قطاعنا مؤهل لوضع تجربته الرائدة في خدمة الدول الإفريقية    توقع ثلاثة عقود بقيمة 60 مليار دج مع عدة مؤسسات وطنية    زيتوني يترأس اجتماعا هاما بوزارة التجارة الداخلية    "اضطراب ما بعد الصدمة في المجتمع الإسرائيلي 2/2    المجتمع الدولي خذل الفلسطينيين في غزة    بوغالي يترأس بالقاهرة أشغال الدورة 39 للجنة التنفيذية للاتحاد البرلماني العربي    قويدري يستقبل سفير تنزانيا    حرقة الأطفال .. منحى جديد للمغامرة الخطيرة    مُصنِّعو قطع الغيار يراهنون على التكامل    600 جهاز جديد    موقع إسباني يفضح خيانة المخزن    هكذا تحوّلت غزّة إلى مقبرة جماعية    حضارة فيلو صهيونية    درّاج جزائري يتألق في تونس    التأهّل إلى المونديال يتأجّل    حجز مُحرّكات بغرداية    سعداوي يؤكد أهمية تحيين البرامج التعليمية والتكوينية    فتح 6770 منصب في التكوين المهني بخنشلة    بللو يشرف على ورشة دولية    وزير الخارجية الصحراوي يثمن مخرجات قمة أفريقيا-مجموعة الكاريبي وتجديدها لدعم حق الشعوب في تقرير المصير    تصفيات كأس العالم 2026: الجزائر تتعادل أمام غينيا (0-0)    بوغالي يعزي في استشهاد العريف أول المتعاقد عماري سيف الدين    اتفاقيات ب300 مليون دولار بين مؤسسات جزائرية وإفريقية    توقيع عدّة اتفاقيات في مجال النّقل البحري    التأهل إلى المونديال يتأجل وبيتكوفيتش يثير الحيرة    الجزائر-أوغندا.. تسهيل الإجراءات الجبائية والجمركية    الفريق أول شنقريحة يعزّي في استشهاد العريف الأول المتعاقد عماري سيف الدين    الجمعية الوطنية تصوّت على حجب الثقة عن حكومة بايرو    المؤسّسات الروسية مهتمّة بالاستثمار في الجزائر    وزارة التعليم العالي تفرج عن رزنامة تحويل الطلبة    حجز 20 قنطارا من "الشمة" المقلّدة    رقابة مشددة على الأسواق المحلية    تفعيل آلية تقديم طلبات تحويل التلاميذ    إبراز القيم الإنسانية والفكرية للأمير عبد القادر    القراءة تندثر في زمن الرقمنة    ورشة دولية بالجزائر حول ملفات التسجيل ضمن قائمة التراث العالمي الخاص بمنطقتي إفريقيا والدول العربية    دراجات جبلية: عمر زقاي يتوج بالفضة في طواف الرأس الطيب    ارتفاع في درجات الحرارة وأمطار رعدية اليوم وغدا بعدة ولايات من البلاد    بطولة إفريقيا للأمم لكرة اليد أقل من 19 سنة إناث: الجزائر تفوز على مالي (39-16) وتحقق انتصارها الثاني    الجزائر-موزمبيق: التزام بتعميق الِتعاون الثنائي وتمسك بتقاليد التضامن التاريخي المشترك    انهيار غير مسبوق للأخلاق وارتفاع رهيب في الجريمة    الجزائر تفرش بساطها السياحي لضيوفها من القارة    قطاع الصيدلة سيشهد توقيع عقود بقيمة 400 مليون دولار    تجسيد برنامج تمويل المشاريع الموجّهة للشباب    الوفد الجزائري لألعاب القوى يحلّ بطوكيو    عقود ب400 مليون دولار في الصناعات الصيدلانية    مرحلة جديدة من أشغال الريادة والاستكشاف بموقع "مرسى الدجاج"    9 بلدان تحجّ إلى مدينة الجسور للمشاركة في المهرجان الدولي    هلاك شخص في اصطدام شاحنة بسيارة    قصة ثمرة صغيرة صنعت هوية مدينة    هذه دعوة النبي الكريم لأمته في كل صلاة    شراكة بين "صيدال" وشركة "أب في" الأمريكية    الإعلان عن قائمة الوكالات المؤهلة    اجتماع عمل تقني بين قطاعي الصناعة الصيدلانية والصحة    الإسلام منح المرأة حقوقا وكرامة لم يمنحها أي قانونعبر التاريخ    المولد النبوي يوم الجمعة    يوم الجمعة الموافق ل 5 سبتمبر القادم    ذكرى المولد النبوي الشريف ستكون يوم الجمعة الموافق ل 5 سبتمبر القادم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رواية "إرهابيس" لعز الدين ميهوبي
نشر في النصر يوم 24 - 02 - 2014


متخيل الإرهاب أو تحالف قوى الفناء
د- وليد بوعديلة- جامعة سكيكدة
يقترح الكاتب عز الدين ميهوبي على القارئ رواية تتشكل من مدينة افتراضية تجمع الكثير من الإرهابيين المشهورين في العالم ومعهم الزعماء والقادة الديكتاتوريين عبر التاريخ، ومن هنا نحتاج لمفاهيم الدراسات الاجتماعية والانتروبولوجية لدراسة رواية "إرهابيس" الصادرة عن دار المعرفة نوفمبر 2013 .
يمكن ان نعتبرها رواية ملحمة الإرهاب، لأنها تجمع الكثير من الملامح التاريخية والثقافية والاجتماعية لمدينة المتناقضات( الفكرية والسياسية) الإرهابية، وهي تنطلق من رحلة بحرية لسفينة تتجه نحو جزيرة دولة إرهابستان ، والسفينة تنقل بعض الصحفيين من دول مختلفة قصد التفاعل مع مؤتمر الزعماء الذين تلوثت أيديهم وضمائرهم بالدم، وكأن الكاتب ينجز نصا يتماهى مع رسالة الغفران لأبي العلاء المعري، وقد صنف الشعراء بين الجنة والنار وأنطقهم في قبورهم وأقام قيامتهم خيالا وفنا.
يقرأ الروائي الآتي بعيون استشرافية، حيث تقوم قيامة متخيلة وفنية لرجال الدم والنار والبطش....، في رحلة سردية تشير إلى كونية الفعل الإرهابي وتعدد أشكاله ومرجعياته وأدواته، مع الإحالة إلى البعد الخصوصي في كل فكرة و ممارسة إرهابية أو تقتيلية، يقول بيان تأسيس دولة إرهابيس:"إننا نحن الذين أعلنا الحرب على عالم مزيف، وشعوب خنوعة، وساسة يمتهنون الكذب و النفاق، وعلى أفكار تقتل حق الإنسان في أن يرفض ويقول لا...،قررنا هجرة هذا العالم الموبوء وبناء عالم مختلف أسميناه على بركة الله لرهابيس، يلتقي فيه القاتل من أجل لقمة العيش والمؤمن من أجل فرض شرع الله والثوري من أجل اقتلاع أنظمة فاسدة، والديكتاتور الذي يرى القوة سبيلا للاستقرار، والمتاجر بالسلاح والمخدرات لتحقيق أمنية الموت في الجحيم..."(ص20).
إنه بيان تحالف مافيا السلاح و السياسة والدين، ووفاق قوى الظلامية والشر والمخدرات، كل ذلك "على بركة الله"، مع اختلاف معنى البركة وسيمياء الله، بمعنى أن الروائي يشكل بناء لغويا دمويا يعيد تشكيل وبناء العالم الدموي الحقيقي، فيتحول المتخيل إلى فضاء دلالي لتحرك عناصر وأدوات متخيلة مستمدة في عمقها من فجيعة الواقع، وقد تكون المدينة افتراضية، لكن التجارب التاريخية علمتنا أن متخيل اليوم هو خطوة لحقيقة الغد، والفن –في روحه وجوهره - استشرافي تنبؤي، ولنتذكر رسائل الهوى لعنترة عبر النسيم كيف تحولت – في عصر الثورة التكنولوجية-إلى رسائل تبث عبر الهاتف النقال، وما المانع أن تجد الأجيال القادمة مدنا بل دولا بكاملها تجمع قوى الشر و القتل والتخريب وإلغاء المختلف؟
بل ألا توجد ملامح لبدايات تشكل جماعات إثنية وثقافية ومالية ودينية وسياسية في العالم المتقدم او المتخلف، تجمعها المصلحة وفقط، وتحركها شهوة المال والأيديولوجية؟؟ ، فتتحالف ضد شهوات مغايرة لها، تحت غطاء متعدد وتبريرات مختلفة، فيتحول السلم إلى حرب والاستقرار إلى فتنة...
تقول الرواية عن رجال المدينة الافتراضية:" الثوار والقتلة والديكتاتوريون وزعماء المافيا وتجار السلاح والكوكايين كلهم هنا، يعيشون في وئام ويتعاملون باحترام وهو أكثر ديمقراطية"(29).
لقد لاحظنا ان الروائي ينجز ملحمة الإرهاب عبر دلالات التناقض بين مواقف الإرهابيين والثوار، وتجلى هذا في كثير من الفصول، حيث يطلق المبدع أسماء الشوارع والمحلات والأغاني.. في سياق سردي ملحمي يكثف الكثير من المعلومات والأفكار والأخبار والوقائع، من الماضي والحاضر، من التاريخ البعيد والقريب، من حضارات ودول الشرق والغرب...
ونقرا فيه مشاهد الوصف ولحظات الحوار والانتقال الزمني والنزوع الشعري والخطاب السياسي والتأمل الصوفي، والتأريخ للأحداث الإرهابية( انظرص42 مثلا)، ف"إرهابيس"-باختصار- هي نص مفتوح عابر للأجناس الأدبية ومنفتح على الفنون.
يعتمد الكاتب تقنية الإلصاق كثيرا ، إذ نجد أخبار الصحف والنشرات الإخبارية ، كما نجد بيانات وخطب الزعماء والقادة(هتلر، بن لادن، القذافي، صدام، كاسترو، تشي غيفارا....)، وكلها تؤكد التداخل الفكري والسياسي في هذه الدولة المتخيلة، بل قد يلتقي القاتل والمقتول في بعض المشاهد، كما تلتقي المتناقضات، نقرأ هذا المشهد أثناء زيارة الصحفيين لمكتبة إرهابيتان:" وصلنا المكتبة ذات الباب الخشبي الكبير، كان يقف على المصراعين مسلحان، أحدهما يدخن والثاني يحمل مصحفا صغيرا ويتلو سورة الكهف بصوت مسموع"(ص51).
يتحول النص الملحمي الإرهابي إلى وثيقة تؤرخ لتاريخ الأفكار والسياسات والانقلابات والثورات، وإذا تأملنا ما يسميه السارد كتاب "الاثم والغفران" في نصه نجد أن اللغة والمعنى يأتيان من عوالم أسطورية ودينية يتفاعل فيها الروحي مع المادي، السماوي مع الأرضي، الغيبي مع الحقيقي... وكأنها نصوص من الزمن الهندي او الفارسي او الصيني القديم البعيد.
و يمكن ان نقول –من منظور البحث في سوسيولوجيا الكاتب- أن عز الدين ميهوبي قد تعب كثيرا لكتابة الرواية، تعب ذهنيا وجسميا، وأصابه الأرق و وجع الرأس، وتصارع في فكره الشك واليقين، لقد تعب و سيتعب القارئ معه، وهذا هو المبدع الحق و هذا هو النص الناضج الخالد.
ومن علامات تعب القراءة أن القارئ يدهش أمام تلاحق البنى السردية، ويدخل دوامة فكرية يبحث عن السردي المتخيل والسردي الحقيقي، كما يضيع بين ملامح الإرهاب الهمجي والنضال الوطني الثوري الشريف.
لقد عانق عز الدين المبدع ميهوبي السياسي- المفكر عندما اقترب من المرجعيات التي أسست بعض الجماعات(مثل أفكار التطرف الإسلامي ،انظرص70 وما بعدها) وأشار إلى جزائر التسعينات واغتيال بوضياف، وقدم عرضا لأفلام تحدثت –عبر العالم- عن الإرهاب والمقاومة، ولعل ما يحسب للرواية أنها نبهتنا إلى أهمية ظهور علم نفس الإرهاب قصد كشف خبايا وأسرار العالم الداخلي لهذا الإنسان(مع التحفظ على هذا الوصف لأسباب اجتماعية ودينية) ، ثم تأتي التحاليل الأمنية والسياسية فبما بعد.
تتساءل القراءة:-لماذا لم يوظف الكاتب(من خلال الراوي أو غيره)مقولات الإرهاب الجزائري؟-ألا يملك نصوصا او رسائل لصناع الإرهاب الجزائري؟- ألا يعتبر الكاتب-السارد حكاما جزائريين من المستبدين؟-هل أن انتماءه للسرايا يجعله متحفظا حتى لو كان داخل فضاء سردي متخيل؟ لماذا لم يستعن بالتلميح للاقتراب من زعمائنا وهي تقنية ترميزية معروفة في الإبداع الأدبي؟ وهو الذي استعمل التصريح مع القذافي وصدام وغيرهما من الزعماء؟ وماذا عن الاستبداد الخليجي؟ ...هي أسئلة وليد القارئ وليس بوعديلة الإنسان؟
في الأخير:
ولعل أهم مسالة أحالنا عليها ميهوبي هو الاستفهام عن المراجع والنصوص والوثائق الفكرية والدينية والأمنية من أرشيف الزمن الإرهابي في الجزائر، وهي مهمة للباحثين المؤرخين وللفنانين وعلماء الاجتماع لتفسير ما حدث، وهي مهمة للأجيال القادمة لكي تعرف قيمة السلم والأمن والصلح وضرورة التغيير الديمقراطي والتداول السلمي ودور كل هذا في التنمية الاقتصادية والسلم الاجتماعي.
هي رواية عن عالم افتراضي، تتأسس على ثقافة كبيرة ومرجعيات عديدة، تقدم كل ما هو فكري وتاريخي وديني وسياسي ، هي ملحمة متخيل الارهاب أو متخيل تحالف قوى الفناء في العالم، نحن ننصح بقراءتها لما فيها من قوة اللغة وعمق المعرفة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.