حنون تشرف على لقاء جهوي    الجيش الوطني يستفيد من مرافق صحّية جديدة    مذكرة تفاهم بين الأمن الوطني ووزارة داخلية بريطانيا    لاناب ترعى مسابقة وطنية ودولية    طلبة.. مُبتكرون    قطاع المحروقات حقّق نتائج معتبرة    الصهاينة يتوحّشون في الضفّة    الثوابتة: الجزائر سند حقيقي    أربعة مبادئ حاكمة ترسم مستقبل غزة    الخضر مُطالَبون بتجنب الكوارث الدفاعية    طموح كبير لدورفال    هؤلاء أبرز المرشحين لجوائز الأفضل من فيفا    السيطرة على النيران والتكفّل بالمتضرّرين    إحصاء العائلات الحرفية المعوزة    مشاركة جزائرية في الأبطال الخمسون    وزير الصحة يبرز جهود القطاع    تعزيز التعاون الجزائري–القطري في مجالات العمل والضمان الاجتماعي    تعاون جزائري–فيتنامي على أعتاب مرحلة جديدة بفضل زيارات رفيعة المستوى واتفاقات مرتقبة    أولمبياد المهن 2025... منصة وطنية لترقية الكفاءات التقنية ودعم الشباب    مدير المدرسة العليا للذكاء الاصطناعي: الجزائر تسرّع تنفيذ استراتيجيتها الوطنية بدعم البنى التحتية والكفاءات    سوريا : إصابة امرأة بانفجار منزل بدمشق وسط استنفار أمني    كولومبيا : اقتناء طائرات حربية سويدية بقيمة 4,3 مليار دولار    تكريم الفائزين في الطبعة الخامسة من المسابقة الأدبية الوطنية "أم سهام" للقصة القصيرة    انطلاق الطبعة الثامنة للملتقى الوطني للقراءة ببسكرة تحت شعار "القراءة وعي يصنع التغيير"    إيران : الحرس الثوري يؤكد احتجاز ناقلة نفط في الخليج    خنشلة : فرقة التفويضات القضائية و فرقة البحث و التدخل تنظم عملية شرطية و توقف شخصين مبحوث عنهما    توقيف شخص تورط في قضية سرقة    الدولة الجزائرية اجتماعية بامتياز ..؟ !    والي باتنة يفتح صدره لها وأول اهتماماته"دار الصحافة "    بريد الجزائر يحذر زبائنه من تلاعب المحتالين    ضرورة اعتماد سياسة حديثة وإنشاء ملاجئ للحيوانات الضالة    السيدة بن دودة تشرف على افتتاح المهرجان الدولي للفيلم القصير    افتتاح الطبعة الأولى لجائزة وادي ريغ الوطنية للأدب والتاريخ    حركة تنموية استثنائية بولايات الجنوب    هكذا تمارس "الخدمات الإلكترونية".. والحبس للمتلاعبين بالمعطيات الشخصية    تكامل جزائري- أممي للحفاظ على سيادة ليبيا    ضمان استدامة الخدمات الحيوية    ارتفاع نسبة اكتشاف حالات السرطان    اكتشفت سليماني ومحرز وهذا سر تعلقي بالجزائر    الترجي التونسي يدعم بلايلي ويؤكد بقاءه مع الفريق    عروض فرنسية وألمانية للمهاجم أمين شياخة    خدمة قضايا المجتمع وتحسين جودة الحياة    يوم تكويني حول الخدمات النفسية في الأزمات والكوارث    فيانسو يرسم جسور الإبداع السينمائي    بحث سبل بناء منظومة متكاملة    ملامح جيل يتشكّل في تيميمون    إقبال كبير على محلات بيع الأعشاب لتفادي أمراض الشتاء    دعوة إلى تعزيز حملات التوعية والكشف المبكر    إبراز قدرات الجزائر ودورها في تعزيز الإنتاج الصيدلاني قاريا    بلمهدي يزور معرض الحج    بحث سبل تعزيز التعاون الجزائري-الأردني    الطبعة الرابعة لنصف مراطون "الزعاطشة" ببسكرة    عبد الرحمان بن عوف .. الغني الشاكر    غنى النفس .. تاج على رؤوس المتعففين    فتاوى : واجب من وقع في الغيبة دون انتباه وإرادة    دعاء في جوف الليل يفتح لك أبواب الرزق    مؤسسة Ooredoo تبرم شراكةً رسميةً مع نادي مولودية وهران    تحذيرات نبوية من فتن اخر الزمان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ومتى كانت الفروسية ترحل عن هذه الدنيا؟
نشر في الجزائر نيوز يوم 19 - 07 - 2010

ليست الفروسية جوادا مطهما ومهمازا وسيفا بتارا فحسب، بل هي أيضا فكر يشق حجب الجهل والجهالة· وأحسب أن الدكتور عبد الله شريطئ فارس بالمعنى التراثي الأصيل وجنتلمان فكري في زمن صار يضيق بكل من يشتغل بالفكر·
من الشعر إلى الفلسفة إلى الترجمة إلى الجدال الفلسفي الجميل، ذلكم هو الدكتور عبد الله شريط·
عرفته شاعرا في ديوانه الشعري الوحيد، على ما أعلم، وأعني به (الرماد)، فهو كأي باحث عن الحقيقة في هذا الوجود وفي أعمق أعماق نفسه، بدأ شاعرا ينطوي على الكثير من الرومانسية ومن الوطنية· وكيف لا يكون رومانسيا وقد اطلع على التراث العربي وعلى عيون الشعر العالمي في فترة زخارة موارة بالوطنية وبالاندفاعات القومية مشرقا ومغربا؟
وعرفته مترجما نقل عددا من التحف الفكرية الأوربية، أي تلك التي تشغل بال كل من يهيم عشقا بالفكر، وفي منطقة جغرافية عانت الأمرين من وطأة الاستعمار الفرنسي· ولطالما، وأنا طالب في كلية الآداب، قسم الترجمة، خلال ستينات القرن المنصرم، عقدت ما يشبه المقارنة بينه وبين ما أنجزه الدكتور طه حسين في مضمار الترجمة، خاصة حين نقل رواية (القدر) لفولتير، و (أوديب) لأندريه جيد· وبالفعل، فقد نقل الدكتور شريط رواية (مذكرات الماجور طومسون) لبيير دانينونس َََُّىَف مْْمىذ، إلى اللغة العربية بأسلوبه الذي يجمع بين الجملة التراثية والجملة العربية الحداثية إن صح التعبير· وكان في ترجمته هذه مبدعا حقا لأنه عمد إلى ما يشبه الصياغة الجديدة لهذه الرواية· ثم إنني عقدت نفس المقارنة بينه وبين الشاعر المصري الراحل صالح جودت، حين نقل رواية (العجوز والبحر) رائعة إرنست همنغواي إلى اللغة العربية· كل ذلك، وأنا أسعى باحثا عن قدرات الترجمة في المجال اللغوي وفي المجال الفكري· وقد خلصت يومها بيني وبين نفسي إلى القول إن الدكتور شريط عرف كيف يزاوج بين الترجمة من حيث هي ترجمة، أي قدرة على الفهم والتذوق، ثم قدرة على الصياغة ، وبين التفكير الرصين، ذلك لأن الترجمة الجيدة لا يمكن إلا أن تؤدي إلى انتهاج تفكير منطقي في الذات وفي اللغة وفي جميع ما يحيط بالإنسان· فكيف لا يكون الدكتور شريط هذا الإنسان بالذات؟
وعرفته فيلسوفا بالمعنى الذي ترسخ في أذهان الناس منذ أن عرفوا ما الفلسفة· يكتب المقالة، ويحسن التحدث إلى أقرانه من أهل الفكر وإلى طلبته بوجه أخص بالرغم من أنني لم أتتلمذ على يديه، وإنما عن طريق ما زرعه من أفكار في الصحف وفي الكتب، وفي الإذاعة وفي التلفزيون· والذين لهم أدنى صلة بالتفكير الفلسفي يذكرون ولا شك صولات الدكتور شريط وجولاته الفكرية في التلفزيون إلى جانب الأستاذ المؤرخ محمد الميلي والدكتور عبد المجيد مزيان في الحصص التي كان يبثها التلفزيون الجزائري في نهاية الستينات وخلال سبعينات القرن الفائت· كلام سهل يصل إلى العقول دونما صعوبة، ومنطق أكاد أصفه بالسهل الممتنع حين يبحر في تضاعيف هذه النظرية أو تلك الفكرة·
ئوليس هناك أدنى شك في أن الدكتور شريط من أبرز المشتغلين بالفكر الخلدوني إلى جانب قرينه الجزائري الدكتور عبد المجيد مزيان والفيلسوف المغربي الدكتور عبد العزيز الحبابي والمفكر المصري الدكتور علي عبد الواحد وافي وغيرهم· ولما كان مهتما بتكوين الإنسان في المقام الأول، فإنه بذل جهده لكي يصوغ الفكر الخلدوني في جانبه الأخلاقي، بل وناقش أطروحة الدكتوراه في هذا الشأن· وقد تسنى لي ذات مرة في مطلع السبعينات أن أحضر إلى جانبه اجتماعا مع أحد مناضلي حزب جبهة التحرير الوطني حول تكوين الإنسان الجزائري، وما كان منه سوى أن أفحم المجتمعين بضرورة الاعتناء بالإنسان أولا بأول قبل تركيز الاهتمام على الجوانب المادية في البناء الاجتماعي· من يدري، لعله أراد بذلك أن يعارض بطريقة مهذبة النزعة السياسية السائدة أيامذاك التي تقول إن توفير المحيط المادي يؤدي إلى الارتقاء بالإنسان تلقائيا·
وعرفته أيضا مفكرا مهتما بتاريخ وطنه· وقد وضع بالفعل كتابا عن تاريخ الجزائر مع زميله الأستاذ محمد الميلي، وكنت أتمنى أن يواصل معالجة بعض القضايا التاريخية الوطنية بأسلوبه الرائق الشيق· ذلك أن الدكتور شريط، وأنا مقتنع بهذا الأمر، ما كان في حاجة إلى استخدام الكلمات الطنانة الرنانة لتأدية ما يريد تأديته على صعيد الفلسفة والتاريخ والترجمة، وإنما كان يكتفي برصيد لغوي معين يعرف قولبته حتى يؤدي هذا المعنى أو ذاك· وقد حضرت أيضا اجتماعا شارك فيه المرحوم عبد الحميد بن هدوقة في اتحاد الكتاب الجزائريين في مطلع الثمانينيات، وكيف انصب اهتمامه على بعض الجوانب العملية في الإبداع الأدبي وذلك بحضور أحد ممثلي هيئة اليونيسكو، فكان شاعرا فنانا في عرضه وفي بسط الحجج·
وعرفته أيضا في صراعه الفكري الأصيل مع الأستاذ مصطفى الأشرف حول مشاكل التربية والتعليم، وكنت أتمنى أن لو جاء طلابه ودخلوا الميدان من أجل مواصلة التفكير في هذا الموضوع· إذ أن التربية ليست بالأمر الذي نوكله لحزب من الأحزاب، أو لشخص من الأشخاص، أيا ما كان مستواه الفكري، وإنما هي قضية مفتوحة على الدوام خاصة في مجتمع ما زال يبحث عن نفسه، وليس عن هويته، وكيف يوفر أفضل الأساليب الحديثة ويزاوج بينها وبين المقتضيات الاجتماعية والتراثية والأهداف التي ينشدها لكي يقف على قدميه بجدارة واستحقاق في هذا الزمن·
عندما دشنت الجزائر مؤسسة العلاج بمياه البحر في شبه جزيرة سيدي فرج، أبديت تخوفي من أن تكون هذه المؤسسة حكرا على بعض ذوي النفوذ في الحكم، لكنه طمأنني بكل تلقائية وكأنه صاحب الأخذ والرد في هذا الشأن: لا تكن متشائما، يا بني، هذه المؤسسة للجميع! وثبت فعلا أن هذه المؤسسة لأبناء الجزائر كلهم حتى وإن حاول بعض المتنطعين الاستيلاء عليها·
وإن كنت ألوم نفسي في علاقتي البسيطة بالدكتور عبد الله شريط، فإنما لأنه كان في وقت من الأوقات طلب مني أن أنقل ديوانه الشعري إلى اللغة الفرنسية· ولم أفعل ذلك لأسباب عديدة أهمها أن الشعر الأصيل هو ذلك الشيء الذي لا ينتقل من لغة إلى أخرى· وما زلت عند رأيي هذا·
فليسكن الله الدكتور عبد الله شريط فسيح جنانه·


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.