من كثير من الآفات لم يأمن أن يصيبه رشاش أنواع من السيئات.
ثم إن الشأن فيه، إن وُفق للخير، وأجرى الله على يديه فضائل الأعمال وتحلى بالخصال الحميدة، أن يُزهى بنفسه، ويرى الفضل في ذلك لصبره وجهوده، وآية ذلك أنه لو قابل من يتجاهل مزاياه هذه ويستخف بها، يرى في ذلك إيذاء وأي إيذاء له، ولربما قابله بالمثل عقاباً له وانتقاماً منه..وآية ذلك أنه لا يشك في نفسه أنه قد سجل لنفسه عند الله من المثوبة والأجر على طاعاته وقرباته، ما يضمن له النعيم المقيم والسعادة الأبدية التي لا تشوبها غصة، وهو إن لم يصل إلى درجة اليقين بأنه سينال ذلك، لا يقصر في طلب ذلك من الله تعالى عوضاً عن طاعاته وقرباته التي استجاب له بها.
فالشأن في الإنسان أن يكون عرضة للوقوع في الأخطاء والمحرمات، فإن أصلح أمره واستقام على النهج القويم فالشأن فيه إذن أن يمتع نفسه بالدعاوي العريضة، وهو في كلا الحالين متنكب في نقائص وعيوب خطيرة، ولعلّ هذا من بعض ما يدل عليه قول الله تعالى: ”وخُلِقَ الإنْسانُ ضَعيفاً”(النساء)وهو داخل في صريح قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ”كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون”(رواه أحمد والترمذي والبيهقي في السنن..). فإذا توقف وصول الإنسان، إذن، إلى الله، بقبوله له والرضا عنه، على التخلص من هذه النقائص التي هي من شأنه، والتي تظل لاصقة به، فإنه لن يصل إليه أبداً، لأن وصوله إليه متوقف، والحالة هذه، على مالا قبل للإنسان به، ولا قدرة له عليه. ولكن الله عز وجل، إذا أراد أن يوصلك إليه، أي بقبوله لك وبرضاه عنك ستر نقائصك بما يقابلها في ذاته العلية، من صفات رحمته ومغفرته وعفوه، وغناه عنك؛وستر دعاويك بما يقابلها في ذاته العلية من كرمه وتفضله عليك، وإن كنت لا تستحق شيئا من ذلك على وجه الأجر والتعويض. فوصولك إلى الله عز وجل، ليس باستحقاق صاعد منك إليه، إنما هو بتفضل هابط منه إليك، وتلك هي الحقيقة التي أوضاحها وأكدها رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قال: ” سددوا وقاربوا وأبشروا، فإنه لا يُدخِلُ أحداً الجنة عملُه، قالوا ولا أنت يا رسول الله؟قال: ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله برحمته”. ثم إن هذا الذي يقرره ابن عطاء الله، مما يدلّ عليه صريح القرآن والسنة، مثار لبعض الإشكالات. الإشكال الأول: أن الذي يغلب على الظن أن في عباد الله من يسارعون في الخيرات دون أن يروا لأنفسهم أي فضل في ذلك، وينهضون بما افترضه الله عليهم بل بما استحبه لهم أيضاً من النوافل دون أي دعاوٍ يدَّعونها فهل يدخل هؤلاء في عموم من وصفهم ابن عطاء الله بأصحاب المساوئ والدعاوي؟
والجواب: أن الشأن في الإنسان أن يكون كما قال ابن عطاء الله، أي هذا هو الغالب على أحواله، وهذا من قبيل قول الله تعالى: ”إنَّ الإنسانَ لربِّه لكَنُودٌ، وإنَّهُ على ذلكَ لشهيدٌ، وإنَّهُ لِحُبِّ الخَيرٍ لشديدٌ”
(العاديات) أي أن الغالب على حال الإنسان أن يكون على هذه الشاكلة..فلا جرم أن في الناس من قد تحرروا من هذا الوصف.
إن الشأن في حال الصديقين والربانيين من عباد الله تعالى، أن تذوب مساوئهم في ضرام عبوديتهم لله تعالى، وأن يكونوا رقباء على أنفسهم من أن تنحرف إلى أي سوء، ومن أن تحدث نفس أحدهم صاحبها بأي سوء..والشأن فيهم أن يكونوا، مع ذلك، متجردين عن الدعاوي كلها، لا يرون من أحوالهم إلا دلائل التقصير في أداء حقوق الله، والانهماك في حظوظ النفس وأهوائها؛وإنك لا تجدهم خائفين من سوء المصير، بدلا ً من الاستبشار بما قد ادُّخرَ لهم من المثوبة والأجر..
الإشكال الثاني: أن هؤلاء الذين يغلب عليهم الوقوع في المساوئ مع الاعتداد بما يوفقون إليه من طاعات، قد يريد الله أن أن يتلطف بهم فيوصلهم إليه، وقد لا يريد لهم ذلك.. فمن هم الذي يريد الله أن يتلطف بهم ويوصلهم إليه بتغطية مساوئهم بصفات رحمته، ومن هم الذين لم يرد الله لهم هذا اللطف والإكرام؟وما هي جريرة هؤلاء الذين لم يرد الله لهم التجاوز عن مساوئهم والتفضل عليهم بالصفح والغفران؟
والجواب: عن هذا الاشكال يتم بتقريرين اثنين:
أولهما: أن لله أن يصطفي من عباده للرحمة بهم والصفح عن ذنوبهم ما يشاء، وأن يكل منهم إلى ما يستحقه من المقت والعذاب، من يشاء، وليس في ذلك شائبة ظلم منه، جل جلاله لأحد كيف لا وهو المالك الحقيقي لهم جميعاً، وللمالك أن يتصرف بملكه كما يشاء..
ثانيهما: أن الله كتب على نفسه الرحمة لعباده تفضلاً منه عليهم، وإحساناً منه إليهم.ومن مظاهر تفضله عليهم أنه فطرهم، منذ أن خلقهم، على فطرة الإيمان به، وعلى الخضوع لمشاعر العبودية له، وعلى الحنين والالتجاء إليه، وصدق الله قائل: ”فأقِمْ وَجْهَكَ للدِّينِ حنيفاً فِطرَةَ اللّه التي فَطَرَ النّاسَ عَليها”(الروم) وبهذا يتضح أن الذين قضى الله أن يزجهم في الضلالة، فإنما هم أولئك الذين بدؤوا فأعرضوا عن نداء الفطرة الكامنة بين جونحهم، وآثروا الاستكبار على الإصغاء إلى حديث العقل وتذكرة الخطاب الإلهي، ثم أصروا إصرارهم على الاستمرار في استكبارهم على الرغم من النذر الرانية التي تقرع أسماعهم، فهؤلاء هم الذين قضى الله بأن يضلهم وهم المعنيون بقوله عز وجل: ”ويعذّبُ مَنْ يشاءُ”..
الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.