في ختام زيارته لمؤسسات تابعة لقطاعه،وزير الاتصال،محمد لعقاب،من وهران: انهينا إعداد مشروع صندوق دعم الصحافة وسنعرضه على رئيس الجمهورية    قالت تحسبا للانتخابات الرئاسية المقرر يوم 7 سبتمبر المقبل: حركة البناء الوطني تنظم ندوة خصصت لشرح خطتها الإعلامية    خلال إشرافه على افتتاح ندوة ولائية للأئمة بتمنراست،يوسف بلمهدي: التوجه للبعد الإفريقي عبر الدبلوماسية الدينية أمرا في غاية الأهمية    نشاط "سيدار" لن يتأثّر بحادث وحدة تحضير المواد والتّلبيد    احتضنته جامعة محمد الصديق بن يحي بجيجل: ملتقى وطني حول دور الرقمنة في مكافحة الفساد والوقاية منه    عطاف يجري محادثات مع الأمين العام للأمم المتّحدة بنيويورك    الجزائر تنجح في تحقيق تأييد دولي "ساحق" لأم القضايا    الجزائر تقدّم 15 مليون دولار لصالح الأونروا    فوكة في تيبازة: افتتاح مركز تحضير النخب الوطنية بمعايير عالمية    اصطياف 2024..فرصة إبراز وجهة الجزائر السّياحية    خلق أزيد من 3000 منصب عمل دائم في المرحلة الأولى من العملية: تسليم قرارات تغيير النشاط وتعديل الشكل القانوني لفائدة المستثمرين بقسنطينة    إيران وسياسة الدفاع الإقليمي في الشرق الأوسط    عميد جامع الجزائر يستقبل المصمّم    أتلانتا يقصي ليفربول من الدوري الأوروبي    هلاك 5 أشخاص وإصابة 175 آخر بجروح    رقمنة السّكن الاجتماعي.. وإطلاق "عدل 3" قريبا    اتّساع حظيرة المركبات يفرض استعمال تقنية الخرسانة الإسمنتية    ارتفاع جنوني في أسعار الخضر بعد رمضان    وزارة الثقافة تقدّم ملف الزّليج لدى اليونيسكو    36 مؤسسة إعلامية أجنبية ممثّلة في الجزائر    لا بديل عن رفع مستوى التّكفّل بمرضى القلب والشّرايين    نعمل على تقليل ساعات انتظار الحجاج بالمطارات ال 12 المبرمجة    حزب التجمع الجزائري يعقد اجتماعا لمكتبه الوطني تحضيرا للانتخابات الرئاسية    الأندية الجزائرية..للتّألّق وتحقيق أفضل نتيجة    حفل افتتاح بهيج بألوان سطع بريقها بوهران    الإدارة تقرّر الإبقاء على المدرّب دي روسي    "الهولوغرام" في افتتاح مهرجان تقطير الزهر والورد بقسنطينة    في إطار دعم الاستثمار: ترحيل استثنائي لعائلين بأولاد رحمون بقسنطينة لتوسعة مصنع    الكشافة الإسلامية الجزائرية تنظم ملتقى حول التنمية البيئية    فايد يشارك في أشغال الاجتماعات الرّبيعيّة ل "الأفامي"    ألعاب القوى/مونديال-2024 / 20 كلم مشي: الجزائر حاضرة بستة رياضيين في موعد أنطاليا (تركيا)    ادعاءات المغرب حول الصحراء الغربية لن تغير من طبيعة القضية بأنها قضية تصفية استعمار    العاصمة.. تهيئة شاملة للشواطئ وللحظيرة الفندقية    هؤلاء سيستفيدون من بطاقة الشّفاء الافتراضية    حصيلة شهداء غزة تتجاوز 34 ألف ومناشدات لتوثيق المفقودين    بجاية: مولوجي تشرف على إطلاق شهر التراث    المهرجان الثقافي الوطني لأهليل: أكثر من 25 فرقة تشارك في الطبعة ال 16 بتيميمون    "صديق الشمس والقمر " تفتكّ جائزة أحسن نصّ درامي    الملتقى الدولي "عبد الكريم دالي " الخميس المقبل..    المجمّع الجزائري للّغة العربية يحيي يوم العلم    وهران.. تعزيز روح المبادرة لدى طلبة العلوم الإنسانية    قطاع المجاهدين "حريص على استكمال تحيين مختلف نصوصه القانونية والتنظيمية"    باتنة.. إعطاء إشارة تصدير شحنة من الألياف الإصطناعية إنطلاقا من الولاية المنتدبة بريكة    انخفاض عبور سفن الحاويات في البحر الأحمر بأكثر من 50 بالمئة خلال الثلاثي الأول من 2024    ليفربول يرفض انتقال المصري محمد صلاح للبطولة السعودية    بلعريبي يتفقد مشروع إنجاز المقر الجديد لوزارة السكن    فلسطين: 50 ألف مصلي يؤدون صلاة الجمعة في المسجد الأقصى المبارك    الإذاعة الجزائرية تشارك في أشغال الدورة ال30 للجمعية العامة ل"الكوبيام" في نابولي    تصفيات مونديال أقل من 17 سنة/إناث: المنتخب الوطني ينهي تربصه التحضيري بفوز ثانٍ أمام كبريات الجزائر الوسطى    تجارة: زيتوني يترأس إجتماعا لتعزيز صادرات الأجهزة الكهرومنزلية    هيومن رايتس ووتش: جيش الإحتلال الصهيوني شارك في هجمات المستوطنين في الضفة الغربية    وزير الصحة يشرف على لقاء لتقييم المخطط الوطني للتكفل بمرضى انسداد عضلة القلب    هذا موعد عيد الأضحى    استحداث مخبر للاستعجالات البيولوجية وعلوم الفيروسات    أوامر وتنبيهات إلهية تدلك على النجاة    عشر بشارات لأهل المساجد بعد انتهاء رمضان    وصايا للاستمرار في الطّاعة والعبادة بعد شهر الصّيام    مع تجسيد ثمرة دروس رمضان في سلوكهم: المسلمون مطالبون بالمحافظة على أخلاقيات الصيام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السلفية في الجزائر .. جينيالوجيا وتضاريس -الحلقة الرابعة-
نشر في الجزائر نيوز يوم 05 - 08 - 2013

وفي الجزائر لعبت الطرق الصوفية دورا محوريا طيلة قرون في ضبط التوازنات الاجتماعية وفي الحفاظ على تواصل الدراسات الدينية وفي نشر الإسلام بإفريقيا وفي حركات التمرد ضد الحكم العثماني وفي الجهاد ضد الإسبان. وكل الانتفاضات والمقاومات التي قامت ضد الإستعمار الفرنسي من 1830 إلى 1916 كان وراءها شيوخ الطرق أو كانت محتضنة من طرفهم. والكثير من قادة وعناصر الحركة الوطنية ارتبطت سيرتهم أو أصولهم بالزوايا كمصالي الحاج وحسين أيت أحمد وأحمد بن بلة ...ورائد
المقاومة ورائد بناء الدولة الجزائرية في التاريخ المعاصر الأمير عبد القادر كان من أكبر رجال التصوف في مستوياته العليا وكان من امتدادات الشيخ الأكبر محي الدين بن عربي والكل يعرف موقف السلفيين من ابن عربي .
يميّز الجابري بين سلفيتين، سلفية وهابية وسلفية نهضوية قادها الأفغاني ومحمد عبده ويقول بأنهما: "تلتقيان في أصل واحد هو محاربة البدع الدينية من طرقية وغيرها، لكن بينما وقفت الوهابية عند هذا "الأصل" جاعلة منه كل شيء في دعوتها مولية وجهها بأكمله نحو الماضي، اعتمدت السلفية النهضوية "أصلا" آخر اتجه نحو المستقبل، وهو "النهوض" لمقاومة الغزو الإستعماري والأخذ بوسائل التقدم الحديثة التي تعتبرها وسائل إسلامية في أصلها". ومن ذكرناهم سابقا من علمائنا ينتمون لهذه السلفية النهضوية وهي أيضا ليست ترسيمة جامدة بل فيها تمايز وتنوع يعكسه الثلاثي الأفغاني وعبده ورشيد رضا، فلو درسنا مسار كل واحد منهم على حدة سنرصد التمايز المذكور. كان للثلاثة المذكورين تأثير كبير على الجزائر، سواء من خلال مجلة المنار أو من خلال زيارة الشيخ عبده للجزائر سنة 1903... ولإضاءة التمييز الذي سبق ذكره أورد الجابري كلام علال الفاسي الذي يقول: "لئن كانت السلفية في باعثها الحنبلي ترمي لتطهير الدين من الخرافات التي ألصقت به والعودة إلى روح السنة المطهرة، فإنها لا تقصد من وراء ذلك إلاّ تربية الشخصية الإسلامية على المبادئ التي جاء بها الإسلام بصفته المتكفل بصلاح الأمة في دينها ودنياها (...) وبذلك فهي تتناول نواحي المجهود الفردي لصلاح المجتمع وتتطلب فتح الذهن البشري لقبول ما يلقى إليه من جديد وقياسه بمقياس المصلحة العامة".
ويفصّل الباحث عبد الرزاق الدواي ذلك فيقول: "السلفية حركة فكرية وإيديولوجية تبحث في الماضي والتراث عن أصول تعتبرها ذات قيمة مطلقة لتؤسس عليها رؤية ذات أبعاد اجتماعية وسياسية، يعتقد أنها قادرة على إعطاء الحلول لكل مشكلات العصر ومن أبرزها الدفاع عن الهوية والتصدي للأفكار المستوردة والغزو الفكري الروحي".
في 1903 زارالشيخ محمد عبده الجزائر وتركت زيارته أثارا وتفاعلت معها النخبة أنذاك. ومحمد عبده تلميذ وصديق الشيخ جمال الدين الأفغاني ولقد شكلا تحولا كبيرا في جميع أنحاء العالم الإسلامي ثم اختلفت توجهاتهما، اختلافا تجلى في توجه عبده بعد محنته عقب ثورة عرابي وهو المسلك الذي انتقده جزائريون من بينهم عمر راسم والمقصود المسلك النابذ للسياسة والداعي إلى مهادنة الاستعمار والتركيز على العمل الدعوي والتربوي وهنا يتقاطع عبده مع ما أصبح يعرف الآن بالسلفية العلمية ومع جماعة التبليغ وبعض المتصوفة، لكنه تقاطع جزئي وليس كلي إذ أن العقلانية بلورها في تفسيره وفي "رسالة التوحيد" وهو ما يجعله من المرفوضين من طرف ما يشتهر باسم السلفية حاليا، كما أن عبده يشكل أحد مراجع الذين قاموا بثورة 1919 في مصر. جاء عبده إلى الجزائر مسبوقا بسمعته منذ عهده مع الأفغاني في مجلة" العروة الوثقى "التي صدرت في باريس عام 1884 وصدر منها 18عددا ثم مجلة المنار التي تركت أكبر الأثر. حظي الشيخ باستقبال كبير في الجزائر العاصمة وقسنطينة وألقى دروسا بالمساجد والتقى بعلماء البلاد كالشيخ عبد الحليم بن سماية الذي كتب قصيدة مدح فيها عبده ونشرتها "المنار" وقامت مراسلة بين عبده وبعض العلماء الجزائريين في مطلع القرن الماضي.
وفي ظل استعمار استيطاني عمل على فصل البلاد عن فضائها الحضاري العربي الإسلامي، لكن الحج وبعثات التعليم ومتابعة الصحف والكتب الصادرة في المشرق أبقت الوصل.
هناك تواصل وقطيعة في نفس الوقت في تيار بدأ بمحمد بن عبد الوهاب وتواصل ليأخذ روافد أخرى مع الأفغاني وعبده ورشيد رضا ثم البنا وسيد قطب والمودودي ثم ما توالى. الأفغاني عرف الوهابية ولحقته تهمة الوهابية ومما يذكر عنه أنه عزم على الذهاب نحو نجد بهدف لقاء قيادة الوهابيين، يقول جب: "إن جهود جمال الدين كانت لها نتائج متينة راسخة.. إذ نشرت في كافة أرجاء البلاد الإسلامية المبدأ الوهابي القائل بضرورة التعلق بالصفاء الذهني وإعادة تأكيد المذهب السني القرآني". وفي سياق هذه التفاعلات وتتويجا لما تراكم جاء إنشاء جمعية العلماء المسلمين الجزائريين عام 1931. الجمعية شكلها علماء ومصلحون، وهي ليست إطارا جامدا لأن أعضاءها لا تماثل بينهم في توجهاتهم ولا في مساراتهم الدراسية و لا في بيئاتهم ولا في مواقفهم سواء قبل الثورة أو أثناءها أو بعدها. والجدير بالذكر أن الوهابية كانت من التهم التي وجهت إلى جمعية العلماء ورد ابن باديس بمقال معنون ب ("عبداويون" ثم "وهابيون" ثم ماذا؟ لا ندري. والله) نشره في العدد الثالث من جريدة "الشهاب" الإثنين 29 ذي الحجة1351). ابن باديس ذكر في مقاله "لما قفلنا من الحجاز وحللنا بقسنطينة عام 32 وعزمنا على القيام بالتدريس" وبين الخطة ومنها تحبيب الناس "في فهم القرآن وندعو الطلبة إلى الفكر والنظر في الفروع الفقهية والعمل على ربطها بأدلتها الشرعية وترغبهم في مطالعة كتب الأقدمين ومؤلفات المعاصرين، ولما قمنا بهذا العمل وأعلناه قامت علينا وعلى من وافقنا قيامة أهل الجمود والركود وصاروا يدعوننا للتنفير والحط منا "عبداويين" دون أن أكون والله يوم جئت قسنطينة قرأت كتب الشيخ محمد عبده إلا القليل فلم نلتفت إلى قولهم" وذكر أنه بعد قضاء عشر سنوات في الدرس لتكوين نشء علمي "رأينا من الواجب علينا أن نقوم بالدعوة إلى الإسلام الخالص والعلم الصحيح إلى الكتاب والسنة وهدى صالح سلف الأمة وطرح البدع والضلالات ومفاسد العادات" فكانت كما يقول: "غضبة الباطل أشد ونطاق فتنته أوسع وسواد أتباعه أكثر" فكانت التسمية التي أطلقت على حركة الإصلاح كصيغة تهجمية "الوهابية" ويقول ابن باديس: "لا والله ما كنت أملك يومئذ كتابا واحدا لابن عبد الوهاب ولا أعرف من ترجمة حياته إلا القليل ووالله ما اشتريت كتابا من كتبه إلى اليوم، وإنما هي أفيكات قوم يهرفون بما لا يعرفون ويحاولون من إطفاء نور الله ما لا يستطيعون وسنعرض عنهم اليوم وهم يدعوننا "وهابيين" كما أعرضنا عنهم بالأمس وهم يدعوننا "عبداويين" ولنا أسوة بمواقف أمثالنا مع أمثالهم من الماضين".
الجمعية جاءت كمحصلة لحركة لم تكن مهيكلة ولكنها كانت قائمة وفاعلة بالدروس والصحف والكتب. الأعضاء المؤسسون درسوا في الزيتونة والأزهر واثنان عاشا بالحجاز "الإبراهيمي والعقبي" والكثير ممن انضموا إليهم كانت لهم نفس المسارات. ومن الجبهات التي نشطت فيها الجمعية محاربة البدع والسعي لإعادة صفاء الاعتقاد، وقامت معارك مع الطرقيين اتخذت أشكالا مختلفة وتركت أثارا لا زالت متواصلة إلى اليوم. وعن الواقع الذي ساد الجزائر يقول الدكتور عبد الملك مرتاض: "فلقد أبتلي الإسلام بانحراف خطير وقع لكثير من المسلمين في معظم البلدان الإسلامية. والجزائر بالذات، شاعت فيها فكرة اقتنعت بها العامة وآمنت بها وأذعنت لها، ومحتواها أن من لا شيخ له، فشيخه الشيطان فكان العوام يعتزون إلى طريقة صوفية منذ الشباب المبكر. أما المستنيرون من الناس كحفظة القرآن الكريم، والملّمين ببعض علوم اللغة العربية، وأصول الفقه الإسلامي، فكانوا هم أيضا ينضوون في الغالب تحت لواء طريقة صوفية ما، وكانوا كثيرا ما يعينون "مقدمين" فكان من الشائع في المجتمع الجزائري يومئذ، ولا سيما في البوادي والأرياف، أن الإسلام لا يتم إلا باعتناق مذهب صوفّي ما" ويذكر الدكتور كيف شن العلماء حربا شعواء على رجال التصوف "بتأليف الكتب الإصلاحية أطوارا، وبكتابة المقالات في الصحف السيارة أطوارا أخرى" وتركزت تلك الحرب على مسالك الشرك كتقديس الأضرحة والتوسل ببشر والذبائح باسم الأولياء واعتقاد نفعهم وضرهم والقسم بهم ...الخ. ويقول الدكتور مرتاض: "ولقد بلغ من فساد العقيدة لدى بعض أهل التصوف من التيجانيين أنهم كانوا يؤمنون بأن "قراءة صلاة الفاتح" أفضل من تلاوة القرآن ستة آلاف مرة، وأن ألفاظ هذه الورد من كلام الله القديم، وأن هذه الصلاة مما علّم النبي صلى الله عليه وسلم لصاحب هذه الطريقة، دون غيره من الشيوخ. وأن مؤسس هذه الطريقة الصوفية أفضل الأولياء طرّا، وأن من انتمى إلى هذه الطريقة دخل الجنة بلا حساب ولا عقاب" ولقد كتب ابن باديس والإبراهيمي والعقبي والتبسي والميلي وغيرهم في الرد وفي توضيح العقيدة الصحيحة ويعتبر كتاب "رسالة الشرك ومظاهره" لمبارك الميلي من أهم ما دوّن أنذاك. يقول مرتاض: "بيد أن تعصب الميلي الشديد لفكرة الإصلاح، جعله يذهب أطوارا مذهب الشطط في أحكامه. وبعض ذلك جعله ينزلق في بعض المواطن من كتابه، فيدخل بعض الظواهر الاجتماعية على أنها من مفسدات الدين في شيء، وإنما هي عادة اجتماعية كان ينبغي للكاتب أن ينظر إليها من هذه الزاوية وحدها" ويشير كمثل إلى رأيه "في تلك التجمعات البشرية التي كان الجزائريون في البدو يعقدونها، ولا يزالون فقد زعم أنها من باب البدع والضلال، وأنها مفسدة للدين". المعركة كانت ضد التحجر وهو ما جعل علماء وأدباء ينتقدون أوضاع المرأة بالحجاز، أي بمنطقة نفوذ الوهابيين، وكتب عن ذلك رضا حوحو في "غادة أم القرى" وهو عاش في الحجاز، كما كتب عن ذلك الإبراهيمي الذي عاش أيضا في الحجاز. والذي ينبغي أن يذكر في هذا السياق أن هناك مواقف لا يمكن أن تفصل عن الملابسات وتشكلت كثوابت عند أمثال المرحوم مولود قاسم أو المرحوم الياجوري بخصوص التصوف، في حين أن الشيخ ابن باديس كانت له مراسلات ومحاورات مع بعض المشايخ وأن عناصر من جمعية العلماء كانت لهم ارتباطات وانتماءات للزوايا كالشاعر محمد العيد آل خليفة والشيخ الأطرش والشيخ المهدي البوعبدلي.
في الحجاز وبالمدينة المنورة تحديدا اجتمع ابن باديس بشيخه حمدان الونيسي وتلقى نصيحة من الشيخ حسين الهندي ملخصها ضرورة العودة إلى الجزائر لأنها محتاجة لعلمه، وفي المدينة تعرف على الشيخ الإبراهيمي وبدأت إرهاصات ما سيبرز عام1931. ولعل الشيخ الطيب العقبي يمثل أحد مجسدي السلفية كما ستتبلور لاحقا، والعقبي هو من مواليد سيدي عقبة أي بلدة عباسي مدني سنة 1890 وفي 1895هاجرت عائلته إلى الحجاز وفي المدينة المنورة بدأ الدراسة في كتاب لتحفيظ القرآن الكريم. ومنذ صغره لاحت عليه علامات تميّزه وفصاحته. وخلال الحرب العالمية الأولى نفي إلى تركيا فقضى هناك أكثر من سنتين وفي 1919عاد إلى الحجاز وأسندت إليه في مكة المكرمة رئاسة تحرير جريدة "القبلة" خلفا لمحب الدين الخطيب، كما أدار المطبعة الأميرية وبعد أن حقق حضورا هناك عاد إلى الوطن ليستقر في بسكرة وتحرك هناك مفعّلا للحركة الإصلاحية ونالته نتيجة ذلك متاعب السجن وكان يلقي الدروس في مسجدي "سيدي منصور" و«بركات" ببسكرة ويكتب في "صدى الصحراء" وفي "المنتقد" ثم "الشهاب"... وفي عام 1927 أنشأ جريدة "الإصلاح". ولما أنشئت جمعية العلماء في سنة 1931 كلف بتمثيلها في الجزائر كلها وأسندت إليه في عام 1935 رئاسة تحرير جريدة "البصائر" وتعرض في سنة 1936 لمحنة بعد اتهامه بأنه وراء اغتيال الشيخ بن دالي فتعرض للسجن ثم ظهرت براءته. في عام 1937 انسحب من رئاسة تحرير البصائر وفي سنة 1938 استقال من جمعية العلماء إثر خلافات مع أعضاء فيها، ومن 1940 إلى 1948 أعاد إصدار جريدة "الإصلاح" وفي 1960 توفي. ولقد أثير كلام كثير عن مواقفه وحمل عليه البعض وقد تصدى تلاميذه ومنهم المرحوم محمد الطاهر فضلاء إلى الرد. الشيخ كان مرابطا في نادي الترقي بالعاصمة منشطا وهو ناد كان يستقطب الكثير من الشخصيات، ذكر الكاتب الصحفي الطاهر بن عيشة بأنه تعرف داخل النادي على شخصيات منها أبو بكر الجزائري.
والشيخ أبو بكر جابر الجزائري الذي هاجر إلى الحجاز سيصبح أحد أكبر علماء السلفيين. وترتبط بالعقبي حركة ربما لها ما يصلها بما يعرف عن السلفية الوهابية، وهي حركة ظهرت في مطلع خمسينيات القرن الماضي بالعاصمة وحملت اسم "حركة شباب الموحدين" وقال رئيسها مصطفى الزبايري: "لقد كان للشيخ الطيب العقبي الفضل الكبير في تأسيس وتكوين هذه المنظمة الشبانية مع مطلع الأربعينيات وكان مقرها بنادي الترقي بالعاصمة" ويقصد الزبايري إرهاصات الحركة لأن حديثه حسب مقال أحمد مريوش يتعلق بشباب المؤتمر الإسلامي في 1936 وقادها الأمين العمودي وضمن حوالي عشرين شعبة وأربعة آلاف عضو، وبخصوص حركة شباب الموحدين فإنها حملت شعار الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتبنت منهج العقبي الإصلاحي وخرجت من الانحصار داخل نطاق العاصمة لتعم الوطن ويقول حسب مريوش أحد أعضائها: "وما جعلت من دعوتها بالتوحيد إلا بعد أن تبينت بهداية مرشدها الأعظم العلامة العقبي وأصحابه الميامين أن تجديد هذه الأمة لا يأتي إلا على هدى منقذ البشرية من الضلالة محمد رسول الله رب العالمين" ويقول مريوش: "ويبدو أن اسم الموحدين يشير إلى مبادئ الحركة الوهابية بل هو الإسم الذي كانت تسمى به حركة محمد بن عبد الوهاب"، لقد حملت حركة نحناح ورفاقه الإخوانيين في سبعينيات القرن الماضي أيضا اسم الموحدين وهو الاسم الذي عرف به أتباع المهدي بن تومرت الزعيم الروحي بل أن دولته حملت إسم الموحدين. ونشرت جريدة "الدعوة" التي كان يصدرها أبو بكر جابر الجزائري مقالات متبنية لطرح الحركة وجاء في العدد الثاني ما يلي: "أن دعوتنا إلى الإسلام تعد حربا على الشيطان، وأننا برسمنا أول كلمة كنا قد أطلقنا الرصاصة الأولى في صفوف أعداء الدعوة. وبذلك فقد أصبح حديث هذه الحرب حديث العامة والخاصة".
وككل حركة استقطبت أنصارا وأثارت مواقف نفور متفاوتة، مواقف حتى من داخل جمعية العلماء التي اختلف مع أعضائها العقبي. الحركة ظهرت في مناخ مشحون وكانت لها إضافة لجريدة "الدعوة" منبرا آخر هو جريدة "اللواء" التي ذكرت في عددها الأول أن "الحركة مصدرها الإسلام" وأن "الاتحاد مصدر كل قوة" ودعت الحركة الشعب إلى الاتحاد في ذلك الظرف المتسم بالتناحر. ويعتبر أبو بكر الجزائري أحد أهم العلماء السلفيين لكنه غادر الجزائر واستقر بالحجاز ورغم ذلك شكل طيلة عقود مرجعا محوريا وكانت كتبه ورسائله ك "منهاج المسلم" من الكتب المتداولة والتي لا يستغنى عنها.
للموضوع احالات


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.